الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الروسية-الأوكرانية الحالية بينت مدى جهل العالم بالسياسة

لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)

2022 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إنه من المثير للسخرية في هذه الأيام أن نشهد البروباغاندا الغربية وهي تستثير عواطف الناس لتقوم بإلقاء اللوم الكامل على روسيا في حين أنها تتسلل ببطء إلى خارج المشهد. ولكن ما ينبغي فعله هو استغلال الأزمة الحالية كفرصة لكشف الخلل في النظام السياسي العالمي الذي يسمح بحدوث مثل هذه الأزمة في المقام الأول، لذا فنحن بحاجة إلى تحليل الواقعة من منطلق حيادي وتأريخي.

لقد شهدت العلاقات السوفيتية-الأمريكية تعاوناً على الصعيد العسكري والاقتصادي خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. لكن ذلك انتهى عندما رفع السوفيت شعار "لكل فعل أمريكي ردة فعل سوفيتية". فيما يتعلق بسباق التسلح الذي اتسمت به الحرب الباردة، فإن تصنيع السوفيت للسلاح النووي عام 1949 كان بمثابة ردة فعل على تصنيع الولايات المتحدة أولاً لسلاحها النووي عام 1945. وتكررت المشكلة في أزمة الصواريخ الكوبية، التي تشبه السيناريو الحالي، حيث ثارت الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام وارتعب العالم الذي بات يخشى من حرب نووية مهلكة، وتناست أن ما فعله السوفيتيون هو ردة فعل على قيام أمريكا بنشر صواريخها في تركيا.

لكن لماذا تريد أن تضرب الإدارة الأمريكية الكرة بعنف على الأرض من غير أن تتوقعها أن ترتد؟ ببساطة لأنها معتادة على ذلك. أي عاقبة جنتها الولايات المتحدة من قتل 1,4 مليون فيتنامي؟ أي عاقبة جنتها من تكوين طالبان لمواجهة الإتحاد السوفيتي ثم تركهم بعد تدريبهم وتسليحهم حتى عاثوا في أفغانستان فسادا؟ أي عاقبة جنتها من غزو العراق رغم اعترافهم بفشلهم في إيجاد أسلحة دمار شامل؟ أي عاقبة جنتها من تدمير سوريا والعراق بعد تمويل داعش؟

هناك ضرب من ضروب الاسقاط النفسي فيما يتعلق بنظرة الولايات المتحدة إلى روسيا. فمن ضمن البروباغاندا الغربية هو إيهام العالم أنه إذا لم يتم حصار روسيا عسكرياً فإنها ستتمدد من أجل إعادة تشكيل الإتحاد السوفيتي. أليست الولايات المتحدة هي التي تمكنت من تمديد نفوذها في الشرق الأوسط ودفعت الناتو لبسط نفوذه في أوروبا؟ تتحجج الإدارة الأمريكية بأنه إذا تم منح الثقة لروسيا فإنها ستخونها. أليست أمريكا هي من نقضت الوعد الذي وعده جورج بوش الأب بمنع توسع الناتو مقابل توحيد ألمانيا والسماح للناتو بالوجود، ثم ظل يتمدد بعدها بضراوة؟ ألم تنقض إدارة أوباما العهد حينما تدخلت في الشأن الليبي؟ تدعي أمريكا أن الناتو موجود من أجل أزمات مثل التي نشهدها الآن، أليست الحقيقة أن أزمات مثل هذه سببها وجود الناتو؟ إننا يمكننا أن نخصر كل ذلك في عبارة موجزة وهي أن الولايات المتحدة تخشى أن تصبح روسيا نسخة منها.

إن كل الحلول المقترحة الآن لا تستهدف قلب المعضلة التي تتمثل في خلل في النظام السياسي العالمي الذي يسمح للولايات المتحدة بالتنصل المتكرر من أخطائها. ففي هذه المرة نجحت الإدارة الأمريكية في استغلال عاطفة العالم وجهله بتاريخ الأزمة كدرع لحماية نفسها، لكنها تعلم أن ما يحدث الآن كان متنبأ به منذ عام 1997 حينما وقف ميكيل كوربتشيف أمام الكونغرس وشرح بأنه لا يمكن إذلال أمة من غير توقع عواقب.

الإدارة الأمريكية مدركة لحقيقة أن لديها القدرة على التفاوض مع روسيا وإنهاء التدخل العسكري من خلال إقناع الجانبين بتحييد أوكرانيا، وهو حل قبلته روسيا بالفعل، لكن الولايات المتحدة ببساطة لن تفعل ذلك. الاستراتيجية التي ستتبناها بدلاً من ذلك هي إيهام أوكرانيا بأن لديها القدرة على مواجهة روسيا، دون تزويدها بالمساعدة الفعلية، حتى تتمكن من الاستفادة من السيناريو الحالي المعادي لروسيا من أجل تقويض سمعتها وإضعافها أكثر.

على سياسيي أوكرانيا أن يتفهموا أن أمريكا لا تلعب لمصلحة دولة غيرها، وأن إصرارهم على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي سيكون على حساب شعبهم، وبما أن التحذيرات الروسية من غربنة أوكرانيا قد أستمرت طيلة ثلاثة عقود متتالية، فليدركوا بأنها لم تأتي إلى هذه النقطة لتتراجع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا