الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعود في الممنوع- قصة قصيرة

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2022 / 3 / 1
الادب والفن


صرخت أوتار البيانو في عنفوان شجي، حين استندت بمرفقي على أصابعه الأبنوسية. . مشيت إلى النافذة. أزحت الستار. فتحتها وأنا أتمطى. ارتشف صدري دفعة من النسيم القادم من جانب الحديقة الممتد حتى أقدام الربوة، التي تعلوها طاحونة الهواء، وقد بدأت في الدوران بعد خمول البارحة، مرددة أصداء سيمفونية صباحية أزلية. . عبرت عبر البهو مجتازاً البوابة الحديدية الضخمة، إلى الدرجات الرخامية الشهباء. المعروقة بالسواد. . نحو شجيرات الورد المتكاثفة في الناحية الشمالية من الحديقة. . كان الضباب ما يزال يحتضن براعمها المندسة بين الأوراق المبللة بالندى. والنجيل الداكن الخضرة يحتويها. . فراشة زاهية الألوان تعلو وتهبط. . ترفرف بجناحيها. ربما لتنثر الندى العالق بجسمها الرهيف. . تذكرت الجيوكندا. . ترسم الفراشة في حركتها خطوطاً في الهواء أشبه بتلك الابتسامة الغامضة، كأنغام يعزفها صباح لحبات ندى لؤلؤية. . تخيلتها هناك. ومازالت تبتسم. لزهرة برية تتفتح.
مشيت بجانب المروى. أتلمس مواطئ جافة تتحمل وزني الذي زاد أخيراً بصورة لم أعهدها من قبل. ربما هي سمة من سمات العقد الخامس، الذي داهمني على غير توقع، مصطحباً معه المزيد من اللون الأبيض، يصبغ به شعر رأسي، الذي يتقهقر مخلياً مواقعه، أمام أجناد الزمن التي لا تقهر.
برودة الليل مازالت تسري من جسم الصبح. تحملها نسائم تنذر بعاصفة في الطريق، بعد ليلة أمس الهامدة. . . . حلمت أنني أسبح عرياناً في بحيرة يتورد سطحها بالشفق. .عندما استيقظت. كان لجين الصباح يغزو جسد الليل المصلوب على خصاص النافذة. . كانت الجيوكندا أيضاً هناك. . كما كانت ترقبني وأنا أستحم في الماء والشفق، وقد سبب لي ذلك حرجاً كبيراًً. ربما لهذا أسرعت بالاستيقاظ. . . . وصلت إلى نهاية المروى، حيث البحيرة الكبيرة. مويجات رقيقة تداعب سطحها الفضي. . كانت بعض الطيور قد سبقتني إلى هناك. . . جلست على حجر كبير يطل على حافتها. في مواجهة التل الذي تتسلقه الشمس، وهي تخلع أردية المساء، ملقية بها عند السفح. . مازال هناك بعض من آثار ذلك الكوخ عند ذيل التل الملتحف بالظل. يتحدى عواصف الربيع والشتاء والنسيان. . . . .
مازالت بسمتها الطفلة حية أمام عيني. كقرنفلة تستحم في ندى الصباح. . يومها. حين أكمَلَتْ تسلق التل من جانبه الصخري شديد الانحدار، واستوت عند القمة تنفض الغبار عن ملابسها الزاهية. . كانت تلك لحظة خروج الضبع من الكوخ. في تراخ وكسل. . ربما كان أيضاً يتثاءب. . صوب بندقية من ذات الفوهتين. . اعتصر الزناد في بلادة. . أعقب ذلك صرخة مكتومة لعصفور أطبق عليه أحد الشراك المنصوبة بين الكروم. . . . كنت أضرب ماء البحيرة بقبضتي، وجسدي لا يستره إلا أشعة الشمس، التي بدأت تتألق على قمة التل. . أسند البندقية على عنق شجيرة برية، وحمل الجاروف، واتجه بخطوات رتيبة إلى ذات النقطة عند السفح، حيث أكمل جسدها الرقيق المصبوغ باللون الأحمر انحداره. واستقر بين الصخور الرمادية الملساء. تاركاً خطاً ممتداً، من القمة اللامعة إلى الأقدام المغمورة في بحر الظل. كقوس قزح بلون أحادي. أحمر قان. احتفظت به الرمال لبعض الوقت. . . . . يومها ركضت بسرعة بدت لي خرافية. . الماء والضوء العالقان بجسدي يتناثران مع الهواء في عكس الاتجاه. . . . . كانت ملابسي مازالت هناك. تحت ذلك الحجر المدبب، خلف شجرة الكافور العتيقة. . كنت أعلم أن كل شيء قد انتهى. وأن علي أن ألتف خلف قوس البحيرة الممتد، لأصل إلى هناك. . . . . عندما وصلت، كان قد حفر قبراً. وارى فيه جسدها الحبيب. . وأهال عليه التراب. وفوقه وضع شاهداً، ولافتة مكتوب عليها:
"هنا يرقد من خرق قانون حظر تسلق المرتفعات"
***
من مجموعة قصصية "ليلة فصح فرعونية"- الحضارة للنشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة