الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية هي الحرب والاشتراكية هي السلام!

منذر علي

2022 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان التنافس على التوسع والسيطرة والهيمنة على العالم بين الدول الرأسمالية، هو السبب الذي قاد إلى الحرب العالمية الأولى بين 1914- 1918، وأسفرت الحرب الإجرامية عن مقتل ما لا يقل عن 37 مليون نسمة. وعقب الحرب الأولى، وعَدتِ الحكومات الرأسمالية الغربية شعوبها أنَّها ستتعلم من مآسي الحرب وستعمم ثقافة السلام والوئام والحرية في بلدانها والعالم، ولكنها، ولنفس الأسباب السابقة الدافعة للحرب، لم تكتفِ الحكومات الرأسمالية الغربية بأنها لم تتعلم من تلك المأساة الإنسانية فحسب، بل أنها كررتِ الجريمة وصنعتْ مأساة أكبر في الحرب العالمية الثانية بين 1939-1945، وقتلتْ ما لا يقل عن 60 مليون إنسان، فضلًا عن مقتل عشرات الملايين في المُستعمرات السابقة كالهند والجزائر والعراق وسوريا، و نقل الملايين من سكان أفريقيا والتجارة بهم واستخدامهم في أعمال السخرة وقتلهم، واستئصال الشعوب الأصلية، من سكان أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، أسفرتِ العملية في مجملها عن مقتل مئات الملايين. هذه هي القصة الدامية للرأسمالية.

***
وما يجري اليوم في أوكرانيا هو تجسيدٌ لحرب الرأسمالية على الشعوب. ما يجري اليوم في أوكرانيا هو صناعة الرأسمالية الغربية التي تشارك فيها الرأسمالية الأوكرانية الفاشية، بمساعدة مُعلنة لدول حلف شمال الأطلسي، الناتو، التوسعية، وبمشاركة عسكرية فعلية سرية في الحرب، في مواجهة الحكومة الروسية الرأسمالية التي تسعى للحفاظ على كيانها التاريخي المهدد، واستعادة هيمنتها الإمبراطورية، ولكن بمرجعية دينية تاريخية، مسيحية أرثوذكسية، وليست بمرجعية أممية اشتراكية كما عملت السلطة الثورية البلشفية.
التدخلات الرأسمالية الغربية العدوانية في الشأن الروسي ليست جديدة، فحينما قامت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا القيصرية سنة 1917، وأرست، أول تجرِبة في التاريخ، لسلطة العمال والفلاحين، وفضحت الاتفاقيات الاستعمارية، بما في ذلك اتفاقية سيكس بيكو، Sykes–Picot Agreement، سنة 1916، بين الحكومتين الاستعماريتين: البريطانية والفرنسية لتقسيم وتقاسم العالم العربي والإسلامي. كما حثت الحكومة الثورية في روسيا شعوب الشرق على النهوض والانعتاق من العبودية، وأعربت عن رغبتها في مساعدة تلك الشعوب على التحرر من الاستعمار. وكرد فعل على هذا الموقف الثوري والإنساني، فأنَّ الدول الرأسمالية، ولا سيما الحكومات الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية وغيرها، بعثت قواتها إلى حدود روسيا، وحاصرت الثورة البلشفية الوليدة، ودعمت "المليشيات البيضاء" المناهضة للثورة الاشتراكية بين 1918 -1921، وقتَلَتْ ما لا يقل عن 3 مليون نسمة.

***
وعلى الرغم من أنَّ الثورة البلشفية انتصرت على قِوَى التدخل الخارجي والداخلي حينذاك، فأنَّ الدول الغربية عاودت عدوانها مرة أخرى، وهاجمت الاتحاد السوفيتي سنة 1941، ومرة أخرى انتصرت الثورة البلشفية ودحرت الفاشية وحررت أوروبا الشرقية، وترسخت عقب الحرب العالمية الثانية سلطة العمال والفلاحين في الاتحاد السوفيتي، وأتسعَ نطاق المعسكر الاشتراكي، وتحررت، بمساعدة الاتحاد السوفيتي، الكثير من شعوب المستعمرات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولكن الرأسمالية سرعان ما عاودت الكرة مرة ثالثة في أواخر الثمانينيات، وأسقطت النظام الاشتراكي سنة 1991 بتظافر متقن بين البيروقراطية الداخلية والرأسمالية الطفيلية الداخلية والإمبريالية الخارجية، ولا سيما الأمريكية والبريطانية في ظل صعود الليبرالية الجديدة إبان حكم مارجريت تاتشر ورونالد ريغان.
و منذ ذلك الحين هيمنَ على العالم ما يُسمى القطب الواحد أو الأوحد، وغدت الحروب الإمبريالية هي السمة البارزة في العلاقات الدولية، بهدف السيطرة والهيمنة، وأصبحت الحروب تتكاثر وتتوسع : من يوغسلافيا إلى العراق، ومن ليبيا إلى سوريا، ومن أفغانستان إلى اليمن، ومن فلسطين ومن أثيوبيا إلى أوربا الشرقية وأوكرانيا. الأدهى من ذلك أن الرأسمالية الغربية الجامحة وفي محاولة منها للسيطرة على العالم، حرَّضتْ وغذت ما يُسمى بصراع الحضارات، حسب تعبير برناد لويس وتفسير صامويل هنتنجتون، وجعلت الإسلامي ضد المسيحي، والبوذي ضد الهندوسي، والبروتستانتي ضد الأرثوذكسي والسني ضد الشيعي، ثم انتقلت إلى تفجير الصراعات الإثنية والعرقية في إطار كل دولة، وأصبح العربي يقتل العربي، واليمني يقتل اليمني، والأفريقي يقتل الأفريقي، والأمريكي اللاتيني يقتل الأمريكي اللاتيني، والأفغاني يقتل الأفغاني والهندي يقتل الهندي والسلافي يقتل السلافي، دفع العالم للانتحار تمهيدًا للهيمنة الإمبريالية الشاملة على العالم.

***

إنَّ الحرب بين الحكومتين الروسية والأوكرانية التي اندلعت يوم 24 فبراير ونفذتها النخب السياسية المهيمنة على السلطة في روسيا و أوكرانيا، النخب، المعبرة عن مصالح الطبقيتين الرأسماليتين وعن الأوهام التاريخية والإمبراطورية والليبرالية الزائفة، هي صناعة رأسمالية غربية هدفها تقويض الدولتين الأوكرانية والروسية وتفكيك الدول كانت منضوية ضمن الاتحاد السوفيتي والتهامها وبسط نفوذها عليها في ذلك الفضاء الجغرافي. الحرب في أوكرانيا، وبعد ستة أيام على اندلاعها، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف، ومن المرجح أن تطول وتسفر عن مقتل عشرات الآلاف وربما مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، وقد تتدحرج إلى أسوأ كارثة إنسانية، تقوض الحضارة الإنسانية برمتها.

***
المطلوب اليوم وبشكل عاجل، هو كف يد التدخل الماكر لحلف الأطلسي، الناتو، في الشأنين الأوكراني والروسي، والوقف الفوري للحرب، وتأمين استقلال أوكرانيا، كدولة ديمقراطية مستقلة محايدة، خارج إطار الأحلاف العسكرية العدوانية، وضمان أمن روسيا الاتحادية وتطبيع العلاقات بين الشعبين، الأوكراني والروسي، الشقيقين. المطلوب في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ العالم، هو مواجهة الرأسمالية بكل الأشكال، دون تردد أو مواربة، فالأمر لا يقبل التأجيل، الرأسمالية هي مصدر الشرور في عالمنا، سواء في المناطق الملتهبة مثل أوكرانيا وأثيوبيا والعراق وسوريا واليمن وليبيا أو فلسطين أو في غيرها من مناطق العالم. الرأسمالية ليست عقيدة للحرية، كما يزعم الليبراليون، ولكنها أداة للسيطرة والهيمنة والاستغلال والنهب، الرأسمالية هي الحرب والعبودية والاشتراكية هي الحل للمآسي الإنسانية، الاشتراكية هي السلام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة