الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه طفولتي التي أخطأتها …

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2022 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


*كتب: لخضر خلفاوي *

…الدروس فهمناها في القسم أثناء تركيزنا لشروحات الأساتذة و المعلّمين و لم يكن لنا معها شأن آخر بعد الدوام!.. فنادرا ما نراجعها في البيت كونها ترسّخت في عقولنا و نادرا ما نرى الأمر إلا عند اقتراب الفروض و الإمتحانات نراجع بعض الشيء، أحيانا بضغط من أوليائنا الذين لا يفهمون مدى درجة تفوقنا و ذكاءنا، فقط لطمأنتهم نتظاهر بذلك! كنا نحبّ الإستمتاع بالوقت المتبقي من اليوم في أمور كثيرة ـ نلهو بها و فيها ـ كنا نراها أهمّ لإهتماماتنا و فضولنا.. كأن نرى على رأي سلف الفلاسفة :« الفلسفة تبدأ حيث ينتهي العلم » رغم أن هناك من يعتقد أنه : « يبدأ العلم حيث تنتهي الفلسفة » ..أنا اتفق بالمنطق الأفلاطوني و أتباعه: « كي تولد و تتجدد باستمرار الفلسفة و تنشأ نشأة مزدهرة لَزِمَ عليها أولا أن تُسبق بالعلوم كشرط ضروري و حتمي ، إذ أنه يعتبر السبب الرئيس يفضي بأن الفلسفة بالمعنى العميق لم تظهر إلا مع أفلاطون و منه تفشى وجود علوم الرياضيات اليونانية ».. الفيلسوف الألماني « هيجل » Georg Wilhelm Friedrich Hegel
يرى بأن ثورة العلوم التي لجأت إليها البشرية سبقت بالضرورة الحتمية المحتومة التيار الفلسفي . بل يرى برأيه الفلسفي الإستدلالي و الساخر في آن بأن ( الفلسفة تظهر في المساء فقط بعد استقرار العلم المولود في الفجرقاطعا زمنا طويلا بطول النهار ) .. أما علاقة التأثير والتأثُّر بين الفلسفة والعلم أمر آخر و فيه فلسفة كبيرة !
لم نكن مستهترين بالعلوم التي تلقّن لنا يوميا من قبل أساتذنا بل كنا تلامذة نوابغ و فضولنا يدفعنا إلى استغلال أوقات فراغنا بعد انقضاء اليوم الدراسي .. كان عمرنا لا يتجاوز الـعاشرة سنين في المرحلة الإبتدائية .. كنتُ لا أرضى أن يبارزني صديق الطفولة الحميم « عبد المالك تامرابط » بمقولة أو نظرية فلسفية جديدة قرأها في كتبه و يأتيني متبخترا ليرميها في وجهي ـ تلك المقولة أو النظرية ـ لـ الفيلسوف االفرنسي الشهير « روني ديكار » أو لـ « لشيكسبير » . أذكر أيضا أن ذكر هذا الأخير يثير مزاحنا و سخريتنا و مرحنا بذكر مقولة القائد الليبي معمّر القذافي الذي رأى أن شيكسبير هو عربي الأصل و في الحقيقة كان يُدعى « الشيخ زُبير » و تم بعد ذلك تضليل إسمه و تنصيره!
ـ « كنْ أو لا تكُن.. هنا السؤال! » كنا في الشارع أو الحرم المدرسي لا نتوقّف عن التبجّح بها و نطقها بثلاث لغات أي استعمال المقولة بـالـ( إنجليزي ، و الفرنسي) أمام زملائنا و خصوصا زميلاتنا لاستمالة لطفهن معنا و سرقة قلوبهن من خلال إعجابهن بالعرض و الإستعراض الثقافي الذي ننشره في بهو ساحة المدرسة أثناء فترات الإستراحة .. في ذلك الزمن كانت الإناث تحبّ الذكر النجيب و الذكي لا أدري لماذا، لا تعنيهن أشكال الذكور على عكس أيامنا هذه .. ربما لما انتفى « العقل » و حلّ محله العبث و الفراغ و توافه الأمور و سطحياتها!
كنا نتبادل الكتب و كل ما له علاقة بالعلوم و الفلسفة و معظم الكتب التي كانت بحوزتنا إما اشتريناها على حسابنا الخاص أو تلك التي منحت لنا في حفلات نهاية السنة كتهنئة و جوائز لتفوقنا في الدراسة ، بالرغم أن قسم كبير من هذه الكتب موجهة إلى أطفال من سنّنا و نحن كنا متجاوزين لهذا السن بمسافات كبيرة.. فكم راح والدي ضحية احتيالي بإرغامه على شراء كتب في الفلسفة و الأدب و العلوم للبالغين و أنا لم أطلّق بعد الطور الإبتدائي ! لحسن حظي كان أبي يقدس كل ما يأتي ذاكرا « الأستاذ و المعلّم ».. كان هذا في زمن احترام الأستاذ من قبل التلميذ و الولي معا.
ـ صديقي « عبد المالك » تلميذ من طينة و طراز منفرد، نابغة و عائلته كذلك .. أذكر أن شقيقه الأكبر منه « عبد المجيد » كان مخترعا بارعا لعدة آليات تكنولجية مبهرة، كان هو أيضا سابقا لزمنه أو جاء إلى زمن بالخطأ .. ذنبه الوحيد أنه ولد في وطن الصّراع على السلطة و ثروات البلاد في أوج بداياته بعد الإستقلال الفتي للجزائر .. حب صديقي « عبد المالك » للمعرفة و للجدل لم يسهل عليّ مهامي.. لقد فرض عليّ هذا الأخير أن أنام مفتوح العينين كي لا أخسر رهان تسابقنا في مجال المعرفة و الثقافة العامة وتحديدا في الأدب والفلسفة و العلوم الأخرى. فكان من التقليد و العادة الفارضة لنفسها أنني لا يمكن لي أن تطلع علي شمس و أذهب للالتقاء به قبل الذهاب سويا إلى المدرسة أو الإكمالية دون تحضير معلومة جديدة و معارف جديدة ـ أباغتها بها أو أتناقش فيها معه ـ استقيتها من كتبي في ليلتي السابقة .. كنتُ حريصا على تحضير مفاجآت تحصيلي العلمي و الفلسفي ليلا أكثر من حرصي تحضيري لدروسي و مراجعتها .. كانت الحياة أكثر من رااااائعة في ذلك الزمن الجميل ! نتنافس على المعرفة و التحصيل الثقافي و مدارسة « العلوم الإنسانية » كان ليس لنا الوقت لتضييعه في « غباوات » أخرى.. كان ذلك الجوّ التنافسي بيننا يدفعنا دائما إلى ما هو أفضل فنكتشف كل يوم لا محدودية العلوم و الفلسفة و التطورات الحاصلة عليها..
كنا نحلم أن نكون كلّ هؤلاء الفلاسفة و كلّ هؤلاء المخترعين !
ـ الفيلسرف « إيمانويل كانت » Emmanuel Kant
مؤسس « النقد و المثالية » من آخر فلاسفة عصر « التنوير »
المتناول بشكل ملحوظ « نقدية العقل المجرد » و يعتبر من المهاجمين الشرسين للتيار التقليدي « الميتافيزيقي »…
أي دراسة جوهريات الأشياء أو « ماورائيات الطبيعة »…و أهمّ جدلياتها « الوجود » و « اللاموجود » ..
ـ الميتافيزيقيا، « فريديريك نيتشه »، « إبن رشد » ، « أفلاطون » و غيرهم لم يُغيبوا عن نقاشاتنا المتواضعة و محاولة فهم هذا « الفرع الفلسفي » المستفز لفضولنا ألا و هو « الميتافيزيقيا » و إيجاد « المقاربات و المقارنات و الفوارق ».. في البدء أعجبنا كثيرا هذا الفرع من حيث « التوصيف المذهبي » لكنه خلق لدينا شيء من الخيفة و الريبة عند اسقاطاتنا المحدودة لما استوعبته عقولنا الصغيرة أنذاك على الشق « العقائدي الديني »..
كنا وقتها رغم صغر سننا نعي و نعرف تحديدا و بالضبط مرامي و مفاهيم « الشيوعية، و اليسارية العالمية و الإلحاد » لم يفوتنا مجال جدلي إلا و جادلناه و ناقشناه معا رفقة زملائنا المقرّبين و نحن في الشارع ليس بعيدا عن ديارنا أو على ضفاق واد « مسكيانة « في فسحة من فسحاتنا خارج المدينة بين المروج الخضراء و الماء العذب المنساب بين جداول المنطقة وقت الخير و الرخاء ..
ـ كان الفيلسوف الإنجليزي « جون ستيوارت ميل »
John Stuart Mil
على غرار المشاهير في العلوم الإنسانية خاصة رواد و عرابي و مؤسسي الفلسفة كأفلاطون و أرسطو كان « جون ستيوارت ميل » ضمن قائمة الفلاسفة الذين تطرقنا لهم الذي جاهر باستماتة أن « السعادة هي الغاية الحميدة للوجود البشري » فقط كان يخشى كثيرا « ضيق الأفق و سحق الأفراد من قبل سطوة السلطة أو الرأي العام الشامل الشمولي »..
كنتُ طفلا مغرورا، مغمورا، ذكيا ، نابغة ، مجنونا خارج كل المصنّفات و القوالب .. كنتُ سعيد بي و بأصدقائي و بحارتي و بجيراني و بأساتذتي و بسماء وطني ممطرة أو مشمسة بأرض وطني بورا أو مثمرة … كنت أحيا و أحيا و أحيا و لم كبرت اكتشفت أني متُّ بالتمادي في الحياة بعيدا عن كلّ هذا،، إنه المنفى يا صاحبي ،، يهدُّ جبال .. عزائي الوحيد اليقيني أني أقوى من كل الجبال!
ـ هذه شذرة من شدرات الطفولة البعيدة التي أخطأتها في ثمانينات القرن الماضي مع أصدقائي و زملائي و جيراني : « عبد المالك، عبد الكريم، يحيى و غيرهم » زمن جميل ، ذهبي ، لا يتكرّر !
ـ في 4 مارس 2022
باريس الكبرى ـ جنوبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا