الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد السياسي يُعمّق الظلم الاجتماعي ويقلل فرص التنمية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الفساد مشكلة كونية ليست مُقتصرة على العالم العربي، والفرق في الدول الديمقراطية لا يجد الفساد حواضن اجتماعية مُساندة له، وفي بلادنا العربية والتي لا نستثني الجزائر منها يظهر كبار الفاسدين كـ " ناجحون في المجتمع " يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويحاطون بأقربائهم الذين يُمجدونهم ويدعمونهم.
ويمكن إجمال اهم اسباب تفشي الفساد في ما يلي:
1 – انتشار الفقر والجهل وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة. وهيمنة العائلة والعشيرة والقبيلة والجهة والمنطقة في تنظيم العلاقات بين افراد المجتمع
2 – عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة, كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سبباً مشجعاً على الفساد.
3 – تدني رواتب موظفي القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض الموظفين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.
4 – غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاع الوظيف العمومي ، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.
5 – غياب حرية الأعلام وعدم السماح للصحفيين لها للوصول إلى المعلومات والسجلات العامة، مما يحول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة.
6 – ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها. ونقص المعرفة بالحقوق الفردية.
ــ 7 ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها. وغياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد وتفرض العقوبات على مرتكبيه.

– 8 ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد، وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماسها نفسها او بعض اطرافها في الفساد.
9 الأسباب الخارجية للفساد، وهي تنتج عن وجود مصالح وعلاقات تجارية مع شركاء خارجيين أو منتجين من دول اخرى، واستخدام وسائل غير قانونية من قبل شركات خارجية للحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة، أو قيامها بتصريف بضائع فاسدة.
تتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها إلا انه يمكن إجمالها كما يلي:
1 – الرشوة : أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل او الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للأصول.
2 – المحسوبية : أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة…الخ، دون أن يكونوا مستحقين لها.
3 – المحاباة : أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
4 – الواسطة : أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ أو مستحق
5 – نهب المال العام : أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
6 – الابتزاز : أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.
ينقسم الفساد وفقا لمرتبة من يمارسه إلى نوعين هما:
اولا: فساد أفقي، فساد صغير، يشمل قطاع الموظفين العموميين الصغار بحيث يتطلب إنجاز أية معاملة مهما كانت صغيرة تقديم رشوة للموظف المسؤول.
ثانيا: فساد عمودي، فساد كبير، يقوم به كبار المسؤولين في الدولة، ويتعلق بقضايا أكبر من مجرد معاملات إدارية يومية، كما يهدف إلى تحقيق مكاسب أكبر من مجرد رشوة صغيرة.
وعموما يمكن تحديد مجموعة من صور الفساد وأشكاله على النحو التالي:
1 – غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية، كإحالة عطاءات بطرق غير شرعية على شركات ذات علاقة بالمسؤولين، أو أفراد عائلاتهم، أو إحالة العطاءات الحكومية على شركات معينة دون اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة كالإعلان عنها أو فتح المجال للتنافس الحقيقي عليها أو ضمان تكافؤ الفرص للجميع.
2 – المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية، كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أسس القرابة أو الولاء السياسي أو بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي، وذلك على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص، أو قيام بعض المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية او المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة أو مناطق جغرافية محددة على أسس عشائرية أو جهوية أو بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
3 – استخدام المنصب العام من قبل بعض الشخصيات المتنفذة (وزراء، ولاة، مستشارون …الخ) للحصول على امتياز خاصة كالاحتكارات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، والوكالات التجارية للمواد الأساسية، والحصول من آخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات دون وجه حق.
4 – استغلال المنصب العام لتحقيق مصالح سياسية مثل تزوير الانتخابات أو شراء أصوات الناخبين، أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو التأثير على قرارات المحاكم، أو شراء ولاء الأفراد والجماعات.
5 – تبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق بهدف استرضاء بعض الشخصيات في المجتمع أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة، مما يؤدي إلى حرمان الخزينة العامة من أهم مواردها.
ما هي الآثار المترتبة على الفساد السياسي؟ للفساد نتائج مكلفة على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمكن إجمال أهم هذه النتائج على النحو التالي:
اولا: تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية:
يقود الفساد إلى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية منها:
1 – الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، فالفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة ،التي تشكل شرطا أساسيا لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر.
2 – هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة، والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة.
3 – الفشل في الحصول على الاستثمار الأجنبي ، كنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي.
4 – هجرة الكفاءات العلمية والاقتصادية نظرا لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في أشغال المناصب العامة.
ثانيا: تأثير الفساد على النواحي الاجتماعية وأبرزها ما يلي:
1 – اثر الفساد على النواحي الاجتماعية: يؤدي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية والى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص.
2 – كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام. والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والاطفال والشباب.
ثالثا: تأثير الفساد على النظام السياسي:
يترك الفساد آثارا سلبية على النظام السياسي برمته سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته، وذلك كما يلي:
1 – يؤثر على مدى تمتع النظام بالديمقراطية وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية وفي مقدمتها الحق في المساواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام، كما يحد من شفافية النظام وانفتاحه.
2 – يؤدي إلى حالة يتم فيها اتخاذ القرارات حتى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية ودون مراعاة للمصالح العامة.
3 – يقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات داخل النظام.
4 – يؤدي إلى خلق جو من النفاق السياسي والدسائس والنميمة بين أعضاء الحكومة كنتيجة لشراء الولاءات السياسية.
5 – يؤدي إلى ضعف المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني ، وهو ما يحول دون وجود حياة ديمقراطية.
6 – يسيء إلى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية خاصة مع الدول التي يمكن ان تقدم الدعم المادي له، وبشكل يجعل هذه الدول تضع شروطا قد تمس بسيادة الدولة لمنح مساعداتها.
7 – يضعف المشاركة السياسية نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة ، مما يؤدي إلى نفور الشرفاء من الترشح للانتخابات.
التميز بين فاسد وفساد.
أولا، يجب التمييز بين معنى كلمة فاسد ومعنى كلمة فساد
كلمة فاسد تعني ان هناك شخص فاسد وجمع كلمة فاسد فاسدون، أما كلمة فساد فهي تعني ظاهرة في الواقع دون تشخيص دقيق ولا تصبح الكلمة لها معنى ومفهوم دقيق إلا إذا تم ربطها بمجموعة او جهة او نوع الفساد. فاستخدام كلمة فساد منفردة. هو أقرب الى الشتيمة منه الى وصف واقع او ظاهرة
وهنا سوف نتحدث عن الفاسد او الفاسدون سياسيا (فرد او جماعة)
من خلال استعراض العديد من الدراسات التي حاولت تعريف الفساد السياسي، يمكننا ملاحظة عشرة معايير يتم بناء عليها وصف الفساد بأنه سياسي. هذه المعايير هي: معيار المصلحة العامة، معيار الاقتصاد السياسي، المعيار القانوني، معيار الرأي العام، المعيار الثقافي، المعيار الأخلاقي، المعيار الهرمي، المعيار المنهج-الكمي، المعيار الموزع-الممركز، والمعيار الحزبي-الانتخابي. فيما يلي سيتم استخلاص هذه المعايير ومطلقاتها في تحديد مفهوم السياسي، وإيراد مدى نجاحها وإخفاقها في الكشف عن ماهيته.
ــــ معيار المصلحة العامة، يتوفر الفساد السياسي، وفقا لهذا المعيار، عندما تتوفر حالة يتم فيها تحويل المصلحة العامة إلى مصلحة شخصية للمسؤول السياسي أو الموظف الحكومي أو الفئة الحاكمة
ــــ يركز المعيار الاقتصادي على الجانب المالي الذي يحصل عليه المسؤول السياسي أو الموظف العام أو أي فئة أخرى، مثل حزب أو طائفة أو شركة، من أموال من خلال المنصب الذي يشغله.
ــــ المعيار القانوني فينطلق من النظرية الرسمية، في تحليل الظواهر الاجتماعية. وفقا لهذه المعيار، يستند الفساد إلى نصوص التشريعات التي تجرم أفعالا معينة يقوم بها المسؤول السياسي أو الموظف العام بسبب إدراجها ضمن جرائم الفساد المحددة في القانون المتعلق بمكافحة الفساد الذي يضع عقوبات لمرتكبيها، مثل الرشوة واختلاس المال العام وتضارب المصالح والمحسوبية. كما يمكن استخلاص أفعال الفساد من تشريعات أخرى، مثل قوانين الانتخابات وغسيل الأموال والبنوك أما إذا لم تكن هذه الأعمال واردة في القانون فإنها لا تعتبر من قبيل الجرائم على الإطلاق، كما أن المعيار القانوني قد يتم التلاعب به من قبل الجهة التي تمارس الفساد، خاصة إذا كانت هذه الجهة هي ذاتها التي تضع التشريعات أو تعدلها
ـــــ معيار الرأي العام قد يعتبر أساسا لتحديد ما إذا كان تصرفا معينا فسادا سياسيا أم لا انطلاقا من رفض أو قبول الجمهور له، والذي قد يظهر من خلال وسائل الإعلام أو المظاهرات أو استطلاعات الرأي. من الأمثلة على ذلك قبول الرأي العام، والمجتمع المدني والأحزاب السياسية وحتى القانون في كثير من دول العالم، بأن يتم تمويل الأحزاب السياسية من قبل تبرعات الأفراد والشركات الخاصة من المناصرين لحزب ما، كما أن الرأي العام، على العكس، قد يعتبر تصرفا ما من قبيل الفساد، مثل حصول المسؤول على بعض الامتيازات الشخصية، كالراتب المرتفع نسبيا ومنزل وسيارة يستخدمهما خلال شغله للمنصب. إلا أن الرأي العام قد يختلف بحسب المنطقة الجغرافية أو الانتماءات الطائفية أو الطبقات الاقتصادية والاجتماعية أو ما إذا كان هو رأي النخب الحزبية أو الفئة الحاكمة. كما أن هذا المعيار قد يتم التلاعب به من قبل المعارضة أو وسائل الإعلام الشعوبية أو الجهات التي تجري استطلاعات الرأي.
المعيار الثقافي، وهو قد يتداخل مع المعيار الرأي العام؛ لكن الأول أكثر ثباتا بينما الثاني فهو معيار آني. وفقا للمعيار الثقافي، ينتج الفساد السياسي عن تسامح بعض الثقافات في اعتبار بعض التصرفات في العلاقة مع المسؤولين السياسيين أو الموظفين الحكوميين أمورا معتادة وليست فسادا، فقد يعتبر التهرب الضريبي والجمركي، مثلا، عملا معتادا ومقبولا اجتماعيا في كثير من الدول النامية. كما يتسامح الناس مع اتصال الأقارب والأصدقاء مع سياسي أو موظف حكومي من أجل تسهيل معاملة رسمية معينة حتى لو لم تستوف الشروط المطلوبة قانونا، أو المساعدة في الوصول إلى وظيفة ما من خلال الحديث مع لجنة المقابلات، أو دعوة المسؤولين أو الموظفين الحكوميين للمشاركة في المناسبات والاحتفالات الاجتماعية. كما قد يلجأ بعض الناس للساسة لتسهيل فض الخلافات ويكون لرأي المسؤول، بحكم الهيبة الناتجة عن موقعه السياسي أو الوظيفي، دورا حاسما في حل الخلافات بما ينتج عنه من محاباة لهذا الطرف أو ذاك. كما يعتبر دفع الرشاوى، على شكل هدايا أو إكراميات، عملا اعتياديا، وحتى أن بعض الناس والبسطاء وبعض المسؤولين والموظفين قد يقومون بمثل هذه الممارسات، بسبب انتشارها على نطاق واسع دون رقابة أو محاسبة أو اعتراض مجتمعي ودون وعي بأنها تشكل فسادا سياسيا. لكن هذا المعيار لن ينجح في قياس الفساد، كون الثقافة تتغير بحسب الطبقات الاقتصادية ومستوى التعليم والمنطقة الجغرافية ومدى القرب أو الابتعاد عن صناع القرار. كما أن هذا المعيار قد يصطدم بشكل مباشر مع أحكام القانون التي تجرم أفعالا يجب بالفعل، وبغض النظر عن الاختلاف الثقافي، أن تجرم.
ـــــ يوسع المعيار الأخلاقي مفهوم الفساد السياسي ليشمل التدهور القيمي لدى الأفراد المسؤولين السياسيين أو الحكوميين أو لدى الشركات أو الحكومة أو النظرة الاجتماعية للفساد وحتى فساد النظام السياسي برمته، بهذا يعتبر الفساد السياسي ظاهرة مرضية معدية تتضمن معايير مزدوجة في التعامل وتشمل مستوى متدنيا من الأخلاق والثقة وتؤدي إلى جذب المزيد من الفاسدين بشكل يصعب مقاومته. ينجح هذا المعيار، الذي ينطلق من فلسفات ذات مبادئ سامية، في وضع أسس تستوعب معظم أو حتى كل أشكال الفساد إلا أن الأخلاق، منذ زمن أفلاطون وأرسطو مرورا بالفارابي وابن خلدون وانتهاء بكانت وفيبر، تعتبر مسائل نسبية وتختلف من مجتمع لآخر، ومن ديانة لأخرى، ومن طبقة اجتماعية لأخرى داخل البلد الواحد، ما يصعب إمكانية تحديد ماهية الفساد السياسية وبالتالي المحاسبة.
ــــ هناك أيضا ما قد يسمى المعيار المعيار الهرمي، الذي يميز بين الفساد الإداري أو الفساد الصغير والفساد السياسي أو الفساد الكبير، فبينما يتم ارتكاب الفساد الصغير من قبل صغار الموظفين الحكوميين في الحياة اليومية للمرافق العامة التي تترجم السياسات في الواقع العملي، يقوم بالفساد الكبير كبار الموظفين والمسؤولين في معرض اتخاذهم للقرارات الكبرى. ومع أن النوعين من الفساد متداخلين نظرا لأن كل منهما يتم يقوم به صانع قرار بمستويات مختلفة، إلا أنه من الضروري التمييز بينهما. ينجح هذا التعريف بكونه يميز بين الفساد الإداري والفساد السياسي من خلال سلم الفساد. فكلما ارتفع المستوى من الناحتين الشخصية (للمسؤول الفاسد) والكمية (مقدار الفساد وحجم انتشاره) اتجهنا نحو الفساد السياسي، بينما يقع الفساد الإداري في أسفل السلم. ومع ذلك قد يكون من الصعب الفصل بين النوعين من الفساد كونهما متداخلين، ولأن المقدار هو مسألة تحكمية قد يصعب ضبطها.
ـــــ أما المعيار الممنهج أو المؤسساتي للفساد السياسي، فلا يهدف فيه الفاسد إلى تحقيق الربح الذاتي لشخص بعينه، وإنما تقوم من خلاله الطبقة الحاكمة والمتنفذة بتوظيف طاقات الدولة ومواردها ووسائل الحكم لمصلحتها من خلال التشريع والقضاء والإعلام والأجهزة الأمنية وشبكة من العلاقات التي تنسجها مع الزبائن والموالين. يمكن هذا الفساد الفئة الحاكمة من الاستمرار في السلطة، بل ويوسع نفوذها ويمنع غير الموالين من الولوج إليها. بموجب هذا المعيار، يتجسد الفساد في توزيع المناصب والمزايا على مناصري الفئة الحاكمة، كالوزراء والسفراء وقضاة المحاكم العليا وكبار الموظفين ودخولهم في شراكات مع القطاع الخاص وفي المشاريع الكبرى، هنا ينتج الفساد نتيجة لتركز جميع السلطات في يد نخبة واحد وتصبح سلطة مطلقة أو دكتاتورية سلطوية تهتم بنفوذها وثروة قادتها، وتنطبق عليها المقولة الشائعة “السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة”. تستخدم الدولة ثلاثة عوامل لتعظيم نفوذها: الكاريزما، الاحتواء، وعند الضرورة: الاستخدام المباشر للقوة. وتشكل السلطة الأبوية المعاصرة، التي تظهر بعض أشكال الحداثة مثل وجود أنظمة وأجهزة رسمية وإجراءات لكنها تخفي السلطة المطلقة للحاكم الفرد الذي يعاونه شبكة من الزبائن المتعاونين الذين يتبادلون معه المكاسب الشخصية على حساب عامة الشعب، أحد أشكال هذا النوع من الأنظمة. هذا النوع قد يسمى أيضا الفساد الجماعي، الذي ينتشر فيه الفساد بشكل شامل على نحو قد يستغرق معظم أو كل جوانب الحياة العامة. في هذا النوع، ينظر بعض الباحثين إلى الجهة المبادرة للفساد. فهو قد يأتي من قبل المسؤول الرسمي أو الموظف الحكومي، أو من قبل الشخص الذي يبحث عن الخدمة التفضيلية، إلا أن هذا النوع من الفساد قد يتداخل مع الفساد الذي يقوم به ممثلو الدولة مع الفساد الذي يقوم به أشخاص غير رسميين، سواء من القطاع العمومي أو المافيا أو القطاع الخاص.
ــــ عرف بعض الباحثين الفساد السياسي من خلال التفريق بين الفساد الموزع والفساد الممركز، ففي الفساد الموزع لا تكون الدولة هي محور الفساد، نتيجة لضعفها بشكل يجعلها غير قادرة على فرض سلطة القانون على الجميع. بل يمتلك الفساد مجموعات مبعثرة من “الإقطاعيين”، مثل الشركات ورجال الأعمال والمافيات والعشائر أو وجهاء مناطق معينة والطوائف والمنظمات الأهلية. هنا تكون الدولة هي الجهة “المفعول بها” والأقل استفادة من الفساد. فيقتصر دورها على تقديم تسهيلات للجهات المستفيدة، مثل التراخيص والتخفيضات الضريبية والإعفاءات الجمركية ومنح العقود، مقابل الحفاظ على ولاء تلك الجهات للفئة الحاكمة ودعمها في الانتخابات أو دعم بقاء ممثليها في سدة الحكم. أما في الفساد الممركز، فتكون فيه الدولة قوية وقائدة الفساد لخدمة الطبقة الحاكمة، كما لاحظنا في الفساد المؤسساتي. ومع أن الفساد الموزع قد يصلح أساسا لوصف الفساد في الدول الفاشلة غير قادرة على بسط القانون عل كل أقاليمها ومؤسساتها ومراكز اتخاذ القوى فيها، إلا أنه قد يعجز عن استيعاب حالات الفساد الممركز في الدول البوليسية ذات الدكتاتوريات الصارمة
يمكن ضرب مثالين للقطاعات التي يمكن أن ترد تحت المؤشر العام. لنأخذ الانتخابات والقضاء كنموذجين إيضاحيين.
لقياس مستوى النزاهة أو الفساد في قطاع الانتخابات يمكن وضع عشر مؤشرات، هي:
• وجود قانون واضح يحدد قواعد العملية الانتخابية.
• توفر جهة مهنية وفعالة لتنظيم الانتخابات.
• فتح المجال لكافة مكونات المجتمع للترشح.
• قواعد تحدد سير الدعاية الانتخابية بطريقة تضمن فرص الإعلان لجميع المرشحين بشكل متساو.
• شفافية تمويل المرشحين الأفراد والقوائم وفقا لقانون وإجراءات واضحة.
• وجود قضاء مستقل وذي أحكام سريعة وملزمة في الطعون الانتخابية.
• عقوبات رادعة ضد الذين يمارسون التزوير الانتخابي أو شراء الأصوات أو تهديد المرشحين.
• آليات مضبوطة ومحايدة للرقابة على سير العملية الانتخابية.
• التقيد بنتائج الانتخابات.
• إجراء الانتخابات بشكل دوري وتنحي المنتخبين بعد انتهاء مدتهم.
أما بالنسبة لقياس النزاهة في قطاع القضاء، فيمكن تبني المؤشرات العشر التالية:
• وجود قانون يضمن استقلال القضاء وينظم عمل السلطة القضائية.
• تبعية قادة العمل القضائي (مجالس القضاء وكبار القضاة) للسلطة التنفيذية من الناحية العملية.
• توفر ميزانية كافية ومستقلة للمحاكم.
• آلية شفافة لتعيين القضاة وعزلهم ونقلهم وانتدابهم ومعاقبتهم.
• فعالية التفتيش القضائي.
• السرعة في البت في القضايا.
• جودة الأحكام القضائية ومدى تقيدها بالمعايير الدولية من الناحيتين الموضوعية والشكلية.
• كفاية أعداد القضاة وموظفي المحاكم بما يتناسب مع عدد السكان في دائرة عمل كل محكمة.
• وجود محاكم خاصة استثنائية.
• تنفيذ أحكام القضاء بفعالية.
حيثما كان الاستبداد وجد الفساد، وبالعكس حين يكون الفساد شائعا ومنتشرا؛ فإن الاستبداد يكون حاضرا على وجه اليقين.
أكثر الاحتجاجات في العالم العربي كانت ضد الفساد الشائع، وللمطالبة بالعدالة الاجتماعية، فالحكومات تستمع لصوتها فقط، بينما تُخنق وتُغيّب أصوات الشعب، وأي مراجعة للاحتجاجات التي تجتاح شوارع العالم العربي؛ ستكتشف بسهولة ويُسر أن مكافحة الفساد على رأس شعارات المتظاهرين، تجد أن اجتثاث الطبقة السياسية الفاسدة التي تتحكم بالبلاد والعباد تتصدر أجندة المتظاهرين.
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك