الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى و دلالات المشهد الراهن في اوكرانيا

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2022 / 2 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


أضاع الغرب وامريكا فرصة الحوار مع روسيا قبل الاحداث الاخيرة ومعها تعزيز استقرار اوروبا.. لكنه المنطق الكولونيالي و رأسماليته المتوحشة .. ارادوا جميعا اغراق روسيا في مستنقع حربي وارهاق اقتصادها حتى لا تقوى على السباق في مسارات التنافس الاقتصادي والاستراتيجي العالمي بعد ان تحسنت اوضاعها الاقتصادية ولديها وفرة في الاحتياطي من الأموال والذهب تتجاوز 680 مليار دولار ولدى روسيا اكبر احتياطي من الغاز في العالم . وهذا الأخير محل تركيز أمريكا ومحاولتها الاضرار به من خلال محاربتها لخط الغاز الى اوروبا وجعله هدفا رئيسيا حتى من قبل الحملة العسكرية الراهنة .
أمريكا أعلنت صراحة انها لن تسمح للصين ان تكون الأولى اقتصاديا وشنت عليها حملات دعائية وفرضت عقوبات اقتصادية ونفس الامر مع روسيا التي تخضع لعقوبات شتى والتي تظهر دوما تطور نوعي في التكنولوجيا العسكرية وتحسن الوضع الاقتصادي .. وجميعها مؤشرات لا تطمئن البيت الأبيض ومن هنا عملت مع حلفائها في أوروبا على استفزاز روسيا بتدفق الأسلحة الى حدودها في اكثر من مكان وزاد الامر ان أعلنت أمريكا ترحيبها بانضمام أوكرانيا الى حلف الناتو . بعد ان تمكنت من ضم جورجيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا .

أمريكا تتحرك سياسيا وعسكريا وفق مقولة نهاية التاريخ وان لا احد يقوى للمنافسة امامها اقتصاديا وعسكريا ولا ايدولوجيا ، وروسيا لديها مقولاتها الخاصة ضمن فلسفة سياسية تعزز في وعي صانع القرار معنى الجغرافيا السياسية وتمدد روسيا في الإقليم تاريخيا وممكنات النهوض والقوة وفق ممكنات عسكرية وتكنولوجية والعقيدة الاوراسية التي تعزز من حضور روسيا إقليميا وعالميا ويجعلها رقما صعبا لامجال لتهميشه او الاقتراب من خطوطه الحمر .

هذه العملية العسكرية اظهرت ان الغرب وامريكا جعلوا من اوكرانيا ميدان معركة بشكل مقصود لأنها بنظرهم دولة رخوة تسيطر عليها مجموعات مغامرة من القوميين المتطرفين والمجموعات الرأسمالية المحلية التي تشكلت حديثا والتي تعمل كوكلاء للخارج الأوربي والامريكي ثم انها دولة اكثر فساد رغم ثرواتها الكبيرة الامر الذي دفع بالكثير من شبابها الى الهجرة للعمل خارجها .. وبدلا من ان تتلقى اوكرانيا مساعدات في مجالات التنمية يقدم لها أسلحة لمزيد من الدمار لان المعارك تدور داخل اراضيها ومدنها .وهنا القصد حيث التوجه الأمريكي والاوربي في السيطرة على المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية في أوكرانيا وفق أساليب الدعم وإعادة البناء ..

وفق العملية العسكرية قد يصل الجميع إلى حوار سياسي بتشكيل حكومة جديدة في اوكرانيا لا تشمل الرئيس الحالي وستوافق اوروبا على هذا الأمر ومعها امريكا.. لكن طموح بوتن بعودة روسيا وفق تحالف عسكري كما كان حلف وارسو لن يتحقق .. لان بولندا ورومانيا وجورجيا وليتوانيا اصبحوا جزء من الاتحاد الاوربي وحلف الناتو .. لكن قد تنجح روسيا في تحالفها مع الصين ان تدعوا دول أخرى معهما لتشكيل تجمع جديد اقتصادي وسياسي مدعوم بالقدرة العسكرية . ومع ذلك روسيا ستحقق بعضا من مطالبها الأمنية وفق الحملة العسكرية الراهنة وجعل اوروبا تعيد حساباتها تجاه روسيا وقوتها العسكرية ناهيك عن حاجة اوروبا للغاز الروسي..
أوروبا تاريخيا شهدت حروب متعددة وكانت تنتهي بإعادة رسم خرائط جغرافيا جديدة ورسم ملامح قوى سياسية جديدة أيضا بدءا من الحروب الدينية والحروب داخل المستعمرات مرورا بالحرب العالمية الأولى والثانية وصولا الى انهيار المعسكر الاشتراكي ومعه انهيار جدار برلين ، واليوم تثير العملية العسكرية في أوكرانيا دلالات عامة ترتبط بالعقل السياسي الأوربي الذي لايزال يتمركز حول ذاته وفق أوهام القوة وعدم الرغبة في تقبل قوى جديدة ولاعبين جدد في الساحة العالمية .وهذا الامر يعمل على احياء النزعات الوطنية والقومية لتعبر عن ذاتها بطرق سياسية وعسكرية ان لم يفهم الاخرون التعبير الإعلامي والثقافي .

امريكا تستفيد من هذه الحرب في تنشيط حلف الناتو وتجديد الحاجة الأوربية للدور الامريكي .. مع العلم ان امريكا التي أعلنت انها ستدعم اوكرانيا قالت مرة اخرى انها لن تدخل في مواجهة مع روسيا وهنا تظهر الانتهازية السياسية لأمريكا واوروبا وذات الانتهازية تظهر اخلاقيا وانسانيا حيث سمحت بولندا بدخول مائة وعشرون الف من اوكرانيا خلال 24 ساعة في حين رفضت ومعها المانيا دخول ثلاثة الف مهاجر من الشرق الاوسط وأفريقيا .

الفكرة الرئيسية اننا نعيش في عالم يعاد فيه تشكيل الجغرافيا السياسية وفق محاور واقطاب جديدة وفق التحكم بمصادر الطاقة والتكنولوجيا العسكرية والتقدم الطبي والميديا وجميعها ستتحكم بمستقبل العالم خلال الخمسين عام القادمة.
اكيد ان دول الجوار لروسيا تدرس جيدا الدرس الاوكراني ومعها اوروبا وان هذا المشهد الراهن تستفيد منه كل دولة من زاويتها وتقرأه أيضا من زاويتها ..لكن هناك دروس عامة لأوروبا اخذها بعين الاعتبار .. والأكيد أيضا ان روسيا ستدفع كلفة اقتصادية عالية لكنها ستحقق الكثير من مطالبها الاستراتيجية.. روسيا لم تتأثر من العقوبات عام 2014 عندما ضمت القرم الى سيادتها ويبدو انها استعدت للعقوبات الراهنة .

ومع ذلك لاتزال العملية العسكرية في بداياتها وما تحمله من دلالات يجعل الباب مفتوحا لاحتمالات متعددة قد تتسع رقعة الحرب فيها او يتم احتوائها . وهذا رهن بمدى وعي روسيا بالمدى الذي سيذهب اليه خصومها في حلف الناتو ومدى ممكناتها لفرض واقع جديد ميدانيا وبأسرع وقت ممكن ، فكما يقال انه من السهل اطلاق الرصاصة الأولى واشعال حرب لكن من غير المؤكد كيف تنتهي الحرب ومن يطلق الرصاصة الأخيرة .

ان عالم اليوم مليئ بالتحديات التي تواجه البشرية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا و اخطرها كان تحدي الجائحة كورونا التي أظهرت كلفة بشرية عالية ومعها كلفة اقتصادية أيضا ،، وما ان بداء العالم يري بارقة امل للخروج من تداعيات هذه الجائحة كان الوضع مشتعلا في أوكرانيا ومعه انشغل العالم كله بهذا الحدث العابر في تداعياته نحو ارجاء المعمورة .
صفوة القول ..الصراع الراهن صراع " ارادات " ومصائر " وليس مجرد نزق او ترفيه ، ومع تلك الارادات ومن خلالها يتم رسم معالم نظام دولي للخمسين عاما القادمة ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل دقيق و متوازن
حسين علوان حسين ( 2022 / 2 / 27 - 13:42 )
الأستاذ الفاضل السيد توفيق الصلاحي المحترم
تحية حارة
تحليل دقيق و متوازن يستحق التهنئة .
كل الالتقدير و الاعتزاز

اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي