الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موفق زريق تعقيبا (على اسلام بلا معجزات) هل يمكن دراسة الدين بشكل بمنهجية العلم؟

حمزة رستناوي

2022 / 3 / 10
مقابلات و حوارات


مادة حوارية مع حمزة رستناوي.
موفق زريق: معرفيا ومنهجيا لا يصح البحث عن تفسير علمي للمعجزة- كما عرضتَ في دراستكَ- لأن من خلق القانون العلمي للظاهرة يكسره أو يعدله، ومن أحيا يميت، ومن أمات يحيي. نحن أمام إله مطلق.. كن فيكون ، ليس كمثله شيء. هل مسألة المعجزات النبوية يمكن مناقشتها علميا ومنطقيا؟
*حمزة رستناوي: قبل الحديث عن تفسير علمي ( للمُعجزة) يجب أولا إثبات حدوثها فالعلم (التجريبي الطبيعي) لا يُفسر حوادث ظنية مُفترضة، غريبة السياق.
للمنهج العلمي هنا دور هام : ( المعجزة) حدث مُفترض حدوثه في التاريخ والواقع وليس في عالم افتراضي ( وفقا للمؤمنين بها) وبالتالي مَنْ يقدّم المُعجزات الدينية كحقائق عليه يقع عبء إثبات الحدوث بمعايير العلم التجريبي( علم الوثائق التاريخية) والبيّنة على المُدّعي. للأسف نجد مسلمين كثر يقدّمون ( معجزات الأنبياء) كحقائق لا يعتريها الشك و يقدمون منظورا للتاريخ الانساني أساسه الأنبياء وسير معجزاهم، ومخالفتهم قد تكلف صاحبها التكفير والنبذ ومحاكم.. الخ. من جهة أخرى: يجب احترام حق الناس في الإيمان بالغيب وضمنا بالمعجزات كجزء من حرية الاعتقاد والرأي، ولكن لا ينبغي تقديم ( المعجزات) كحقائق تاريخية أو طرحها بلبوس علمي. صديقي موفق زريق إنّ المفهوم الذي تعرضه للألوهية - وهو المفهوم التقليدي الشائع اسلاميا- يؤكد على أنّ الحضور الالهي الأقوى هو في الخروج على السنن الكونية وخرق انتظام الطبيعة، ولكن يوجد مفهوم آخر للألوهية – لا يتعارض مع الايمان الاسلامي- يرى مرآة الحضور الالهي الأقوى في السنن الكونية وبديع انتظام قوانين الطبيعة دونما استثناء لشخص أو شعب. وجواباً على سؤالك المباشر (هل مسألة المعجزات النبوية يمكن مناقشتها علميا ومنطقيا) أقول نعم يجب مناقشتها ضمن مُحددات المَنهج العلمي. إنّ استحالة/ نقص برهان حدوثها في الواقع التاريخي لا يعني استثنائها من البحث العلمي. أقول مادام الايمان بالمعجزات مَعلَم ثقافي للمجتمعات الدينية ومعلم بارز في الثقافة العربية الاسلامية وينبني عليه أثر اجتماعي ملموس، فهذا بحد ذاته يبرِّر إدخال موضوع المعجزات والايمان بالوحي ونحوه ضمن مجال العلوم الانسانية كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع الديني وعلم النفس الاجتماعي وغيرها والمدرسة التاريخية الجديدة.
-
موفق زريق: وفق نظرية المعرفة طبيعة الموضوع المدروس هي التي تحدّد منهجه المناسب له. فهل يصح استخدام المنهج العلمي التجريبي في دراسة موضوع الدين والايمان والغيب وبالذات الإلهية والوحي والمعجزات؟ اعتقد أنّ الخلل في طرحكَ عزيزي أن منهجكَ غير مناسب لطبيعة الموضوع. الدين لا يدرس كما ندرس الفيزياء أو الكيمياء؟.
*حمزة رستناوي: المنهج العلمي ليس قالب جامد (صبّة باطون). مثلا ثمة فروق بين منهج العلوم الطبيعية ومنهج العلوم الانسانية. لقد تمّ استخدام أساسيات العلم التجريبي في متن الدراسة فقط للتشكيك في حدوث ( مُعجزات) يعتبرها مئات الملايين حول العالم بمثابة حقائق راسخة، وهنا ينبغي استخدام منهج علم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والوثائق التاريخية. من جهة ثانية: لا تستخدم الدراسة نفس منهجية العلوم الطبيعية التجريبية لدراسة مواضيع الايمان الديني والمعجزات والوحي. ينبغي التمييز بين كون مواضيع الايمان والغيب خارج إطار العلم بالخاصة بسبب عدم امكانية التجريب والتحقق والتكذيب. وبين إمكانية دراسة مواضيع الايمان والغيب والأساطير باعتبارها ظواهر اجتماعية – ثقافية مؤثرة في حركة التاريخ والمجتمعات. إنّ الايمان الديني والغيب والمعجزات والأساطير هي موضوعات يمكن دراستها من منظور العلوم الاجتماعية بعيدا عن السجالات اللاهوتية العقيمة والتفسيرات الماورائية، وبعيدا عن الانحيازيات الثقافية المؤدلجة في التبشير أو الدفاع عن عقيدة مخصوصة بما هو شائع ومنتشر كالوباء في الثقافة العربية الاسلامية المعاصرة.
-
موفق زريق: هل يمكن للإنسان أن يعيش بدون اعتقاد، وإيمان سواء ديني أو لا ديني؟
*حمزة رستناوي: الاعتقاد سواء أكان دينيا أو غير ديني هو أحد أبعاد الكينونة الاجتماعية - سواء أكانت فردا أو مُجتمعا- أي هو نزوع أصيل يخصّ الانسان دون غيره من الكائنات، وحتّى الالحاد هو أحد أنماط الايمان بالنفي (هو يعتقد/ يؤمن بعدم وجود إله).
-
موفق زريق: هل يستطيع العلم تقديم إجابات على أسئلة الإنسان الوجودية الكبرى أصله.. ومعنى وجوده.. وغايته.. وماذا يحصل بعد الموت.. وهل هناك خالق للكون وهل هناك حساب ؟
*حمزة رستناوي: هذه الأسئلة مجالها الاعتقادات الدينية والطروحات الفلسفية وليس العلم بالخاصة. إنّ هذه الأسئلة الوجودية ومثيلاتها تدخل في باب المعارف الدينية والفلسفية وليس المعارف العلمية. وفقا للمدرسة الوضعية المنطقية: كل علم هو معرفة، وليس كل معرفة هي علم ، فشرط العلم هو القابلية للتحقق الموضوعي. ويحضرني هنا هذا التشبيه : إذا كانت الأسئلة الوجودية التي يطرحها الانسان أشبه بالمحيط ، فالعلم هو فقط جزيرة صغيرة صلبة يقف عليها الانسان ساهما متسائلا نحو أفق الحيرة ومندهشا نحو المجهول.
-
موفق زريق: مَنْ رفضَ الله جعل المادة إلهاً كالماركسية التي تدّعي العلم والعلمية، أو جعل الفكر المطلق إلهاً مثل هيغل، أو جعل إرادة القوة الها كنيتشه الذي قتل الله؟
*حمزة رستناوي: تتشابه الاعتقادات الدينية والفلسفية في كونها قابلة للأدلجة، وتشابه من جهة التعبير الاجتماعي الثقافي. فالإسلاميين قد يكفرّون الناس ، والماركسيون قد يخوّنون الناس. إذاً ليس الحل وليس المطلوب أبدا التخلّي عن الايمان الديني فهذا شأن يخص صاحبه فقط.
-
موفق زريق: هل يصح مناقشة هذا الاعتقاد الديني بمنهجية علمية لإثبات صحته من عدمها؟
*حمزة رستناوي: مناقشة صحة الاعتقادات الغيبية ( كقضايا الألوهية والملائكة والروح وجبريل والبعث بعد الموت) نفسها بمعايير العلم غير مُمكنة، فهي خارج نطاق البحث العلمي، لكون العقل الانساني نسبي، وكذلك لسبب نقص القرائن والمعلومات وعدم إمكانية التجريب والتحقّق والتكذيب ( إن القابلية للتكذيب هي المعيار الذي يحدد مفهوم العلم التجريبي الطبيعي وفقا لكارل بوبر). ولكن القول بأنّ هذا النمط من الاعتقادات الغيبية خارج نطاق العلم لا يعطي الاعتقادات الدينية والفلسفية أفضلية على العلم.
-
موفق زريق: تطبيق المنهج العلمي التقليدي على الإيمان والدين والله سلوك غير علمي. العلم لا يدرس ظاهرة الروح والغيب. الدين يناسبه منهج عقلي منطقي تدبري تأملي ويستحيل استخدام منهج دراسة المادة في دراسة الروح والدين والمعجزة. كيف يمكن استخدام التجربة العلمية في إثبات وجود الله أو الآخرة أو الملائكة أو الجنة والنار أو حدوث الوحي؟
*حمزة رستناوي: أوافقك الرأي في عدم اختصاص العلم وعدم امكانية المنهج العلمي التجريبي على موضوعات الله والملائكة واليوم الآخر والروح فهذا من اختصاص العقائد والإيمان الديني، فالإيمان هو ما يؤمن به الانسان بينه وبين نفسه، وبرهان العقائد الدينية لا يكون على طريقة العلوم ، بل هي في صلاح المؤمنين بها والتزامهم بأولويات الحياة والعدل والحرية. ولكن دراستي التي عرضتُ مُختصرها في المحاضرة ( نحو إسلام بلا معجزات) لا تُحاول إقحام العلم في قضايا ميتافيزيقية ولاهوتية بحتة، بل تتناول الدين كظاهرة اجتماعية ثقافية، وتتناول نتائج ومفاعيل هذا الايمان عمليا كما وُجدت في التاريخ وتوجد الآن. هي تحاول تقديم اقتراحات وأنساق منطقية ومفاهيمية قابلة للنقد والتعزيز، وهي بهذا المعنى ( منهج عقلي منطقي تدبري تأملي)
-
موفق زريق: أليس للتفكير العقلاني الإنساني قواعده وقوانينه التي تجعل منه تفكيرا منطقيا وصحيحا وحكيما؟! الفلسفة ليس مجرد تأمل بل هي منهج لاكتشاف قوانين المنطق، وهي منهج علمي لأنها تُعنى بالكشف عن قوانين التفكير واستخدامها.
*حمزة رستناوي: الفلسفة ليس مجرد تأمل وتساؤلات، ولكن نقطة البداية فيها تكون من التأمل وطرح التساؤلات. قضايا المنطق والمنهج ونظرية المعرفة عموما جزء أصيل من الفلسفة
-
موفق زريق: حصر المنهج العلمي بالظواهر المادية لا أتفق معه
*حمزة رستناوي: المنهج العلمي هو منهج لحل مشكلة ،عبر تفكير منظم ومنطقي التسلسل، باستخدام أساليب متنوعة للبرهان تجريبي رياضي صوري.. وصولا للنتائج الخ.
-
موفق زريق: قضية الألوهية في حياة الإنسان ليست مسألة ثانوية كما يبدو من محاضرتكَ، بل أعتقد أنها مركزية ، وأهم من علم الهندسة التحليلية لأنها تمس قضية وجوده ومصيره.
حمزة رستناوي: لا داعي لتصنيف المسائل إلى أساسية وثانوية ، ومركزية وهامشية. الرياضيات والهندسة أساس الثورة العلمية التي شهدتها وتشهدها البشرية وأساس وسيلة التواصل التي نتحاور عبرها ( جوال- أنترنت- وأتس أب). موضوع الألوهية مجاله اللاهوت والفلسفة في بعض فروعها وهو نقاش أفقي ممتد. البشرية كانت من ألف سنة تتناقش في ذلك وتختلف في الألوهية وجودا وإثباتا وعبر تصورات مختلفة جدا قد تصل الى حالة التكفير والنزاع، وظّني أنها سوف تبقى ربّما لألف سنة قادمة تتناقش في ذلك وتختلف. الايمان مهم في بعده الشخصي الوجودي ولكن يختلف نوعيا عن العلوم الرياضية والطبيعية، ولا أجد سببا للمقارنة التفاضلية.
-
موفق زريق: صديقي العزيز، ما هو المنهج الذي استخدمته في مناقشة ظاهرة المعجزة، وهي ظاهرة غير مادية أمامنا الآن ، هل هي أمر خبري نقلي ديني أو وضعي تاريخي؟
*حمزة رستناوي: منظور المقاربة لا يستند الى منهج واحد شامل . هناك حزمة من المقاربات تتعلق بالموضوع المطروح في كل فقرة ، مثلا في فقرات مخصصة لبرهان حدوث المعجزة استخدمتُ المنهج التجريبي التوثيقي . في فقرات أخرى استخدمت منهج عقلاني أي تحليل منطقي. وفي فقرات معينة عرضتُ فقط لمجموعة تساؤلات مُحفزة تتحرّش بالنمط التقليدي السائد، وفي فقرات أخرى عرضتُ لأنساق ثقافية قد تكون مفيدة في مقاربة ظواهر الوحي والمعجزات لا تتعارض مع مبدأ الايمان الاسلامي بحد ذاته.

*ملاحظة : جاءت هذه المادة كمُداخلات حوارية عقب محاضرة حمزة رستناوي ( نحو إسلام بلا معجزات) في إطار نشاطات (ندوة وطن) بتاريخ 22– ت2- 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر