الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لندرس - حب وانصاف وتطهير الحرية -
منى نوال حلمى
2022 / 3 / 5الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" لقمة هنية تكفى مِية " ، هكذا نردد . وهذا ربما يكون صحيحا ، اذا كنا نقصد " لقمة العيش " . أما " لقمة الحرية " ، فهذه قصة أخرى تماما .
لقمة الحرية ، كاملة ، أو نصفها ، أو ربعها ، لا تكفى انسانا واحدا ، أو انسانة واحدة ، يوما واحدا ، أو نصفه ، أو ربعه .
" لقمة العيش " ، مشبعة ، تسد الجوع الى الطعام . " لقمة الحرية " غير
مشبعة ، لا تسد الجوع الى الانطلاق .
" لقمة العيش " ، نتناولها ، فلا تطلب المعدة المزيد . " لقمة الحرية " ،
نتناولها ، فتطلب المزيد ، والمزيد .
" لقمة العيش " ، ترضى بالقليل ، تؤمن بأن " القناعة كنز لا يفنى " ،
وبأن " منْ رضى بقليله عاش ".
" لقمة الحرية " ، نهمة ، طمًاعة ، لا تؤمن بشئ الا نفسها .
" لقمة العيش " ، تكتب القصائد ، اذا أبصرت فى السماء ، جزءا بسيطا من القمر . " لقمة الحرية " ، لا تمسك بالقلم ، الا اذا اكتمل القمر .
" لقمة العيش " ، يمكن أن تكون الفول النابت ، والعدس ، والجِبنة القريش .
ويمكن أن تكون الكافيار ، وجِبنة الروكفور ، والديك الرومى المحشى فريك .
لكن فى كلا الأمرين ، تم اختصار الوجود ، فى تلبية غريزة الأكل ، لاستمرار
التنفس .
" لقمة الحرية " ، لا يعنيها الأكل ، لا يهمها استمرار التنفس ، فهى الغاية
من الوجود ، بل هى الوجود نفسه ، فى أشهى ، وأنبل ، وأجمل الأثواب .
" لقمة العيش " ، للعيش . " لقمة الحرية " ، للحياة . وفرق كبير بين أن
" نعيش " ، وأن " نحيا " . هو الفرق بين منْ يتفرج على لوحة للبحر ،
فوقه البطاطين تشعره بالدفء والأمان ، ومنْ يلقى بنفسه عاريا فى أمواج
البحر ، فى عِز البرد ، وقلب الخطر .
هناك الأفراد والمجتمعات ، المتفرجة على لوحة البحر ، " لقمة العيش "،
وهناك الأفراد والمجتمعات ، التى تنزل الى البحر .
هناك الثورات التى انتفضت من أجل " لقمة العيش " ، وهناك الثورات التى
انتفضت من أجل " لقمة الحرية " .
اذا سُئلت ، ماذا أحب ، أو ماذا أتمناه لمصر ، وطنى ، سيكون بدون تردد ،
أن تكون من مجتمعات " لقمة الحرية " ، أو النزول الى البحر ، وليس مجتمعات
" لقمة العيش " ، أو الفُرجة على البحر .
أعرف جيدا ، أنه أمر صعب للغاية ، بل أسميه أكبر التحديات . ولهذا السبب ،
هو " أمنية " ، أو " فن المستحيل " ، فى مقابل " الواقع " ، أو" فن الممكن".
لكن هكذا ، هى مسيرة البشرية ، أن نفكر ، أن نتفلسف ، أن نتمنى ، أن نحلم ،
أن نتخيل ، ومع العمل الدؤؤب ، والاخلاص ، والاصرار ، والتعلم من الخبرات ،
والاستفادة من دروس التاريخ ، تصبح الأفكار ، والتفلسف ، والأمنيات ،
والأحلام ، والتخيلات ، " واقعا " ، و" حقيقة " .
أعتقد أن العائق الرئيسى ، لنكون من مجتمعات " لقمة الحرية " ، هو أن
كلمة " الحرية " ، أصلا ، كلمة بكل أسف ، من الكلمات غير المفهومة ، سيئة السُمعة . كلمة " الحرية " هى نفسها ، " مقهورة " ، تحتاج لمنْ يحررها وينصفها.
ما أن ننطق فى مجتمعاتنا ، بكلمة " الحرية " ، حتى تنتفض ، وتتحفز ،
وتتشنج جميع أشكال ودرجات الادانة الآخلاقية .
" الحرية " ، فى مجتمعاتنا ، ترادف قلة الأدب ، والفسق ، والفجور ، وعدم المسئولية . كلها متعلقة فقط ، بالانغماس فى غرائز النصف الأسفل من الجسد ، باستهتار ، دون أية ضوابط .
اذا قالت امرأة ، أو قال رجل ، فى مجتمعاتنا ، أنه يريد أن يكون " حرا " ،
فورا نتصور انسانا ، كافرا بكل الأديان ، خاصة الدين الذى ورثناه ، وبالتالى لا يخاف ربنا ، وبالتالى كل المبيقات مباحة فى نظره ، شغله الشاغل السُكر ، والعربدة ، والجنس الفاسق المنحل المتعدد ، وهدم كل القيم التى ترتقى بالبشر .
بالطبع ، ولأننا مجتمعات ذكورية ، فان الادانات الأخلاقية ، للمرأة ، تكون أكثر قسوة .
وكم من الفضائح الجنسية المدانة اجتماعيا ، وثقافيا ، ودينيا ، فى مجتمعاتنا ،
خرج منها الرجل ، نظيفا ، ليس عليه أى وصمة ، بل نعتبره بطلا ، ونجما .
مثلا حينما يتناول الاعلام خبرا عن ضبط بيت دعارة يقول : " تم ضبط رجل مع عاهرتين ". الرجل رجل ، لا يوصف بالعهر ، ومنْ معه من الفتيات أو النساء فى بيت الدعارة ، هن فقط العاهرات . الاعلام لا يقول أبدا : " تم ضبط عاهر مع عاهرات فى بيت دعارة " ، لماذا ؟؟. أليس الفعل مشتركا ، وبالتالى لابد أن تكون الصفة مشتركة ؟؟. لماذا لا يتم ذلك أبدا ؟؟. هل يجيبنى أحد ؟؟.
والقانون المصرى ، يميز فى العقوبة بين الرجل والمرأة ، لصالح الرجل ، فى قضية الزنا . وفى قضية العُهر ، لا يناله أى عقاب ، بل ويُتخذ شاهدا على ارتكاب جريمة ممارسة الدعارة للمرأة ، التى شاركته الفعل العاهر نفسه ، المعاقب عليه قانونا ، وعرفا ، وثقافة .
أليس هذا ضد العدالة ، والمنطق ؟؟. أليس هذا كيلا بمكياليين ؟؟. . وهذا التمييز ضد العدالة ، والمنطق ، وضد استقامة الأخلاق التى نتشنج للحفاظ عليها . فى جريمة مثل الرشوة ( لا تتعلق بالنصف الأسفل للجسد ) ، الراشى ، والمرتشى ، كلاهما يوصم بالفعل نفسه .
وارد جدا ، وطبيعى ، أن البعض يسيئون فهم الحرية ، عن جهل أو عن عمد . ولكن هذا ليس مبررا لادانة الحرية ، أو منعها . نحن مثلا لا ندين ، ولا نمنع الزواج ، لأن هناك زيجات فاشلة ، تعيسة . ولسنا نمنع قيادة السيارات ، لأن هناك حوادث طرق كل يوم ، ولا ندين التعليم أو نمنعه ، لأن هناك منْ يرسب .
ومن تجارب الواقع ، ومن تأمل صفحات التاريخ قديما ، وحديثا ، يتضح أن أكثر الناس اتهاما للحرية ، وادانة للأحرار نساء ، ورجال ، هم أكثر الناس فسادا أخلاقيا .
واختصارا لتحقيق الأمنية ، أو الحلم ، مجتمع " لقمة الحرية " ، أقترح مقررا
تعليميا ، ثابتا ، ومستمرا ، يبدأ منذ الطفولة ، ويمتد حتى آخر المراحل ، اسمه
" حب وانصاف الحرية ". ويظل متجددا مع تغير الزمن ، وتغير الناس . بل يسهم فى احداث هذا التغيير الذى يقدم نفعا وسعادة للجنس البشرى .
يشمل هذا المقرر ، مفهوم الحرية ، طبيعة الحرية ، علاقة الحرية بالمسئولية الفردية والمجتمعية ، آراء ومؤلفات الكتاب والأدباء ،والفلاسفة على مدى العصور فى الحرية ، تجارب البشر نساء ورجالا مع تجارب الحرية ، وتجارب القهر ، تجارب المجتمعات المختلفة مع الحرية ، عوائق الحرية ، على مستوى الفرد والمجتمع ، وعلاقة الحرية بما نسميه " الأخلاق " ، ازدواجية المقاييس الأخلاقية ، والكيل بمكياليين بين الناس ، وبين الجنسين ، وبين الدول ، وفضح القوانين القائمة على التمييز الذكورى أو الدينى أو العرقى ، تطهير الحرية من الشوائب التى تلحق بها عمدا ، انصاف الحرية من التشوهات والاشاعات التى ترتكب ضدها يوميا منذ بدء الخليقة ، الجرائم التى استنزفت البشرية ، وقتلت ضحاياها بدم بارد نتيجة قلة الحرية أو غياب الحرية اصلا ، وليس لأن الناس أحرارا ، مناقشة ما يسمونه " الثوابت "، و" المقدسات " .
مثلا ، الفيلسوف الألمانى ، فريدريك نيتشه 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ، قال " أنه لا توجد أخلاق ، ولكن توجد تفسيرات أخلاقية للظواهر ". وقال أيضا : " ان الأخلاقيات هى الوسيلة الفعالة لقيادة البشرية من أنفها " .
ان كل فضيلة يمكن تصورها ، هى من نتاج " أخلاق الحرية " . فالحرية تصحح نفسها بالتجربة ، والمعرفة ، والشجاعة ، والأمانة ، والنزاهة ، والاتساق مع الذات ، والوضوح ، والحساسية لحقوق الآخرين ، وعدم الرغبة فى فرض الوصايا عليهم تحت أى مسمى .
وكل رذيلة يمكن تصورها ، هى ارث مباشر من " أخلاق القهر " . فالقهر يعيد انتاج آلياته وتقاليده وتبريراته وأكاذيبه ، التى هى عكس أخلاق الحرية .
الحرية فى منتهى الكرم ، والتواضع ، لا تطلب شيئا ، الا أن نحبها ، حتى تمنحنا كل كنوزها ، وأسرارها .
أغلب الناس ، لا يحبون الحرية ، اما أنه شئ فى الجينات الطبيعية ، أو أنهم استدمجوا القهر ، وتأقلموا معه ، ووجدوا فيه الأمان ، والراحة ، الى درجة أنهم أصبحوا يكرهون الأحرار من النساء والرجال ، الذين حتما سينقلون " عدوى الحرية " ، الى الآخرين .
الكاتب والفيلسوف وعالم النفس والاجتماع الألمانى ، اريك فروم 23 مارس
1900 – 18 مارس 1980 ، الذى التهمت مؤلفاته فى سن صغير ، له كتاب
شهير ممتع ، اسمه " الخوف من الحرية " ، يفضح تاريخ البشر فى مقاومة
الحرية ، من الناحية الثقافية والاجتماعية والسياسية والنفسية والوجدانية .
---------------------------------------------------------------------------
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فيتو روسي ينهي النظام الأممي لمراقبة العقوبات على كوريا الشم
.. وضع -كارثي ومرعب- في هايتي مع تواصل تدفق الأسلحة إلى البلاد
.. المرصد: 42 قتيلا بقصف إسرائيلي على حلب بينهم عناصر من حزب ال
.. -بوليتيكو-: محادثات أميركية لإنشاء قوة حفظ سلام في غزة | #ال
.. العدل الدولية: على إسرائيل زيادة عدد نقاط العبور البرية لغزة