الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمل خوارزمية الحب والكراهية في الانسان

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 2 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعلمنا في امتحانات المدارس، ان نجد الإجابة لكل التساؤلات من المنهج المقرر. فأصبحت عقولنا تنتظر الاجابة الجاهزة التي توصل اليها اخرون وحفظناه في ذاكرتنا، هذا الأسلوب لن ينشط العقل، والاهتداء به سيجعل عقولنا راكدة غير فعالة، بل تبقى تنتظر لاستقبال الإجابة من مصدر خارجي، او من الذاكرة التي تحتفظ بإجابة مؤلفي كتب المناهج.
فعندما لا نعتمد، كما أحاول انا في موضوع البحث هذا، أي مصدر خارج جدلية المشاعر والاحاسيس، سيتبادر لأذهاننا تساؤلات عدة، هل الحب متعة ام رغبة ام سعادة؟ ما هي خوارزمية الحب حسب التصميم الإلهي؟ ندرك عند الطفولة والصبا بان الحب شعور غريب يجتاحك ويجعلك تتعلق بمن تحب، وتتألم عند ابتعادك عنه او الفراق، ويأخذ الحب عند المراهقة شكلا اخر يحركه غزارة افراز الهرمونات الذكرية او الانثوية، شكلا ثانيا تحركه النوازع الجنسية، وفي عمر متقدم نشعر بان الحب شفقة ورحمة.
بدءا لنتداول الهدف من الحياة! الأهداف المادية لا تضيف لمعين الفكر البشري شيئا، حياة المتعة والترف زائلة ولا معنى لها على الاطلاق، وربما يهدف منها الخالق الحفاظ على النوع البشري بالترغيب والتشويق الغرائزي، لا يمكن انجاز شيء خارج الحياة، غير الموت! بينما تصرف العمر للوصول الى هدف ما كالمال او المنصب او السلطة يدركك الموت.. الحياة ليس في المستقبل، انه هنا الان، الهدف في المستقبل، قد تدركه او لا تدركه! أراد الخالق في فكرة الحياة، الشفقة والرحمة بالنفس البشري. فالانا يدعوك ان تعش حياتك، وتحتويها بصورة كاملة. لكن الوجود لا يمضي الا الى الارتقاء... يبدو بان الخالق حين برمج اليات بقاء الانسان، جعل البرنامج يترقى ويتحدث من خلال المعين الثر المتخم بزخم التطور الفكري البشري.
نعرف ما يعني العدوان والغيرة كآليات وقائية، وبالمقابل يفترض ان نعرف ما معنى الحب وكيف ندركه؟ الأشخاص اللذين يمتهنون الاعمال الشاقة هم اقل إدراكا للحب، وأكثر إدراكا للبغض والكراهية نتيجة للمنافسة. طاقة الحب والكراهية هي نفسها، لكن ما معنى الحب؟ هل الحب رغبة او متعة؟ كيف نعرف ذلك؟ هل الحب طاقة في مجالات مختلفة بنوعيةٍ وبُعدٍ مختلفتين؟ كيف نتوصل الى ذلك؟ لا نتوصل لذلك بالفكر او بالمجادلة او بالتنظيم الفيزيائي، بل بأن نجد طبيعته؟ والعقل الواعي بإمكانه ان يجد ذلك. العقل الواعي الحساس المثقف المتلقي والذي لديه خبرة وتجارب كثيرة في حل المشاكل. فعندما تُحل المشاكل، يبقى الحب الفضلة المتبقية التي تطفو على سطح العقل بعد ان يستقر ويتم حل كل المشاكل؟ كيف يصل العقل الى هذه الغاية او الهدف بوعي؟ ان كانت لديك قدرة التمييز، تكون قد عرفت الحب وجربته وتذوقت، فاذا عرفته، أستقر في الذاكرة، يعيش فيه ويأخذ زمنا، لان الذاكرة مرتبط بالزمن. نعود لنتساءل كيف نجد الحب؟ هناك من يحب خشية وخوفا من البطش. إذا اردت ان تكتشف فيما لو كان هناك حب، تعرف اولا الى كل انواع الاعتقادات اي كل انواع الخوف! المعتقدات نوع من انواع الافكار جاءت بعد يأس الانسان امام معرفة الوجود. الانسان يخترع معتقد الأمان، على سبيل المثال، كأن يقول هناك مصدر دائم للأمان ثم يبدأ بالأيمان بذلك المعتقد، وهذا المعتقد ليس لروح التجربة، كل الافتراضات المعلوماتية يخلق العجز. إذا تتحرر من الاعتقادات والافكار والخوف، يكون العقل حادا، حينها تدرك بان الحب هو مسالة رغبة وسعادة. المتدين ينازع نفسه ليحجب الرغبة او في الأقل السيطرة عليه. الصوفيين يقللون ذلك بان يعرفون أنفسهم برغبات اعلى، وهم لا يزالون في حالة الرغبة! ما هو الخطأ في الرغبة؟ هل الرغبة تؤدي الى العبودية؟ ان الإحساس، بمجرد النظر الى الشيء، يولد الرغبة! الفكر يعطي لهذه الرغبة الاستمرارية والحيوية، ومن هناك يبدا البحث عن السعادة. اي إذا اكتشفت ان الافكار تقوي الرغبة، كأن تقول يسعدني او يجذبني تلك المرأة جنسيا، او يستهويني ذلك المنظر بمجرد النظر اليه او التفكير فيه، سوف يقوي طبيعة الرغبة وتعطيه الاستمرارية لتصبح سعادة.
كل تصرفاتنا وسلوكنا وحاجاتنا تعتمد اساسا على البحث عن الراحة والسعادة، ولا يجري بدون تدخل الفكر في ذلك، فاذا رأيت شيئا جميلا جدا تحرك احاسيسك، فتمتلك الرغبة لنوالها. ثم يجئ دور الفكر في ترسيخها وبيان فضائلها التي تشبع الانانية والامتلاك الذاتي، سواء ان كان ذلك الشيء امرأة او رجل او سيارة او ملك او شجرة ...الخ.. الفكر يلاحظ ويتدخل بمجرد ان تغزوه احاسيسك خلال النظر في ذلك الشيء. وحين تثبت الفكرة، سيكون هناك فعل لتحقيقها. عندما يتدخل الفكر مع الرغبة تتولد عملية السعادة (أي تشعر بالسعادة) والعملية فيها استمرارية أي مقترنة بالزمن. اما إذا لم يقترن الفكر مع الرغبة، فسيكون هناك فعلا لا يرتبط بالزمن، ولن تأتي بالسعادة.
في محاولتنا وتساؤلاتنا للوصول الى معنى وطبيعة الحب، لابد ان نفهم معنى الكراهية والبغض، فالأول محور للسعادة والفرح، والثاني محور المعاناة والتعاسة، وكلاهما على النقيض من الاخر. ان تساؤلاتنا عن الحب ليست بنفس الطريقة للتساؤل عن الكراهية. ليست هناك رغبة وسعادة في الكراهية، فهل يمكن تحرير العقل من الرغبة والسعادة؟
ان طريقة التفكير في كيفية تحرير العقل من السعادة هي بحد ذاتها تعتمد على السعادة! لذلك ليست هناك كيفية، بل هي حالة استماع فقط، الاستماع الجيد هو الذي يعطي الإجابة.
ما هي المعاناة؟ لنفهم طبيعة المعاناة، لماذا نعاني؟ قد تأتي المعاناة نتيجة فقدان شخص عزيز او فقدان الأحبة. وقد تأتي المعاناة بسبب الشعور بعدم امتلاكنا مهارة كالآخرين او منافسة (س) من الناس. في المعاناة هناك الرغبة في النجاة منها او محاولة للتخلص منها، وفيها كمية كبيرة من الشفقة. الهروب صعب من المعاناة، لكن التغافل بالهاء النفس ممكن، كاللهو بالتلفزيون او وسيلة ترفيه او ممارسة هواية .... ولكن المعاناة تبقى قائمة، لا يمكن لمسها لأنها مؤلمة جداً. والأفضل معايشة المعاناة، فإنها تحوي الكثير من المعاني، فحين يحاول الشخص ان يصل الى رغباته ويحقق السعادة فانه سيعاني، وقليلها مفيدة، تلك المعاناة تضفي نكهة خاصة للسعد، إذا زادت افسدته. فكما في المعاناة الوحدة والعزلة، فيها أيضا كم من العواطف، فهل من الضروري ان نعاني لكي نفهم السعادة؟ لا اعتقد ذلك. فالإنسان طوال مسيرة حياته لا يقف عند حاجة الا وبحث في اخر، دون توقف واستراحة، وبدون فهم طبيعة الفكر، لا وجود للاستقرار، فالفكر لا يمكن ان يستقر ابدا..
ان الحكمة هي في معرفة النفس. الرغبة لشيء تحركه الحواس تشعرك بالسعادة. الحب ليس تعلق، وليس رغبة، وليس عقد، الحب ليس امتلاك وليس غيرة، لا يقاد بالحواس. الحب ليس رغبة تحركه الاحاسيس من نظر ولمس ثم امتلاك شيء وخلق السعادة، الحب ليس غريزة ومرفقات ومتعلقات (كالارتباط بطفل)، وليس طموحا، وليس سعادة (تحقيق الرغبة).
إذا عرفت وأدركت بان الحب ليس شيئا من كل ذلك الذي ذكرناه، وفهمت كل تلك العناصر وكيفية التعامل معها، فإنك امتلكت ذكاء من نوع خاص. فهل هذا الذكاء ضروري للحب؟ الذكاء الذي يرى العاطفة في قلبك شفقة بنفسك فحسب (ليست كفكرة او تصور). الحب هو ذكاء التعاطف مع النفس، ونفس الشيء يقال عن الكراهية المبرمجة في خوارزمية اليات حماية النفس للمخلوقات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا