الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتفاضة العشرين والحركة.. أية علاقة

وديع السرغيني

2022 / 3 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مع اقتراب العشرين من فبراير من كل سنة تتأهب العديد من التيارات والفعاليات اليسارية لتخليد ذكرى هذه الانتفاضة الشعبية العظيمة.
ومن المعلوم جدا أن الفعاليات نفسها، شكلـّت حركة سياسية فضفاضة مسايرة لهذه الانتفاضة ومدافعة إلى هذا الحد أو ذاك عن بعض من مواقفها، وشعاراتها، ومطالبها.. الشيء الذي ألزمها بالتذكير والتخليد لذكرى الانتفاضة، بل وتنصيب نفسها في واجهة حركتها ونشاطها.. فبعد عشر سنوات من اندلاع هذه الانتفاضة المجيدة ما زالت هذه الفعاليات "الفبرايرية" تطمح بقوة لاسترجاع نشاط هذه الحركة من خلال التذكير بها وإقحامها في التحليل كأهم حدث احتجاجي بعد سنوات الاستقلال الشكلي بالمغرب، لحد الهوس الذي كاد أن ينسينا انتفاضات شعبنا العظيم.. بدءا من انتفاضة الريف 58/59، ثم انتفاضة الطلاب والتلاميذ والعمال بالبيضاء سنة 65، وانتفاضة أولاد خليفة دفاعا عن الأرض بداية السبعينات، وانتفاضة 20 جوان 81، وانتفاضة 84 بمراكش والحسيمة وتطوان والقصر الكبير، وانتفاضة 3 دجنبر 90 بكل من فاس وطنجة، وانتفاضة سيدي إفني وصفرو وولماس..الخ خلال العشرية الأولى من هذا القرن.. وهو الشيء الذي تولـّته هذه السنة "الجبهة الاجتماعية" كإطار جديد أحدثتة نفس القوى والفعاليات لخوض النضال والمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية المختلة والمتدهورة، التي تعاني من جرائها الجماهير الشعبية الفقيرة والمحرومة.. أما المثير في العملية هو مصادفة ذكرى الانتفاضة الانتفاضة الفبرايرية لموجة مسعورة من الغلاء وارتفاع أسعار العديد من المواد الأساسية، كالزيت والقطاني والمحروقات..الخ الشيء الذي وفـّر المناسبة لهذه "الجبهة" للانقضاض على الحركة مستغلة الذكرى للاندماج في نضالات واحتجاجات الشارع جنبا إلى جانب المواطنين المكتوين بنار الغلاء وجحيمها، كما هو الشأن في العديد من المناطق والمدن كطنجة وكرسيف وفاس وبوعرفة..الخ التي كانت سباقة للاحتجاج والرفض والمناهضة للغلاء.
فما دعانا صراحة للنقاش وفي هذه اللحظة بالذات يفوق بكثير إحياء الذكريات، التي تظل من أهم واجباتنا كإطارات مناضلة، وهو الشيء الذي لم يعد كافيا، بالرغم من هذه الأهمية، لتطوير النضال الاجتماعي ووقف موجة الغلاء وارتفاع الأسعار.. إذ بالرغم من قوة وعظمة هذه الانتفاضة المجيدة والمتميزة في العديد من جوانبها، سواء في شعاراتها، أو في تنظيمها، أو في قراراتها، أو في مدّتها وحجمها وعدد المشاركين في حراكها..الخ بحيث لم يعد كافيا بالمرة تشكيل جبهات على مقاس المبادرين لتأسيسها وبخلفيات سياسية واضحة، مترددة وانتظارية إلى حدّ كبير.. والحال أن "الجبهة" أقصت العديد من الناشطين والفاعلين وسط الحركة الاحتجاجية، بل أدارت الظهر لمدن رائدة في النضال الاحتجاجي والاجتماعي لسنوات عديدة، ظلت عصيّة على السيطرة والاحتواء الانتهازي الضيق.
لقد عشنا فترة الجائحة كورونا، التي تجرّعنا مرارتها لوحدنا كجماهير شعبية لحد الآن، وهي فترة قاسية جدا، لها تداعياتها الخطيرة والمجحفة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.. فترة عانت من ويلاتها الطبقة العاملة بالأساس، عبر إغلاق العديد من المعامل والمصانع، وتخفيض نسبة الشغيلة بالعديد من الشركات والمؤسسات السياحية، إضافة للإغلاق المتكرر للمقاهي والمطاعم والحمامات وقاعات الرياضة وفضاءات الأفراح.. الشيء الذي عرّض شغيلتها للبطالة والتشرد.
لقد أفضت الجائحة إلى كارثة اجتماعية حقيقية لم يعد ينفع معها الإنكار أو التبرير، أدّت ثمنها غاليا الجماهير الشعبية الكادحة وغالبية فئات البرجوازية الصغيرة من العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية.. لقد ساد الرعب وسط شغيلة هذه القطاعات، بل أفلس العديد من أصحابها ومسيّريها خلال فترة مُنع فيها الاحتجاج، وحُوصر بشكل كبير تجسيدا "للسلم الاجتماعي" الذي ياما ثمـّنته وروّجت له الدولة لعقود من الزمن، والذي لم تكن تحلم بـ"تحقيقه" لولا هذه الجائحة.. لكن وبالرغم من المنع والقمع وجميع المبررات التي ليس لها من هدف سوى ضمان السيطرة والاستغلال وجني الأرباح، كيفما كان مصدرها وطريقة الحصول عليها، وهو الشيء الذي لامسناه وعايشناه طيلة هذه المرحلة من زمن كرونا، بعد أن زاد الفقر انتشارا، واضطرّت الحاجة وتفاقمت البطالة وغلاء الأسعار.. ممّا عرّض المواطنين المغاربة للإذلال والاصطفاف في طوابير المعونة.
لقد كانت الفرصة مواتية لقهر المغاربة، وجعلهم لقمة سائغة، غدّت جيوب صيادي الفرص الانتهازيين من تجار وأطباء ومختبرات وصيادلة..الخ حينها كانت الحاجة قائمة لانبثاق وتفعيل جبهة اجتماعية مناضلة تنظم وتؤطر هذا الجمهور المتضرر، وتكبح، بالتالي، هذا الزحف الكاسح على العديد من المكتسبات الاجتماعية، عوض السكون والانتظار والتبرير..الخ
لقد أخلفنا الموعد مرة أخرى، وهذه حقيقة وجب البوح بها، إذ لم نتحمل مسؤوليتنا النضالية كما يجب، بالرغم من مقاومتنا وانتقادنا الشديد لهذه الأوضاع، كانت العملية محتشمة، بئيسة وشكلية إلى حدّ كبير، مقاومة معزولة ومفتقدة للقاعدة الاجتماعية المسحوقة.
لقد اكتفينا في غالب الأحيان بالعنصر المناضل، الواعي والملتزم.. وحوّلنا تظاهراتنا واحتجاجاتنا إلى بطولات يحضر فيها الذاتي والتلميع السياسي الحزبي والجمعوي بشكل مقزز لا يرقى بتاتا لما نطمح له كيسار مناضل نشيط وفاعل، يضع أما أعينه تعبئة الجماهير وتوعيتها بحقوقها الآنية والإستراتيجية، بدل تعويضها والنيابة عنها، بطريقة لن تزيد اليسار انتعاشا وتقدما في مسيرته النضالية، بل على العكس، ستعمّق هامشيته وعزلته عن القواعد الجماهيرية الرافضة لهذه الأوضاع، والمستعدة كامل الاستعداد للنضال من أجل تحسينه وتغييره.. إنها فضيحة بكل ما في الكلمة من معنى، فضيحة كشفت وشهـّرت بعورتنا وعجزنا وانحطاطنا. فواجبات النضال الاجتماعي خلال هذه الفترة الحرجة التي تفاقم فيها الفقر والحرمان والخصاص لأقصى درجة، واضحة كل الوضوح وتقتضي تطوير هذه الإطارات والجبهات في جميع ميادين النضال، بشكل يحافظ على مصداقية هذه الإطارات ويصون هويّتها التقدمية والديمقراطية، إطارات ديمقراطية تقدمية في هيكلتها وفي أساليب تشاورها، جبهات ذات طبيعة تقدمية مناصرة لجميع قوى وحركات التحرر، جبهات فليسطينية في عمقها، رافضة ومناهضة لربط العلاقات وتطبيعها مع العدو الصهيوني..الخ من المواقف التي لا تتعارض مع المنحى التقدمي للتغيير الاجتماعي والتحرري المنشود، الذي يضمن استقلالنا الذاتي وانعتاقنا من التبعية للإمبريالية ومصالحها الاقتصادية والمالية.. حيث لا بد من توفر الجبهة على قيادة سياسية، منظمة وحازمة تسمح بانخراط جميع الفعاليات المناضلة، السياسية والنقابية والجمعوية، في هياكل هذه الجبهة، دون إقصاء.. على خلاف ما نراه ونعيشه الآن، حيث يسود منطق الإنزال وإغراق الجبهات بشكل مغشوش يشوش على حقيقة تشكيلة هذه الجبهات، والتنوع في صفوفها، وحيث يُمثل التيار الواحد بأكثر من صفة، لتجده مناضلا حزبيا، ومناضلا شبيبيا، ومناضلا جمعويا، ومناضلا نقابيا، ومناضلا مستقلا في صفوف الفعاليات.. إنه الاستهتار والضحك على الذقون، وليس إلاّ.
إننا أمام حقيقة ومنطق يؤثر بشكل سلبي على مصداقية هذه الإطارات، ويحدّ من فعاليتها النضالية في العديد من المناسبات، التي أصبحت خلالها العبرة بعدد الإطارات وعدد التوقيعات الداعية لتظاهرة ما، أو لوقفة ما..! وهو ما يفسّر غياب قرار "الجبهة" عن العديد من المواقع والمناطق المغربية وكأنها غير معنية بالفقر والغلاء وارتفاع الأسعار. كما هو الشأن بالنسبة لمدينة طنجة التي احتضنت ثلاثة وقفات احتجاجية خلال العشرة أيام الأخيرة، دون أن يثير ذلك اهتمام الجبهة.!
"فالجبهة"، وكما علـّمتنا التجارب، إطار تنظيمي وحدوي، له مبادئه وأهدافه وبرنامجه النضالي الواضح، على عكس التنسيقية التي تكون أهدافها محدودة ومؤقتة، وحسب فهمنا المتواضع، فالنضال الاجتماعي يتطلب جبهات اجتماعية من نوع خاص، ويكون الإطار المنظم بطبيعة مبدئية وطبقية واضحة، مرتبط أشد الارتباط بقضايا ومعاناة المواطنين خلال هذه المرحلة، إطار صادق ومخلص للجماهير الفقيرة ولمطالبها الاقتصادية والاجتماعية، إطار مستقل، بالمعنى الكامل للاستقلالية، التي لا تقبل بالتوجيهات المبيّتة في الليل والمتطاولة على الحق في الاحتجاج، وفي اختيار توقيت ومكان الاحتجاج، بأوامر من الجهات المعادية لملف النضال الاجتماعي.!
فنحن واعون بأننا في بداية الطريق، ولا نخوض النضال بإيعاز من أية جهة كانت، عدا الواقع المزري الذي تعيشه وتعاني من ويلاته الجماهير الشعبية.. لذا فما نحتاجه اللحظة هو الإطار الديمقراطي المناضل، الذي يلزمنا بتشبثنا بمطالب الجماهير، وبمعركتها الاحتجاجية حتى إسقاط الزيادات والتراجع عن الغلاء فورا، وعن جميع القرارات الجائرة في مجال التشغيل، وكذا في مجال الحريات، عبر التراجع عن حجز واعتقال ومحاكمة العديد من المناضلين الشرفاء، من قيادات حراك الريف والطلبة والأساتذة المتعاقدين والصحفيين والمدونين.. وجميع المدافعين عن الحرية والديمقراطية والمساوات، بوطننا العظيم.

مارس 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيقاد شعلة دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 في أولمبيا الق


.. الدوري الإنكليزي: بـ-سوبر هاتريك-.. كول بالمر يقود تشيلسي لس




.. الصين: ما الحل لمواجهة شيخوخة المجتمع؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. إسرائيل تدرس -الأهداف المحتملة- للرد على الهجمات الإيرانية




.. سلاح الجو الأردني ينفذ تحليقًا استطلاعياً في أجواء المملكة م