الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الرابعة والأربعون

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2022 / 2 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قسم المشروعات الطويلة إلى أجزاء

ثم جمع الأجزاء فى كل متكامل

يستقى كتاب " طائر فطائر " لللكاتبة عنوانه من قصة حدثت لأخيها .فحين كان فى العاشرة من عمره كان يعانى من إعداد تقرير مدرسى عن الطيور .

وصفته " لاموت " ابنه كان " قد شل تفكيره تماما بسبب ضخامة المهمة التى هو بصددها ، حتى جلس أبى ألى جواره ، وأحاط كتفه بذراعه ، وقال له طائر فطائر طائر فطائر يا صديقى الصغير . خذهم طائر فطائر " .

كلنا بحاجة إلى الاستماع لمثل هذه النصيحة ، لتذكيرنا بتفكيك المشروعات الكبيرة الى أجزاء والقصص الطويلة الى فصول ، والفصول الطويلة الى أقسام أصغر . مثل هذه النصيحة مفيدة وعملية ومحفزة فى ان واحد .

حين يجتمع الكتاب ، غالبا ما أطرح عليهم السؤال التالى : " كم منكم شارك فى سباق مارثون ؟ " ، فى مجموعة من مائة ، ربما رفع واحد أو اثنان منهم أيديهم .

فأسألهم " إذا دربتم وحفزتم بشكل ملائم ، كم منكم يعتقد أنه يستطيع أن يعدوا لمسافة ستة وعشرين ميلا ؟ " .

عندئذ سيرفع ستة أخرون أيديهم .ثم أقول " ماذا لو أعطيتم خمسة وخمسين يوما لأداء هذه المهمة ، بحيث لا ينبغى عليكم إلا أن تقطعوا مسافة ميل فقط فى اليوم ؟ "

عندئذ يرفع أغلب من فى الغرفة أيديهم .

إن معظم طلاب الدكتوراه الذين يحضرون كل صفوفهم الدراسية المطلوبة ويجتازون كل الامتحانات بنجاح وينجزوون البحث اللأزم للرسالة لا يقدمون الرسالة فعليا .

لماذا ؟ لأنهم يفتقرون إلى النظام اللازم والالتزام الكافى لإتمام عملية الكتابة . ولو أنهم ألزموا انفسهم بالجلوس وكتابة صفحة واحدة – أى 250 كلمة – كل يوم لتمكنوا من الانتهاء من كتابة رسالة الدكتوراه فى أقل من عام .

حين كان أولادى صغار تطوعت لتدريس الكتابة فى مدرستهم الإبتدائية . وقد اعتدت أن أدون بعض الملحوظات بعد كل حصة أدرس لأطفال فيها .

فقط بضع كلمات قليلة عما تعلمته اليوم ، وكيف كانت استجابة الأطفال ، ولماذا كان أحد الأطفال النابهين يرنو ببصره الى الفراغ ؟ إلخ .

وبعد ثلاث سنوات اكتشفت أنه قد تراكمت لدى معلومات تكفى لكتابة كتاب كامل عن تدريس الكتابة للاطفال .

ولم أكن أعرف شيئا عن كتابة الكتب ، إذ لم يسبق لى أن فعلت شيئا كهذا ، فاكتفيت بتبيض ملحوظاتى فحسب ، وكانت النتيجة نصا بلغ طوله 250 صفحة تقريبا .

ولم يكن النص قد صار كتابا بعد ، وإنما كان أساسا متينا لكتابى " أن تكتب بحرية : صحافى يعلم الكتاب الصغار " .

تبدأ الكتابة إذن بقطرات قليلة ، تتحول إلى برك صغيرة ، ثم ما تلبث أن تصير قنوات ، ثم جداول ، إلى أن تصير اخر الأمر بحيرات عميقة .

لتعويد النفس على الكتابة بهذه الطريقة النظامية سحرا وقوة هائلين اذ الأمر أشبه بشعور هارى بوتر حين علم أنه صار ساحر شهيرا .

إنك تقرأ الان الأداة الرابعة والخمسين فى هذه السلسلة ، التى تنشر على الإنترنت ، وها أنت تتجه نحو الأداة الخمسين بخطى ثابتة فى حين أنه لو أننى قد قلت للناشرين " على فكرة أننى أنوى كتابة كتاب عن الكتابة " قبل شروعه فيها ، باعتبارها أمرا مستحيلا

، كأن الكتاب المزمع كتابته وحش هائل يصعب تطويقه بالذراعين والسيطرة عليه .

لذا قسمت المهمة بحيث يتحول الكتاب الى مقالات قصيرة ، عددها خمسون ، أسلم واحدا أو أثنين منها على أقصى تقدير للناشرين كل أسبوع .

وربما كان الكتاب الذى أمامى الأن هو ثمرة نفس الاستراتيجية . إنه كتاب " الرب راعى " الذى كتبه هارولد كوشنر ، وهو كاتب ومعلم عظيم . يقول كوشنر فى مقدمه كتابه :

" لقد ظللت أفكر فى الأفكار التى أقدمها فى هذا الكتاب لأكثر من أربعين عاما ، وذلك منذ تم ترسيمى حاخاما .

ففى كل مرة كنت أقرأ فيها المزمور الثالث والعشرين من مزامير داود فى جنازة أو قداس أو أتلوه على رأس أحد المرضى كانت تذهلنى قدرة ذلك المزمور على إراحة المكلومين وإذهاب الخوف عن الخائفين .

وقد كان الحافز المباشر الذى دفعنى إلى كتابة هذا الكتاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر الفظيعة .

ففى الأيام التى تلت تلك الأحداث الرهيبة كان المذيعون والصحافيون يسألوننى قائلين : " أين الرب ؟ وكيف يمكنه أن يسمح لشىء مثل هذا بالحدوث ؟ " .

وكنت أجد نفسى أجيبهم قائلا : " لم يعدنا الرب مطلقا بأن الحياة ستكون عادلة .، لكنه وعدنا بأن يكون معنا حين تظلمنا الحياة " .

وأدركت أننى قد وجدت هذه الإجابة التى كنت أقدمها للصحافيين فى المزمور الثالث والعشرين " .

إن كتاب القصص والروايات يجهدون أنفسهم فى البحث عن النقطة التى ستصبح محور ارتكاز قصتهم ، فما بالك برجل برجل أخذ مزمورا لا يزيد طوله على أربعة عشر سطرا فجعل منه أساسا لكتاب كامل طويل له ثقله وأهميته بالنسبة الى اليهود والمسيحيين ؟ .

تخيل أن يطلب منك أن تكتب كتابا عن صلاة الرب ، أو عن صلاة " السلام عليك يا مريم " ، أو عن سوناتا لشكسبير ، لكن كيف استطاع الكاتب أن يسهل المهمة على نفسه وعلى القارىء أيضا ؟؟

أن كوشنر يقدم لنا حلا رائعا أنيقا ، إذ يكرس كل فصل من فصول كتابه لسطر من سطور المزمور .

فهناك ، على سبيل المثال ، فصل اسمه " الرب راعى " ، وفصل أحر اسمه " أيضا إذا سرت فى وادى ظل الموت لا أخاف شرا ، لإنك أنت معى . عصاك وعكازك هما يعزياننى " وثالث اسمه " كأسى ربى " .

إن الكتاب الأكثر مبيعا على مستوى بلادنا ، والذى يبلغ 175 صفحة ، ليس سوى مقدمة وأربعة عشر فصلا قصيرا ، أى وحدات مستقلة يسهل على القارىء التعامل معها ، كما كان من السهل على الكاتب كتابته

طائر فطائر ، أداة فأداة ، سطر فسطر .

والى الاداة الخامسة والأربعون فى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم