الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج سادية ومستبدة

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


سؤال يتردد دائما على ألسنة وأقلام النخب العربية ومن العامة كذلك في كل البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، وهو لماذا لم تستطع الدول العربية كلها الانعتاق من سطوة التخلف والديكتاتورية والفتن والتخلف والمعاناة على مدى عقود في حين استطاعت دول في افريقيا واسيا، التي تعرضت هي الأخرى للاستعمار الأوروبي كما تعرضت له الشعوب العربية، أن تحقق قفزات نوعية نحو الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي وتحسين معيشة شعوبها؟
أين الخلل؟ سؤال مركزي يجب أن يطرحه على نفسه كل مسؤول وكل مواطن، وأن يتم طرحه قبل أي اصلاح سياسي او اقتصادي او اجتماعي، ففي ظل الإخفاقات السياسية والاقتصادية في عالمنا العربي، يطرح أكثر من مفكر تحليلا للأسباب الرئيسية وراء هذه المعضلة التي تنعكس وكل يوم على سائر شؤون المواطن العربي!!
الاستبداد في وطننا العربي من المحيط إلى الخليج ، ظاهرة نشأت وتراكمت في تاريخنا الممتد قروناً عديدة، ورغم المحاولات التي جرت هنا وهناك تحاول إصلاح نظام الحكم في بعض الأحيان، وتزيينه في معظم الأحيان؛ إلا أن الاستفراد بالحكم والسيطرة عليه وتوظيفه لخدمة مصالح فردية ضيقة، مازال جاثما على صدورنا ، وظاهرا للعيان لا تخطئُه العين المجردة.
ظاهرة لا ينفع معها القول "إن الاستبداد لم يكن حكرا على تاريخ المسلمين"، أو "إن تاريخ الإسلام لم يكن سلسلة متوالية من أنظمة الجور"، أو القول "إن أبشع الاستبداد في تاريخنا إنما هو في هذه العصور التي غدت شرعية الحكم في العالم الإسلامي لا تستمد من الإسلام وأمته، بل من الولاء والتبعية للدول الاستعمارية الغربية
فلقد فشلت الدول العربية منذ تحررهم من الاستعمار الأوروبي في النصف الثاني من القرن العشرين في كل مشاريعهم السياسية، فلا الديمقراطية الليبيرالية ولا الاشتراكية اللينينية الستالنية، نجحت في تحسين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا الديكتاتورية العربية حققت بعنفها وجبروتها وعساكرها وطغيانها نظاما صلبا قادرا على اخراج الدول العربية من التخلف والجهل مثلما فعلت ماليزيا وفيتنام وسنغافورة وحتى رواندا الافريقية وغيرهم.
ولا الثورات العربية استطاعت أن تفرز نظاما سياسيا مخالفا ومغايرا لما سبقه، ومحققا ولو الشيء البسيط من وعود الثورة، ولا يختلف في هذا الواقع السياسي الحزين في الدول الثرية والغنية، كدول النفط العربية، أو دول فقيرة ومعدمة، كما لا يستثنى منه دول ذات حضارات بعيدة في عمقها التاريخي مثل العراق ومصر واليمن والشام، أو دول حديثة النشأة والتكوين. فكلهم في الهم سواء، فكثيرا ما يردد على مسامعنا وخاصة عبر وسائل الاعلام المأجورة واشباه المثقفين بأن الاستعمار الغربي هو المسؤول عن تخلفنا وصراعاتنا العرقية والمذهبية والجهوية والهوياتية ويحملونه المسؤولية الكاملة، وكأن الشعوب العربية هي وحدها التي تعرضت للاستعمار.
تشترك الأنظمة السادية والمستبدة العربية وغير العربية عبر الزمان والمكان في عدة خصائص لا يجد خبراء التحليل النفسي صعوبة في تفكيك كنهها. فمن بين تلك الخصائص جعل مواطنيها مجرد رعايا وأجهزة هضمية غير راشدين لا يحق لهم التطلع إلى أكثر مما يضمن لهم البقاء على قيد الحياة، فهذه الأنظمة تعاملهم كأنهم قطيع في زريبتها أجور متدنية للموظفين البسطاء والعمال لا ترقى إلى ميزانية حيوان في حديقة الحيوانات في الدول الغربية " باستثناء دول الخليج العربي والسعودية ". ومن خصائص هذه الأنظمة الجاهلة المتخلفة والمتغطرسة أيضا، الدوس على الضعيف وعدم احترام حقوقه ومعاملته كلاجئ في وطنه، لا كمواطن له واجبات وعليه حقوق، عدم الاعتراف بغير القوة، الارتياب والتوثب وعسكرة الحياة الاجتماعية، كره رعاياها وإن أحبتهم في حالات نادرة بقدر ما يتيحه شعورها بالسيطرة الكاملة، كره كل غريب منافس، تنقاد للأقوى، في حاجة دائمة إلى كائن آخر يكملها، لكم واسع النظر في إسقاط هذه المقاربة على نظامنا المغدور ذو الماضي المغشوش والحاضر البائس، والمستقبل الغامض المفتوح على كل الاحتمالات، نظام عنيد، يصطنع الدقة، يميل للاستعباد والسيطرة والمراقبة، التظاهر في التحكم في كل شيء، التواجد في كل مكان.
فالنظام السادي يختفي ويتراجع عندما يشعر بالعجز، يتعامل مع رعاياه كالآلات، لا كبشر يفرحون لما يسرهم ويتألمون لما يظلمهم ويسلب حقوقهم وكرامتهم، أغلب رموزه مصابون بانفصام الشخصية، مهووسين بالمنصب وحب الظهور وعبادة الشخصية وإشباع رغبة دفينة في السيطرة الكاملة، لا يستطيعون أن يكونوا أنفسهم، فالطمع والتملق والانتهازية والدسائس والمؤامرات وحب الذات عملة زبائنه وروافده من الزواحف والقوارض الموجودة في محيط النظام وتخومه والتي تؤطر اليوم هذا المشهد البائس للجزائر منذ مطلع الألفية الجارية في جزائر الريوع وتعاونيات المصالح [الأحزاب والجمعيات] أسلحة صراع العصب والسباق نحو الغنائم، يبني قوته على هؤلاء كونهم ماء بطارياته وحاجزه الذي يحتمي به بعد أدوات القمع التقليدية من جند ودرك وشرطة وعدالة وسجون وفق آليات طاردة للمنطق والأخلاق والرجولة لم تكن موجودة حتى في عهد الكولون، ومن هذه الآليات مدّ النظام السادي نفسه بالقوة والحصانة ومنح الرواتب الشهرية العالية لكل من يرى فيه اليد التي تحميه فهو لا يثق في الشعب ويهابه أكثر مما كان يهابه الكولون لذا نجد رموزه في حالة نفسية متقلبة المزاج، تتراوح بين القلق والإثارة، الميوعة والوقاحة واللامبالاة و"الجياحة " في أحيان كثيرة، بيروقراطيون فوق العادة لا قيمة للوقت عندهم إلا عندما يكون في صالحهم ولا قيمة لمصالح الفئات الهشة من الشعب إلا ما كان يهدد استمراريتهم في السلطة، لا يعطون أهمية لسقوط قيمة الدينار ولا لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية ولا لارتفاع نسبة البطالة إلا إذا تحرك الشعب وخافوا على مناصبهم ففي تلك الحالة فقط يتحركون ويجتمعون، أما مطالب الشعب السلمية فتثير فيهم الضحك والاستهزاء واللامبالاة، لا أنين مريض ومظلوم يهز رجولتهم المشكوك فيها أصلا وربما يجدون لذة في تعذيبنا والكذب علينا، ما أصعب ان تكون الأنظمة العربية برمتها كائنات غربية عن اوطانها وشعوبها ..
يتميز رموزه بالسلوك الأخرق المتخلف والهمجي أحيانا وعدم الاكتراث، يميلون للثرثرة ولغة الخشب يكذبون بلا تأنيب الضمير ولا خوف من التاريخ ولا من الله ولا من القانون ولا من الشعب، وعندما يستشري الكذب والخداع والتضليل، يشعر المواطنون بالاغتراب ويفقدون الثقة بحكومتهم ويكفّون عن احترام قادتهم. الجميع يعلم بتفشي الفساد في أوساط السلطة، ويلمسون أيضاً هذا التفشي في متابعتهم لقضاياهم، إذ لا يستطيعون أن يكسبوا دعوى محقة إلا إذا رشوا القضاة، " لا أعمم "، ولا يمكنهم الحصول على نتيجة إيجابية ومحقة لمعاملة من معاملاتهم إلا إذا اتبعوها بمبلغ من المال يقبضه الحاجب والموظف والمدير. عندما قيل لتشرشل إن الدولة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية قد انهارت، سأل: هل القضاء والتعليم بخير؟ فقيل له: نعم. قال: لا تخافوا، بريطانيا بخير. عندنا لا القضاء بخير ولا التعليم أيضاً بخير ولا الاقتصاد بخير ولا المجتمع بخير ولا الاعلام بخير، لا نحن الفئات المهمشة بخير، أما في التعليم فما علينا إلا أن نتوقف عند كتب التاريخ والتربية القومية التي تشوه الحقائق وتقدّس الأنظمة الحاكمة، وتضفي على رؤساء البلدان صفة التقديس والألوهة، وفي التصنيفات الأخيرة لأفضل الجامعات في العالم، لم نلحظ اسم أية جامعة جزائرية أو عربية.
إن الكذب في الحياة اليومية انحراف عن النسق الأخلاقي، لكنه في السياسة جريمة، هذا ما عبر عنه خبير الشفافية الدولي الأمريكي "مايكل هيرشمان" في رده عن سؤال حول كيفية محاسبة المسؤول الفاسد، فالكذب من قبل السياسي أخطر من جريمة الفساد التي يحاسب عليها القانون، إذ أن السياسي عندما يكذب يحاول تحقيق مصالح خاصة بطرق غير مشروعة. يكذب السياسي حين تداهمه متغيرات ومنعطفات كبرى يشعر معها بتداعي شرعيته السياسية، وبأن أوراق اللعب كلها تتناثر من بين أصابعه، فلا يجد من وسيلة لإثبات حضوره واستمراريته سوى العودة إلى العصبية الضيقة، وتغذية ميول العنصرية والطائفية والمذهبية والجهوية والهوياتية، وهم يعلمون أن الشعب لا يصدقهم ولا يثق في خطبهم ولكنهم لا يأبهون لما يقال أو يكتب عنهم ولا يردون حتى على التهم الموجهة إليهم، يتظاهرون بحب الوطن وصيانة الأمانة والمحافظة على المال العام لكنهم يبذرون بسخاء، يموتون في سبيل الكرسي للتعويض عن ضعف الشخصية ومجد ضاع منهم ذات مرة، يبالغون في الرمزية والتشفير في خطاباتهم، تنقصهم قوة الإرادة يتميزون بحب الظهور والإبهار وحب السيطرة، ولا يتحركون وسط شعبهم إلا وهم محاطون بثكنة عسكرية متحركة من المخابرات والدرك والشرطة والجيش.
لم يتغير النظام القائم في الجزائر منذ 1962 وكذلك في الوطن العربي كله الى اليوم بالرغم من التحولات التي عرفها العالم مثل موت الشيوعية ونهاية الثنائية القطبية، بل ازداد تماسكا وقوة مع مجيء اجيال جديدة من الغربان والنسور وذئاب الصحراء خاصة خلال مرحلة العشرية الدموية ومرحلة الرئيس المخلوع، التي عرفت كيف تتكيف مع مختلف المتغيرات لتتمكن من مصادرة الاستقلال واعادة تملك الجزائر وخصخصة الدولة.
النرجسية والانا تقتل المسؤول وتدمر الأوطان والحضارات، يعاني منها معظم المسؤولين، معتقدين انهم هم الصواب والشرعية والوطن وغيرهم الخطأ والخطر، وعلى المرؤوسين ان ينفذوا تعليمات المسؤول - وقد حثَّ ديننا الحنيف على النصيحة - فرحم الله من اهدى الينا عيوبَنا الا وان الكثيرَ من المسؤولين اتخذ اداء الفرائض غطاءً أمام الناس وتصرفاته تنافي قلب الدين وروحه وكما قيل ان اردت ان تكسب عاطفة الناس ارتدي رداءَ الدين، هؤلاء المسؤولون لا يطيقون سماع كلام يخالفهم، مهما كان قائله صادقاً مخلصاً "وطنياًّ"، ويكرهون من يخالفهم وينتقدهم، وقد دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمين إلى قول كلمة الحق، وتذكير مسؤوليهم وحكامهم بها، فقال رضي الله عنه: " اتق الله. لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها"، لا خير في شعوب رضيت العيش تحت الذل وركعت لكل من بيده السلطة والمال والجاه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا