الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أزمتنا في جسم الأمة العربية العملاقة أم في رأسها السياسي المتناهي في الصغر؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يعيش العرب من المحيط إلى الخليج حالة واضحة من التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري والتكنولوجي، وتختلف الآراء حول اسباب هذا التخلف. فهل العرب مسؤولون عن تخلفهم أم أن اعداءهم في اسرائيل وامريكا وأوروبا وغيرها من مناطق العالم يتحملون مسؤولية مشاكل التخلف العربي؟ وأن الانسان العربي المسلم مظلوم بسبب تكالب الغرب الاستعماري عليه من أجل نهب ثرواته وجعله ذيلا وسوقا تابعا للغرب؟ أم أن الانسان العربي محكوم عليه تاريخيا ونفسيا أن يبقى خارج التاريخ بفعل عدم قدرة عقله على التطور والتقدم؟
أم أنّ التحرّر الحقيقي لا يمكن أن يأتي من الخارج، بل من الداخل. وإذا ما أراد العرب أن يجنّبوا أنفسهم المزيد من الفواجع فإنه يتعيّن عليهم الاهتمام بما هو واقعي، وليس بما هو مجرّد أوهام وأحلام مستحيلة التحقيق.
فنحن إمّا مشدودون إلى ماض اندحر وتلاشى، أو مهرولون وراء وقائع وأحداث لم نعد نمتلك القدرة على التّحكّم فيها؟
المشروع السياسي والثقافي والحضاري العربي بعناوينه الكبرى كالتقدم والحداثة والتحرر والتنمية مازال يشهد على مآلات هذه الأفكار التي تتأرجح بين التعثر والتراجع أو بين الفشل والإخفاق.
وأياً كانت التأويلات الكامنة خلف مأزق السياسة العربية التي أرجعها البعض إلى بنية العقل العربي ومسبقاته الفكرية الجاهزة والمستمدة من التراث، وأعادها آخرون إلى الأرضية السيسولوجية العربية التي ما تزال تحتكم إلى منطق القبيلة والعشيرة والطائفة والعائلة رغم كل أشكال التجمل والطلاء والأقنعة الحديثة.
وإذا ما حاول المرء تشخيص تعبيرات الأزمة التي لا اعتقد أنها تطال المستوى السياسي وحده بل تمتد إلى المستويات الثقافية والمجتمعية والحضارية عموماً، لكنها تبدو جلية في ظاهرة (انطفاء السياسة) في الشارع العربي، سيواجه حالة عزوف عن العمل السياسي المباشر. وهذا العزوف نوعان يرتد أولهما إلى شروط وأسباب موضوعية تتصل بانشغال غالبية المواطنين العرب بتأمين مستلزمات العيش، إلى جانب الانتشار الواسع للأمية، مما جعل غالبية الناس في واد والأحزاب في واد آخر، في حين يعبر النوع الآخر من العزوف السياسي عن موقف احتجاجي من السياسة كما تمارس في العالم العربي ويأتي الشباب العربي والنساء في طليعة هؤلاء، فبعد أن استهلكت الشعارات وانكشف زيف المواقف والادعاءات بامتلاك مفاتيح الخلاص وبعد الممارسات المتعالية للنخب والاستئثار بالمنافع، باسم الدفاع عن الشأن العام، يمكن أن نفهم كيف يصبح العزوف عن السياسة موقفاً سياسياً بليغاً.
ولكن ما هي الأسباب العميقة لظاهرة انطفاء السياسة في أوساط قطاعات واسعة من المجتمع العربي، وهل يكفي التعليل السائد الذي يفسر المسألة استناداً إلى بطش السلطان السياسي والصعوبات التي تواجهها حرية التعبير والمرتبطة بضيق الهامش الديمقراطي على أهميته، أم أن للظاهرة أبعاداً أخرى غير سياسية بالضرورة رغم اتصالها بالمجال السياسي بمعناه الأوسع؟
يكشف التحليل المتأني عن مظاهر عميقة لأزماتنا المستدامة تتصل بنخبويّتها ومصداقيتها رغم كل المحاولات المبذولة لجعل برامجها جماهيرية، أما النخبوية فتتمثل في اعتقاد شريحة من الناس وهم عاملون في المجال السياسي والثقافي أنهم يجسدون عقل الأمة وضميرها، في الوقت الذي يمارسون فيه وصايتهم على القيم والأفكار المتصلة بالحقيقة والحرية والعدل وتطبيق شريعة الله على الأرض والتحدث باسمه تارة وباسم الجماهير والأمة تارة أخرى، ومن هنا تنبع أهمية إعادة النظر بمفهوم النخبة ذاته الذي يغري البعض ويزين لهم الاعتقاد بأنهم الممثلون لعقل المجتمع أو المعبرون عن ضمير الأمة مع ما يتعرض له هذا التمثيل وذاك التعبير من فقدان للمصداقية أخذ يضعف مكانة المعبرين عنه ويسيء إلى صورتهم.
لكن إذا فكّرت أو تكلّمت أو كتبت من منطلق فكري / عقلي، تُتهمُ بالردّة والتكفير والموالاة والعمالة …وغيرها من الألفاظ التي تتساقط من قاموس الخيبات الفكرية العربية مُعلنة الزجّ به في أُتون المحارق التي جُهّزت خصيصاً لإجهاض أجنّة العقل العربي وقتل نُطفه المُخلّقة، كي لا ينبس ببنت شفة مجدداً، ومن تمرّد أو حاول التمرّد عن ذلك فستلط عليه عقوبات حتمية،
هذا الجهل والمرض أدى بالكثير من المثقفين العرب إلى الاستقالة خلال الفترات التي أعقبت الاستقلال وتقوقعوا على أنفسهم خوفا من الجوع وسوط النظام والمجتمع في نفس الوقت. وبسبب ذلك دفع الجميع-النّخب كما الشعوب-الثّمن غاليا، أن مجمل ما يعيشه العرب من أوضاع أليمة وكوارث على جميع المستويات متأتّ بنسبة عالية من هذه الاستقالة. ومعلوم أن الشعوب العربيّة تتطلّع إلى الديمقراطيّة والحرية ودولة المؤسسات والقانون، غير أن النخب السياسيّة والفكريّة تبدو وكأنها تتجاهل هذا الموضوع ولا توليه الأهمّيّة التي يستحقّها. بالإضافة إلى كلّ هذا فإن الأنظمة الحاكمة تعامل شعوبها باحتقار وقسوة خصوصا عندما تحاول هذه الشعوب التمرّد عليها. كما أن هذه الأنظمة تعامل بنفس الاحتقار النّخب المثقّفة ولا تعيرها اهتماما يذكر. والنتيجة أن النّخب المذكورة أصبحت تعيش مهمّشة ومنفصلة عن مراكز القرار، وعاجزة عن القيام بدورها في بناء المجتمع الجديد.
ما نراه اليوم في العالم العربي كله يقدم صورة لنا بائسة وقاتمة وحقيقة مرة على أن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة وما تعيشه شعوبها في ظل الأنظمة الحالية التي تحكمها والحكومات التي تقودها لا يقدم الانطباع على أنها تسير في الاتجاه الصحيح أو يعطي الأمل في غد أفضل وأحسن.
ما يحصل اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من تراجع حضاري وتخلف علمي وفكري على جميع الأصعدة وبقاء أمننا الغذائي والمعرفي مرهون عند غيرنا كل ذلك يجعلنا نتساءل هل يمكن لأمة العرب بعد هذه الصورة المهزوزة أن تنهض من جديد وأن تستفيق وتلحق بركب الأمم الناهضة؟
وأنا هنا في هذا المقال المتواضع لا أتحدث عن أزمات الأمة العربية بغرض بث روح اليأس في المجتمعات أو كما يريد بعض اشباه المثقفين والجهلة أطلاق تهمة جلد الذات وما أسهل اصدار التُهم في عالم الجهل والتخلف، فكل من فيها يلعن الآخر ، فالنظام يلعن الشعب والمثقفين ويحتقرهم ويعاملهم معاملة لا تليق بالكرامة الإنسانية ، والشعب يلعن الأنظمة السياسية سرا ويركع لها ظاهريا ويتقرب إليها تزلفا من أجل الحصول على جزء بسيط من حقوقه المسلوبة وتجنب تهمة التخوين ولكن أنا هنا من باب تشخيص الداء، تمهيداً لوصف الدواء، فإن معرفة المشكلة أساس في حلها، ونحن اليوم أحوج ما نكون لمعرفة مشاكلنا وتشخيصها بدقة وسبر أبعادها ومعرفة دقائقها حتى نتمكن من وضع الحلول الصحيحة لها. لكن لن يكون ذلك ممكنا إلا بعض وضع مشاكلنا الكثيرة والمعقدة على طاولة التشريح وإزالة ما علق بها تاريخيا من طفيليات ضارة.
السائد عربيا هو حالة من الإنكار الصريح، أو الإنكار الضمني الذي يكون بالتهوين، أو ذاك الذي يصبح الحديث فيه عن الأزمات وحلولها ضرب من الحديث عن المجهول، المجهول الذي لم يُسمَّ فاعله ولا مفعوله ولا الغرض منه،
ونستطيعُ أن نضيف اعتقادنا أنَّ المشكلة، في عمقها، ليست سياسية فحسب وإنما هي ثقافية واجتماعية أيضا. إذ لا يمكن أبداً ان تزدهرَ الحرية والكرامة الإنسانية في أفق الاستقلالية والإبداع – إلا من خلال انبثاق فكر حر الذي ظل صوته مبحوحا في دهاليز التاريخ وهو يُعيدُ إنتاج بنيات القمع ويتناسل استبداداً وطمسا للحرية من خلال سيادة "الرؤية الواحدية" التي اجتمع فيها الحلفُ المُقدَّس للسماء وظلها كما يحب أن يُعبِّرَ أدونيس: الرؤية الدينية المغلقة من جهةٍ والحاكم بأمرها من جهةٍ أخرى. دون ذلك لن يتحرَّرَ، في اعتقادنا، النظرُ خارج أسيجة العقائديات المتصلبة التي أسرت العقل وعزلته عن التحولات الكبرى التي يعرفها العالم."
والمسؤولية ليست محصورة في السلطة بل إن جميع قوى المجتمع تتحمل المسؤولية، فلا الجسم العربي العملاق أستطاع أن يتحرك ولا رأسه القزم أستطاع أن يرى ويفكر ويخطط للحاضر والمستقبل، نستطيع ان نشبه جسم الامة العربية بجسم فيل وبراس نملة
بات العالم العربي منتجاً للأزمات، يملك فائضاً كبيراً منها أصبح يغذي نفسه بنفسه. وتلك هي المشكلة. تكونت عبر قرون طويلة دائرة جهنمية مغلقة من الأزمات وتشكلت معها بنية اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية منتجة للأزمات. ونستطيع ان نسمي ازماتنا المتعددة والمعقدة في نفس الوقت بالأزمات المستدامة، فتكرار الأزمات ليس علامة على سوء الحظ أو برهانا على التآمر على الوطن، وإنما دليل على خلل في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية الموجودة. هذا الخلل هو الذي يجعل كل أزمة ترافقها باستمرار أزمات فرعية أكثرها تكراراً «أزمة توصيف الأزمة» عندما ينقسم المجتمع ولا تتفق القوى السياسية على تعريف للموقف وهل يعتبر أزمةً أم لا؟
غلبة التفسير التآمري والاستهداف الممنهج للوطن على تفسير الأزمة. فهناك باستمرار أياد أجنبية تعبث ووكلاء محليون يرتزقون من الخارج ومخططات كونية ترعاها أجهزة استخبارات عالمية. أما نقد الذات وتحميلها المسؤولية عن الأزمة فقلما يعلو صوته
الحضور المتكرر للأمن كطرف في غالبية الأزمات. وحضور الأمن ليس مستغرباً باعتباره مؤسسة حماية وتأمين وقوة لتنفيذ الأحكام. أما في الأزمات العربية فحضور الأمن لم يكن دائماً بصفته حارساً يمنع تفاقم الأزمة وإنما كطرف شريك في حدوثها وتصاعدها
إن مواجهة الأزمات العربية لن تنجح بالترضية والتوفيق ولا باللجوء إلى كل الحلول الإجرائية الممكنة. بات الأمر في حاجة إلى حلول جذرية. والإطار السياسي هو المشكلة. فهو أضيق بكثير مما تتطلع إليه القاعدة الشعبية. ولهذا سيظل مطلوباً العمل على توسيعه. ومطلوبا أيضاً التعامل مع الأزمات السياسية على أنها مشكلات سياسية وليست مواجهات أمنية والإقرار بأنها ناتجة عن الاختلال في توزيع القوة السياسية وطريقة استعمالها. ومطلوب كذلك من كل قوة سياسية إجراء مراجعات عميقة تنقد بها الذات وتقبل بالآخر وتحترم التعددية ولا تتزين بشعارات إما تحتكر الحقيقة الدينية أو تنفرد حصرياً بالبراءة الوطنية. فكل أشكال الاستثنائية للذات أو التمييز لجماعة أو مؤسسة يكرس الأزمة البنيوية للسياسة العربية ويقود إلى أزمات جديدة " الأزمات المستدامة ".
ينبغي في تقديري أن نَكفَّ عن توهّم هذا الدور السحري للسياسة الصالحة، وأن نَكفَّ عن انتظار تغيير جوهري في حياتنا فقط بإجراء انتخابات شفافة ونزيهة، إن مثل هذه الانتخابات يمكنها أن تحل مشكلة شرعية السلطة، ولكنها لن تعالج أبدا أمراض المجتمع إذا لم يُغيِّر هذا المجتمع ما بنفسه من خلال آليات يبتكرها بإرادة السلطة أو بغير إرادتها.
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ الرعد:11
فالله أعطى لعباده عقولًا، وأعطاهم أدوات، وأعطاهم أسبابًا يستطيعون بها أن يتحكموا فيما يريدون؛ من جلب خير أو دفع شر.
والسنن الكونية مثلها مثل السنن الطبيعية التي وضعها الله في الكون لا تحابي أحدا، ولا تجامل مخلوقا؛ بل أمرها الله تعالى أن تخدم من وافقها، وأن تعاند من خالفها.
المفكر والمؤرخ الاجتماعي العبقري ابن خلدون نبه إلى هذا الخلل كثيرا، وحاول بجهده أن يؤسس في هذا المضمار، ولكن للأسف لم يُبنَ على ملاحظات ابن خلدون، ولم يكمل مشواره، " منذ ستة قرون لم تلد لنا الأمة العربية مفكرا واحدا في مستوى ابن خلدون ينقذنا مما نحن فيه من بؤس وضياع وتخلف واستبداد " ومن ذلك قوله في سنن الله في قيام الدول وسقوطها منتقدا علماء التاريخ الذين سبقوه " وأدّوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، فالتحقيق قليل، والتقليد في الآدميين عريق وسليل، فللعمران طبائع في أحواله، ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات والأخبار. ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقا، لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها، ولا علة الوقوف عند غايتها.".
إننا كلنا لنا رغبة صادقة للتغيير، وعاطفة قوية للتقدم إلى الأمام وبناء دولة ديمقراطية ولكن إهمالنا ل لسنن الكونية ونحن نقدم على عملية التغيير يجعلنا أشبه بالسجين الذي مل من الذل، وعاف الهوان، وتجمع عنده شيء من بقايا الهمة وفتات العزيمة، فقام بكل جهده، وأخذ يحاول أن يكسر باب السجن برأسه.
يتلبّس الإنسانَ العربي الإحباط التام، وهو يجد نفسه كائنا حُكم عليه أن يكون عربيا هائما في صحراء شاسعة تحجب الرمال رؤيته، بعقل لا تاريخي وعقل لا موضوعي، فدخل في مناطق الفراغ الآخذة بالاتساع يوما بعد يوم، هائما في شواطئ الخيال والإلهام.
في المرحلة الأولى كان السائد هو إصلاح الحاكم، فلما استحال ذلك دخلنا في المرحلة الثانية فطالبنا بإصلاح المحكوم بعد استحالة صلاح الحاكم.
والعقل العربي تكون من عصور الاستبداد والانغلاق والصراعات والمواقف، ولذلك لا يتسم بالمرونة ولا يقبل الرأي الآخر ولا الآخر عموما، وهو يميل إلى الملاينة الخبيثة إذا كان ذلك في مصلحته. ويميل العقل العربي إلى التعالم ولا يعترف مطلقا بأنه لا يعرف، فهو يعرف كل شيء والآخرون جهلة، وهو عقل عنصري استعلائي شكاك، كما أنه عقل يعكس تربية مستبدة في الأسرة وميل نحو تكفير الآخر المخالف تكفيرا مهنيا وفكريا ودينيا.
وفي نفس الوقت يلوم الحاكم العربي على استبداده رغم أنه نتاج نفس البيئة، ولكن العقل العربي لا يفهم أسباب استبداد الحاكم، وهذا ليس تبريرا لهذا الاستبداد.
ولا يعلم أن المستبد ما كان له أن يكون كذلك لولا أنه وجد ضحايا عبيدا يسمعونه، وفي مصر نقول "يا فرعون من فرعنك، قال: العبيد".
أن مفهوم الأزمة يشكل أداة من أدوات مقاربة الظواهر التاريخية بهدف تشخيص مختلف أبعادها. ولم تعد الأزمة في نظره مرضًا أو عرضًا مرضيًا، بقدر ما تحولت، انطلاقًا من ارتباطها بالنسق العام للمجتمع والفكر، إلى مسألة حيوية، بل مسألة موضوعية يلزمنا التعايش معها. وينتج عن ذلك أن المنهجية الجديدة في مقاربة مفهوم الأزمة تقتضي تشخيص معطياتها، وتحليل أبعادها للتمكن من الوصول إلى ما يمكن أن يُساعد على حسن إدارتها، وتدبير النتائج المترتبة عنها، أو المحتملة الوقوع من جراء استمرارها، واستمرار توالدها.
والآن، نطرح هذا السؤال: أين نحن كعرب وكمسلمين من هذه الحركة الكبرى التي دشنت العصور الحديثة: أقصد حركة التفكيك الفلسفي لليقينيات التراثية والفتاوى التكفيرية التي عفا عليها الزمن، ومع ذلك فلا تزال رابضة على صدورنا وتتحكم بأعناقنا وتمزق شعوبنا؟ إننا نقف على أبوابها. آلاف اليقينيات التراثية الراسخة رسوخ الجبال سوف تتفكك وتنهار خلال السنوات المقبلة لكي تحل محلها الحقائق التاريخية المنبثقة من تحت ركام القرون. كل شعارات «العصر الآيديولوجي العربي» وكذلك «العصر اللاهوتي العربي» أصبحت خارج قوس. النظام القديم للفكر العربي انتهى أيها السادة وليس فقط النظام السياسي. إنه يتصدع من كل الجهات سقوفاً وجدراناً. هذا النظام الذي حكم العرب طيلة ألف سنة -أي منذ الغرق في العصور الانحطاطية السلجوقية والمملوكية والعثمانية -دخل مرحلة الاحتضار الآن.
أضيف بأننا نحن العرب نعيش عصر الحيرات الكبرى والبلبلات المدوخة للعقول. في مثل هذا الجو يختلط الحابل بالنابل وتنعدم البوصلة وتضيع الناس. الجميع يخبطون خبط عشواء في الاتجاهات كافة دون أي أفق أو منفذ أو خلاص. لا أحد يعرف أين يتجه ولا كيف. أكاد أقول لم يعد أحد يثق بأحد ولا بأي شيء. كل الحلول جربت وفشلت. وبالتالي، فالمسألة ليست مزحة على الإطلاق. القصة أكبر مما نتصور بكثير. ومن المسؤول عن تشخيص الوضع المضطرب وإيجاد الحلول؟ ليس رجل السياسة على عكس ما نتوهم، وإنما رجل الثقافة. كل الأمم التي عاشت مثل هذه الظروف المدلهمة أنقذت من قبل فلاسفة كبار لا من قبل سياسيين. دور السياسي يأتي لاحقاً. لكن قبل ذلك ينبغي تمهيد الطريق وفتح الأفق المسدود.
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟