الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملف خاص: النخبة المغاربية (الجزء الخامس)

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 3 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في إطار مقاربتها لموضوع النخبة المغاربية تستأنف الأسبوع المغاربي نشرها لباقي الأجزاء من الملف. الجزء الخامس من ملف النخبة المغاربية (الأسبوع المغاربي، العدد 100) ضم مقالا للباحث الجزائري وحيد بن بوعزيز، وهو قراءة في كتاب فلاديمير ماكسمينكو "مصائر النخب المغاربية"، ومقالا تحت عنوان “العقل المغاربي عند علي الإدريسي”: دراسة مقارنة في أفكار أركون والجابري والإدريسي للباحث الجزائري محمد سعيد بوسعدية، فضلا عن توصيات الندوة المغاربية التي تم تنظيمها حول الإعلام والمشترك المغاربي.

وحيد بوعزيز: قراءة في كتاب فلاديمير ماكسمينكو.. مصائر النخب المغاربية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحيد بن بوعزيز (باحث من الجزائر)، قدّم قراءة في كتاب "الأنتليجنسيا المغاربية، المثقفون: أفكار ونزاعات" للباحث الروسي فلاديمير ماكسيمينكو وترجمة عبد العزيز بوباكير.
وفق الباحث، لم يطرح الكتاب النقاش السائد عند المفكّرين العرب والمستشرقين والمستعربين، حول حضور أو غياب الأنتليجنسيا في العالم العربي عمومًا والمغاربي خصوصًا، فهذا النقاش عرف تموّجات ومنعرجات كثيرة أدّت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، ويعود سبب هذا الانسداد إلى أنّ نفي الأنتليجنسيا كفئة أو كطبقة أو كجماعة سوسيولوجية، يعدّ ضربًا من ضروب إسقاط سياقات غربية على عالم يختلف في تركيبته الاجتماعية وفي سيرورته التاريخية عن العالم الرأسمالي.
لقد توصل مثلًا المفكران الجزائريان الراحلان عبد القادر جغلول وعمار بلحسن، إلى أن التاريخ يشهد على غياب أنتليجنسيا جزائرية، بسبب غياب الحواضر العلمية والاستعمار والشعبوية التي سادت بسبب تواجد شبه دولة ذات توجّه بيروقراطي بعد الاستقلال.
فلاديمير ماكسيمينكو، يقول الباحث وحيد، طرح مسألة الأنتليجنسيا بعيدًا عن منطق النفي والإثبات وبحث الظاهرة من زاوية التكوّن، من حيث أن فكرة الأنتليجنسيا لا يمكنها في سياق الدول النامية إلا أن تكون بصدد التكوّن والتبلور والانوجاد.
وربط الكاتب نشوء ملامح الأنتيليجانسيا المغاربية بظهور الاستعمار كسياق أساس في ذلك، حيث ساعدت البنى الحداثية الرأسمالية على تفجير البنى التقليدية للمجتمعات المستعمَرة، فاندحرت الأنتليجنسيا التقليدية لتترك مكانها لأنتليجنسيا قيد النشوء.
التنوير العربي، من منظور فلاديمير، وبقدر ما كان نتاج تلاقحه مع البنى اللبيرالية أو الاشتراكية في سياق الاستعمار كان أيضا نابعا عن ملكة إبداعية "جعلت مجتمعات الأهالي تعطي لمستها في بلورة مبادئ عن الحريّة تختلف نوعًا ما عن مفهوم التنوير الأوروبي". و
التمس فلاديمير ماكسيمينكو أن النخبة المغاربية مرت بثلاث مراحل، مرحلة اندماجية ومرحلة ثورية ومرحلة البقرطة. ففي الفصل المعنون بـ"رواد الأنتليجنسيا الحديثة"، اختار صاحب الكتاب النموذج التونسي في القرن التاسع عشر، واعتقد بأن المدرسة الصادقية التي امتازت بمحاولة الجمع بين روح التراث والحداثة الغربية بطريقة تلفيقية مثلت نموذج الأنتليجنسيا الاندماجية أحسن تمثيل، فلم يكن غرض هذه النخبة، بسبب رقيّها الاجتماعي، نقد المستعمر أو مقاومته بقدر ما كان غرضها الأساس إيجاد مناطق تلاق بين الثقافتين: الأهلية والاستعمارية.
تكمن قيمة هذه النخبة في خلق توترات سوسيو-ثقافية وضعت العلاقة بين الأهالي و"المعمرين" في حالة اختبار للاندماجية باء بالفشل. تعود قيمة الفتيان إلى تعبيد الطريق أمام أنتليجانسيا صاعدة من جيل آخر امتازت بالقطيعة والثورية العاطفية: "إن الفتيان التونسيين والجزائريين والمغربيين هم رواد الأنتليجنسيا المعاصرة، وكانوا قليلي العدد ومليئين بالأوهام، لكن منهم ومعهم ولد في تونس والجزائر والمغرب نموذج حركة اجتماعية جديدة وغير معروفة من قبل، حركة من أجل إصلاح منظم وموجه للمجتمع في أبعاده الوطنية الشاملة وكانوا هم الأساس البشري والاجتماعي الجديد الذي دفع بحياته ونشاطه بالدرجة الأولى تلك المجموعات المتأخّرة في تطورها نحو التاريخ العالمي، مكسرًا الانغلاق ومتجاوزًا الإقليمية، وممزقًا التصورات البالية والعلاقات الاجتماعية الصلبة".
لم يغادر الكاتب النموذج التونسي، على الرغم من بروز النموذجين الجزائري والمغربي، لكي يحلل الطريقة التي تشتغل بها الأنتليجنسيا الراديكالية الديموقراطية، ورأى بأن نموذج الدستور الجديد بقيادة أفكار بورقيبة شَكَّل سيمياء دالة على النخبة التي ساهمت في بلورة وعي بالكفاح استغلّت فيه كل الطرق لتصفية البلد من الاستعمار. إن الفرق بين النخبة التنويرية والنخبة الراديكالية المتحرّرة يكمن، حسب الكاتب، في البعد الاجتماعي، وبالضبط، في التمايز الطبقي بين النخبتين: "لقد كان الفتيان التونسيون يمثلون حركة الفئات العليا من المجتمع التونسي القديم التي لامست الثقافة الجديدة، أما الدستوريون الجدد، فهم أنصار للعناصر البرجوازية اللبيرالية واللبيرالية الشعبوية".
لم تكن الأنتليجنسيا الراديكالية، كما فهمها الكاتب، بعيدة عن البرجوازية الوطنية، ولكن، لكيلا نقع في التطرّف الذي سقطت فيه الفانونية (نسبة إلى فرانز فانون) حيث وُصفت هذه البرجوازية بالتقاعسية وبالانتهازية، فإنّه يجب أن نفرق بين نوعين من البرجوازيات الوطنية، واحدة تتّسم بأنها تشبّعت بروح التحرّر وراحت تطالب بالاستقلال رغم لاثوريتها، وثانية سقطت في الكومبرادورية، وراحت تترصّد كفة الميزان لكي تتخندق وتتموضع مع الحالات التي تخدم مصالحها الطبقية ورغباتها.
حينما دخلت الأنتليجنسيا في مرحلة الاستقلال فقدت بريقها بسبب انتفاء السياق الاستعماري الذي كان مؤججًا لتواجدها، فراحت تتراجع ثوريتها لتسقط في عملية بقرطة، اتسمت بالروتين والخمول الفكري. في هذا السياق يتطرّق ماكسيمنكو للبرجوازية البيروقراطية محلّلًا وراميًا بكل ثقل الكتاب على هذا النوع من الأنتليجنسيا.
لم يكن الكاتب ضدّ المثقّف العضوي الذي شكّل ظاهرة أخذت حصة الأسد من الدراسات الاجتماعية، فطبيعة المجتمع النامي الجنيني المتكون اقتضت الإسراع في الاستفادة من النخبة التي تمتاز بكونها احتياطًا خامًا وبكونها تنتج أفكارًا تقسم، بذلك، العالم ما بعد الاستعماري إلى تزايد في العمل اليدوي وتكاثر في العمل غير اليدوي (الفكري).
ولكن لو عدنا إلى الواقع التاريخي، لوجدنا بأن المثقّف العضوي بالمعنى الغرامشي ما فتئ يتراجع بسبب صعود سياسات شعبوية ترفض النخبوية وتكرّس التقليدوية المقيتة، في هذه اللحظة عرفت البلدان المغاربية نزيفًا فكريًا تجسّد في هجرة أدمغة كانت إحصاءاتها دالة جدًا. وعرفت نشوء حالة إفراغ النخبة من وظيفتها التاريخية فتولدت عدمية انبثق عنها: "المثقف الراديكالي الخالي من أية نزاهة مهنية، ومن أيّة روح لأداء رسالة غير مغرضة يشعر بنفسه مغبونًا ومهانًا. وهو يشبه ذلك الموظف البيروقراطي الحامل للمزايا بالقوّة، ويعتبر نفسه حاملها بالفعل".
لم يتوقّف صاحب الكتاب عند هذا الحدّ، بل راح يعطي مثالًا على بعض القضايا التي تبين وضعية الأنتليجنسيا في مرحلة بناء الدولة القومية؛ فمسألة الثقافة الوطنية كما طرحها فانون وقضية تصفية الاستعمار في التاريخ كما جاءت في أفكار محمد شريف ساحلي وقضايا التقليدوية والفرق بينها وبين التقليدية كما جاءت في كتابات مصطفى لشرف وعبد المجيد مزيان وعبد الله العروي، ومفهوم القابلية للاستعمار كما أثثه مالك بن نبي، كل هذه التمظهرات بينت بأن الأنتليجنسيا مركبة ومعقدة وبينت بأن عقم هذه الجماعة الفكرية لا يعود فقط إلى مثالية وأوهام النخب، بل يعود كذلك إلى نمط إنتاج كولونيالي خلق حالة تبعية شملت كل المجتمع بكل أشكاله وأطيافه.
إن كتاب الأنتليجنسيا المغاربية رسم بطريقة أصيلة مسارات تكوّن النخب في الدول المغاربية النامية، مبيّنًا شكلًا متفردًا من حفريات الثقافة، تم فيها الانتقال من التنويرية إلى البقرطة مرورًا بالراديكالية.

محمد سعيد بوسعدية: “العقل المغاربي عند علي الإدريسي”: دراسة مقارنة في أفكار أركون والجابري والإدريسي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد سعيد بوسعدية (باحث جزائري)، وفي سياق قراءته للنخبة المغاربية، يرى أن محمد أركون اهتم بدراسة ونقد العقل الإسلامي منطلقا أساسا من بنيته الفقهية (أصول الفقه) والكلامية (أصول الدين)؛ واهتم محمد عابد الجابري بدراسة ونقد العقل العربي منطلقا أساسا من بنيته اللغوية والفقهية والثقافية البيانية والعرفانية والبرهانية؛ واهتم علي الإدريسي بدراسة ونقد العقل المغاربي منطلقا أساسا من بنيته الثقافية عبر تاريخه الطويل الممتد من العهد الفينيقي إلى قيام الدول الوطنية المغاربية.
وعلى غرار محمد أركون ومحمد عابد الجابري، يقول محمد سعيد، يطرح علي الإدريسي إشكالية صفة “المغاربي” للعقل. وانطلاقا من أن العقل الجماعي هو الذهنية التي تنعكس في بناء النظم والأنساق الفكرية والانتقال بالثقافة من وصفها الاجتماعي إلى المعايير الحضارية لجماعة إنسانية أو أمة معينة، يتساءل الإدريسي عن الصفة الغالبة في العقل الجماعي المغاربي عبر تاريخه ومسيرته المعروفة. وهل كان لهذا العقل خصائص ومميزات تميزه عن غيره؟ وما أثر ذلك على حركة تطور الفكر والحضارة في بلاد المغارب ومساهمته في الحضارة الإنسانية بعامة؟
يتفق الإدريسي مع أركون والجابري في تحديد العقل الجماعي، وتبرير نعت “العقل” بالانتماءات الدينية والعرقية والمعرفية على غرار العقل الإسلامي والعقل العربي والعقل المغاربي والعقل السياسي والعقل الجدلي والعقل الدوغمائي والعقل الفقهي، لكنه يختلف معهما في تحديد الحيز الجغرافي والزماني وطريقة القبض على “العقل”. وقد حدد الحيز الجغرافي للعقل المغاربي بالأقطار المغاربية الثلاثة والمعروفة تاريخيا بالمغرب الأدنى والمغرب الأوسط والمغرب الأقصى وهي الدول الوطنية تونس والجزائر والمغرب. يستثني الإدريسي ليبيا وموريتانيا من أبحاثه رغم انتماء البلدين للعقل المغاربي، وذلك لأسباب معرفية بحثية تعود إلى قلة المراجع في تحديد التاريخ الثقافي لهذين البلدين، كما يستثني بلاد الأندلس من العقل المغاربي نظرا لخصوصية الفترة الضيقة التي عرفها النشاط الفكري والثقافي لهذه البلاد والتي لم تدم أكثر من سبعة قرون، وكانت له بيئته الخاصة. أما فيما يخص تعيين اللحظات الزمنية، فنعتقد أنّ الإدريسي اعتمد على رؤية خطية للتاريخ مرتبطة بنشأة وتاريخ الدول في بلاد المغارب وتناغم النشاط الثقافي والفكري للشعوب المغاربية مع تلك الفترات السياسية، مع الإشارة إلى أنّ الإدريسي أولى أيضا أهمية للثقافة الشفهية لتحديد العقل المغاربي، عكس الجابري الذي اعتمد وفقط، على الثقافة العالمة المرتبطة بعصر التدوين لتحديد العقل العربي.
وتتمثل هذه المحطات التاريخية الكبرى في: الزمن الفينيقي والروماني والبيزنطي، والزمن الإسلامي الأول ونشأة الدول الإسلامية الأولى، ثم زمن المرابطين والموحدين، ثم عصر ما بعد الموحدين وهي فترة ظهور الدول المغاربية الثلاثة الحفصية والزيانية والمرينية، ثم فترة النهضة والإصلاح تحت نير الاستعمار الفرنسي، وأخيرا فترة الدول الوطنية المستقلة. ومن هنا ندرك أنّ الإدريسي عبر هذا التاريخ الطويل، لم يبحث على غرار أركون والجابري عن لغة ما (أمازيغية كانت أو عربية)، أو علم قائم (فقهي أو عقدي أو أدبي)، أو مدونة مشهورة (كمقدمة ابن خلدون)، وذلك للقبض على العقل المغاربي. ونعتقد شخصيا أن طرح الإدريسي صائب في هذا المجال، فمنهجية أركون والجابري لن تصلح في تحديد العقل المغاربي باعتبار أنّ العقل الإسلامي والعقل العربي مكونان للعقل المغاربي الذي يحتاج إلى مكونات أخرى لتحديد طبيعته. لقد فضل الإدريسي دراسة وفحص وتفكيك النشاط الثقافي والإنتاج الفكري عبر كل الحقبات التاريخية مع التركيز على محطات فكرية أساسية متباينة، كما فعل مع رواية “الحمار الذهبي” لأفولاي، وتحديد الحياة الفكرية في مدينة القيروان، وثورة الموحدين الثقافية، وتقديم نماذج من أعلام النهضة المغاربية الحديثة، والتركيز على الرؤية المغاربية للحضارة من خلال مالك بن نبي وابن خلدون، وأخيرا تحديد الهوية الثقافية المغاربية المعاصرة من خلال دراسة المواثيق التأسيسية للبلدان المغاربية الثلاثة، وكل هذا السرد التاريخي كان الهدف منه تحديد مميزات العقل المغاربي عن سواه، كما سنرى لاحقا.
ينطلق الإدريسي من الزمن ما قبل الإسلامي، ويرى بتحفظ أنّ العقل المغاربي العائد إلى الفترات الفينيقية والرومانية والبيزنطية، إمّا أنه لم يترك لنا مصادر وآثارا فكرية بارزة تتناول علاقة الإنسان بمحيطه الطبيعي والاجتماعي، ومن ثم بالتاريخ والكون، وإمّا أنه لم يصلنا من إنتاجه إلا النزر القليل على غرار رواية “الحمار الذهبي” للوشيوس أبوليوس المدعو بالأمازيغية أفولاي، وهي أول رواية في تاريخ الإنسانية، وكتب القديس أوغسطين وهي عديدة أشهرها “مدينة الأرض” و”الاعترافات” و”مدينة السماء”. والملاحظ أن الطبقة المثقفة تكونت إما في روما أو أثينا أو قرطاج، وكانت تستعمل اللغات العالمة لتلك الفترة أي اليونانية ومن بعدها اللاتينية.
أما بالنسبة للعصر الإسلامي، يشير الإدريسي إلى أنّه وبعد عشرة قرون من وصول الدين الإسلامي إلى بلاد المغارب، لخص عبد الواحد بن عاشر (توفي سنة 1630م) المرجعيات المعرِّفة بمكونات الجسم الثقافي المغاربي، بقوله:
“في عقد الأشعري وفقه مالك****** وفي طريقة الجٌنيْد السالك”
يلاحظ الإدريسي غياب أي مصدر مغاربي في هذه المرجعيات الثلاثة، أي العقيدة الأشعرية والفقه المالكي وطريقة الجُنيدي في التصوف. فكل المؤسسين للحقل المعرفي المغاربي في زمن الإسلام لم يكن بينهم أي منتم إلى بلاد المغارب، فمالك بن أنس ابن المدينة المنورة، وأبو الحسن الأشعري ابن البصرة، والجنيد ابن بغداد، فهم كلهم مشارقة. وحتى في الزمن اللاحق، لم تكن هنالك شخصيات مغاربية في مستوى الماتريدي أو الجويني أو الجيلاني. فحتى المهدي بن تومرت مؤسس العقيدة الموحدية السياسية يذكر عنه ابن خلدون أنه رجع من المشرق بحرا متفجرا من العلم أي أن مصدر علمه المشرق وليس المغرب، وأنه كان يدعو للعقيدة الأشعرية. يقول الإدريسي: ربما كان ابن خلدون المستثنى الأكبر في العهد الإسلامي، لأنه ابتكر مبحثا أصيلا، ألا وهو “علم العمران البشري والاجتماع الإنساني”.
أما في العصر الحديث والمعاصر، الموسوم بعصر النهضة، توزع العقل الثقافي المغاربي إلى ثلاثة اتجاهات:
• عقل بقي مخلصا لمرجعيته المشرقية التي هيمنت عليها التيارات التدينية، وكذا النزعات الإصلاحية المشرقية، ويستثني الإدريسي من ذلك خير الدين باشا في منهجه الإصلاحي، ومحمد الطاهر بن عاشور في منهجه ورؤيته لتفسير القرآن الكريم، ومالك بن نبي في أبحاثه التي قام بها في سبيل الانبعاث الحضاري؛
• عقل أمسى متعلقا بالرؤية الثقافية والعقلانية الغربية، وتحديد الرؤية الفرنسية، وبمسوغات الانخراط في الحداثة، ومبررات اللحاق بركب الحضارة وبدعاوي الأخذ بحقوق الإنسان، واعتناق القيم الكونية؛
• عقل تبنى الانتماء إلى أطروحات القومية العربية أو القومية الأمازيغية، مما شكل تجاذبات بين المكونات الاجتماعية والثقافية للشعوب المغاربية، حاولت على إثره الدول المغاربية الثلاثة التوفيق بين مجمل التيارات في مواثيقها التأسيسية خاصة في الجزائر والمغرب اللذين اعترفا دستوريا باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية والإسلام كدين رسمي للدولة.
مما سبق، يمكن تحديد مميزات العقل المغاربي، فيما يلي:
• عقل مائل نحو تصديق الخوارق والمعجزات والإيمان بالسحر منذ الزمن الغابر، كما يستنج من رواية “الحمار الذهبي” لأفولاي. ولازالت هذه الذهنية راسخة في الثقافة الشفهية والشعبية للشعوب المغاربية إلى يومنا هذا؛
• عقل يحبذ السرد الشفوي أكثر من التدوين، وما تمّ تدوينه كان بلغة الغازي في العهود السابقة عن الإسلام؛
• عقل عملي أكثر منه نظري، يهتم أكثر بتحسين ظروف الحياة، كتطوير الزراعة والاستعمال العادل لموارد المياه في سقي المساحات المزروعة؛
• عقل سريع التبني للعقيدة دون النظر فيها ومناقشتها والمرور إلى بناء الدولة قصد حماية العقيدة، وهذا ما حدث مع كل المذاهب تقريبا (الصفرية بسجلماسة، والإباضية بتيهرت، والزيدية بزرهون، والإسماعيلية مع الدولة الفاطمية، والسنة مع الأغالبة)، فحظ السياسة والدولة أكثر من حظ النظر والفكر، والجانب السياسي المسيطر على الحكم هو من كان يحدد طبيعة النظر والفكر، ومثاله المرابطين مع المذهب المالكي، والموحدين مع ترسيخ ثقافة الإمامة والعقيدة المهدوية؛
• عقل اقتباسي واستنساخي يتبنى فكر الآخر ومولع بالتبعية.
ينهي الإدريسي كتابه قائلا: “أن التاريخ الإنساني أكّد أنّ الشعوب صنفان: شعوب فاعلة وشعوب منفعلة، شعوب تتلمذ قصد التعلم والتفوق، وشعوب تكتفي بمكانة الزبون، شعوب تتسلح بروح التحدي وارتياد المجاهيل، وشعوب تكتفي بدور تقليد المغلوب للغالب”. إن الهدف الرئيسي لهذه الدراسة، يكمن في إثارة الانتباه إلى أن شيئا ما في ثقافة الشعوب المغاربية، ربما لم يكن على ما يرام في موجات عقلها المبدع، وأن هناك ما يكون قد حال، أو لا يزال يحول، دون القيام بمسؤوليته المنوطة به في وظيفته، تساوقا مع ما هو سائد عند مفكري جميع الأمم الجديرة باسمها. أكيد أنّ شعوب المنطقة المغاربية ليست عاجزة، بلا شك عن إنتاج فكر أصيل، خاصة وأنّ الدراسة أشارت إلى نماذج عظيمة من المفكرين المغاربيين الأصلاء. لكن الأصالة ليست تقليد الماضين أو التشكل وفق إرادتهم، أو القيام بدور المروج لما ينتجه آخرون، لأن الأصالة كما قال الفيلسوف جون ستيوارت ميل: “هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن للعقول غير الأصيلة الإحساس بفائدته”.

ندوة الإعلام والمشترك المغاربي: توصيات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختتمت أشغال الندوة المغاربية حول الإعلام والمشترك المغاربي التي نظمتها منظمة العمل المغاربي بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل، يومي 26 و27 فبراير 2022 بمدينة مراكش.
وبعد أربع جلسات علمية شارك فيها عدد من الباحثين والإعلاميين والخبراء من المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، تمخض عن الندوة مجموعة من التوصيات التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- رفض الخرجات والخطابات الإعلامية التي تؤجج الكراهية والعداء بين الشعوب المغاربية الشقيقة،
- التأكيد على أهمية الإعلام المهني في التعريف بالمشترك المغاربي وتعزيز التواصل بين شعوب المنطقة، والتحسيس بحجم الهدر الذي يطال دول المنطقة في ظل الجمود والتوتر القائمين.
- دعوة المؤسسات الإعلامية المغاربية إلى إصدار ميثاق شرف حول ممارسة المهنة الصحفية بأصولها الحقيقية حتى تكون عامل بناء وتكامل في المنطقة.
- دعم الصحافة البناءة عن طريق ملاءمة التشريعات المنظمة للعمل الصحفي في هذه البلدان، والعمل على تجريم كل الممارسات المخلة برزانة العمل الصحفي في جميع هذه البلدان.
- تشجيع الأساتذة في الجامعات المغاربية على الاشراف على إنجاز بحوث ودراسات تخص المسألة المغاربية.
- بناء منظومة مغاربية متطورة لإدارة الأزمات، وتطوير أداء المؤسسات الاعلامية في هذا الخصوص.
- إحداث إتحاد إعلامي مغاربي ومؤسسات اعلامية تهتم بالشأن المغاربي بكل قضاياه وتجلياته.
- السعي الى التشبيك بين مهنيي الاعلام بالفضاء المغاربي لخلق دينامية إعلامية تخدم قضايا الاندماج الإقليمي؛
- التأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية المغاربية كمدخل لتذليل مختلف المشاكل العالقة في المنطقة؛
- الدعوة إلى الاستفادة من الأزمات المغاربية والدولية القائمة، لتجاوز الخلافات وبناء تكتل في مستوى التحديات المطروحة.
يشار إلى أن منظمة العمل المغاربي هي هيئة مدنية تأسست بمدينة مراكش في يونيو من عام 2011، يرأسها الأكاديمي إدريس لكريني وهي تهدف إلى تعزيز التواصل بين الشعوب المغاربية، ودعوة صناع القرار في البلدان المغاربية إلى التعاون والتنسيق في مختلف المجالات، وسبق لها نشر سلسلة من البلاغات، والكتب، كما أقامت عددا من الندوات والجامعات الصيفية لفائدة الشباب المغاربي، كما حصلت على جائزة محمد مزالي للعمل الديمقراطي والتكامل المغاربي من المعهد العربي للديمقراطية بتونس، في دورتها الأولى لعام 2019.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الرابع) https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=746356








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة