الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدولة في العالم العربي

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في منتصف القرن العشرين، نالت الدول العربية استقلالها، وقامت فيها أنظمة سياسية سميت باسم "الدولة الوطنية" وأطلقت شعارات ثورية تقدمية، لكنها اتخذت القمع والترهيب منهجا وقاعدة ثابتة لها، لأنها فشلت في تحقيق تطلعات شعوبها في الحرية والكرامة ودولة القانون والتوزيع العادل للثروة الوطنية، أنظمة مارست الفساد والنهب وسوء التسيير الإداري والمالي، وبما أن أيدولوجيتها عسكرية، فإنها كرست الاستبداد والطغيان والدكتاتورية، ولا تحترم حتى القوانين والدساتير التي وضعتها دون إرادة صاحب السلطة الشرعية وهو الشعب، وأول من يدوس على هذه الدساتير والقوانين هي الأنظمة العربية، أكيد لا ننكر أنها حدثت تحولات إيجابية في بعض الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء من تلك الدول العربية التي انتهجت النظام الليبيرالي أو تلك الدول العربية التي اختارت النهج الاشتراكي.
لكن مفهوم الدولة في العالم العربي ظل تقليديا لا يخرج عن مفهوم الدولة في العصور الوسطى، أي الدولة السلطانية، والنقد المنهجي للدولة في الوطن العربي الذي قدمه "برهان غليون" يرى بأنه يحتم علينا المرور بتشكلها التاريخي واستحضار المحدد الجغرافي وأثره على بناء الدولة العربية دون إهمال البعد الأنثروبولوجي-السياسي وعلم السياسة، وقد اعتبر الممارسة للمنهجين الليبيرالي والاشتراكي انعكاسا لشرخ واحد في الوعي والتفكير السياسيين، فالمنهج الاشتراكي تجاهل الاستقلال الذاتي "النسبي" للدولة وأهمل الفرد، بينما المنهج الليبيرالي تجاهل العوامل والقوى الاجتماعية الحية الكامنة وراء كل سلطة والمحرك لها. بينما "محمد جابر الأنصاري" يرى أن الدول العربية الحالية هي امتداد للسلطنات، ويربط بين الماضي والحاضر، ويذهب إلى أن الثقافة العربية السياسية الحديثة تستمد جذورها من تراث سياسي، فكري، تاريخي، يعتبره من أكثر مناحي التراث العربي الإسلامي إشكالا وتأزما وأكثرها التباسا وضعفا واضطرابا وأقلها ثراء وانسجاما مع منظومة الإسلام القيمية أي تنتمي لثقافات سياسية رعوية قبل الإسلام.
بينما يرى "عمر حمزاوي" أن أزمة الدول العربية لا تقتصر أسبابها على غياب مسألتين رئيسيتين: "الديمقراطية" و "أزمة الحكم الرشيد"، بل هي تعبر عن مشكلات عميقة في علاقة السلطة مع جميع فئات المجتمع، والمسؤولية ليست محصورة في السلطة، بل أن جميع قوى المجتمع تتحمل المسؤولية.
فالدولة العربية القائمة الآن هي مجرد سلطة لا دولة والسلطة تختزل كلها في سلطة الحاكم الفرد سواء أكان ملكا في الأنظمة الملكية العربية أو رئيسا في الأنظمة ذات النظام الجمهوري. من المعروف أن الدولة العربية المعاصرة الحديثة جاءت تتويجا لحركات التحرر ضد الاستعمار الأوروبي الفرنسي والانجليزي أو نتيجة اتفاقات دولية كبعض دويلات الخليج، وكلها لم تستطع أن تكسب شرعية تضاهي مشروعية الدولة-الأمة الجامعة التي عرفتها أوروبا خلال تاريخها الحديث، ويعاني العرب من أجل ذلك تأزما سياسيا على مختلف المستويات والميادين، سواء على مستوى السلطة أو المجتمع، والأزمة العميقة ليست في ارتفاع وتيرة الاستبداد والدكتاتورية فحسب وإنما القطيعة بين السلطة والمجتمع والنتيجة انهيار مشروع البناء الوطني الذي أدى إلى تفريغ الدولة العربية الحديثة من أي مشروع، وبالتالي إلى إبراز ممارستها من جديد كتعسف مطلق غير قابل للتبرير الأمر الذي جعلها تعيش مأزقا تاريخيا حقيقيا وانعداما لأي أفق، فالجماعة المسيطرة على السلطة في الوطن العربي هي وحدها المستأثرة بخيرات الوطن وغارقة في الفساد السياسي بمعناه الأوسع ويستخدمون السلطة في كثير من الأحيان لأهداف غير مشروعة، ويترجم الفساد في المجتمع إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع مثل انتشار الرشوة والاختلاس والمتاجرة في النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة والإثراء غير المشروع وإعاقة سير العدالة، فالأنظمة العربية اعتمدت وسائل ومقومات من أجل بقائها واستمرارها فهي تقوم على التحكم الكامل في القرارات الهامة المتعلقة بالشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية الحاضنة لشعوبها التي أجبرت رغما عنها ودون إرادتها على الابتعاد عن المشاركة في إدارة الشأن العام.
فهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات "التشريعية والقضائية" في كل الدول العربية أتاح ذلك للسلطة الحاكمة الاحتكار والنفوذ في اتخاذ القرارات، والمس بالحقوق والحريات العامة، لأن اعتماد مبدأ أن رأس السلطة التنفيذية فوق جميع السلطات جمعاء لا يحاسب ولا يسأل عما يفعل فهو القانون وهو السلطة وهو الكل في الكل وجعل الفصل بين السلطات لا معنى له، فالفساد السياسي المستشري في العالم العربي، والذي تتعدد مظاهره من بلد عربي لآخر، ففي كل الأحوال يرجع بالدرجة الأولى إلى فساد طبقة الحكام واختطافهم للشرعية الشعبية، وهو ما جعل عملية الاحتجاجات والمظاهرات بهدف التغيير أمرا غير ذي جدوى، فالسلطات في العالم العربي قد نجحت نجاحا باهرا في بناء القطاع الأمني وتشكيله على شكل أجهزة قوية تدافع عن النظام الحاكم والمتحكم وعن الموالين له من أحزاب سياسية وجمعيات مدنية، وذلك مقابل ضمانات وامتيازات لمسؤولي هذه الأجهزة، والشيء الغريب في الأمر أن القيادات التي استلمت الحكم بعد تحرير العالم العربي من الاستعمار الأوروبي هي التي كانت خلال مرحلة مقاومة الاستعمار وحركات التحرر تستغل ورقة المواطنة والحرية وكرامة المواطن والمساواة والعدالة الاجتماعية وبعدما تحقق الاستقلال واستلمت هذه الزعامات السلطة، ضربت بحقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الاجتماعية عرض الحائط حتى أن بعض المفكرين الغربيين لاموا هؤلاء الحكام العرب في تعسفهم واستبدادهم، وطالبوهم بتطبيق ما كانوا ينادون به خلال حركة التحرر.
فالدول العربية المستقلة لم تعد تكترث كثيرا لتأسيس دولة القانون والمؤسسات، وقد وصل الوهم بشعوبها التي لم تعد تكترث في معظمها بحقوقها وكرامتها إلى درجة العزلة والصمت والتحمل والصبر، بدليل أن الأنظمة العربية نجحت فعلا في تعطيل عقل الإنسان العربي، وأعاقت انطلاقته وجمدت فكره، فعشرون بالمئة من الدول العربية تصنف من الدول الفاشلة كسوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان.
فبناء دولة القانون والمؤسسات في الوطن العربي لن يتم بين عشية وضحاها فلابد أن يمر عبر سيرورة تاريخية طويلة ومعقدة، وفيها الكثير من الآلام والتضحيات، فأوروبا انتظرت ثلاث قرون للخروج من كهوفها المظلمة، فكم يلزمنا نحن العرب من الوقت لإيجاد مكان لنا تحت الشمس؟ نحن الآن في وضع لا نحسد عليه فقد فقدنا الثقة بأنفسنا وحتى بقوانا العقلية وبكرامتنا البشرية ولا يمكننا ردم الفجوة التاريخية بيننا وبين الأوروبيين في مدة خمسين سنة أو أكثر، ولكن بلا شك نحن سائرون ببطء نحو تأسيس دولة القانون والمؤسسات وتلك هي سنة الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح