الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح من قاع -الخابية-..

حسن أحراث

2022 / 3 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أو علاقة حب استثنائية..

يتميز البوح عن باقي أصناف الكلام والكتابة أو السرد بكونه يحمل بعض الأسرار الحميمية، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة. وسأتقاسم مع القارئ/ة اللبيب/ة اليوم، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (08 مارس)، لقطة ليست ككل اللقطات. لقطة، نقول بدارجتنا المغربية "من قاع الخابية"..
حدث ذلك في أحد أيام شهر أكتوبر 1990. كنت حينه معتقلا ومضربا عن الطعام بأحد دهاليز المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد AVERROES (موريزكو) بالدار البيضاء. لم يكن يتردد على الدهليز الذي أُلقي بنا في غياهيبه غير أجهزة القمع والقليل من الممرضين والممرضات ومستخدمي المستشفى. كانت الزيارة ممنوعة وكنا مضربين ومقيدين الى الأسرة وتحت "التأكيل" القسري بواسطة أنبوب/مسبار بلاستيكي (SONDE GASTRIQUE) من خلال الأنف والى المعدة مباشرة عبر آلة كهربائية صماء (NUTRIPOMPE). كان الشعر كثا والأظافر بارزة وروائح كريهة تخنق الأنفاس بفعل غياب النظافة والتطهير. فحتى حاجاتنا الطبيعية كانت تتم فوق الأسرة. وكانت عناصر الحراسة والتمريض تجد صعوبة في ولوج غرفنا/زنازيننا، فما بالك بالمكوث بها ولو لبعض الوقت..
المثير في كل ذلك هو صمودنا ومبدئيتنا واستمرارنا في إطار معركة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري. فرغم الشروط غير الإنسانية التي فُرضت علينا منذ سنة 1985، تاريخ انطلاق الطور الثاني من المعركة، لم نتخل عن انسانيتنا وعن ابتسامتنا وعن حُلمنا وعن أملنا في تحقيق انتصار معركتنا. وكان ذلك مصدر تعاطف، بل احترام الجميع بدون استثناء..
ماذا حدث في أحد أيام شهر أكتوبر 1990، أي بعد ما يزيد عن خمس (05) سنوات؟
كان الوقت مساء، ولم أشهد سكونا مثل سكون ذلك المساء "الملائكي". كنت وحيدا بغرفتي/زنزانتي، لأن عناصر الحراسة لا تطيق هواءها وتضطر الى التجمع في ركن ما بالدهليز..
وكما عادة طاقم التمريض دائما، ولروتينية مهامه، طلت على عالمي العجائبي ممرضة كانت تكن لنا الكثير من التعاطف والاحترام، إنسانة قدمت لنا خدمات لا ولن تُنسى، بما في ذلك زيارة عائلتي بمدينة مراكش وهي التي لم يسبق لها أن تجاوزت خط الدار البيضاء جنوبا. بعد أن أنهت الممرضة الشابة مهمتها، تقاطعت نظراتنا في غفلة منا، ونطق لسانُها بعفوية إنسانة صادقة، إنسانة عظيمة: "قُل لي حاجة"..
وتعرفون، ربما، بقية القصة، عفوا الأغنية:
"قل لي حاجة أي حاجة.. قل بحبك قل كرهتك
قول قول قول وما يهمكش حاجة
قل لي عايزك.. قل لي بعتك
بس قل لي أي حاجة يا حبيبي
...".
من حينه، عرفت أن صاحب الكلمات هو حسن السيد والمُلحن هو محمد عبد الوهاب. أما الأغنية (قل لي حاجة)، فجيلنا يحفظها عن ظهر قلب ويعرف صاحبها (عبد الحليم حافظ) كما يعرف أفراد عائلته.. وربما الآن، تعرفون/تعرفن "صاحبتها": الممرضة الفنانة الجميلة نعيمة الزيتوني. وأجدني أشاطر رأي الفنان الجزائري رابح درياسة "قولو لها الممرضة".. حكايات لا تنتهي وبوح لا يتوقف..
فرغم انفتاحنا على الأغنية الملتزمة (الشيخ إمام ومارسيل خليفة وأسماء أخرى لفنانين ملتزمين ولمجموعات ملتزمة)، لم نتخلص من سحر وتأثير "الكلاسيكيات"، الشرقية منها بالخصوص.
كانت لحظة حب بريئة، أو ميلاد حب في الزنزانة..
كان ميلادا جديدا.. ولحسن حظي (الحصيلة)، عشت أكثر من ميلاد وأكثر من حياة..
والنتيجة اليوم، نجوم تضيء طريقنا: أسماء وسامية ويونس.
كانت لقطة "مسروقة" من عيون الحراس وآذان الجذران وأنياب الزنزانة وإجرام النظام..
بوح يعترف بالتضحيات الصامتة لبنات وأبناء شعبنا؛
بوح يحث على الصمود والمقاومة؛
بوح يحيي الأمل في الحياة وفي الانتصار رغم عتمة الحال وظلام هذه المرحلة؛
بوح في زمن الحرب والدمار والبُؤس..
بوح يُؤكد أن الجمال ينتصر على القُبح دائما..
بوح يجسد بساطة المناضل ورحابة قلبه..
بوح للذاكرة النضالية وللتاريخ المجيد...
وبالمناسبة، اليوم العالمي للمرأة، كل التحية للنساء العظيمات، مناضلات وأمهات ورفيقات/زوجات وصديقات وأخوات وبنات...
ملاحظة 1:
اليوم 03 مارس.. معذرة، سبقت "الفرح" (08 مارس) بليلة، بل بخمس ليالي. إنه عشق البوح الجميل...
ملاحظة 2:
"الخابية": آنية من الفخار/الطين تُستعمل لتبريد الماء في الفصول الحارة، وخاصة بالبادية. كما تُستعمل أيضا لتخزين السوائل كالزيت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة سارا تطالب بوقف الانتهاكات الممارسة بحق النساء ومحاسبة


.. -لن نتراجع عن احتجاجنا ما دامت مطالبنا لم تتحقق بعد-




.. استشهاد امرأة وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على منزل بحي السلام


.. الإهمال والتمييز يفاقم معاناة نساء غزة




.. إحدى النازحات في أماكن اللجوء ذكريات المعصوابي