الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اركان بناء الدولة المدنية العصرية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هل وصل العرب حقا إلى بناء دول عصرية، يشعر فيها المواطنون بالآمننة بمفهومها الشامل؟
أم أن العرب ما زالوا في مرحلة ما قبل الدولة؟
ام أن أنظمة الحكم في بلاد العربية كلها ما هي إلا عصابات استولت على السلطة بقوة السلاح والعصبية القبلية والاسرية؟
سألوا حكيم الصين " كونفوشيوس " ما هي الأسس التي يجب على النظام السياسي أن يرتكز عليها لاستمرار الدولة وحمايتها من الفوضى والانهيار؟
فأجاب كونفوشيوس قائلا: على الحاكم أن يرتكز على ثلاثة ركائز صلبة: أولها أن يوفر القدر الكافي من لقمة العيش لكل مواطن، ثانيها أن يوفر القدر الكافي من القدرات العسكرية لحماية أمن الوطن. - ثالثها أن يوفر القدر الكافي من الثقة بين الحاكم والمحكوم ثم سألوه إذا أردنا ان نضحي بأحد الاشياء الثلاث فبأيهما نضحي؟ قال كونفوشيوس: نضحي بالقدرات العسكرية. ثم سألوه: وإذا أردنا أن نضحي بأحد الشيئين الباقيين فبأيهما نضحي؟ فرد كونفوشيوس الحكيم: في هذه الحالة نضحي بلقمة العيش لأن الثقة بين الحاكم والمحكوم إذا غابت غاب معها معنى الدولة.
قال رسول الله عليه صلوات الله وسلم:" من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا."
وضع الرسول ثلاثة أسس رئيسية يجب توفرها للإنسان لكي يشعر بأنه محمي من الاخطار المهددة لحياته وهي:
أولا الأمن: قوله: "آمنًا في سربه"، قيل: المعنى: في أهله وعياله، وقيل: في مسكنه وطريقه، وقيل: في بيته، فهو آمن أن يقتله أحد، أو يسرق بيته، أو ينتهك عرضه.فواجب الحكومة حمايته من أي خطر يهدد حياته واملاكه وكرامته.
والأمن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، ولا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها، كالذين يعيشون في البلاد التي يختل فيها النظام والأمن، أو الذين عاصروا الحروب الاهلية الطاحنة التي تهلك الحرث والنسل.
يُعد الأمن العام هو أساس استقرار وسلامة المجتمع؛ بل إنه يُعد المعيار الأهم في وقتنا الحالي من أجل قياس مدى قدرة الدولة على التقدم النماء، ونحن نجد أن الدولة المتقدمة اليوم هي التي قد تمكنت من السيطرة على معدلات الجريمة والإرهاب داخلها وحافظت على الاستقرار والأمان داخلها بأعلى نسبة ممكنة.
فلا يمكن تحقيق استقرار من دون أمن، ولا يمكن أن يكون هناك أمن دون أن يؤدي الأمن نفسه إلى الاستقرار.
لأمن هو قدرة الدولة في الحفاظ على أمنها وحماية مكتسباتها الحضارية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. أما الاستقرار فهو الحالة الناتجة عن الأمن، وعكسها حالة عدم الاستقرار التي تتراوح بين الاضطراب والفوضى الشاملة.
ترتبط بالأمن والاستقرار قدرة الدولة المدنية على تطبيق قوانينها على الجميع دون استثناء ولذلك تكون مسؤولية الأمن والاستقرار مسؤولية جماعية مشتركة لا تقتصر على جهة حكومية واحدة أو إحدى السلطات الثلاث المعروفة في الدولة “السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية”، أو المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإنما تشترك فيها كافة الأطراف وتتحمل فيها المسؤولية، اضافة إلى المسؤولية الشخصية للمواطنين، وكذلك مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية، ووسائل الإعلام المختلفة. وعدم تحمّل مسؤولية الأمن لدى طرف من هذه الأطراف يعني انعدام الأمن واختلال الاستقرار.
أما على المستوى الشخصي للأفراد، فإن مشاركتهم في حفظ الأمن وإيصال المجتمع لحالة الاستقرار تتطلب التزاماً صارماً بالقوانين والأنظمة، وهو ما يحتاج ثقافة يتم بناؤها في عملية طويلة المدى بشكل مقصود أو غير مقصود. فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام المختلفة في تحقيق الأمن فإن ذلك ينطلق من مسؤوليتها الاجتماعية في تعزيز مفاهيم الأمن وسيادة القانون من خلال خطابها الإعلامي الواسع، ورفضها الصريح لأي تجاوز للقانون باعتباره إخلالاً بالأمن.
الجميع يجب أن يكون في الدولة المدنية تحت طائلة القانون والمحاسبة وليس هناك من أحد فوق القانون، هكذا يجب ان تنظم العلاقات داخل المجتمع وفق القانون العام والدستور في إطار الدولة ومؤسساتها والتي تخدم قواعد العلاقة القانونية ما بين الحكومة ومؤسساتها
تتداخل مفاهيم الأمن والاستقرار كثيراً عندما يتم الحديث عن الأمن الإقليمي وأبعاده، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الأمن الداخلي عن الأمن الخارجي وأبعاده الإقليمية والدولية، لأن أي فصل يعني إخلالاً واضحاً بالمعادلة الأمنية لأي مجتمع.
وهنا تثار مسألة علاقة الأمن بالحريات المدنية ومنها حرية التعبير عن الرأي، بمعنى هل تتعارض إجراءات الدولة لحفظ الأمن وتحقيق الاستقرار مع مثل هذه الحريات؟ وهل من المقبول أن تتخذ الدولة إجراءات تقلل من حق الأفراد في ممارسة حرياتهم المكفولة دستورياً؟
البعض يرى أن هناك تعارضاً بين الاثنين؛ أي الحريات المدنية وإجراءات حفظ الأمن، ويرفض المساس بالحريات المدنية تحت مبرر حفظ الأمن. وبالمقابل فإن هناك من يرى عدم تعارض الاثنين؛ وسبب ذلك المرونة في تفسير مثل هذه المفاهيم السياسية المهمة التي ترتبط بالظروف، إذ ليس مقبولاً عندما تزداد الفوضى والاضطرابات في المجتمع ألا تتخذ الدولة إجراءات لحفظ أمنها وضمان استمرار حالة الاستقرار التي يجب أن تكون سائدة. والفكرة هنا أن ممارسة الحريات لا تعني أنها مطلقة وينبغي عدم ضبطها، فالحرية تنتهي عندما تمس وتُخل بحريات الآخرين. والنتيجة النهائية أن عدم اتخاذ الدولة إجراءات ضبط الأمن سيؤدي إلى انتشار الفوضى، وقد يصل المجتمع لحالة يصعب فيها ممارسة الحريات المدنية لدى كافة الأفراد.
ولذلك ينبغي النظر إلى مفاهيم الأمن والاستقرار بشكل أكثر وضوحاً مع التأكيد على ضرورة أن تتناسب إجراءات حفظ الأمن ودعم الاستقرار مع الحريات العامة للأفراد بشكل مرن يتناسب مع مختلف الظروف والحالات
الأساس الثاني: الامن المجتمعي وهو توفير ضمانات شاملة تحيط كل شخص في المجتمع بالرعاية اللازمة من الامراض والجهل والظلم، وتوفر له سبيل تحقيق أقصى تنمية لقدراته وقواه، واقصى قدرة من الرفاهية في إطار من الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. وعدم توقع مكروه في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف، أما اصطلاحا فيراد به الشعور بالاطمئنان الذي لا يصاحبه خوف ولا وجل، بسبب عدم وجود المهددات الخارجية أو الداخلية، ونتيجة لوجود الأدوات والوسائل التي تساهم في طرد الخوف وتحقيق الاستقرار والطمأنينة.
الأساس الثالث: الأمن الاقتصادي: ويتمثل في حصول المواطنين على دخل ثابت لتأمين المستوى الأدنى من المعيشة، ويتجسد كذلك في امتلاك المواطنين للوسائل المادية التي تمكنهم من أن يعيشوا حياة مستقرة مطمئنة.
وعلينا أن ندرك أن الأمن الاقتصادي ليس إلا جزء من الأمن الانساني إلى جانب الأمن الغذائي والأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، الأمن الاجتماعي والأمن السياسي وهذا حسب ما جاء في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في تقريره لعام 1994.
كيف عدد الحديث النبوي الشريف أنواعاً ثلاثة للأمن، وهي: الأمن الشخصي بتوفير الأمن في النفس والسكن والطريق، والأمن الصحي بتوفر سبل العلاج والدواء (الحق في الرعاية الصحية والصحة الجسدية والنفسية)، والأمن الغذائي (الحق في الغذاء) وضرورة تأمينه للناس.
إذا توفرت للمواطن هذه الشروط الأساسية ينبغي على المواطن أن يكون حامدا شاكرا وهو ما يسمى اليوم في العلوم السياسية بالأمننة المتمثلة في:
قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواطنيها من أي تهديد داخلي أو خارجي
الأمن المجتمعي وهو أن يعيش المواطن حياة اجتماعية آمنة من الامراض ومطمئنا على نفسه وعائلته
الأمن الاقتصادي ويتمثل في ضرورة حصول المواطنين على دخل ثابت لتأمين المستوى الأدنى من المعيشة
وهنا تذكرنا نظرية الأمننة بأنها ليست فعلا منعزلا محايدا ولكنها فعل سياسي من صنع الحكومة وصانعي القرار ولا يمكن لأية دولة سواء كانت ديمقراطية علمانية او دينية ان تتخلى عن هذه الشروط الثلاثة التي حددها الإسلام لبناء مجتمع متناسق موحد يحقق الرفاه والحياة الكريمة لكل المواطنين.
الدولة المدنية الحديثة التي تطالب بها الشعوب العربية لن تتأسس إلا في ظل المناخ الديمقراطي الحر؛ مؤسسة إدارية سياسية كبيرة ذات صبغة مدنية؛ فهي ليست سلطة ذات طابع عسكري يديرها رجال المؤسسة العسكرية الكبار كما هو الحال في العديد من بلدان العالم
فالسلطة في الدولة المدنية الديمقراطية إنما هي ملك للشعب ويمارسها من خلال انتخاب ممثليه ليتولوا إدارة الدولة والمصالح العامة وفقاً للدستور
مفهوم الدولة المدنية الحديثة التي يطالب بها الحراك الجزائري الأول والثاني، يعني أن السلطة مصدرها المجتمع، الأمر الذي يعني أنه من حق الأمة أو الشعب أن يتخذ التدابير الأكثر ضمانة في تحقيق مصالحه وحمايتها، وتجفيف منابع الفساد والاستبداد وتفكيكه، وتقليم أظافر السلطات حتى يأمن تغولها على المواطنين البسطاء والفئات الهشة من الشعب.
لكن للأسف يظهر بأن الحراك الثاني قد حاد عن الحراك الأول ومطالبه معظمها تعجيزية غير قابلة للتطبيق على ارض. وهو بذلك وفر مداخل للنظام من أجل المراوغة والاستقطاب والتلاعب. هناك بالفعل خلاف عميق حول كيفية التعامل مع عروض النظام للحوار ومدى التنوع (الثقافي) الذي يجب أن يحتويه النموذج المستقبلي للمجتمع. وتفاقم الأزمة الاقتصادية وغلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية وقلة السيولة وانخفاض قيمة الدينار وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب التي قد تجعل المطالب الاجتماعية والاقتصادية تطغى على المطالب السياسية.
بناء الدولة المدنية الحديثة يعني أداءً أفضل من الحكومات في تحقيق الأهداف والوظائف المنوطة بها تجاه المجتمع.
أخطر أزمة تصيب الوطن والشعب هي أزمة الثقة، فعند انعدام الثقة بين الشعب وقيادته نجد أنه لا يمكن لشعب أن ينعم ولا لوطن أن ينهض بلا ثقة بين الحاكم والمحكوم.
إن ثقة الحكومة بالشعب تظهر أساساً في عدم الوصاية عليه، وتمكينه من الحرية التامة لتقرير مصيره، واختيار منتخَبيه وتشكيل حكوماته التي تنتصر له ولمصلحته الفضلى، أما ثقة الشعب بحكومته فتنكشف في تناغمه مع قراراتها وقبوله باختياراتها وإيمانه المطلق بأنها تقتسم معه المعلومة وتبني معه الوطن. وذلكم ما لا نجده لا في الجزائر ولا في الوطن العربي كله، إلا في حدود دنيا، حتى لا نُتّهَم بنشر التيئيس واضعاف معنويات الشعب والحكومة وربما نتهم بما ليس فينا.
وأن المواطن هو صمام الأمن والأمان والاستقرار الوطني الأهم والحافظ لثروات وطنه ومقدرات بلده, وبالتالي هو رأس المال والفائدة والاستثمار الوطني الحقيقي, وخصوصا الشباب منهم والذين يجب أن ينالوا ما يستحقون من خير ونعم هذا الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي