الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تِلْكَ ٱلْكَاْتِبَةُ ٱلْرِّوَاْئِيَّةُ: خَرَفُ ٱلْعِفَاْفِ سَهْوًا أَمْ خُلْفُ ٱلْإِرْدَاْفِ رَهْوًا؟ (3)

غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)

2022 / 2 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وَمِنْ بَيْنِ ٱلْغَضِيضِ مِنْ إِرْهَاصِ ٱلْعُصَابِ ٱلْنَّفْسِيِّ
أَنْ يَبِينَ ٱلْمَغِيضُ حَقًّا، أَوْ حَتَّى بَاطِلاً، بِتَسْيَارِهِ ٱلْعَكْسِيِّ
زيغموند فرويد

(3)

قلتُ، في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، إنَّ يراعَ الكاتبةِ الروائيَّةِ السوريةِ المنشأِ واللبنانيةِ المبدأِ والفرنسيةِ الملجأِ، غادة السمان، قدْ بَدَا ماسكًا مسألةَ الدفاعِ عن حَالِ الأنَامِ السُّودِ المضطهَدينَ (إزاءَ حَالِ الأنَامِ البِيضِ المضطهِدينَ) من ذيلِها، لا من رأسِها مثلما تقتضيهِ الحكمةُ والحصافةُ اقتضاءً، وإلى حدٍّ يتبدَّى فيهِ ذلك الموقفُ «اللاعنصريُّ»، جَرَّاءَ محاولاتِ تفسيرِ الماءِ بعدَ الجهدِ الجهيدِ بالماءِ، موقفًا «عنصريًّا مضادًّا» بامتيازٍ – حتى أكثرَ «عنصريَّةً» من عنصريَّةِ صحيفةِ «القدس العربي» ذاتِهَا، هذهِ الصحيفةِ «العربيةِ» و«الفلسطينيةِ» التي مَا إن يطفو على السطحِ مَحْضُ نبأٍ عابرٍ عن دخولِ السلكِ السياسيِّ «الغربيِّ» من طرفِ امرئٍ، أو امرأةٍ، متحدِّرَيْن من أصلٍ «فلسطينيٍّ»، مهما بلغَ في النَّأْيِ مبلغًا، حتى يهرعَ طاقمُ تحريرِهَا إلى تصديعِ الرؤوسِ عن هكذا أصلٍ «فلسطينيٍّ» بكلِّ أشكالِ «الخَرْطِ» و«الضَّرْطِ» الأعْجَفَيْنِ، وبكلِّ أنواعِ التطبيلِ والتَّتْبِيلِ الأجوفَيْنِ، إن لمْ تُقَلْ أشياءٌ لَأَشْيَنُ بالإمْعَانِ منها. هذا مع العلمِ البئيسِ أنَّ الأغلبَ السَّاحِقَ من أولئك العربِ المغتربينَ، أو حتى مُحَاذِيهِمْ من «المستغربينَ» Occidentalists، جلاءً وَ/أَوْ خفاءً (في حذاءِ المُجَافينَ من «المستشرقينَ» Orientalists)، أولئك العربِ الذين تحدَّروا بعِتْرَةٍ أو بطفرةٍ من أصلٍ «فلسطينيٍّ» في أصقاعٍ الغربِ «الآمنِ» (في أمريكا وبريطانيا خاصَّةً)، إنَّمَا يعملونَ «كَادِّينَ متفانينَ» بذريعةٍ وضيعةٍ، أو بأُخرى أشدَّ وضاعةً، كعناصرِ «مخابراتٍ» أو «استخباراتٍ» أو «أمْنٍ» أو حتى «تَحَرٍّ» – يعملونَ بذاك بـ«اليُسْرَى» لصالحِ هذهِ أو تلك السلطةِ الرسميةِ أو اللارسميةِ التي ينتمونَ، أو يرومونَ الانتماءَ، إليها في هكذا غربٍ «آمنٍ» – ويعملونَ كذاك بـ«العُسْرَى»، وهُنَا الطَّامَّةُ الكُبْرَى، لطالحِ حتى صنوانِهِمْ من العربِ الآخرينَ الفارِّينَ من بلادِهِمْ (لأسبابٍ سياسيَّةٍ أو دينيَّةٍ أو غيرِها). ذلك لأن الكاتبةَ الروائيَّةَ، إذْ تطرحُ عنوانَ تقريرِها الصحافيِّ ذي المَرْهَصَةِ الكورونيَّةِ «التاسعَةَ عشرَةَ» تحتَ جنحِ شيءٍ من (عَصْفِ) الاستفهامِ «اللاعنصريِّ» الغاضبِ، قدْ أغرقتْ إغراقًا صَارخًا في إقرانِ لونِ البياضِ، لا لونِ السَّوادِ، من أديمِ «بابا نويل» (أو «سانتا كلوز») بقرينةٍ أو بقرائِنَ عنصريةٍ في غيرِ مَظِنَّتِهَا بَتًّا، ظانَّةً أن هذا الإقرانَ لَحُجَّةٌ دَالَّةٌ في انتقادِهَا «الضميريِّ» وفي اتِّقَادِهَا «الأبيِّ» و«الحَرِيِّ» لمدى سَعْيِ ذاك الغربِ «الديمقراطيِّ» إلى ترسيخِ أفكارِ تفوَّقِ العنصرِ الأبيضِ المستديمِ على العنصرِ الأسودِ «الذميمِ» أو حتى «الدميمِ» في نفوسِ الأطفالِ طُرًّا (وبالأخَصِّ مَنْ نشأوا ومَنْ نشأنَ في أكنافِ مجتمعاتٍ مسيحيةٍ). بيدَ أنَّ الكاتبةَ الروائيَّةَ «اللاعنصريَّةَ» الغَضْبَى، والحالُ هذِهِ، لم تَكُنْ قَطُّ على درايةٍ بأنَّ في فحوى دفاعِهَا عن حالِ العنصرِ الأسودِ (قدَّامَ العنصرِ الأبيضِ) شيئًا كَنِينًا من «الاتِّجَارِ الزَّرِيِّ» بحَقٍّ تاريخيٍّ تالدٍ، رغمَ سَيْرِهِ «تَسْيَارًا عَكْسِيًّا» حسبَمَا تَبْتَنِيهِ العبارةُ التصديريَّةُ الفرويديَّةُ، إن أُخِذَ بالحُسْبَانٍ حالُ كلٍّ من عناصرِ الألوانِ الأديميَّةِ الأُخرى (كالأصفرِ والأحمرِ والأسمرِ) – ناهيكما عن أيٍّ من تلك «الشروطِ» الإجرائيةِ التي تسعى هكذا كاتبةٌ روائيَّةٌ من خلالِهَا حثيثًا إلى إثباتِ «لاعنصريَّتِهَا» الافتعاليةِ فعلاً، كمثلِ «شرطِ» قبولِ العنصرِ الأسودِ إن كانَ متفوِّقًا تفوُّقًا «ذاتيًّا» بصحوةٍ إصلاحيةٍ اجتماعيةٍ، أو حتى كمثلِ «شرطِ» استحسانِ هذا العنصرِ إن كانَ مُتَجَمِّلاً تجمُّلاً «آخَرِيًّا» بصحوةٍ إصلاحيةٍ ثقافيةٍ، وهلمَّ جرًّا. وفوقَ ذلك كُلِّهِ، كما تساجلُ الكاتبةُ الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» الغَضْبَى، فإن كلَّ تلك «الشروطِ» الإجرائيةِ ليستْ كافيةً بَتَّةً ما دامتْ أساليبُ الاقتناعِ اليقينيِّ، في هذا الزمانِ «الكورونيِّ»، لم تحقِّقْ بعدُ ذلك الابتغاءَ الإنسانيَّ الضميريَّ المنشودَ بأنَّ العنصرَ الأبيضَ ليسَ أحسنَ حَالاً من العنصرِ الأسودِ بالبَتِّ، وأيَّةً كانت «خصوصيَّةُ» اللونِ من أديمِ هذا الأخير، كذلك. وأيًّا كانَ غُفْلانُ هكذا كاتبةٍ روائيَّةٍ عن حقيقةِ التاريخِ، فضلاً عن ذلك، فإن شخصيةَ «بابا نويل» ليستْ سوى شخصيةٍ خياليةٍ آتيةٍ أصلاً، إبَّانَ حقبتِهَا التاريخيةِ الثانيةِ، من منطقةِ القطبِ الشماليِّ التي يتميَّزُ سُكَّانُهَا بشدَّةِ بياضِ الأديمِ، حتى أشدَّ بياضًا من أديمِ سُكَّانِ أوروبا ذاتِهَا (هذا إن لم يُذكرِ الشأنُ عن أديمِ السُّكَّانِ الأصليِّينِ في أمريكا قبلَ ابتلائِهَا بوباءِ الاستعمارِ الإنكليزيِّ في أواخرِ القرنِ السادسَ عشرَ). فها هو عالِمُ الإنسانِ (أو الأنثروبولوجيُّ) الشهيرُ، كلود ليفي-ستراوس (1908-2009)، في مقالِهِ الألمعيِّ الأشهرِ، «بابا نويل المُعَذَّب» Le Père Noël Supplicié، ها هو لا يهتمُّ قطعًا بذلك السببِ «المُلِحِّ» الذي يُفضي بالصغارِ إلى الإيمانِ الراسخِ والرَّسُوخِ بشخصيةٍ خياليةٍ، كمثلِ شخصيةِ «بابا نويل»، بل يهتمُّ أكثرَ فأكثرَ بتلك المدعاةِ «المِلْحَاحِ» التي تحدو بالكبارِ إلى جَعْلِ هؤلاءِ الصغارِ يؤمنونَ هذا الإيمانَ الراسخَ والرَّسُوخَ بهذهِ الشخصيةِ!

وكما قلتُ كذاك في القسمِ الثاني من هذا المقالِ، فإنَّ ثَمَّةَ دلالاتٍ نفسانيَّةً لَمِنَ الأهميةِ بمكانٍ يمكنُ، والحالُ هُنَا، استشفافُهَا من كلِّ ما أُشيرَ إليهِ من «سجالٍ» مباشرٍ، أو حتى لامباشرٍ، من لَدُنْ كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى. وهكذا، مرَّةً أُخرى، وفي لسانِ التجلِّي التنافَويِّ بينَ أحكامِ «الإيسَادِ» في عَالَمِ اللاوَعْيِ تارةً وبين أحكامِ «السَّدَادِ» في عَالَمِ الوَعْيِ طورًا، وبالأخصِّ منظورًا إليهِ من منظارِ مفهومٍ مُسْتَمَدٍّ، بنحوٍ أو بآخَرَ، من وَصَائدِ ذلك الحُيُود التقديريِّ، أو التخمينيِّ، الذي يُحدِّدُهُ المُحَلِّلُ النفسانيُّ الشهيرُ كذاك، جاك لاكان، اصطلاحًا بـ«سُوءِ الإدراكِ»، أو «سُوءِ التبيُّنِ» (إذْ حدَّده بالإفرادِ المعجميِّ، Méconnaissance، في اللغةِ الفرنسيةِ)، فإن أيَّ مثالٍ فعليٍّ ملموسٍ محسوسٍ يمثِّلُ ذلك العُدُولَ «الأخلاقيَّ»، دونَ النقيضِ «اللاأخلاقيِّ»، عن ذينك التنفُّخِ والتباهِي المُعتادَيْنِ بأيِّ شيءٍ لهُ صِلةٌ وَصُولٌ بأصْلِ أو بفَصْلِ المَعْنِيِّ (أو المَعْنِيَّةِ) من شخصيَّاتٍ سياسيَّةٍ «غربيَّةٍ» أَلاًّ و«فلسطينيةٍ» آلاً، إنما هو، من طرفِ طاقِمِ تحريرِ صحيفةِ «القدس العربي»، مثالٌ فعليٌّ ملموسٌ محسوسٌ يمثِّلُ بالفعلِ هذا الموقفَ «العنصريَّ المضادَّ» المُتَكَلَّمَ عنهُ هَا هُنَا بامتيازٍ، في القرينةِ أو القرائِنِ. ولٰكِنَّهُ موقفٌ «عنصريٌّ مضادٌّ» مُمَوَّهٌ تمويهًا «أخلاقيًّا» ظاهريًّا، ليسَ إلاَّ، بسببٍ، أو بأسبابٍ، من حالٍ نفسيَّةٍ لاسَوِيَّةٍ مُكْتَراةٍ اكترَاءً «لاأخلاقيًّا» باطنيًّا مِمَّا يُمْكِنُ أن نُسَمِّيَهُ الآنَ بـ«الارْتِكَاسِ التَّيْهَائِيِّ» Aporetic Retroaction، هذهِ الحالِ النفسيَّةِ اللاسَوِيَّةِ المُكْتَراةِ التي استحالتْ إلى حَوْلٍ «فاعليٍّ» بعدَ أن حَالتْ دونَ حَيْلِهَا المُحَالِ إلى حَوْلٍ «منفعليٍّ»، بحِيلةٍ أو حتى بحِيلاتٍ أو بأُخرى. مَا سَمَّيْنَاهُ الآنَ قَصْدًا في هذهِ القرينةِ النفسانيةِ بـ«الارْتِكَاسِ التَّيْهَائِيِّ» (وذلك نَسْبًا مقصُودًا إلى تلك «التَّيْهَاءِ» Aporia، وخاصَّةً من حيثُ مفهومُهَا «التِّيهِيُّ» و«المُتَيِّهُ» في إطارِ ذلك الجَدَلِ الفلسفيِّ السقراطيِّ بالذاتِ)، إنَّمَا سَمَّيْنَاهُ كذاك استئناسًا بمدلولِ مَا سَمَّيْنَاهُ في قرينةٍ نفسانيةٍ أُخرى، من قبلُ، بـ«الدَّالِّ التَّيْهَائِيِّ» Aporetic Signifier، هذا الدَّالِّ الذي يعملُ في المحلِّ العقليِّ، أوِ في الحَيِّزِ الذِّهْنِيِّ، بمثابةِ بقعةٍ شَمُوسٍ عَنُودٍ مُثِيرَةٍ للحَيْرَةِ والذُّهُولِ خفيَّةِ «الصَّائِتِ»، أو المبنى (لا «المَصُوتِ»، أو المعنى): إذْ تتبدَّى هكذا بقعةٌ شَمُوسٌ عَنُودٌ تبدِّيًا كنظيرةٍ جِدِّ شبيهةٍ بمَا يُعرفُ اصطلاحًا في علمِ البصرياتِ بـ«النقطةِ العمياءِ» Blind Spot، وخاصَّةً كذاك من حيثُ مفهومُهَا «العَمَويُّ» و«المُعَمِّي» في مجالِ ذاك السَّجْلِ الإدراكِيِّ البصريِّ ومَا تقتضيهِ إواليَّاتُهُ التَّحْتِيَّةُ من تأويلٍ معرفيٍّ، أو عرفانيٍّ، تحديدًا. ذلك لأن الاستدلالَ المعنيَّ الذي يُسْتَدَلُّ بهِ في هكذا محلٍّ عقليٍّ، أو حَيِّزٍ ذِهْنِيٍّ، لا يتمُّ بناؤُهُ على أساسِ مَا يُرى فعليًّا رَأْيَ العَيْنِ في واقعِ الأمرِ، بلْ يتمُّ بناؤُهُ على أساسِ مَا لا يُرى بهذا الرَّأْيِ العَيْنِيِّ في حدِّ ذاتِهِ (إلاَّ أنَّهُ قدْ يُرى الرَّأْيَ كُلَّ الرَّأْيِ القلبِيِّ، في المقابلِ). وهكذا، مرَّةً ثالثةً، وبالارتدادِ «اللاتَيْهَائِيِّ» إلى بئيسِ الحَالِ من كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى، من خلالِ مَا تَمَّ تعيينُهُ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ في نَاصِيَةِ المقالِ من «خَرَفِ ٱلْعِفَافِ سَهْوًا أَمْ خُلْفِ ٱلْإِرْدَافِ رَهْوًا»، فإنَّ مجرَّدَ مَا تراهُ بالرَّأْيِ العَيْنِيِّ (دونَ الرَّأْيِ القلبِيِّ) من بياضِ الأديمِ من شخصيةِ «بابا نويل» في تقريرِهَا الصحافيِّ المُشَارِ إليهِ في القسمِ الأوَّلِ، وإنَّ مجرَّدَ مَا تَتَّخِذُهُ كذاك من جَرَّاءِ هذا الرَّأْيِ العَيْنِيِّ من موقفٍ «لاعنصريٍّ» غَضْبَانَ غَاضِبٍ مِمَّا تخالُهُ كُلَّ الخَيْلِ والخَيَلانِ موقفًا «عنصريًّا» نهائيًّا لا مِرَاءَ فيهِ مُتَّخَذًا من لدنْ أولئك «القوَّادينَ البيضَانِ» الذين لمْ يفتأوا ينفُثُونَ في نفوسِ الأطفالِ سُمُومَ تيك الأفكارِ التفوُّقيةِ الآنفةِ الذكرِ أيضًا، إنَّمَا يُذَكِّرَانِ، قبلَ كُلِّ شيءٍ، بتيك «الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَائِيَّةِ» الظاهريَّةِ التي يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهَا بسُهُولةٍ ويُسْرٍ من فحوى القولِ الشكسبيريِّ المأثورِ ذي الدَّلالةِ العميقةِ مَدًّا (ولكنْ مأخوذٌ بذاك باتِّجَاهِهِ القَصْدِيِّ الخُلْفِيِّ، بالطبعِ)، «لَيْسَ كُلُّ مَا يَلْمَعُ ذَهَبًا» All That Glisters Is Not Gold، أو حتى من فحواءِ قولِ المتنبي المأثورِ ذي الدَّلالةِ الأشدِّ عمقًا بكثيرٍ مَدًّا أمَدَّ هَا هُنَا (وبأخذِهِ كذاك بذاتِ الاتِّجَاهِ القَصْدِيِّ الخُلْفِيِّ، بطبيعِةِ الحَالِ)، «أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكِ صَادِقَةً / أَنْ تَحْسَبِي الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ» – والحَالُ الشِّعْرِيُّ المُخَاطَبُ، هَا هُنَا أيضًا، بالصَّوْغِ المُؤَنَّثِ مقصودٌ كُلَّ القَصْدِ، عندَ هكذا حَدٍّ، ومُوَجَّهٌ توجيهًا خاصًّا ومخصُوصًا إلى كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى، في حدِّ ذاتِهَا، لكي نُذَكِّرَهَا، بعدَ كُلِّ شيءٍ، بتيك «الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَائِيَّةِ» الباطنيَّةِ التي يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهَا كذاك، ولكنْ بصُعُوبَةٍ وعُسْرٍ، مِمَّا وراءَ وتحتَ السُّطورِ من أقوالٍ مأثورَةٍ، أو حتى «لامأثورَةٍ»، أُخرى غيرِ هٰذين القولَيْنِ المأثورَيَنِ، على النقيضِ!

ليسَ في هذا السياقِ المَرَامُ، حَسْبَمَا يُوحِي بِهِ مِنْ حَشْدِ المُعْطَيَاتِ المَقَامُ، أنْ يُصَارَ إلى تحويلِ ذاتِ القصدِ من وراءِ مسألةِ التحليلِ المُتَحَدَّثِ عنها أسَاسًا من مغزى ثنائيةِ «العنصريَّةِ» و«العنصريَّةِ المُضَادَّةِ»، من جانبٍ أوَّليٍّ، إلى مغزى ثنائيةِ «الطائفيَّةِ» و«الطائفيَّةِ المُضَادَّةِ»، من جانبٍ ثانويٍّ، على الرغمِ من أنَّ ثَمَّةَ مِسَاسًا موضوعيًّا جليًّا كلَّ الجلاءِ بينَ كلٍّ من طَرَفَي هٰتينِ الثنائِيَّتَيْنِ (إذْ تُشَكِّلُ كلٌّ منهما «طِبَاقِيَّةً» Antithesis، بالحَرِيِّ، قائمةً بذاتِهَا). فمن منظورِ هكذا مِسَاسٍ موضوعيٍّ جليٍّ على أدنى تخمينٍ، إذن، لا ضَيْرَ في تبيانِ شيءٍ من هذا «التحويلِ» القصديِّ من أضغاثِ تمييزٍ عنصريٍّ (ومضادِّهِ) بالاستنادِ إلى تأثيلِهِ الجسديِّ (أو البيولوجيِّ) في اللونِ أو العرقِ، من الجانبِ الأوَّليِّ ذاتِهِ، إلى أضغاثِ تمييزٍ طائفيٍّ (ومضادِّهِ) بالاعتمادِ على تمثيلِهِ العَقَدِيِّ (أو الإيديولوجيِّ) في الدينِ أو المذهبِ، من الجانبِ الثانويِّ عينِهِ – لا ضَيْرَ فيهِ بَتَّةً ما دامتْ كاتبتُنَا الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» الغَضْبَى نفسُهَا قد لمَّحَتْ، في تقريرِهَا الصحافيِّ الأخيرِ، تلميحًا عابرًا، لكنَّهُ ليسَ بعابرٍ، كانتْ قد أوقعتْ نفسَهَا من جَدَاهُ في شَرَكِ الاشتكالِ التمييزيِّ والتمييزيِّ المُضَادِّ نفسِهِ، من حيثُ المبدأُ، حتى وإنْ كانَ هذا التلميحُ (اليتيمُ اللطِيمُ) يرتدي رداءً احتماليًّا صريحًا بأنَّ سلطاتِ القضاءِ الإنكليزيةَ، بالإيمَاءِ الخفيِّ من لدنِ رأسَي العائلةِ الملكيةِ، قد «رفضتْ منحَهُ [أي رجل الأعمال المصري، محمد الفايد] الجنسيةَ البريطانيةَ (ربما لأنه مسلم؟)»! من هنا، فإنَّ هكذا تلميحًا عابرًا، لكنَّهُ ليسَ بعابرٍ، مقترنًا بالإفرادِ المعجميِّ الذي يدلُّ على معنى الاحتماليةِ، «رُبَّمَا»، لكفيلٌ لوحدِهِ، ووحدِهِ ليسَ إلاَّ، بكشفِ اللثَامِ عن ميدَاءِ مَسْكِ يَرَاعِ كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى مسألةَ الدفاعِ عن حَالِ الأنَامِ المسلمينَ المُجْحَفِ بحقِّهِمْ في بريطانيا من ذيلِها، لا من رأسِها بالمثابةِ ذاتِها (فيما يخصُّ حَالَ الأنَامِ السُّودِ المضطهَدينَ)، وإلى حدٍّ يتبدَّى فيهِ ذلك الموقفُ «اللاطائفيُّ»، جَرَّاءَ ذاتِ التفسيرِ البديهيِّ ذاكَ، موقفًا «طائفيًّا مضادًّا» بامتيازٍ كذلك، شاءتْ كاتبتُنَا الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» الغَضْبَى، في هكذا موقفٍ، أمْ أبتْ (انظرا، مثلاً، تقريرَهَا «المَلَكِيَّ» جُلاًّ: «سرقوا ماله وسرق كليتها!»، القدس العربي، 25 شباط 2022). ذلك لأنَّ ثَمَّةَ في هذهِ الـ«بريطانيا» الإمبرياليةِ بالذاتِ، على مدى إجحَافِهَا اللاإنسانيِّ واللاأخلاقيِّ بحقِّ المهاجرينَ واللاجئينَ من العربِ ومن غيرِهِم كذاك بوجهِ العمومِ، ذلك لأنَّ ثَمَّةَ فيهَا الملايينَ من المسلمينَ (والمسلماتِ) الذين تمَّ مَنْحُهُمْ «شرفَ» الجنسيةِ البريطانيةِ مَنْحًا رسميًّا، فوقَ ذلك كلِّهِ، وبغضِّ الطَّرْفِ عن أيٍّ من تلك الأسبابِ القضائيةِ التي تشيرُ، بهيئةٍ أو بأخرى، إلى انعدامِ صَلاحِ رجلِ الأعمالِ المصريِّ ذاكَ «مواطنًا بريطانيًّا صَالحًا»، نظرًا لتورُّطِهِ في اللجُوءِ إلى رَشْوِ عددٍ من أعضاءِ حزبِ المحافظينَ مقابلَ طَرْحِهِم أسئلةً مُعَيَّنَةً قُدَّامَ مجلسِ العمومِ، مِمَّا أسَاءَ إلى سُمْعَتِهِم السياسيةِ أكثرَ فأكثرَ قبلَ مُجْرَيَاتِ الاِنتخابِ الحكوميِّ عامَ 1997 – حتى قبلَ حُدُوثِ (أو حتى تدبيرِ حُدُوثِ) ذلك الحادثِ الفرنسيِّ الباريسيِّ الذي أودى بحياةِ كلٍّ من ديانا فرانسيس سبنسر، أميرةِ الويلز سَابقًا، و«عشيقِهَا» دودي (عماد) الفايد، نجلِ رجلِ الأعمالِ المصريِّ ذاكَ في اليومِ الأخيرِ من شهرِ آبَ من ذلك العامِ. تلك هي، إذن، بضعةٌ من التَّجَلِّيَاتِ اللغويةِ واللالغويةِ لِمَا سَمَّيْنَاهُ قَصْدًا بـ«الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَائِيَّةِ» الظاهريَّةِ، من طرفٍ أوَّلَ، هذهِ التَّجَلِّيَاتِ التي تحملُ بينَ طَيَّاتِ كلِّ حرفٍ من حروفِهَا (أو حتى كلِّ لاحرفٍ من لاحروفِهَا)، في المقابلِ النقيضِ، بضعةٌ موازيةً من التَّجَلِّيَاتِ الذهنيةِ واللاذهنيةِ لِمَا سَمَّيْنَاهُ عَمْدًا كذاك بـ«الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَائِيَّةِ» الباطنيَّةِ، من طرفٍ آخَرَ، وذلك فيما لهُ مِسَاسٌ بمغزى ثنائيةِ الموقفِ «الطائفيِّ» والموقفِ «الطائفيِّ المُضَادِّ» بالاعتمادِ على عينِ التمثيلِ العَقَدِيِّ (أو الإيديولوجيِّ) في الدينِ أو المذهبِ، من الجانبِ الثانويِّ عينِهِ، كما ذُكِرَ. تلك هي، إذن، بضعةٌ من هكذا تَجَلِّيَاتٍ فيما يخصُّ مغزى هكذا ثنائيةٍ، على وجهِ التخصيص، وعلى الأخصِّ هنا حينما تتبجَّحُ كاتبتُنَا الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» الغَضْبَى أيَّمَا تبجُّحٍ، بالمرارِ والتكرارِ في هكذا موقفٍ من هكذا قبيلٍ، بأن روايتَهَا التليدةَ والعتيدةَ، «بيروت 75»، قدْ تنبَّأتْ باندلاعِ الحربِ الأهليةِ (الطائفيةِ) في لبنانَ الجَريحِ قبل اندلاعِهَا الفعليِّ بعدَّةٍ من أشهرٍ – إذْ قالتْ تلك العرافةُ قولَهَا «الدَّمَوِيَّ» التعميميَّ الجارفَ والغائمَ الشهيرَ، قالتْهُ لذاك السياسيِّ الكبيرِ: «أرى دمًا، [أرى] كثيرًا من الدَّمِ»، وكانَ ذلك إبَّانَ فصلِ الصيفِ من ذاك العامِ 1974، تحديدًا، وكانَ ذلك أيضًا إبَّانَ صدورِ تلك «الروايةِ النبوءَةِ» ذاتِهَا، تحديدًا أكثرَ! فكمْ من الرثاءِ، كمْ من الرثاءِ، نحتاجُ حقًّا لكي نرثي لحَالِ كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» و«اللاطائفيَّةِ» الغَضْبَى، وأمثالِهَا من الكاتباتِ الإناثِ والكُتَّابِ الذُّكُورِ؟

لم يبقَ، في آخِرِ المَطَافِ، أحدٌ من هؤلاءِ الكاتباتِ الإناثِ والكُتَّابِ الذُّكُورِ من العربِ خاصَّةً ولم تتنبَّأْ ولم يتنبَّأْ بهذهِ الحربِ الأهليةِ هَا هُنَا أو حتى بتلك الثورةِ الشعبيةِ هَا هُنَاك، من أجزاءِ هذا العالَمِ العربيِّ الرَّثِيمِ – أو حتى لم يبقَ أحدٌ منهنَّ ومنهُمْ كانَتْ قدْ تنبَّأَتْ وكانَ قدْ تنبَّأَ بهذهِ الحربِ الأهليةِ أو حتى بتلك الثورةِ الشعبيةِ ولم تَصْدُقْ «نبوءَتُهُا» كلَّ الصِّدْقِ ولم تتحقَّقْ «"نبوءَتُهُ» كلَّ التحقُّقِ، عاجلاً أو آجلاً! هكذا هُنَّ وهُمْ منذُ بداياتِ سِيَرِهنَّ وسِيَرِهِمْ في الكتابةِ الأدبيةِ، قِصَّةً كانتْ أم رُوَيَّةً (تصغيرًا للرِّوَايةِ) أم رِوَايةً، في أكثرِ الأحايينِ، وحتى هذا الحينِ بالذاتِ – هكذا هُنَّ وهُمْ شاطراتٌ ماهراتٌ بارعَاتٌ وشاطرونَ ماهرونَ بارعُونَ في «التنبُّؤِ» دونَ أن يفعلنَ ودونَ أن يفعلوا شيئًا غيرَ هذا «التنبُّؤِ» أو مَا شَاكَلَ، أو حتى دونَ أن يفعلنَ ودونَ أن يفعلوا شيئًا غيرَ التذكيرِ بهذا «التنبُّؤِ» أو مَا شَابَهَ! وكأنهُنَّ وكأنهُمْ بهذا التذكيرِ يضعْنَ ويضعونَ اللائمةَ واللَّوْمَ وضعًا لامباشرًا ولاواعيًا على عواتقِ «الشعبِ» القارئِ المغلوبِ على أمرِهِ جمعًا شاملاً (للجنسَيْنِ معًا)، والذي صَادفَ أنْ قرأ لهُنَّ ولهُمْ هذهِ «الروايةَ النبوءَةَ» ذاتًا أو تلك «الروايةَ النبوءَةَ» عينًا – ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، دونَمَا أيَّةِ فائدةٍ تُرْجَى وتُؤْمَلُ من بناتِ ومن أبناءِ هذا «الشعبِ» القارئِ المغلوبِ على أمرِهِ جمعًا شاملاً (للجنسَيْنِ معًا)! فكمْ من الرثاءِ، كمْ من الرثاءِ، نحتاجُ حقًّا في هذا الزمانِ «الكورونيِّ» العصيبِ، في هذا الزمانِ «المُتَحَوِّرِ» العجيبِ؟!

[انتهى القسم الثالث من هذا المقال ويليه القسم الرابع]

*** *** ***

دبلن (إيرلندا)،
27 شباط 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات