الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة التراث والسياسة وانعكاساتهما على العقل العربي المعاصر

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سال حبر كثير حول أسباب تحنط العقل العربي وعدم مسايرته لروح العصر، فالكثير من الفلاسفة والمفكرين اتفقوا بأن العقل العربي متخلف خارج التاريخ والعصر وغير متفاعل مع الواقع، فهو لا ينتج لا علما ولا معرفة رغم استهلاكه لمنجزاتهما، بقي العقل العربي منذ عصر الانحطاط الذي استمر لأكثر من عشرة قرون وإلى هذه اللحظة خاضعا لسلطة التراث والسياسة، بلا شك أن تراثنا الديني والفكري فيه المستنير كما فيه الظلامي كبقية كل تراث شعوب العالم بلا استثناء، فيه المرن، المتحرك وكذلك الجامد لكن الأمة العربية الإسلامية أخذت من تراثها كل ما يثبت حالة التخلف والتحنط بمعنى إعادة إنتاج السيء وعصرنته، واستبعدت كل ما من شأنه أن يؤسس لنهضة حقيقية.
ما الذي جعل العقل العربي سجين الماضي والتخلف، غير تُوَّاقٍ للحرية والانعتاق بل قانع كل القنوع بقيوده وأغلاله وأَسْرِه، ومدافع شرس عن تلك القيود، ويا ويح المجتهد في الدين أو المفكر الذي ينوي فقط تكسير تلك القيود، أمة استلذت الاستبداد والتخلف والجهل، رغم أن الدين الإسلامي الحنيف لم يأت فقط من أجل العقائد وإنما جاء كذلك لتحرير عقل الإنسان من الجهل والتخلف والقهر والاستبداد والجور؟
من الذي يمنع العقل العربي من التفكير والتفكر، ويكتفي بالنقل والحفظ "ليس بالإمكان أبدع مما كان" "كل بدعة ضلالة ..." أمة تستمد خريطة طريقها من المقابر، أمة مشدودة إلى ماضيها بحبال غليظة، بينما الآخر المتقدم مشدود إلى مستقبله بكل ما يملك من طاقة وإمكانات؟
لماذا مازلنا ننتمي عقليا وفكريا ونُحكم من عصور الانحطاط والاستبداد السياسي؟
ما السبيل إلى عقل عربي مفكر ومتنور؟
يتساءل الكثيرون من مفكري العرب ومن العامة، هل العقل العربي عاجز متخلف غير قادر على التفكير والتفكر؟ أم أن العقل العربي تعطل عن التفكير نتيجة حدث خارجي؟ أم أن تحنطه عملية ذاتية تمت من داخله؟ ولماذا عقل الآخر يعرف الابتكار والإبداع والحرية والتحرر؟
من المعروف تاريخيا أنه لا يمكن بناء نهضة إلا بعقل متحرر مفكر، فهل النهضة معطى خارجي مستقل عنّا أم أن النهضة هي هاجس يسكننا من الداخل؟ أم أن غياب النخبة المثقفة والنخب السياسية هو الذي وضع بصمة الفشل في تأسيس نهضة عربية وديمقراطية سياسية؟
الإسلام عند ظهوره لم يكن عقيدة فقط، لكنه باعتراف المفكرين النزهاء كان ثورة فكرية هزت وخلخلت مفاهيم كثيرة، واليوم حولناه إلى تبرير للظلم ومحاكم تفتيش للمفكرين والفلاسفة والأدباء والشعراء ورجال الأعلام.
في عصر الانحطاط الذي بدأ في مطالع القرن الرابع الهجري - العاشر ميلادي، ركز المسلمون على العبادات وتطبيق أركان الإسلام الخمس، وأن النجاح في الدنيا والآخرة لا يكون إلا بأداء هذه العبادات التي يكون بها رضى الله سبحانه وتعالى، فلا حاجة إلى اتخاذ مع أركان الإسلام الخمس أسباب أخرى للنجاح في الدنيا والآخرة لأن كل شيء بيد الله، فإذا أراد الله نجاح عبده في دنياه أو أخراه حصل ذلك بمجرد رضاه وليس بمجرد اجتهاد العبد وتفكيره، تَكَوَّنَ هذا الفكر المدعم بالفقه والسلطة لفرملة العقل الإسلامي وإخراجه من التاريخ ... أغلقوا باب الاجتهاد ولاحقوا المفكرين والفلاسفة فتقوقع الفكر العربي على نفسه.
نتساءل هل كان يُقتل أو يُعذب في الإسلام من كان يفكر خارج دائرة الفقهاء؟ أم أن الفقهاء المسلمين تعرضوا هم أنفسهم لمثل تلك المحاكمات والقتل؟ الأمثلة كثيرة ولا يسع المجال هنا لذكرها، ربما من حُوكموا وقتلوا من الفقهاء هم أكثر من غيرهم وذلك بفتوى فقهاء آخرين تابعين للسلاطين بطلب من السلطة السياسية كما يُقال وذلك لكثرة التأويلات في النصوص الدينية المقدسة، كل يُؤول حسب مصلحته أو مصلحة السلطة أو المجتمع ومعظم التهم التي كانت تُوجه لأولئك المجتهدين من الفقهاء المغضوب عليهم من السلطة، هي الاستخفاف بالنصوص الدينية أو بتهمة الزندقة والتفلسف في الدين.
لماذا لم يُفلح الخطاب الديني المعاصر في النهوض بالأمة الإسلامية المعاصرة؟ هل لخلل في بِنْيَتِه، أم لقصور في آلياته وإخفاق المصلحين المجتهدين في تجييش العقل العربي الإسلامي؟ أم لمنع فتح باب الاجتهاد ونقد موروثنا وتجديد أسلوب الدعوة؟
من المعروف أن الإسلام جاء مُؤيدا مدافعا عن الكرامة والحرية الدينية والإنسانية بكل معانيها كحرية الفكر والبوح بالعقيدة، ويظهر لي أن عجز المصلحين عن تجديد خطابهم وأسلوبهم وبرامجهم وخوفهم من السلطة السياسية والمجتمع المتخلف كان ذلك من بين الأسباب الرئيسية التي قادتنا إلى الوضع المتردي الذي نعيشه، أكيد أن كل مشروع إصلاحي يحتاج إلى سلطة سياسية تحميه وتدعمه وتدافع عنه "السلطة الحاكمة، أو الرأي العام".
هذا الأمر ليس متوفرا الآن في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، أضف إلى ذلك تآمر الماسونية والجمعيات الإلحادية والمنظمات المافياوية على المشروع الإسلامي الحضاري المعاصر.
لنطرح سؤالا آخر: ما موقف الخطاب الديني الحالي من الحريات الفردية والجماعية؟ هل جماعة المصالح والتطرف والغلو في الدين هي التي تُرهب المجددين والمُحدَّثين وتُكفر كل من يحاول الخروج عن سلطتها الكهنوتية؟
اليوم لا السلطة الدينية الممثلة بكهنتها تقبل الاختلاف، ولا السلطة السياسية تقبل المعارض، الخروج عن القطيع يكفرك علماء الدين ويُخونك النظام، فالأمة العربية الإسلامية مصابة بفوبيا الفكر والاجتهاد واختلاف الرأي.
المثقف والمفكر والمبدع والمجتهد والإنسان الحر في عالمنا العربي الإسلامي متهم، أيها الإسلام كم من جرائم ارتُكبت باسمك! ويا أيها الحكام كم من مظالم وقهر واستبداد فرضتموه بقوة السيف على شعوبكم حفاظا على مصالحكم وكراسيكم!
هناك علاقة تزاوج في أوطاننا العربية الإسلامية بين الدين والسياسة كل يُدعم الآخر، فالدين في خدمة السياسة وهناك مقولة في تراثنا الإسلامي تقول: "الدين بالمُلْكِ يقوى، والمُلْكُ بالدين يبقى" وهذا تحالف قديم بين السلطة السياسية وعلماء الدين منذ "معاوية بن أبي سفيان" وزاد هذا التحالف أكثر في فترة الانحطاط والاستبداد حيث عمل الفقهاء لصالح الحكام وليس لصالح الأمة وأصدروا فتاوى لا تقل استبدادا عن استبداد الحكام. في أوطاننا العربية المتخلفة البائسة لم يعد تكفير من يجتهد في الدين فقط وإنما ملاحقة المبدعين والمفكرين والرسامين والأدباء ورجال الإعلام الذين يتحدون الأنظمة العربية الاستبدادية، وفي نظري أن محاكمة الفكر لا تكون من أولئك المرضى النفسيين الذين يجب على المجتمع نقلهم إلى المصحات النفسية بدل قبولهم أوصياء عليه في الدين والسياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب