الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة نقدية لكتاب الحياة السياسية ، للمؤلف :آصف بيات

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2022 / 3 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر الكتاب عن دار المركز القومي للترجمة - القاهرة سنة (2014)، وكتاب للدكتور آصف بيات ، بعنوان:" الحياة السياسية: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط. ويقع الكتاب في (600) صفحة، ترجمة الدكتور أحمد زايد، والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشرها الكاتب في عدد من المجلات العلمية خلال الفترة الممتدة من 2000- 2009. والهدف من هذه القراءة التعريف ومناقشة الكتاب، والبحث والكشف عن الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية ،وبشكل خاصة الدول الحراك العربي ما بعد 2011م، يسعى الدكتور آصف بيات من كتابه المذكور التأكيد على أهمية دور الفئات الحضرية المهمشة في عملية التحول السياسي والاجتماعي، وهو يتجاوز المداخل السوسيولوجية التي عملت على دراسة هذا الدور، ليقدم منهجية نظرية أسماها بالزحف الهادئ للمعتاد.
تقوم وحدة التحليل الأساس لآصف بيات على مفهوم اللاحركات الاجتماعية بوصفها أداة لوصف الحراك الشارع العربي، ويعد الكاتب من ضمن طراز معين من البحاث الذين يمتلكون روح المغامرة البحثية.
وتمت عملية قراءة هذا الكتاب من خلال تدوين بعض الملاحظات والاستنتاجات، والتي لا تقلل من أهمية وقيمة الكتاب، إنما بذلك نؤكد مقولة بأنه لا توجد قراءات حاسمة ونهائية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهي خاضعة دائما للمراجعة والتطوير، لكنها قراءات قد تكون صحيحة، و قد تكون غير صحيحة في مستوى الفهم.
1. قبل الولوج إلى رصد أهم الملاحظات والاستنتاجات، أود أن أوضح للقارئ المنهجية المتبعة في هذه القراءة، وهي:
2. توضيح أهم الأفكار والمقولات التي طرحها الكاتب،
3. تحديد مواطن الاتفاق والاختلاف،
4. تدوين بعض الملاحظات والاستنتاجات.
• في الفصل الأول تحت عنوان " فن الحضور " في الصفحة رقم (19)، يرى الكاتب بأن منطقة الشرق الاوسط سقطت في حالة عدم الاستقرار، حيث يقول بأن هذه المنطقة تعد " أكثر ثراء وأقل تنمية"، ويستطرد الكاتب في تشخيصه لهذه المنطقة كونها خارج التغيير، حيث يقول" هناك فكرة تقول بأن العالم كله تغير ما عدا الشرق الأوسط". في الحقيقة قد تكون هذه الفرضية غير مقنعة، فمنطقة الشرق الأوسط تموج بالأحداث والوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تمر حقبة تاريخية معينة إلا ونجد العديد من تلك الوقائع والتغييرات .
• في الصفحة (27) يرى الكاتب بأن الممارسة السياسية النضالية والتغير الاجتماعي أحدثت تحولات سياسية واجتماعية ملحوظة في المنطقة، وكانت جمعيها ناتجة عن مساع نضالية منظمة اتخذت أشكالا متعددة بدءا من أفعال الاحتجاج الحادة، إلى الحركات الاجتماعية المستمرة إلى صور الحراك الثوري الكبير، يذكر منها على سبيل المثال الانتفاضة الفلسطينية 1987، ثورة الأرز 2005 في لبنان ، حركة كفاية في مصر . وهنا أود التأكيد بأنه من لم يستطع فهم حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة العربية فيما يتعلق بدورها وحركتها، فإنه لن يستطيع فهم وتشخيص تلك الحركات النضالية، حيث أجزم بأن لها أسبابها ومبرراتها المتنوعة، بالتالي من الصعب وضعها في قالب واحد.
• في الصفحة رقم (30) يرى الكاتب بأن " حركات الموجه الخضراء في إيران، وحركة كفاية في مصر، وثورة الأرز في لبنان ظهرت جمعيا كرد فعل على انتشار التوجهات الإسلامية في مجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية، وهي تعد بدائل لها". في الحقيقة وحسب وجهة نظري فإن أسباب بروز تلك الحركات أعمق من أن تختزل في سبب واحد، بالتالي من المهم الحديث عن كيف ولماذا حدثت كل حركة من تلك الحركات دون اختزالها في قالب واحد؟
• في الصفحة رقم (30) يرى الكاتب بأن " الحركات الإسلامية شكلت أكبر تحد للنظم التسلطية العلمانية في المنطقة" . أعتقد بأن هذه المقولة كانت بحاجة إلى توضيح وتشخيص بشكل أوسع وأعمق، فالأمر كان بحاجة إلى وجود أمثلة وشواهد من الواقع تلك الدول، وليس مجرد تأمل، فهناك دول معتمدة على الأيديولوجية الدينية مثل المملكة العربية السعودية، تحالف بين آل سعود والحركة الوهابية، كما أن الرئيس المصري السادات قام بتشكيل تحالف غير معلن مع الحركة الإسلامية بغية القضاء على خصومه من الناصريين، كما أن الجمهورية الإيرانية قائمة على توجهات وأسس دينية، إذن أعتقد الأمر كان بحاجة إلى تأنٍ قبل طرح مثل هذه الفرضيات وتعميمها على دول المنطقة.
• يستطرد الكاتب في تحليليه في الصفحة (31) ليوضح "فشل النزعة النزعة الإسلاموية في تأسيس نظام ديمقراطي،" حيث يرى بـأن فشل هذه النزعة " أدى إلى ظهور حركات وليدة هي الحركات التي أطلق عليها حركات ما بعد الإسلاموية (دولة ديمقراطية ومجتمع ديني )، ويقصد هنا اصلاحات محمد الخاتمي 1997- 2004 . بالرغم من كون الكاتب قام بتعميم هذه الفرضيات على دول المنطقة دون مراعاة الخصوصية، إلا أن التحليل والتشخيص يخص الجمهورية الإيرانية، كما أن هذه الفرضية ربما تتناقض مع ما طرحه الكاتب من كون الحركات الإسلامية شكلت أكبر تحد للنظم التسلطية العلمانية.
• يستمر الكاتب في عملية تحليل الفضاء الحضري، حيث يقول الكاتب في الصفحة رقم (41) " بأن الفضاء الحضري لا يعمل بمثابة مسرح مركزي لصور النضال السياسية والاجتماعية فحسب، ولكنه يعمل في الوقت نفسه على توفير الشروط التي تحدد ديناميات الصراع وأنماطها وطرق حلها" ، ويفسر ويوضح ذلك بشكل أوسع بقوله " ولهذا فإن المدن تضع بصماتها الاجتماعية على طبيعة النضالات الاجتماعية وطبيعة الفعل الاجتماعي ، فهي تفسح المجال لصور من السياسة ذات طبيعة واسعة وضيقة"، ويتوسع الكاتب وبشكل متميز في تحليله بطرح تساؤلات جد مهمة، ربما تعطي الصورة الصحيحة لدور الفضاء الحضري وهي عند الحديث عن : لماذا تحدث الثورة؟ ومتى تحدث؟ فإننا يجب أن نسأل أيضًا أين تحدث؟ ولماذا تظهر في هذا المكان الذي ظهرت فيه؟ وهنا أتفق مع الكاتب حول هذه التساؤلات المهمة التي توضح أهمية الفضاء العام بوصفه فضاءً اجتماعياً وسياسيا واقتصاديا يمنح للأفراد مساحة للنضال والتأثير في المسائل والقضايا المتعلقة بمصالحهم .
• وفي نفس الصفحة السابقة يستنتج الكاتب إلى كون " المدن بوصفها مواقع لتركز الثروة والقوة والامتياز تعتبر على نحو متزايد مصدرا لصراعات مزمنة ونضالات اجتماعية واحتجاجات جماهيرية تماما مثلما هي مصدر للتعاون والمشاركة"، ويطرح الكاتب مفهوم تجسيد النزعة الكونية على الواقع اليومي لتلك المدن، حيث يرى بأن " الخبرات ذات النزعة الكونية في المدن يمكن أن تعمل بوصفها عاملا مكانيا مساعدا لتحويل العنف الفئوي والصراع الفئوي والعمل على ضبطه ". قد نتفق أو نختلف مع الكاتب حول هذه المقولة، لكن الأمر كان بحاجة إلى وقائع ومشاهدات حقيقية تؤكد الوصول إلى ذلك الاستنتاج.
• في الصفحة (42) يُوضح الكاتب بأن " شوارع المدينة لاتعمل فقط بوصفها فضاء فيزيقيا تتشكل فيه الصراعات، وسبل التعبير عنها، أو فضاء تتشكل فيه الجماعات المترابطة وصور التضامن أو تبدي فيه سياسة الشارع، ولكنها تشكل فضاءات تحمل معنى رمزيا، يعبر عن المشاعر الجمعية للأمة والجماعة، وهذا ما أطلق عليه الشارع السياسي". لقد شدني تميز تحليل الكاتب لمفهوم الشارع السياسي، وحسب اعتقادي فإن هذا المفهوم من أهم ما سجله الكاتب في تشخيصه للفضاء العام ودور المهمشين فيه، وهي تعد محاولة تقييم لمعرفة أين الفضاء العام والمهمشين؟ وأين هم وماذا يريدون؟ وما المناخ الذي يتحرك فيه الفضاء؟ وكيف يستطيع التحرك؟
• في الصفحة (43) يتحدث الكاتب عن كون " استمرار الحكم التسلطي، والموقع الإستراتيجي للمنطقة فيما يتصل بالنفط ، ومشكلة إسرائيل، وانتشار الإسلام كل هذا جعل ممارسة سياسة الاعتراض في الشرق الأوسط خصيصة مميزة للمنطقة" . أعتقد بأن كل ذلك كان بحاجة إلى تحليل أعمق، وتوضيح الأمثلة التي تُبين دلالات ذلك الطرح. كما يوضح الكاتب أيضا بوجود حيوية الشارع العربي " بعد 11 سبتمبر، وغزو العراق، على الرغم من استمرار النظم السياسية من كبح الاحتجاج السياسي" . وهذا يتناقض مع طرحه السابق الذي يقول فيه بأن العالم كله تغير ما عدا الشرق الأوسط"، كما يتوجب التذكير هنا بأنه عندما تقوم الأنظمة السياسية ببعض السياسات التي تخالف عواطف ومطالب الشعوب، فإنه سوف تدفع الشعوب إلى البحث عن طرق أخرى من أجل مقاومة سياساتها.
• كما يرى الكاتب في نفس الصفحة السابقة بأن حيوية حراك الشارع العربي " استنفدت في أنشطة ذات نزعة قومية، أو ذات نزعة معادية للاستعمار، وذلك على حساب النضال من أجل الديمقراطية في الداخل". وهذا الأمر ليس بالغريب طالما أن التسلط والاستبداد هو الجزء الأساس، والمكون لطبيعة السياسية لجل الأنظمة العربية، كما أننا لا نقلل من أهمية طرح الكاتب، حيث يعد جد مهم، غير أنه يفتقر إلى التشخيص العميق والتحليل الدقيق.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى عنوان آخر وهو مفهوم " اللا حركات اجتماعية"، حيث يعرفها بأنها " أعداد من الناس العاديين الذين تؤدي أنشطتهم المتشابهة والمتفرقة في الوقت نفسه إلى إحداث تغيير اجتماعي كبير، حتى وإن لم تكن هذه الممارسات موجهة بأيديولوجية أو بقيادات معترف بها أو بتنظيمات". فالكاتب يطرح مفهوم النضالات اليومية للفئات الحضرية المهمشة كونها " اللا حركة" ، حيث يجمع صور النضال وتنوعاته كلها، ويقدمها في صياغة مفهوم " اللاحركة" وهي تعني كل صور النضال اليومي التي تتم بشكل فردي ،ولكنها تتحول إلى سلوك جمعي ويجمع بينها أنها تتجه إلى استهلاك كل ما هو عام ، والحضور الفيزيقي الذي يخلق صراعا بين الافراد وبين الدولة.
• يعمق الكاتب في تحليل مفهوم " اللاحركات" في الصفحات 47 – 67 من خلال الربط ذلك المفهوم بالأيكولوجيا الحضرية، وبشكل خاص في المدن الرئيسة، وبأنها صور من النضال من أجل العيش، ومن أجل التكيف مع البيئة الحضرية المعقدة، في ظل وجود صور الاستبداد السياسي والهيمنة الاجتماعية والثقافية. قد أتفق مع الكاتب في طرحه وتشخيصه حول صور تلك النضالات اليومية، وربطها بالأيكولوجيا الحضرية، ولكن هناك سؤال قد يبرز من فوق السطح وهو : إن النضالات قد تبدو في ظاهرها متساوية أو ذات طبيعة واحدة، لكن في باطنها - في حقيقة الأمر- يوجد بينها تفاوت من حيث طبيعتها أوعمقها أو تساعها، وهذا الأمرلم يتطرق إليه الكاتب في تشخيصه للحياة اليومية لتلك المجتمعات. فالكاتب اعتمد في تحليليه على نهج القالب الواحد الذي يصلح للجميع، حيث وضع مدن الحضرية في منطقة الشرق الأوسط خاصة القاهرة وطهران في قالب واحد، بحيث كانت النتائج تصلح للجميع، والسؤال الذي يطفو على السطح هنا : هل "الهابيتوس" التي يتحدث عنها الكاتب لدى الأفراد في مختلف مدن الشرق الأوسط واحدة ، وهذا يعني هل من المنطقي أو الصحيح أن نعتقد بأن الاستعدادات والإداركات الشخصية التي يكتسبها الأفراد عبر النضالات اليومية في الأيكولوجيا الحضرية، والتي تتحول بمرور الوقت إلى بنيات منظمة للسلوكيات ستكون واحدة، في محتلف المدن الحضرية بمنطقة الشرق الأوسط !.
• ويسترسل الكاتب في تحليل مفهوم " اللاحركات " بشكل متميز حيث يقول بأن " منطق الممارسة في اللاحركات تتوجه إلى الفعل وليس إلى الايديولوجية" كما أن "المطالب تكون فردية وليست مطالب معبرة عن جماعات منظمة" بالتالي فأنه يرى بأن " الضغط على الحكومة يتم بشكل مباشر ومتنوع" من خلال " ممارسات عادية للحياة اليومية، الممارسات ينجزها الملايين من الناس وإن كان متفرقين هنا وهناك".ويوضح الكاتب بأن فهم قوة "اللاحركات" لا تكمن في وحدة الفاعلين، إنما في قوة الاعداد الكبيرة، الذين يعملون نفس الشئ بشكل دائم ومستمر. وهنا يؤكد الكاتب بأنه لا يمكن الإلمام بمفهوم " اللاحركات " خارج دائرة الايكولوجيا الحضرية.
• بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب إلى مزيد من التحليل والتشخيص من خلال طرح عدد من التساؤلات المهمة، وهي : كيف تتشكل هذه الهويات بين الفاعلين الأفراد الذين لا تربط بينهم رابطة ؟ وكيف تأتي أفعالهم متشابهة ؟ ويسعى الكاتب إلى الإجابة عن تلك التساؤلات بالتأكيد بأنه تتكون " في الفضاءات العامة في نظاق الجيرة ونواصي الشوارع والمساجد وأماكن العمل ومحطات الركاب والجامعات والنوادي الرياضية، وهي ما أسماه "بالشبكات السلبية".ويحاول الكاتب رسم صورة الفاعلين الأفراد- المهمشين- لتبدو واضحة في الفضاءات العامة، حيث يقول إنهم " يدركون أوضاعهم الصعبة المشتركة من خلال مشاهدة بعضهم البعض على نواصي الشوارع وبشكل يومي" كما أن ذلك حسب وجهة نظره " يخلق الصلات بين الشبكات السلبية والفعل الجمعي المحتمل، وهو التهديد المشترك".ويقوم الكاتب بمحاولة تفكيكية متميزة لصورة الفاعلين المهمشين، والتي قد تساعدنا على رؤية تلك الوقائع بشكل أفضل، حيث يقول في حين " تتحقق المكاسب في اللاحركات على نحو فردي من خلال الممارسات الفردية، فإن الدفاع عن هذه المكاسب يأخذ شكلا جمعيا"، وهو ما أسماه " سياسات نضالية مستمرة"، كما يرى بأنه في حال " ما استطاعت الدولة أن تتبنى مطالب اللاحركات، فإن ذلك يعد في الواقع شكلا من أشكال الإصلاح في الدولة ذاتها".
• يستمر الكاتب في عملية تحليل مكانيزما عمل " اللاحركات " من خلال تساؤل جد مهم يستحق الوقوف عنده ، وهو: لماذا تكون اللاحركات هي الشكل الأكثر انتشارا للنشاطية من سياقات اجتماعية وسياسية في مجتمعات الشرق الاوسط ؟ . وأجزم بأن سبب طرح مثل هذا التساؤل يكمن في السعي الحثيث من قبل الكاتب لفهم أسباب ودلالات مفهوم " اللاحركات"، فضلا عن أهمية استيعابها من قبل البحاث والمهتمين، كما أنها تأتي في سياق محاولة تقييم الوقائع المعاشة، أين اللاحركات ؟ وماذا تريد؟ وما المناخ الذي تتحرك فيه؟ وكيف تستطيع التحرك؟ . عموما يجيب الكاتب عن التساؤل المطروح من خلال سرد عدد من المبررات، وهي : عدم تسامح الدول التسلطية مع أي اعتراض منظم ومستقل، وقيام الفئات المهمشة بإدارة قضاياها بنفسها، وتغيب هيمنة الدولة أو سلطة توقيع العقاب، وأن عبقرية الأفراد المهمشين – اللاحركات – تكمن في اكتشاف القدرة على اكتشاف هذه المخارج والثغرات.
• ويصل الكاتب إلى طرح مفهوم جديد وهو "فن الحضور" هو " اللحظة الأساسية في حياة اللاحركات، أي في الحياة بوصفها سياسة، فقصة اللاحركات هي قصة الفعل الاجتماعي في أوقات الشدة". أعتقد بأن الكاتب أراد من هذا التحليل الولوج إلى محصلة مفادها بأن " اللاحركات " تمثل قوة ضغط هائلة دون أن يكون لها جذور في العمل السياسي واصلة إلى الأعماق، وهذا ما أسماه فن الوجود أو الحضور. فالفئات المهمشة في المدن الحضرية حسب تحليل الكاتب لديها إحساس أيكولوجي سياسي بكل حدودها ،فيكون كل فضاء مشغول بهمومه ومشاكله.
• ينتقل بنا الكاتب في الصفحة (69) إلى الفصل الثاني ،وتحت عنوان " تحول الشرق الأوسط العربي تشريح وثيقة"، يقول الكاتب " الشرق الأوسط وكأنه دخل في طريق مسدود لا يستطيع أحد أن يتنبأ بالخروج منه إلا النزر اليسير"، كما يرى بأن " الدول العربية دولا غنية أكثر منها دولا متطورة" فهي " نظم تسلطية لها علاقات قوية بالغرب، تتحدى صيحات التحول الديمقراطي والمحاسبية"، كما "تضافرت عدد من الظروف السياسية والاجتماعية التي تدعم الفكرة السائدة حول استثنائية الشرق الأوسط ، فله خصوصية ككيان ثقافي لا تنطبق عليه الأطر التقليدية في التحليل". والحقيقة فإن الكاتب يتحدث هنا عن وجود ازدواجية أو ثنائية المعايير للدول الغربية في المنطقة العربية، فالغرب يدعم النظم الاستبدادية، وفي الوقت نفسه يغض الطرف عن أي اختيار مجتمعي يتعارض مع مصالحه.
• يرى الكاتب في الصفحة (70) " لهذا دعا واضعو السياسة في الغرب إلى الاعتقاد بان التغيير لا يأتي من داخل هذه المجتمعات، ولكن من خارجها وباستخدام القوة، " وفي مرحلة المحافظين الجدد – مرحلة بوش الابن - يوضح الكاتب بأنه حدث تغيير جوهري في المنطقة، حيث تم " الإيعاز إلى تغيير الكتب، وإغلاق المدارس الدينية، فضلا عن عدم استخدام عبارات معادية لأمريكا. أعتقد بأن الأمر كان أيضًا بحاجة على تشخيص وتحليل مشروع المحافظين الجدد - بشكل أوسع وأعمق، خاصة وأن مشروع الشرق الأوسط الكبير ساهم في رسم سياسات المعمار العربي ما بعد 2011م.
• في الصفحة رقم (71) يوضح الكاتب بأن" استمرار احتلال (إسرائيل) للأراضي الفلسطينية، والسياسية الخارجية الأمريكية العدوانية في المنطقة أدت إلى إفساد النضالات الداخلية لإحداث تحول اجتماعي وسياسي ". أتفق مع الكاتب في طرحه، فهي نقاط مهمة يصعب إهمالها، وإذا أضفنا إلى كل ما سبق حقيقة أخرى وهي استمرار دعم الغرب للانظمة الاستبدادية.
• يستمر الكاتب في عملية تحليل وقائع المنطقة العربية من خلال تقارير التنمية العربية، حيث يقول الكاتب في الصفحات (72- 74) بأن " التنمية عملية توسيع الخيارات بين البشر، وهذا يفسر التنمية كونها حرية، وليس مجرد نمو في الناتج القومي الإجمالي، وارتفاع الدخل الشخصي، والتصنيع والتقدم التكنولوجي، والتحديث الاجتماعي"، ولهذا يُبين الكاتب بأن تلك التقارير رصدت "عدداً من الفجوات ،وهي : فجوة المعرفة، وفجوة الحرية/ الديمقراطية، وفجوة تمكين المرأة، وجمعيها تشكل نواة التراجع التنموي العربي" ، ويصل الكاتب إلى محصلة نهائية ،وهي أن " قمع الحريات وحقوق الإنسان هو العدو اللدود للتنمية الإنسانية". في الحقيقة بالرغم من كون تلك التقارير ساهمت في وضع تصورات وإدراكات للمنطقة، إلا أنني أعتقد بأن الكثير من المسائل المرتبطة بتلك التقارير لا يمكن فهمها بمعزل عن الحسابات الدولية التي تفرضها المصالح، ولا تقيم وزنا لأية مصالح للمنطقة العربية، وعلى هذا النحو تم استخدام تلك التقارير كأداة من أدوات الهيمنة الغربية، وفرض مصالحها في المنطقة العربية.
• ينتقل بنا الكاتب إلى عنوان آخر في الباب الأول وهو " اللاحركات اجتماعية"، ففي الصفحات ( 95-100) يأتي الفصل الثالث تحت عنوان "الزحف الهادئ المعتاد" ، حيث بين الكاتب بأن "العولمة أدت إلى تحول تاريخي من نظم اشتراكية وشعبوية إلى سياسات الاشتراكية اللبيرالية عبر الإصلاح الاقتصادي وبرنامج التكيف الهيكلي"، وهذا الأمر حسب وجهة نظره قد أدى إلى " تحلل كثير من جوانب التعاقد الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية في دولة الرفاهية، ومن هنا كان على الملايين من أبناء شعوب الجنوب الذين اعتمدوا من قبل على الدولة كان عليهم الآن أن يعتمدوا على أنفسهم لكي يظلوا على قيد الحياة" . أحسن الكاتب في تحليله إلى ترديات أو فجوات التي أحدثتها العولمة، حيث واجهت المنطقة العربية العولمة بدون أي استعدادات ،أو خطط جماعية أو فردية؛ للتعامل مع إكراهاتها وتحدياتها. كما يرى الكاتب بأن " إعادة البناء الجديد للجماعات المهمشة - في ظل العولمة - والذي صاحبه ظهور جماعات تتمتع بدرجة عالية من اليسر الاقتصادي أدى هذا البناء الجديد إلى ظهور قدر من النمو للجماعات المهمشة وغير المنظمة في مدن العالم الثالث" وأطلق عليهم " مهمشي الحضر وفقراء الحضر". ويحلل الكاتب آليات عمل هذه الجماعات بأنها " تعيد إنتاج فضاء اجتماعيا، ومن ثم صورا من النضالات السياسية لا تستطيع النظريات المعاصرة أن تفسرها في حد ذاتها". اقترح الكاتب نظرية بديلة أطلق عليها "الزحف الهادئ"، حيث يرى بأن الزحف الهادئ هو ما يمكن أن يكون أكثر قدرة على تفسير النشاطية من جانب الجماعات المهمشة في المدن في مجتمعات ما بعد الاستعمار".ويُفسر الكاتب الزحف الهادي بأنه " يشير إلى الأفعال غير الجمعية المباشرة، والتي تتسم بالنفس الطويل لأفراد وأسر متفرقين أثناء سعيهم لسد حاجاتهم الضرورية ، وبطريقة غير قانونية هادئة "، ويحدد الكاتب ماهية الأفراد والأسر، حيث يقوم " هم الجماهير الغفيرة الفقيرة من سكان الحضر ، تتمايز في دخلها ومكانتها ومهنتها وعلاقات إنتاجها ، فإنها تشترك في مكان إقامة واحد وفي مجتمع محلي واحد، فالمكان المشترك والحاجات المتربطة بالملكية المشتركة تمنح هذه الجماعات إمكان التضامن عبر المكان" .
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى عنوان آخر وهو "الفقراء المقاومون" في الصفحات (111- 120)، حيث يوضح الكاتب بأن تأسيس فكرة المقاومة قائمة على فكرة فوكو القائلة " بأنه توجد مقاومة حيثما توجد قوة ". قدّم الكاتب أدوات تفكيكية استطاع من خلالها تفكيك ماكنيزما عمل مقاومة الفقراء المهمشين، ويوضح بأن مقاومة المهمشين " تتكون في الغالب من أنشطة صغيرة، محدودة النطاق تظهر في الحياة اليومية، والتي يكون بمقدورهم فعلها لكي يتعاملوا مع الكوابح السياسية المرتبطة بها، بالتالي يرى الكاتب بأن ذلك " يساعد نموذج المقاومة على الكشف عن درجة تعقيد علاقات القوة في المجتمع بشكل عام، والممارسة السياسية للمهمشين بشكل خاص" ،كما يُبين بأن "الفعل الجمعي المنظم ليس ممكنا في كل مكان". وربط الكاتب بين درجة المقاومة بمدى إدراك ووعي الفئات المهمشة، ويغوص الكاتب في تشخيص مفهوم المقاومة من خلال طرحه تساؤلاً مهماً وهو : هل المقارمة هي الدفاع عن مكسب متحقق بالفعل، أم تعني خلق مطالب جديدة ؟
• وللمزيد من الإيضاح والتبسيط، ومحاولة تتبع آليات عمل المقاومة يطرح الكاتب عدداً من التساؤلات المهمة وهي : إذا كان الفقراء قادرين بشكل دائم على مقاومة انساق الهيمنة بطرائق عديدة، من ثم فما الذي يدفعنا إلى مساعدة الفقراء ؟ وإذا كان الفقراء يشكلون مواطنين قادرين من الناحية السياسية فلماذا نتوقع من الدولة تمكينهم ؟. تلك هي الأسئلة الكبرى التي يحاول الكاتب الإجابة عنها في الصفحات التالية من كتابه وذلك في سياق التشخيص والتحليل لمفهوم المقاومة . في الحقيقة التساؤلات المطروحة تعد مهمة من أجل فهم آليات المقاومة للفئات المهمشة بشكل أفضل، كما تنم عن الحس والممارسة السيوسولوجية الذي يتمتع بها الكاتب، فضلا عن مدى اتساع تجربته ورؤيته.
• في الصفحات ( 120- 129) وتحت عنوان "الزحف الهادئ المعتاد"، يتحدث الكاتب عن فكرة الزحف الهادئ، حيث يقول بأنها "عملية تقدم أو الزحف الهادي والبطئ، ولكنه الزحف المثابر للأفراد العاديين نحو ما هو مملوك من قبل الآخرين، وما هو قوى، أي النطاق العام، وذلك من البقاء ومن أجل تحسين حياتهم" ويستطرد الكاتب في تحليله لمفهوم الزحف الهادئ، حيث يقول: هو" فعل جمعي مرحلي دون وجود أي صور من النضال السطحي أو المفتوح دون وجود قيادة، أوأيديولوجية، أو تنظيم محدد المعالم" فالفاعلون في هذا الزحف " يحاولون أن يوسعوا الحيز عن طريق كسب مواقع جديدة للتحرك فيها"، بالتالي لم يكن ذلك الزحف حسب وجهة نظر الكاتب مصادفة عابرة، بل كان نتيجة مترتبة على ازدياد " العمليات المكثفة من النضالات والمفاوضات بين الفقراء والسلطات والنخب في حياتهم اليومية " ، حيث " يحاول الزاحفون داخل هذه التجمعات إجبار السلطات على توفير الخدمات الحضرية في أماكن وجودهم، وذلك عن طريق السعي نحو الحصول على هذه الخدمات بشكل غير قانوني ودون دفع أي رسوم" ، بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى تبرير أفعال الزاحفين غير القانونية ،حيث يقول " إن الضرورة هي الفكرة التي تبرر أفعالهم غير القانونية باعتبارهم طرائق أخلاقية أو حتى طبيعية للحفاظ على الحياة مع الكرامة"، ويسترسل الكاتب في التشخيص والتحليل حيث يقول بأن" الممارسات الحياتية البسيطة تميل إلى نقلهم إلى مجال السياسات النضالية وهم يصبحون منخرطين أكثر في الفعل الجمعي، وينظرون إلى أفعالهم وإلى أنفسهم كأفعال سياسية عندما يواجهون بأولئك الذين يهددون مكاسبهم". كما يتطرق الكاتب إلى الخصائص البنيوية لعمليات الزحف حيث يقول هناك " خصائص أساسية في عملية الزحف الهادئ وهي أنها تتقدم بهدوء وبشكل فردي تدريجي وهي كلما تحركت على هذا النحو اتخذ الدفاع عن المكاسب شكلا جمعيا ومسموعا على الرغم من أن ذلك ليس هو الحال دائما"، وحتى يقرب الكاتب أهداف الزحف أكثر يشير إلى أنهم "يسعون إلى تحقيق هدفين إعادة توزيع الخيرات الاجتماعية والفرص، وتحقيق الاستقلال على المستوى الثقافي والسياسي عن التنظميات والمؤسسات والنظام المفروض من قبل الدولة". والمفارقة السيوسولوجية اللافتة الانتباه التي يطرحها الكاتب في عمليات الزحف، وهي " أن الفقراء لا يسعون إلى الاستقلال ولكنهم يحتاجون إلى الأمن أي التحرر من هيمنة الدولة".
• ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى عنوان آخر ،وهو " التحول إلى السياسة" في الصفحات رقم (129-131) حيث يُوضح الكاتب إلى أنه "بمجرد أن تهدد المكاسب التي حصلوا عليها، فإنهم يميلون إلى أن يصبحوا أكثر وعيا بأفعالهم وبالقيمة التي تحصلوا عليها، وفي هذه الحالة فإنهم يعرفون أفعالهم في الغالب بطريقة جمعية ومسموعة"، كما أنهم " قد يحتفظون بالمكاسب التي حصلوا عليها على نحو بديل لذلك، من خلال عدم الامتتثال الهادئ دون أن يدخلوا بالضرورة في مقاومة جمعية " .وهنا ربما تتقارب رؤية الكاتب مع أفكار جميس سكوت في كتابه "المقاومة بالحيلة... كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم؟". فسكوت يرى في كتابه " أن ثمّة نمطا من المقاومة يستخدم الحيلة والإيهام في مقاومته قبل العنف والثورة". وعموما يوضح الكاتب بأن نضالات هذه الفئات " لا تتصل بالحصول على مكاسب ، ولكنها تتصل بشكل أساس بالدفاع عن مكاسب قد تحققت بالفعل، ومحاولة الامتداد بها إلى الأمام". ويُبين الكاتب بأن موقف الدولة يتأثر إزاء هذا النوع من النشاطية السياسية " أولًا بقدرة الدولة على أن تمارس الهيمنة، وثانيًا بالطابع المزدوج للزحف البطئ"، فهو يرى بأن " الناس لديهم أكبر مساحة من الاستقلال تحت وطأة الدولة الرخوة أو الدول المعرضة للخطر " ، كما يتطرق إلى الزحف الهادي، حيث يراه بأنه يفيد حكومات العالم الثالث كونه " آلية يستطيع الفقراء من خلالها مساعدة أنفسهم، خاصة في أوقات الازمات".إذن الكاتب يرى مقاومة الفئات المهمشة هو فعل وجودي يرتبط بالصراع من أجل البقاء والحفاظ على المكاسب، وهذا الصراع هو الذي شحذ عقول الفئات المهمشة لابتكار فن الحضور أو الوجود، وهذا يعني أن حركة التفاعل بين الفئات المهمشة والسلطة أنتجت فن الحضور، وحسب اعتقادي فإن هذه النظرية من أهم ما سجله الكاتب في تشخيصه لحركية المقاومة للفئات المهمشة.
• في الصفحات (132-135) يشرح الكاتب بإسهاب ممتع حركة التفاعل بين الفئات المهمشة والسلطة، حيث يقول "عندما يصل النمو التراكمي للفاعلين وأفعالهم عند نقطة لا يمكن تحملها، عندما يحدث ذلك، فإن تراجع الدولة يصبح أمرًا متوقعا"، ويُبرر الكاتب الصراع الحتمي في كون " سعي الفاعلين نحو الاستقلال في الحياة اليومية يخلق فراغًا خطيرًا في نظام هيمنة الدولة الحديثة"، ومن ثم فإن "الصراع بين هؤلاء الزاحفين والدولة هو صراع حتمي"، كما يُبين بأن ديناميات علاقة القوة بين هذه الجماعات والسلطات هي ما أطلق عليه " سياسة الشارع"، ويستطرد الكاتب في التوضيح والتحليل، حيث يقول بأن " مجموعة من الصراعات بين التجمعات الجمعية والسلطات وما يصاحبها من آثار والتي تتشكل ويتم التعبير عنها بشكل متسلسل في الفضاء الفيزيقي والاجتماعي للشوارع". بعد ذلك يحدد الكاتب عاملان يجعلان من الشوارع مكانا لممارسة السياسة، وهما حسب وجهة نظره " العامل الأول يرتبط باستخدام المكان العام موقعا للتنافس بين الفاعلين والسلطات، والعامل الثاني شبكة العلاقات السلبية، والتي يقوم بها الأفراد الذين يستخدمون المكان العام ويشغلونه نوعا من الاتصال التلقائي بين الأفراد المتفرقين والتي يتم إنشاؤها عبر إدراك ضمني لهويتهم المشتركة والتي يتم التعبير عنها عبر الحيز المكاني الواقعي والافتراضي ". وعمومًا فإن التشخيص والتحليل الذي قدمه الكاتب كان متميزاً، فضلا عن كونه نحت عدداً من المفاهيم المهمة التي تفسر نضالات الفئات المهمشة، كقوة ضغط هائلة في الفضاء العام دون أن يكون لها جذور في العمل السياسي، وهذه المفاهيم شكلت أساس الكتاب وجوهره.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الفصل الرابع تحت عنوان "الفقراء والسعي الحثيث نحو فرص الحياة في الصفحة (141)، يقول الكاتب " كيف يدير الفقراء في مجتمعات الشرق الأوسط حياتهم في الأزمنة المعاصرة لليبرالية الجديدة؟ وكيف يعني نضال حياتهم بالنسبة للسياسة الحضرية في المنطقة ؟ .قد أتفق مع الكاتب حول أهمية هذه التساؤلات، وفي الحقيقة أود التنويه إلى ملاحظة وأعتقد بأنها ليست بغائبة عن الكاتب، وهي اختلاف تأثير الدولة من مجتمع إلى آخر، فضلا عن وجود تفاوت في طبيعة المجتمعات الحضرية من دولة إلى أخرى، وثمة فروقٍ نوعية واضحة تتجلى بين هذه المجتمعات ودولها، وعلى هذا الأساس أعتقد بأنه من غير الصحيح من الناحية المنهجية وضع كل المجتمعات العربية – كلها- في سلة واحدة، بحيث يكون التشخيص والتفسير والتحاليل والنتائج واحدة، وصالحة للجميع، وحاصل القول إذن إنه لا يجوز إطلاق تعميمات مطلقة على المجتمعات العربية من خلال حالة دراسية واحدة أو أثنين، وهذه الجزئية غاية في الأهمية، علمًا بأنه تم لفت النظر إلى هذه المسألة في مكان آخر من هذه القراءة.
• يقول الكاتب في الصفحة (142-146) " تحكمت الدولة في الكثير من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية تاركة فضاءً ضيقاً للمجتمع ليطور نفسه – هذه الأيديولوجية أدت إلى التقليل من الحراك أو على الأقل ضبطه لقطاعات معينة من السكان" ، كما يرى الكاتب بأنه أدى قدوم " التحرر وانفتاح السوق وبرامج التكيف الهيكلي إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية مهمة منذ بداية التسعينيات ، وانسحبت الدول تدريجيا من المسؤوليات الاجتماعية ، التي كانت تقدمها وأصبح على هذه الجماعات أن تعتمد على نفسها لتحقق بقاءها "، بالتالي يرى الكاتب بأن مجتمعات الشرق الأوسط " تشجع إستراتجية الزحف الهادئ بوصفها إستراتجية تعطي الفقراء الحضر بعض القوة على حياتهم وبعض التأثير على صناعة السياسة العامة". أعتقد بأن المجتمعات العربية التي قبلت تلك الأدوار كانت تعلم مسبقًا بأن دورها مناط بها وهو دعم ومساندة النظام فقط، بالتالي عملت - كما يُبين الكاتب- على تحصيل ما يمكن تحصيله من مكاسب من خلال إستراتجية الزحف الهادئ، أيّ المبادلة أو المقايضة للموارد الاقتصادية مقابل الولاء السياسي .
• بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب إلى العنوان "الاحتجاجات الجماهيرية الحضرية" في الصفحات (146-150) يقول الكاتب " الانتفاضات الحضرية في حقبة الثمانينيات تعبيرا مبكرا عن عدم الرضا عن بعض الجوانب سياسات الليبيرالية الجديدة في الشرق الأوسط"، ويقول أيضًا هي " حركات تلقائية تحدث فجاة وتكون غير شائعة، وهي غالبا ما تشتمل على العنف وإمكان استخدام الكبح من قبل السلطات" ثم ينتقل الكاتب إلى "الحركة النقابية" في الصفحة رقم (150)، حيث يُبين الكاتب بأن الحركة النقابية تمثل " مؤسسة أقدم وأكثر استقلالا حيث استطاع العمال من خلالها أن يدافعوا عن حقوقهم أو أن يمارسوا ضغوطا على النخب الاقتصادية والحكومات لإحداث تغيير اجتماعي". أتفق مع ما طرحه الكاتب من أهمية النقابات في الجتمعات العربية خاصة خلال فترات الاستقلال الأولى قبل تسييس بعض تلك النقابات، وإن كنا بحاجة لقراءة نقدية لدور تلك النقابات وبشكل أكثر عمق.
• تحت عنوان " النشاطية السياسية للمجتمع المحلي" في الصفحة (155- 175)، يرى الكاتب بأن المجتمع المحلي " يعتبر مكانا يمنح الشعور بالهوية المشتركة وأرضية للعمل الجمعي بديلا عن مكان العمل"، ويرى الكاتب وجود فاعل مهم في المجتمع المحلي وهو الحركات الإسلاموية خاصة الاسلام الاجتماعي الذي يراه " يمثل أسلوب جوهريا تعمل من خلاله الجماعات المحرومة على تخطي شظف العيش أو البحث عن أساليب حياة أفضل"، وهذا الفاعل حسب وجهة نظر الكاتب منخرط في التنمية المحلية، حيث يقول " الانخراط في التنمية المحلية والشبكات الاجتماعية وجمعيها يتم تنفيذها من خلال تنظيمات أهلية ومساجد أهلية"، ويرى في تركيبة هذه الحركات الإسلاموية بأنها " تمتلك روابط بطبقات متعددة فهي ليست حركة مناصرة للمحرومين، بل حركة مناصرة للطبقات الوسطى المهمشة"، كما يوضح بأن الحركات الإسلاموية " لها أهداف سياسية واجتماعية اوسع"، وهي حسب وجهة نظره " " إقامة نظام إسلامي" . أعتقد بأن هذا الفاعل في بعض المجتمعات العربية يعتبر من أشرس الفاعلين، لأنه أحيانا ليس ضد السلطة، كما أنه ليس معها بالضرورة، بل إنه معها في علاقة شد وجذب، فهو في حالات صراع بغية تطبيق وإنجاز مشروعه الإسلامي العابر للحدود، بالتالي ربما كان بحاجة إلى تحليل أكثر.
• ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى العنوان " سياسة المنظمات غير الحكومية" 176 في الصفحات (176- 180) يلج الكاتب إلى تشخيص وتحليل وتصنيف المنظمات غير الحكومية في المنطقة، حيث يصنفها إلى أربعة أنماط عامة " في ضوء الهدف ، والدوافع خلف انشطتها ، والروابط ذات الدافع الديني والتي في تنظم المساجد وعبر الروموز الإسلامية ، والمنظمات المهنية غير الحكومية ،والتي تدار من خلال مهنيين من قمة الطبقة الوسطى"، كما يرى الكاتب بأن " المنظمات غير الحكومية تعمل باعتبارها شبكة حماية للقضاء على إمكان الاضطراب الاجتماعي". أعتقد أعتقد بأن هذه الجمل كانت بحاجة إلى شرح أعمق، إضافة إلى توضيح بعض الدلالات والمؤشرات ذات العلاقة.
• في الصفحة (189-196 ) يعود الكاتب مرة أخرى إلى " الزحف الهادئ المعتاد "، حيث يشخص الكاتب هذا الزحف يقوله إنه " التقدم الصامت والحذر المستمر للأفراد العاديين على ما هو مملوك للغير؛ سعيا نحو البقاء وتحسين الظروف "، كما يؤكد مرة أخرى بأن هدف هذا الزحف الهادئ " كسب مواقع جديدة للتحرك فيها، وإعادة توزيع الخدمات الاجتماعية"، ويحلل طبيعة هذا الزحف حيث يصفه بأنه " خليط من الفعل المباشر ذي الطابع الفردي والجمعي، وأنها تتحرك في ظرف اجتماعي سياسي يرتبط بالدول التسلطية والأيديولوجية الشعبوية والروابط الأسرية القوية" ويبين بأنه على "المدى الطويل فإن إستراتجية الزحف تولد واقعا على الأرض، بحيث لا تجد الدول في الغالب أمامها من اختيار إلا الموافقة على الشروط"، كما أوضح بأن " عملية الزحف البطئ بوصفها شكلا من أشكال النشاط السياسي السيال غير المنظم ، وتتميز بالمرونة وطلاقة الحركة ولكنها تفشل في تطوير دعم قانوني ومادي وتنظيمي أو حتى أخلاقي" بالتالي يرى الكاتب بأن التحدى الذي يواجه هذا الزحف "يتمثل في تشجيع نوع من التوائم بين العنصر الحركي في عملية الزحف البطئ والقدرة التنظيمية للمنظمات غير الحكومية وموافقة السلطات المختصة". أعتقد بأن جل ما طرحه الكاتب يُعاني من مسألة تعميم النتائج التي تطفو على سطح العمل برمته، بالرغم من البراعة في التشخيص والتحليل والربط المنطقي، إلا أن غياب تحديد مجتمع الدراسة بشكل واضح ودقيق يمثل نقطة سلبية في عملية التشخيص والتحليل، فضلا عن كون بعض التحاليل تفتقر إلى الاستناد إلى شواهد الداعمة لذلك.
• تحت عنوان "استعادة الشبابية" أوضح الكاتب في صفحة (240) بأن "الشباب بوصفهم مقولة اجتماعية كان غائبا على نحو واضح من المناقشات الدائرة حول الحركات الاجتماعية "، كما يبين بأن "المحاولات الأكاديمية لتقديم تصور مفهومي حول المعاني والأشكال التي تتخذها الحركات الشبابية، هذه المحاولات تظل نادرة"، في حين أوضح في الصفحة رقم (248) بأنه " يمكن للشباب أن يشكلوا لا حركة من خلال الدفاع عن وسطهم الشبابي عندما يحاصر القهر السياسي النشاطية المنظمة"، ويستطرد الكاتب في التحليل فيبين بأن " اللاحركات الشبابية يمكن أن تحدث تغييرا لمجرد وجودها في العلن، إن صغار السن من خلال انشغالهم المركزي بالانتاج الثقافي ـ وأساليب الحياة يمكن أن يبتدعوا معايير اجتماعية جديدة وممارسات دينية وشفرات ثقافية وقيم، وذلك دون الحاجة إلى تنظيم قواعد البنائية ودون الحاجة إلى قيادة وأيديولوجيا". بالرغم من كون هذه النقطة تعد نقطة مهمة وجوهرية؛ إلا أنها لم تحظَ بالكشف والتشخيص والتحليل بشكل أعمق. في الحقيقة لقد عدت إلى مشاهدات الحراك العربي في مرحلة ما بعد 2010م بتفاصليها وطالعني سؤال من وسط الزحام وهو : ما دور الشباب في ذلك الحراك ؟ . وحسب اعتقادي بأن تشخيص الكاتب لهذا المسار المهم بشكل أوسع وأعمق ربما كان يفضى إلى تفسير “الهابيتوس” الشبابي، أي الاستعدادات والتكوينات الإدراكية الشبابية المكتسبة نحو التغيير التي رافقت أحداث ما بعد 2010 في المجتمعات العربية على وجه الخصوص.
• جاء في الصفحة رقم ( 284) تحت عنوان سياسة المرح، حيث يفسر الكاتب المرح بأنه " هو مجاز للتعبير عن الفردية والتلقائية والخفة التي يتحول في المزاج إلى عنصر مركزي"، كما يرى الكاتب بأن سياسة المرح في المنطقة العربية على وجه الخصوص " تخضع لدرجات مختلفة من المنع والتضبيط التي يمكن أن تندرج تحت ما يسمى بالخطاب المعادي للمرح". وفي هذا الصدد أود التأكيد بأن حالات المنع والتضبيط للمرح قد تكون ظاهرة تستحق الدراسة بغية فهم أسبابها ودلالاتها، لكن الأهم من ذلك هو فقدان الأفكار القيمة الهادفة في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية والقوية القادرة على إحداث تغيير في الواقع المعاش، بما تفضي إلى مزيد من حالات الإحباط والاضطراب والخوف من المجهول وفقدان الثقة في السلطة وهذا ربما يكون أحد أسباب فقدان المرح.
• ويستطرد الكاتب في تحليليه في الصفحات (286-311) ليوضح بأن" معادة المرح قضية تاريخية، وهي قضية تتصل اتصالا جوهريا بالحفاظ على القوة"، بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى عنوان "الإسلاموية ومحاربة المرح" ، حيث يحاول التأكيد بأن كان " تاريخ النزعة الإسلاموية مرتبطا بالحرب ضد المرح واللعب واللانفلات"، فالمرح من وجهة نظر الكاتب " مثله مثل أي ممارسة للحرية يحمل إمكان أن يتحول إلى مشكلة اجتماعية إذا لم تراعَ المسؤوليات الاجتماعية والفردية". فالمجتمعات الإسلامية كما يرى الكاتب " كانت المجتمعات الاسلامية تسعى إلى الرغبة في المرح وإلى محاربته في نفس الوقت" ، ويحاول الكاتب البحث عن تبريرات لذلك ليوضح وجود مدخلين لفهم الحرب ضد المرح " الأول ينبع من تبرير ديني يركز على الابتعاد عن الله على أنه السبب الرئيس لكبح المرح، والثاني حول حساسيات الحداثية". ما يلفت النظر فيما طرحه الكاتب وجود نوع من الحدة والقسوة على التاريخ الإسلامي، وكنت أتمنى بأن يقوم الكاتب بقراءة التاريخ الإسلامي بشكل أعمق وأبعد لسبر أغواره، ومعرفة المعاني والدلالات المقصود من المرح في الإسلام، فالدين الإسلامي لم يقف ضد الحاجات الإنسانية إلى المرح والترويح عن النفس، ولعلي أذكر الكاتب بوجود العديد من المواقف والممارسات لرسولنا صل الله وعليه وسلم وهو يمازح ويمرح مع أصحابه، ففي إحدى المرات كان النبي - صل الله عليه وسلم - يمزح مع امرأة عجوز جاءت تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: (إن الجنة لا يدخلها عجوز) ؛ فبكت المرأة، حيث أخذت الكلام على ظاهره، فأفهمها - صلى الله عليه وسلم -: أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا، بل شابة حسناء".
• يستعرض الكاتب في الباب الثاني عنوان " سياسة الشارع والشارع السياسي" في الصفحة (325-339) حيث يقول: " تتحدد هوية الحركات السياسية بشكل جيد في الشوارع وفي الفضاءات العامة، حيث يظهر التحدي الجمعي الذي يكون موجها ضد أولى القوة" ، ثم يطرح تساؤلاً وهو " لماذا تصبح أماكن معينة / فضاءات مثل الشوارع الحضرية هي أفضل الأماكن للأفعال وصور التعبير عن الغضب العام ؟ ويحاول الكاتب الإجابة عن التساؤل المذكور، حيث يقول " إن الشوارع بحكم طبيعتها تعد مسرحا حضريا حديثا للتعبير بامتياز عن الاحتجاج" ،كما أن " الشارع هو المكان الفيزيقي الذي يمكن أن ينتج فيه الاحتجاج ويتم التعبير عنه"، ويحسن الكاتب في تحليله فيقول" المرء يجد في الشارع ليس العناصر المهمشة – الفقراء والعاطلين، ولكنه يجد أيضا فاعلين لديهم قوة نظامية مثل: الطلبة والعمال والنساء وموظفي الدولة وأصحاب المحلات الذين تشكل مسيرتهم في الشوارع الرغبة في توسيع الاحتجاج"، كما يوضح الكاتب آليات تعامل السلطة مع تلك الاحتجاجات بأن" التكتيك الذي تستخدمه الشرطة في محاصرة المتظاهرين في ركن معين،وفصلهم عن التدفق الطبيعي لحياة الشارع" فشوارع الغضب كما أسماها الكاتب تمتلك خصائص وهي " أولا : خليط من الملامح المكانية الاجتماعية العديدة، تشكل فضاءات يمكن أن تتجمع فيها الحشود المتحركة بسرعة ويسر.
ثانيا: لها رمزية تاريخية .
ثالثا: سهولة الوصول إلى المشاركين المتحركين .
رابعا: فضاءات قابلة للمناورة .
خامسا: نشرالمعلومات أبعد من المجال اللحظي" .
أبدع الكاتب في تحليله لحركية الشارع السياسي ورصد أهم خصائصه.
• يستعرض الكاتب في الصفحات (345- 371) الفصل التاسع، حيث يطرح تساؤلاً وهو : هل من أيكولوجيا حضرية للإسلام الثوري؟ ويحاول الكاتب الإجابة عن هذا التساؤل من خلال تشخيص الأيكولوجيا الحضرية، حيث يقول إن " الفقر الحضري وتركز الفقراء في المجتمعات الفقيرة المكتظة المشحونة باللامعيارية والاغتراب يؤدي إلى توليد وسط معيشي مشحون بالعنف والميل إلى عدم طاعة القانون والتطرف، حيث تظهر النزعة الإسلامية المتشددة من ثنايا الشعور بفقدان الأمل والتحلل الأخلاقي لتعطي تعبيرا دينيا عن هذا النمط من الحياة " ، كما يستطرد بالتشخيص ويوضح بأن: " كل ذلك يؤدي إلى أن يتعانق الفقر الحضري مع النزعة الإسلامية ويصبح الطرفان حليفين إستراتجيين" وللمزيد من التشخيص والتحليل يطرح الكاتب نفس السؤال السابق ولكن في إطار علاقة أخرى ، حيث يقول : هل هناك إيكولوجيا حضرية للنزعة الإسلامية الجهادية؟
وهل هناك توافق ضروري بين الوجود الاجتماعي للمهمشين الحضريون والاأديولوجيات الدينية الراديكالية ؟. بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى البحث عن إجابات للتساؤلات المطروحة، ليوضح "إن ما يميز الحياة الاجتماعية للفقراء المحرومين في الحضر ليس مجرد اتنتشار اللامعيارية والاغتراب وثقافة الفقر ولا مجرد الاستعداد لتأييد السياسة الإسلاموية ولكن ممارسة الحياة غير رسمية بشكل أساس" فضلا عن " التاييد للنزعة الإسلاموية كونها تساهم في تحقيق أهدافهم المركزية"، ولمزيد من التوضيح يُبين الكاتب أن " الاأياء الفقيرة أو العشوائية قد زاوجت بين الفقر والنزعة الإسلامية المتشددة وحافظت على هذا التزاوج" ، ويُشخص الكاتب أهم سمات هذا المجتمع بأنهم "يرحبون بالمبادرات التي تأتي من الحكومة، ومن الإسلاميين على حد سواء ،ومع ذلك فإنهم يبتعدون عن إظهار الولاء الأيديولوجي للدولة أو الإسلاميين، وإذا ما فعلوا فإنهم يعربون عن إدنتهم لاستخدام العنف السياسي سواء من قبل الاسلاميين أم الدولة"، فهم حسب وجهة نظر الكاتب "يعتمدون على أنفسهم من أجل البقاء أو من أجل تحسين ظروف حياتهم". ويستطرد الكاتب في التوضيح والتحليل ليؤكد بأن " الفقراء لا يملكون الإمكانات التي تجعلهم أيديولوجيين، فاهتماماتهم تكمن في تدبير إستراتيجيات تستجيب بشكل مباشر لاهتماماتهم الحالية المباشرة" . أعتقد بأن الإجابات عن التساؤلات المطروحة من قبل الكاتب جد مهمة، ربما تعطي الصورة الصحيحة لحركية أيكولوجيا الحضرية المهمشة وعلاقتها بالدولة وبالتيارات الإسلامية، والحقيقة تشخيص وتحليل وتفسير متميز، لعلاقات مهمشي الحضر بالدولة وبالتيارات الإسلامية.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الفصل العاشر، ووضع عنوان رئيس لهذا الفصل وهو "النزعة الكونية في الحياة اليومية" ،حيث يوضح الكاتب في الصفحة رقم ( 375) بأن" النزعة الكونية تنتشر لكي تتحدى لغة الانقسام والعداوة، ولكي تواجه التفوق الثقافي ونزعة التمركز حولة السلالة" وكذلك " تتجاوز النموذج القائم على التعددية الثقافية" للوصول إلى "التعايش بالحدود الثقافية"، كما يؤكد الكاتب على أهمية النزعة الكونية في الحياة اليومية" . أعتقد بأن ما طرحه الكاتب يستحق التدبر والتفكير، وأجزم بأن العالم أصبح بحاجة لمثل هذه الدراسات خاصة في ظل استمرار تداعيات كورونا، والتي أوضحت وجود ظواهر كونية قادمة، وهذه دعوة لكل المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى وقفة جادة للتدبر حول أهمية هذه الدراسات.
• ينتقل بنا الكاتب إلى عنوان جديد في الفصل الحادي عشر وهو " الشارع العربي" ، ويتناول الكاتب مقولة في الصفحة (422) لـــ كوندليزا رايس تقول فيها " إن الشعوب العربية من الضعف بحيث لا يمكن أن تطالب بالديمقراطية وأن الولايات المتحدة يجب أن تتدخل لكي تحرر العالم العربي من الطغاة "، ثم ينتقل الكاتب إلى كشف وتشخيص الشارع العربي ليؤكد بأن الثورات العربية 2011 أوضحت " بأن الشارع العربي ليس شارعا ميتا أو لا عقلانياً كما يقال، إنه على العكس من ذلك، قد شهد تحولات جوهرية بسبب الكوابح القديمة التي تعرض لها والفرص الجديدة التي اكتسبها في ضوء إعادة المنظومة العالمية، هذا الشارع قد تغير وأصبج أداة قوية للتغيير عن صور المعانات الجمعية". أتفق تمامًا مع ما طرحه الكاتب من تحول الشارع العربي، حيث تبدلت الصورة النمطية للمجتمعات العربية إلى معان وتفسيرات جديدة.
• في الفصل الثاني عشر، يطرح الكاتب عدداً من التساؤلات في الصفحة (443) وهي: هل هناك مستقبل للثورات الإسلامية؟ هل تدفع العولمة بالدين وبالإسلام إلى قلب مسرح السياسة الثورية العالمية؟ ويبدأ الكاتب بالإجابة عن التساؤلات المطروحة بفرضية وهي أن" المستقبل في الشرق الأوسط الإسلامي من المحتمل أن يحمل في طياته تغيرا اجتماعيا وسياسيا يمكن أن نطلق عليه " ثورة إصلاحية بعد إسلاموية "، ويقول أيضًا " إن الاسلام يمكن أن يكون عاملا للثورة وهدفا لها في آن واحد، إنه يمكن أن يكون ليس فقط الذات الفاعلة في الثورة ، ولكن يكون هو موضوع الثورة أيضًا" .ينتقل بعد ذلك إلى عنوان آخر وهو " ما مستقبل الثورات الإسلامية" في الصفحة (465). حيث يؤكد الكاتب في الصفحة رقم (475) بأن " بأن الثورة الإسلامية الإيرانية سوف تظل أول وآخر ثورة إسلامية في عصرنا الراهن". لعلي لا أتجاوز إن قلت أن الثورات العربية الحاصلة 2011م دحضت مقولة الكاتب، وهو ما اعترف به الكاتب لاحقا، بالثورة الإسلامية الإيرانية بدأت ثورة إسلامية، ثم من ثورة إسلامية إلى شعية ثم تحولت من ثورة شيعية إلى شيعة إيران فقط، وعموما ربما أستعير مقولة أندريه موروا الذي يقول فيها " أن غير المتوقع يحدث دائما وأبعد الظنون أقربها إلى التحقيق"
• يأتي بعد ذلك الفصل الثالث عشر تحت عنوان " اللاصمت واللاعنف المسيرة ما بعد" في الصفحة (477)، ويتناول الكاتب في هذا الفصل موضوع الحركات الاجتماعية والتغيير السياسي، حيث يؤكد في الصفحة رقم (490) بأن " الحركات الاجتماعية يمكن أن تكون قادرة إذا ما تم التسامح معها من قبل النظم المعنية ويمكن أن تسيطر على قطاعات من السلطة الحكومية عبر الأدوات الانتخابية العادية"، كما يوضح بأنه " يمكن أن تتحول بعض الأفكار إلى سياسات عامة "، وكذلك يمكن"تقوية أسسها التنظيمية داخل نسيج المجتمع، وأن تتصل بشكل مباشر بالدوائر الانتخابية المهمشة". أتفق مع الكاتب في جل تحليليه عن الحركات الاجتماعية، لكن الأمرحسب وجهة نظري ربما كان بحاجة إلى ربط تلك المقولات بأمثلة وشواهد واضحة ومحددة تبين دلالات ومسارات الحركات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط لتزيل بعض العتمة المضروبة حول ذلك الدور.
• ينتقل الكاتب إلى معاودة الطرح مفهوم " فن الحضور" في الصفحة رقم (491) ويبين بأن " التغير الاجتماعي يمكن أن يحدث جزئيا كنتيجة غير مقصودة للعمليات البنائية مثل الهجرة، والتحضر، وزيادة معدلات التعليم، كما أنه يمكن أن ينتج عن عوامل عالمية، وتبادل الأفكار، والمعلومات، والنماذج" ،ويُوضح بأن" العنصر الحاسم في الإصلاح الديمقراطي هو وجود المواطنة النشطة وجود حضور متصل ومكثف بذاته للأفراد والجماعات" ،كما أن " الفضاءات التي تنتج الأفكار والمعايير والممارسات تتنج السياسة، إن الاستعداد والعلنية المرتبطين بالمواطنة النشطة يسميه فن الحضور" ، ويستطرد الكاتب في تحليل ماهية المواطنة النشطة - فن الحضور- كونها " تملك المهارة والاستعداد لتأكيد الإرادة الجماعية على الرغم من كل المصاعب وذلك باحتواء المكابح واستخدام كل ما هو متاح واكتشاف فضاءات جديدة تجعل وجودهم متحققا ومسموعا" ،كما يطرح الكاتب محصلة مفادها " إن المواطنين المسلحين بفن الحضور سوف يزعزعون الحكم التسلطي وذلك لأن الدولة لا تحكم عادة وهي خارج المجتمع" . أتفق مع ما طرحه الكاتب من تحليل لماهية المواطنة النشطة، ولكن الحقيقة أن تجاوز مرحلة التسلط إلى مرحلة الإصلاح الديمقراطي وما يوجد بين المرحلتين من ازدواجية أو ثنائية في المفاهيم والتطبيق خاصة في المنطقة العربية ليست بالعملية السهلة أو أنها يمكن أن تتحقق دون حدوث مشاكل أو احتكاكات، وهذا الأمرأعتقد كان بحاجة إلى كشف وتشخيص وتحليل .
• ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى الفصل الرابع عشر تحت عنوان " الثورات العربية " ،حيث يقول الكاتب "إن جل هذه الثورات لها قيادات منتشرة، وهي تشهد مشاركة كبيرة من جانب الشباب على أنهم أدوات الحراك جنبا إلى جنب مع الطبقة الوسطى الحضرية، والجماعات المهمشة والمسلمون الملتزمون بالإسلام، وأنهم جمعيا لهم مساع ديمقراطية". في الحقيقة من المفارقات الحاصلة في الثورات العربية هو تميزها بغياب القيادة، ولعل ذلك يعد من أهم أسباب عدم وضوح المجتمع التي كان أفراد المجتمع من المهمشين والطبقة الوسطى تسعى إليه.
• في الصفحة رقم (500) يطرح الكاتب سؤالاً مفتاحياً حول : الكيفية التي تنتشر بها الانتفاضات ؟ وما سبب هذا التحول ؟ وما الدور الذي لعبه الواقع الحضري في هذه الانتفاضة ؟ ويحاول الكاتب الإجابة عن هذه التساؤلات بتوضيح بأنه ليس هناك دور للإسلاميين في الثورة الليبية، حيث يقول " ليس هناك دليل على حضور الإسلاميين الانتفاضة " كما يقول أيضًا " إن هذه الثورات المدنية غير الدينية ذات الانتشار الواسع تمثل قطعية مع سياسية المنطقة". قد اختلف مع الكاتب حول هذه النقطة بالشواهد والوقائع التي تبين مشاركة الإسلاميين المتشددين في الثورة الليبية، ولعل من نتائج هذه الثورات هو صعود التيار الإسلامي وتحكمه في صنع القرار في عدد من دول الانتفاضات، كما أود القول بأنه من أراد عن يكتب عن ليبيا عليه أن يعيش فيها.
• في الصفحة رقم (506) يقول الكاتب " أصبحت مجتمعات الشرق الأوسط في العقدين الماضيين أكثر تحضرا وأكثر ارتباطا بالعولمة ، بدأت تدخل عناصر حضارية معينة نظم ووسائل اتصال في اختراق الريف "، ويوضح بشكل أكثر دقة بأن وسائل الاتصال الاإكترونية المتزايدة أدت" إلى تثوير صور الاحتجاج الجمعي، ووجود مجال عام لا يخضع للرقابة يتم فيه الاتصال على نحو مقصود، والمناقشة والتعبئة دون تحمل تكلفة اقتصادية أو سياسية كتلك المتصلة بالتنظيمات التقليدية " أتفق مع الكاتب في كون التكنولوجيا الحديثة والثورة المعلوماتية واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار الفضائيات والهواتف النقالة كان لها الدور في سهولة وتوسيع مشاركة الفئات المهمشة والطبقات الوسطى إلى الانتفاضات.
• ينتقل الكاتب في الصفحة رقم (511) إلى فرضية تقول إن " الطبقة السياسية قد ادركت أن مواقفها القومية والمعادية للامبريالية والمناصرة للقضية الفلسطينية لن تكون مجدية مادام أنها تنصهر في الجدل الديماجوجي للنظم التسلطية" .اختلف مع الكاتب حول هذه النقطة حيث لم يعد الصراع العربي – الاسرائيلي من ضمن اولويات السياسة العربية منذ مؤتمر مدريد 1991م ودخول عدد من الدول العربية في مفاوضات سلام مع ( إسرائيل)، والبحث عن عدو آخر تمثل فى الخطر الإيراني (الشيعي) وفي الوقت نفسه تزامن خلال مرحلة ما قبل الثورات العربية زيادة مشاعر تضامن الفئات المهمشة العربية مع الشعب الفلسطينى خاصة بعد حرب 2008م، وأكاد أجزم بأن هذه الحرب كانت بمثابة جرعات الثقة بالنفس للفئات المهمشة، وأنه بالإمكان تحقيق المطالب بالرغم من ضعف الأدوات والإمكانات، بالتالي يمكن القول أن حدوث الثورات العربية فى المنطقة العربية لم يكن بمحض الصدفة، كما أنه لم يكن مجرد ردة فعل على حدث معين أو ضد ممارسات الأنظمة العربية، أو لتحسين الأوضاع والشروط المعيشية، وإنما جاء نتيجة لتراكم عدد من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية، بالتالي لا يمكن وعيها وإدراك أبعادها والتعامل معها إذا خرجت من هذا السياق.
• كما يرى الكاتب في الصفحة رقم (515) بأن الدول العربية استطاعت" أن تنتج عبر الفاعلين الغاضبين والتفكير السياسي الجديد والقنوات الجديدة للاتصال والتعبئة أن تنتج مجالا عاما جديدا، يتسم بتوجيه ما بعد القومي وما بعد الأيديولوجي وما بعد الإسلاموي". أعتقد أن الأمر كان بحاجة إلى دعم المقولة ببعض الأمثلة والممارسات المعاشة.
• ويوضح الكاتب في الصفحة رقم (517) إلى أن " الشباب الحضري سواء أكان فقيرا متعلما أو مستقرا من الناحية الاقتصادية يعد أداة هذه الثورات غير العادية" .أتفق مع الكاتب حول هذه النقطة حيث جاءت الانتفاضات العربية لتعبر عن وعي عربي بين صفوف الشباب على وجه الخصوص، وعن حالة نفسية وعقلية قابلة لمقاومة الأنظمة الحاكمة وكسر الحاجز النفسي له.
• ويصل الكاتب إلى محصلة نهائية تقول " لقد تضمنت الثورة العربية مشاركة كثيفة من الناس من مختلف المشارب ، محتلين الميادين الحضرية ذهابا وإيابا ولقد كان بإمكان المحتجين في وجودهم المهيب في الشارع أن يدركوا وزنهم وأعدادهم الرهيبة". في الحقيقة يمكن القول بأن الأنظمة العربية أنتجت مجتمعات مهمشة من أهم سماتها الأساسية الفقر والبطالة والحرمان الاقتصادي والسياسي والثقافي، كما تلقت هذه الفئات صدمات وإخفاقات أيديولوجية، وعسكرية، واقتصادية، واجتماعية، عديدة فمن خيار الاشتراكية بخصوصياتها المعروفة إلى سياسات الخصصة غير أالمدروسة ، فكان من نتائجها عجز الأنظمة العربية عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة سواء أكانت العدالة الاجتماعية ،أم التعددية الديمقراطية فكان الركود وافقار شرائح عديدة، وكان للعولمة وما حملته من تجليات كثيرة، كاختصار المسافات، وتطور وسائل الاتصال وانفتاح، العالم على بعضه البعض حيث كان لهذا الانفتاح الأثر الأكبر على المواطن وحقوقه سواء كانت الحقوق المدنية أم الساسية أم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي إحداث تغييرات واسعة، بحيث أصبح كل واحد يعيش فى الساحة الخلفية للآخر أكثر مما كان عليه فى السابق، وأخيرا يمكن القول بأن هذه الثورات عبرت عن وجود قوة داخل المجتمعات العربية، تعمل على إعادة التوزان، خصوصا مع تزايد اختلال وإخفاقات الأنظمة الاستبدادية.
• وعموما يمكن القول بأن الكاتب سعى إلى نحث عدد من المفاهيم والمقولات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط ( الإسلامية – العربية) ومحاولة ربطها في إطارها التاريخي، وتأكيد هيمنتها على دول المنطقة خلال مرحلة ما بعد الاستقلال.
• بالرغم من كون الكاتب اعتمد على منهجية الملاحظة السوسيولوجية، المبنية على المعايشة المباشرة للظاهرة المراد دراستها ، إلا أن بعض جزئيات هذا العمل اعتمدت على التحليل الوظيفي من خلال اكتشاف عمليات التواصل داخل المجتمعات نفسها، فضلا عن استخدم المنهج البنيوي حيث البحث عن مجموعة العناصر الخفية الكامنة وراء الظاهرة، وعلاقاتها المتشابكة.
• وخاتما يمكن القول بأن الكاتب استطاع إلى حد كبير الإجابة على سؤال هذا الكتاب المهم وهو : كيف يغير بسطاء الناس المهمشين في منطقة الشرق الأوسط دولهم، وذلك من خلال امتلاكهم الإمكانات الخفية غير منظمة وتوظفيها في مرحلة ما نحو تحقيق ذلك التغير، إلا أن الكاتب افتقد لوجود أي رؤية استشرافية وأفكار وتصورات تنويرية تؤسس لبناء مجتمعات شرق أوسط المنشودة والقائمة على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وحماية الحقوق، والحريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في