الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير المرأة وحرية الوطن

أميرة أحمد عبد العزيز

2022 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


احتفل العالم باليوم العالمي للمرأة منذ أيام، وفي إنحاء العالم اختلف شكل الاحتفال، فيوجد دول تعتبر يوم 8 مارس عطلة رسمية، ويخرج الناس احتفالا به في الشوارع، ويوجد دول تكتفي بإحياء الاحتفال بقطاعات رأسية دون توقف العمل في هذا اليوم، ويوجد دول مثل مصر، كل يدلو بدلوه، الدولة تصنع احتفالا يمثلها، وتجد قطاعات حكومية ضرورة مشاركتها مثل الثقافة والسياحة والآثار والإعلام.......وغيرهم، وعلى النطاق الشعبي، تقريبا يقتصر الأمر على رواد السوشيال ميديا مثل صفحات الفيس بوك، التي لا تخلو من الإسفاف، فيبدو كأن اليوم دعاية لشأن آخر، وبالتالي لا يخدم ولا أجده معبرا عن يوم المرأة العالمي، والقليل من السادة الرجال من يعي أمر المناضلات، والأكثر يذكر الذكري على طريقة برامج ما يطلبه المستمعون، أو احتفال السيدة ليلي علوي في فيلم حب البنات بعيد الحب، فيرسل تهانيه للأخت والأم والصديقة والقريبة والحبيبة أو أخري يحاول إغوائها، والبعض يتخذ الأمر فيما يبدو في نطاق حلقة ضمن حلقات عملا يوميا -الله أعلم الغاية منه-.
بالنسبة لي وجدت الذكري مناسبة لأفرغ فيها حديثا معادا رتبته، فمن عام وفي نفس تاريخ ذكري الاحتفال، قمت باستغلال الحدث للبحث والقراءة في قضايا المرأة، وفكرت أن أقرأ (المنفستو) الخاص بقضية تحرير المرأة (للثوري) قاسم أمين -تلك دعابة ليس أكثر- فلدي اعتقادي بأن قاسم أمين لم يكن يوجه حديثه سوي لطبقته ولطرح رؤية لمشكلة تخص النساء فيها ولا علاقة للأمر بالمرأة المصرية عموما، فالمرأة المصرية كان لديها ومازال واقع متخلف، في أرض كانت محتلة واليوم تعاني من التبعية للخواجات، كما كانت ومازالت تعاني من الاستبداد والاستغلال على كافة الأصعدة مثل أغلب الشعب.
المهم، قرأت (المنفستو)، أولا بدي لي أن السيد قاسم أمين لا يختلف عن كثير من هواة الاحتفال بيوم المرأة العالمي في مصر الذين يتخذون المناسبة للدعاية للنموذج الذي يبتغونه في المرأة وليس ما تبغاه المرأة بالضرورة، فمن المرأة المصرية في عهد السيد قاسم أمين الفلاحة المصرية التي كانت يدها بيد زوجها في الحقل وقد تحدث عنها قاسم أمين وقال:
((المرأة الفلاحة تعرف كل ما يعرفه الرجل الفلاح، مداركهما في مستوى واحد لا يزيد أحدهما عن الآخر تقريبا))
لكن تلك المرأة الفاعلة العاملة التي رآها مساوية للرجل، لم تكن هي مراد قاسم أمين ومقصده فذكر:
((إننا نرى أن المرأة في الطبقة العالية أو الوسطى متأخرة عن الرجل بمسافات شاسعة ذلك لأن الرجال في هذه الطبقات تربت عقولهم واستنارت بالعلوم، ولم تتبعهم نساؤهم في هذه الحركة، بل وقفن في الطريق، وهذا الاختلاف هو أكبر سبب في شقاء الرجل والمرأة معا))
((فالرجل المتعلم يحب النظام والتنسيق في منزله، وله ذوق مهذب يميل إلى الأشكال اللطيفة، والإحساسات الدقيقة، والالتفاتات الرقيقة، ويبلغ الاهتمام بها عند بعض الأفراد حدا ينتهي إلى إهمال الأمور المادية، يفهم بكلمة ويود لو يفهم بالإشارة، يسكت في أوقات، ويتكلم في أخرى، ويضحك في غيرها، له أفكار يحبها، ومذهب يشغله، وجمعية يخدمها ووطن يعزه، له لذائذ، وآلام معنوية؛ فيبكي مع الفقير، ويحزن مع المظلوم، ويفرح بالخير للناس، وفي كل فكرة تتولد في ذهنه أو إحساس يؤثر على أعصابه يود أن يجد بجانبه إنسانا آخر فيشرح له ما يشعر به ويتسامر معه، وهذا میل طبيعي يجده كل شخص من نفسه. فإذا كانت امرأته جاهلة؛ كتم أفراحه وأحزانه عنها، ولم يلبث أن يرى نفسه في عالم وحده، وامرأته في عالم آخر؛ إذ هي تعتبر أن الرجل ما خلق في هذه الدنيا إلا ليشتري لها الأقمشة الغالية والجواهر النفيسة، وليصرف أوقاته في ملاعبتها، كأنه صورة أكبر من الصور التي كان يشتريها لها والدها في صغرها لتلهو بها))
كان قاسم أمين يبغي أن يغير نساء طبقته لنموذج يعجبه ويعجب أمثاله، لم يرد الأجنبية التي اعتبرها متحررة بشكل زائد، فكان الحل هو تعديل موديل طبقته وتحريره للحدود التي يرضاها لتشكل سعادته. وبالطبع هو لم يري في النماذج الغربية سوي من احتك وأعجب بهم، ولكن المجتمع الأوربي والغربي فيه النساء العاملات والمناضلات، الذي دشن اليوم العالمي للمرأة في العقد الأول من القرن العشرين بنضالهم.
لقد أثار إعجابه المجتمع الغربي الذي تعامل معه بسطحية، تماما كما كان يريد الخديو إسماعيل مصر نموذج من أوربا السطحية، وبصرف النظر عن احتياجات المجتمع والشعب الموضوعية.
ثم، ما لفت نظري في كتاب تحرير المرأة أكثر من موضوعه الرئيس، هو حديثا أِشبه بالنكتة لولا مرارة الواقع -لكن حقا شر البلية ما يضحك-.
قاسم أمين تحدث في كتابه عن الغرب المتقدم الذي أدي تقدمه كما يشير صاحب الكتاب إلى سيطرته على الأمم الضعيفة، وتحدث عن الأمم القوية التي تنهش الضعيفة والذي يرجع ضعفها لضعف العلم وعدم استخدام العقل بحيث لا تقدر قيمة ثرواتها، فيما تقدر الأمم القوية علميا الثروات -لا أعلم لماذا ذكرني هذا الحديث بالدكتور محمد البرادعي-.
حدثنا قاسم أمين عن قانون التزاحم، وعن بنظرية داروين في التطور -فيما يبدو إيمانه بها-، وقد أعطي أمثلة للقارئ، فقال:
((وإنما الذي يحمل الإنكليزي على أن يسكن الهند، والفرنساوي الجزائر، والروسي الصين، والألماني زنجبار هو حب المنفعة والرغبة في تحصيل الثروة من بلاد تحتوي على كنوز لا يعرف أهلها قيمتها وطرق الانتفاع بها)).
تلك هي النكتة يا سادة في الواقع المر، قاسم أمين بصره ووعيه أدرك احتلال إنجلترا للهند وفرنسا للجزائر في هذا الكتاب الذي كتبه سنة 1899، ولم يبصر ويدرك احتلال إنجلترا لمصر التي كانت تحت الاحتلال الفعلي من 1882! لا تبعية مثل اليوم لنعتقد في ضعف بصيرته بل احتلال صريح، فكان عمي أو تغافل وكذب منه متعمد.
رأي قاسم أمين الاستبداد في مصر لكنه لم يري ثمة احتلال، بل كان يري مصر تحيا عهدا من الحرية لم يماثله عهد آخر، فقال:
((نحن اليوم متمتعون بعدل وحرية لا أظن أن مصر رأت ما يماثلهما في أي زمن من أزمانها، وهما الأمران اللذان تحتاج إليهما الأمة أشد الاحتياج، ولا يتيسر بدونهما نجاح في عمل من الأعمال العظيمة التي يقوم بها إصلاحها. فما علينا إلا أن ننتهز فرصة ما وصلنا إليه، ونحرث أرضنا، ونسقي غراسها، وننتظر من الثمرات فإذا نضجت اقتطفناها))

بالتأكيد مصطفي كامل كان يعد لأمثال قاسم أمين ظاهرة غير مفهومة.

لم يتوقف الهزل عند هذا الحد بل توسع في اتجاه التاريخ، فلما تحدث عن الاستبداد ذكر أن بلاد العرب كانت متقدمة حتى جاء التتار فأصابها التخلف والانحدار، فذكر:
((إلى أن رزي المسلمون بوقائع التتار في الشرق وانقراض الخلافة منه، وزالت دولة العرب من الأندلس، وانتقلت العلوم الإسلامية إلى أوروبا، فرجع المسلمون إلى حالة الجاهلية الأولى، ومن ذلك الحين انطفأ مصباح العلم من الشرق بأجمعه))

فهل اختار قاسم أمين لفظ (التتار) جهلا، أم قاصدا تحرجا ذكر الصليبين؟ وترك من يشأ من القراء أن يجمع الصليبين مع التتار دون أن يتحدث هو عن الخواجات الأوربيين، وعن دور الاحتلال الصليبي الذي استمر 200 عاما بالأرض العربية. لماذا لم يذكرهم قاسم أمين أهو حدث ضعيف في التاريخ، أم لأنهم أوربيون.

قاسم أمين تغافل الاحتلال البريطاني لمصر، بل يبدو أنه لم يبصر مصر، كما نحن نعيش اليوم وسط نخبة لا يبصرون التبعية، ويجادلون في كامب ديفيد والمبادئ الوطنية، بل وصلوا للجدال في (إسرائيل)، ويتلجلجون عندما تحدثهم عن فلسطين (أرضنا العربية المحتلة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة