الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء النصي القصصي العراقي

محمد خضير سلطان

2006 / 9 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في البدء لابد من الاشارة الى ان رواية القاص والروائي زيد الشهيد ( سبت يا ثلاثاء ) ، قد اسقطت العقد الايصالي المتضمن مع القارىء ، وهو العقد المفترض بين ايصال الرسا لة السردية من الباث الى المستلم في ظل تقاليد وعادات قراءة معينة ولم ينشأ هذ ا العقد لاسباب فنية وموضوعية ، سنأتي على ذكرها كما نعتقد .
وتبعا لهذا العقد لم تتدبر الرواية عنصري التشويق والنمو بالطريقة التي اعتادها القارىء العادي او كما يسمى على نحو آخر في خطاب الحكاية لجيرار جينيت ، كمية الخبر من المخبر ( السارد او الروائي ) وعمليات تنظيمهما داخل السرد اذ تتحصل الرؤية عند الناقد والقارىء بفصل الخطاب عن النص( المعيوش عن الكتابة) والنظر النقدي من كل اتجاه الى الآخر بتوازن دقيق، محسوب، وفقا للقراءة النقدية التي لاتجعل المحتوى ، يقوم بذاته على النص( شكلا ومضمونا) حسب القراءة التقليدية بل النظرة التي ترى بان النص هو جزء من عالمه الخطابي في مكان وزمن محددين، وهذا لايعني بالتاكيد ، ليس هناك مشتركات خطابية ونصية ولكن غياب التوازن المحسوب ، يجعل من النص خطابيا مباشرا في احد مظاهره ، تذوب فيه القيم الفنية للنص في تقريرية وغلبة الخطاب ( الخارج الموضوعي ) ، وهذا النموذج الفني من البناء محصور في الاستئثار السلطوي بالابداع وتغليب عنصر الايديولوجيا في النسيج النصي ومثل هذا النموذج مستبعد في قراءة هذه السطور، اما النموذج البنائي الآخر لهذه القراءة ، حين يكون الخطاب مندمجا بعمق في النص فلا يبقي له اثر في مساحة سردية ولا يمكن الاستدلال عليه بسبب من هيمنة البناء الرمزي واجتياح اللغة الشعرية للوعي والاسلوب الدائري الذي يقصي فهم الخطاب وتلمس ابعاده في الواقع ، خارج النص ويحيله الى صيرورة وهم اذا جاز التعبير ، ولعل القصة القصيرة (العراقية ) اكثر انسجاما لهذا النمط السردي من فن الرواية دون ان يكون مطلقا ، لأن فن القص القصير هو حلم موجه كما يذهب بورخس فيما تصر الرواية على انها فن اليقظة المجاور للعالم .
وفي اثر ذلك ، فان الانشائية الشعرية في القصة القصيرة الاكثر تجريدا من الرواية التي لاتفقد شعريتها احكام الصيرورة زمانا ومكانا وشخصيات .... وهذا النمط من الباء القصصي ( اختفاء الخطاب في النص ) سائد في العراق الى الحد الذي لاينكر احد بان القصة القصيرة العراقية اطول قامة من الرواية ، وتلك مفارقة لاتوجد في تاريخ السرد بالعالم ، وتعود اسبابها في بلادنا الى غياب الحرية منذ السبعينيات من القرن الماضي من جهة ، واستحالة تراجع مشاريع قصصية ، انطلقت منذ الخمسينيات ولا تستطيع كبح طاقاتها الهائلة من جهة آخرى.
ونجم عن تلك المواضعة السياسية ، خوف الكتاب من البطش القمعي وترتب عليه ، اختزال الرواية في القصة القصيرة والعكس ايضا، حيث ان روايات عديدة ، صدرت في التسعينيات لاتغدو الا ان تكون تبئيرات قصصية قصيرة ، تتخذ شكلا روائيا وتعمل على دمج الخطاب بالنص بحيث تكسب رضا الرقيب المستبد دون ان تستبعد قلقه وتشكيكه( ويدرك الوسط الادبي في التسعينيات ، كيف كانت المعارضة الادبية الحذرة واحيانا العفوية، تشكل احدى سمات الوعي السياسي وانعكاساته على تقنية البناء النصي ) ولكن هذا الشكل النصي المقبول فنيا في القصة القصيرة ، لايصمد امام صرامة البناء الروائي ودقة فصل الخطاب عن النص الا اذا نظرنا الى اسبابه ومسوغاته البوليتكي ادبية في الخوف من بطش الرقيب .
وبعد سقوط الديكتاتورية في 9-4-2003 ، وتحرر الادب القصصي والروائي من تقنية البناء التي فرضها القمع – في ضوء هذه الفرضية- لابد ان تكشف الروايات والقصص العراقية القادمة عن مستويات فنية جديدة من البناء في اجواء طبيعية من انطلاق الطاقة الكتابية في الوضع الخطابي والنصي السليم ولابد ان تقيم قطعا معرفيا مع طبيعة الباء السابق .
في هذا السياق ، لم ينشأ العقد الايصالي الافتراضي مع القارىء حتى ان القارىء الاخر العربي يرى صعوبة وعسر شديد في الفهم للنص العراقي وتقلب في لغة جهنمية، حارقة ، فذة، مقعرة وجارية مثل نهر مثقل بحجارة قاعه، واوراق الهزيمة والحصار والحروب المتتالية، حروب العراق، تطفو كورق سقط على صفحته. ( انظر مقدمة كلاديس مطر لرواية سبت ياثلاثاء).
ان النصية واختفاء الخطاب ، تشكلان احد مظاهر البناء الفني للسرد العراقي في زمن الاستبداد،وتعد تلك النصية احد انعكاسات ارهاب الدولة على عملية الابداع، وهو ليس عيبا انما فضيلة من فضائل ادامة الزخم السردي في ظروف انعدام حرية التعبير وتبئيره على الخطاب من زوايا متعددة مفتوحة ونموذج رواية ( سبت يا ثلاثاء) احد هذه التطبيقات وآخرها اذ ستشهد المرحلة القادمة ، استعادة العقد الايصالي مع القارىء العادي واحتساب دقة الخطاب من النص وما يميز رواية الشهيد ، انها كتبت قبيل سقوط الديكتاتورية ونشرت بعد انهيارها لتغلق باب الكتابة النصية في ضوء هذه الفرضية وتفتح طريقا جديدا لبنائية واقعية ، يتماسك فيها المتلقي مع الباث والرسالة في حياة كاملة وتقاس ابعادها التكاملية رهنا بالقدرة على توظيف الدلالات والخبرات سواء في الكتابة او القراءة .
في ( سبت يا ثلاثاء) ، النموذج الاخير، تتجه الطاقة الدلالية الى اقصاها في البحث عن المدلول وحينما تصل اليه بعد ازاحة اقواس عديدة من الغبار، نحسب واهمين انه المعنى ثم ما نلبث ألا ان نستبعده من جديد لنراقب التشكيل النغمي في اتجاهات منقطعة او متذبذبة وعبر انتقالات سردية وصورية ، تتخذ مسارا دائريا ،و في
داخل المسار الدائري ، ينظم التدفق الصوري واجتياح اللغة للوعي مثلما يحدد الانفلات من المحتوى والانتقال
من الكابوس الى فضاء الرؤية الكابوسية واستدراج المتحرك من الغبار والماء والجسر لدفعه باتجاه كثافة اوسع على خط افق الكتابة وليس الوقائع ، اي ان الوقائع كلها ، تتضافر للتعبير عن واقعة الكتابة والكاتب يحدد موقعه من الرواية في موقع سردي معلن ، يظهر كراو بين موقف وآخر، ويحدد مواقع الشخصيات والامكنة والاشياء والخلائق ولكنه ينتقل اخيرا بالبؤرة السردية اخيرا الى فضاء السرد والكتابة مستغرقا بمتواليات سمعية وبصرية ، تتابع هنا وتنقطع هناك بحيث تحيل المبنى الحكائي الى هشيم وتعنى فقط بغلبة المبنى القصصي ، ثمة مثال شائع، يفيد بهذا المعنى ، انك تستطيع رؤية الشخصيات مثل اشجار داخل الغابة، تقترب منها الواحدة تلو الاخرى ، ولكن حين تبتعد لاترى سوى الغابة- الرواية التي تشكل مشهدا ثانيا، مستحدثا، تغدو فيه اللغة غير متحصلة لمجموع خصائص العناصر الآخرى وتبدو الرؤية في سياقها اللغوي الشعري وكأنها هي الهدف ، ولا شك من ان هذه الهدفية مبدعة لو اتاحت قدرا من حرية التعبير لدى الكاتب وهي هدفية خلاقة في رواية ( سبت يا ثلاثاء) بشرط اطلاق السرد ووقف تنفيذ سلطة الرقيب ، حينئذ نحقق مشتركات المبنى الحكائي والقصصي، والغابة والاشجار، اللغة والسرد، الخطاب والنص، وستظهر حتما في القصة والرواية العراقيتين سواء عند الكاتب الشهيد او الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر