الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفاوض بدلاً من المصائب

راتب شعبو

2022 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


كل شعب يتعرض للغزو من واجبه، وليس فقط من حقه، أن يقاوم بكل السبل المتاحة، ومن الطبيعي والواجب التضامن معه ضد المعتدي. هذا مبدأ لا ينبغي التلكؤ فيه، وأقل من يمكن لهم التلكؤ في هذا المبدأ هم ضحايا اعتداءات القوى الخارجية، ولنا منها، نحن شعوب الشرق الأوسط، نصيب كبير. وكل عدوان على شعب أو بلد هو عمل مدان تقع مسؤوليته الكبرى على المعتدي. على أن هذا لا يمنع من النظر في نشوء شروط كل صراع، والتفكير في الأسباب والغايات وأدوار الأطراف المؤثرة ... الخ، دون أن يؤثر هذا النظر على الموقف من الحرب المنظور فيها بوصفها عدواناً يوجب كل التضامن مع ضحاياه.
في العدوان الروسي على أوكرانيا، الذي انطلق بصورة سافرة في 24 شباط/فبراير الماضي، الكثير مما يستوجب التفكير، بعد وضع الاصطفاف جانباً لأنه يغلق باب النقاش المجدي والضروري لإدراك سهولة انزلاق العالم إلى الفناء، في سعي "القادة" إلى المزيد من الأمان أو المزيد من السيطرة. الحرب، بعد كل شيء، ليست قدراً لا يمكن تفاديه، ويمكن القول إن السياسة هي في أهم جوانبها آليات حلول سلمية غايتها تفادي الحرب.
لا تخفى على أحد المخاطر الرهيبة التي تحملها الحرب الدائرة في أوكرانيا، في قلب أوروبا، والتي يتابعها العالم اليوم بقلق. الخطورة تأتي أولاً لأن أحد طرفي الحرب قوة نووية عظمى (روسيا الاتحادية)، لا يمكن لأحد أن يستبعد لجوئه إلى الخيار الشمشوني إذا ما شعر ببوادر الهزيمة والإذلال، وقد وضع هذا الطرف سلاحه النووي بوضعية الجاهزية سلفاً. وإذا قيل مرة واحدة إن روسيا تريد ابتزاز العالم وإخافته وإنها لن تستخدم السلاح النووي فعلاً، يجب أن يقال مرات عديدة إن للأشياء منطقها الخاص أيضاً، وإن من يقول A يقول B، حسب المثل الألماني. هذا دون أن نذكر خطورة قصف المفاعلات النووية السلمية الموجودة في أوكرانيا والتي كان الروس قد قصفوا أحدها (محطة زابوريجيا النووية) منذ بضعة أيام، وهي أكبر محطة نووية في أوروبا. وإذا كان هذا القصف لم يتسبب بكارثة نووية على شاكلة كارثة تشيرنوبل الشهيرة، فإنه يشير إلى أن احتمال ذلك قائم على طول الخط. وثانياً، لأن للحرب، كما لا يحتاج الأمر إلى القول، خسائر هائلة على الناس في كل مكان، وخصوصاً على الناس في مناطق الصراع. وهذه الحرب (التي مضى على اندلاعها وقت كتابة هذا المقال أقل من أسبوعين) قد خلفت إلى اليوم ملاين النازحين واللاجئين، ومئات القتلى المدنيين، عدا عن آلاف الجنود والمقاتلين من الطرفين، كي لا نتحدث عن الدمار والخسائر الاقتصادية، وعن الأذيات النفسية الهائلة. وثالثاً لأن مثل هذه الحرب من شأنها أن تخلق مشاعر عدائية متبادلة بين شعبين، تشكل زاداً سيئاً لمستقبل العلاقة بينهما، وما يحمل هذا العداء من انعكاسات على المحيط وعلى العالم. وفي هذه الشروط وهذا الاتساع، يبقى أنه لا يمكن ضمان أن تتحول مثل هذه الحرب إلى حرب عالمية بعد أن تطورت البشرية إلى حد امتلاكها القدرة الأكيدة على إفناء ذاتها.
وعلى اعتبار أن أميركا القطب الأقوى والأكثر تأثيراً في العالم، فإن السلوك الأميركي حيال ما جرى قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، يلفت النظر، ذلك أن أميركا، وهي تراقب الحشود العسكرية، وتؤكد، رغم الأخبار التي تحدثت عن سحب بعض الوحدات العسكرية الروسية بعيداً عن الحدود، أن روسيا سوف تغزو أوكرانيا، حتى أن الرئيس الأميركي بايدن راح يحدد اليوم المتوقع لبدء الاجتياح الروسي، نقول رغم ذلك، لم تفتح أميركا خطاً تفاوضياً على مستوى المخاطر الممكنة، بغرض معالجة المخاوف الأمنية الروسية (حتى لو اعتُبرت هذه المخاوف مجرد ذرائع)، لتفادي الحرب، رغم أن المطالب الروسية كانت واضحة ولها وجاهتها التي تدركها أميركا، صاحبة مبدأ مونرو، أكثر من غيرها. وبالمقابل، لم تتحرك أميركا باتجاه تشكيل تحالف عسكري في وجه الحشود الروسية، على غرار التحالف الذي أنشأته عقب الغزو العراقي للكويت، كما اقترح أكثر من خبير أميركي منهم إيفيلين فاركاس المستشارة للأمن القومي ونائبة مساعد وزير الدفاع للشؤون الأوكرانية والروسية. أي إن أميركا لم تسع لا إلى ردع بوتين بالقوة ولا إلى التفاوض معه، مكتفية بالتهديد بعقوبات اقتصادية قاسية ... الخ، تدرك عدم جدواها في هذه الحال. ونظراً إلى الموقع الذي تحتله أميركا في حلف الناتو وفي الأمن العسكري للديموقراطيات الأوروبية، فإننا حين نقول أميركا، نقول حلف الناتو ونقول هذه الديموقراطيات التي ربما كانت تميل، أكثر من أميركا، إلى التفاوض بشأن تحييد أوكرانيا عن حلف الأطلسي.
لا يمكن للمرء أن لا يتوقف أمام حقيقة الإصرار الأميركي على التفاوض المرن والصبور مع إيران بشأن ملفها النووي، مقابل إغلاق باب التفاوض مع روسيا بشأن قضية حساسة وخطيرة كالمسألة الأوكرانية. فلا التهديدات التي يشكلها امتلاك إيران للسلاح النووي هي على نفس درجة خطورة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ولا الحق الإيراني في امتلاك سلاح نووي يتفوق على الحق الروسي في ضمان أمنها من تحول أوكرانيا إلى بلد معاد لروسيا.
لماذا أصرت أميركا على رفض التعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو؟ ولماذا تخلت عن تعهدها الذي قطعته في 1994، بحماية أوكرانيا مقابل أن تسلم هذه سلاحها النووي لروسيا؟ لماذا بدت كأنها مستسلمة للغزو الروسي وكأنه قدر لا يرد؟ لقد بدت أميركا على الصورة التالية: إنها لا تريد طمأنة روسيا فتنزع من يد بوتين القصة الأمنية التي يحشد بواسطتها الشعب الروسي حول الحرب (نسبة التأييد لبوتين ارتفعت، حسب المعلومات المتاحة) ، ولا تريد الالتزام بحماية أوكرانيا فتردع بوتين عن غزوها. هذا الحال هو ما يدفع الصحافة الأميركية للقول إن الغرب جعل أوكرانيا لقمة سائغة لبوتين. ما لا يضيفه هؤلاء الصحفيون هو أن أميركا أرادت أن تكون هذه اللقمة مغمسة بالدم الاوكراني والروسي، ومحفوفة بكل المصائب الممكنة للحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا