الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي إلى أين؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يرانا الآخرون عندما يلقون على العالم العربي نظرة من فوق أننا ما زلنا نعيش عهد الاستبداد والظلم، ويتملكهم التشاؤم والخوف من الأنظمة العربية، على الرغم من أن النضال في سبيل الإصلاح السياسي تمتـد جذوره في العالم العربي إلى أكثر من قرن ونصف، أن الفكر السياسي العربي سعى للتركيز طوال الـ 150 سنة الماضية بشكل أساسي على التوفيق بين ماضيه الإسلامي ومبادئ الحداثة، ترافق مع الإصلاح الديني.
وعلى الرغم من ظهور أشكال عديدة ومختلفة من الإصلاحات الدينية فإنها في مجملها يمكن تحديد هويتها بسهولة باعتبارها أنواعا من الفكر الديمقراطي الغربي. ولا يزال الجدل قائما حول أولوية الحديث عن التعددية والديمقراطية في العالم العربي، إذ يرى البعض وخاصة الفئات الحاكمة أن الحفاظ على الأمن والاستقرار أولى وأن الحريات تهدد باتساعها تلك الأولويات.
والنتيجة هي أنه رغم بعض مظاهر التعددية الشكلية التي تعرفها بعض النظم العربية بقي العالم العربي من أقل المناطق تأثراً برياح التغيير القوية التي هزت المعسكر السوفياتي والاشتراكي سابقاً كما هزت النظم العسكرية والدكتاتورية في معظم جنوب أميركا وأفريقيا وآسيا، كما أن تحرر هذا العالم من نير النظام السياسي التسلطي أو الشمولي لا يزال إشكالياً بالمعنى العميق للكلمة، فلا تزال النخب الحاكمة بعيدة جداً عن أن تقر وتعترف بمبدأ صدور السلطة عن الشعب، وبحق هذا الشعب في المشاركة فيها فردياً وجماعياً، بل في قول رأيه فيها من دون طموح للمشاركة، ولا تزال الوصاية على المجتمعات هي العقيدة الرئيسية التي تحكم ممارسات النخب العربية الحاكمة، مع تعدد الحجج التي تسند إليها هذه النخب وصايتها وطرق التعبير عن هذه الوصاية وأشكال ممارستها. وهناك اتجاه يرى أن بعض الشعوب العربية غير مهيأة أو غير معدة لممارسة الديمقراطية الحقة، وخاصة أن الشعوب العربية قد قبعت في ظلام الديكتاتوريات لفترة طويلة وتحتاج إلى فترة أطول لتفهم سبل الديمقراطية التي تُمارس في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية الأخرى.
يبدو حديث الديمقراطية والتحول الديمقراطي في بلاد العرب على خلفية هيمنة ثقافة العنف الإقصائية والغياب الكامل لقيمة الفرد أشبه بفقاعات هواء لا محتوى لها. لا إدارة للاختلاف، والديمقراطية هي في الجوهر منهج وإجراءات الإدارة السلمية للاختلاف التي تسمح بالتنوع والتعددية والرأي والرأي الآخر وتداول السلطة في إطار من حكم القانون والمشاركة الشعبية. وتغيب لدى نخب الحكم وقوى المعارضة القناعة الحقيقية بإمكانية الصناعة السلمية للتوافق بينها على نحو يضمن مصالحها الحيوية ويصيغ من القواسم المشتركة ما يسمح بتفعيل مبادئ التداول السلمي للسلطة والمساءلة والمحاسبة من خلال إطار لحكم القانون ونظام قضائي مستقل. فقط، نزوع لاحتكار السياسة وإلغاء الآخر وهيمنة للمعادلات الصفرية وصراع من أجل الاستحواذ على السلطة والحكم عنوة ودون تفريط.
ليس لمثل تلك الرؤى والممارسات سوى أن تنتج عسكرة شاملة للمجتمع وللسياسة تتناقض جذريا مع الفكرة الديمقراطية وتزيد من تهافت الحديث عن إمكانات التحول باتجاهها. يتضخم المكون الأمني ــ الاستخباراتي في أغلبية الدول العربية ذات المؤسسات المتماسكة، يتضخم حتى يطغى على بقية مكونات السلطة التنفيذية ويلغي استقلالية السلطات التشريعية والقضائية وينفرد بالفعل السياسي والمجتمعي ويخضع المجتمع المدني والقوى السياسية إما للاستتباع أو للحصار. أما في حالات الدولة المعطلة كالعراق ولبنان والدولة المنهارة كسوريا واليمن وليبيا والدولة الغائبة كفلسطين فتمتد العسكرة من السياسة إلى تركيبات المجتمع الأولية وتتداخل معها على نحو يصنع دويلات داخل الدولة تمتد كالخلايا السرطانية لتواصل الإجهاز عليها أو تحول بينها وبين البحث عن بدايات تأسيسية جديدة.
وفيما خص إلقاء لائمة إخفاق التحولات الديمقراطية في بلدان العرب على الغرب وما يرتبط بذلك النزوع من تذكير مستمر بازدواجية معاييره وعدم استعداده لتحمل كلفة ديموقراطية، فالأمر هنا ينطوي على تبسيط مخل لدور الغرب وقراءة بالغة السطحية لمصالحه في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة ومعها كبريات الحكومات الأوروبية تتخوف بشدة من تواصل انفلات الأوضاع الأمنية واستمرار الانفجارات الأهلية العنيفة في مجتمعاتنا وموجات اللجوء والهجرة غير الشرعية الخارجة منها، تتخوف من كل ذلك وتداعياته لأن مجتمعاتنا عانت من سلطوية السياسة وغياب ثقافة التنوع والتسامح والتوافق وتعثر مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة طوال العقود الماضية. وبعيدا عن تلك المخاوف، يظل توقع أن الغرب إن أراد الديمقراطية العربية وعرفها باعتبارها مصلحة حيوية يملك القدرة على تحقيقها بغض النظر عن المعوقات الحاضرة في المجتمع والسياسة والثقافة وبمعزل عن إرادة نظم الحكم السلطوية القائمة مسألة تنافى مقتضيات القراءة العقلانية والتحليل العلمي.
لماذا غابت الديمقراطية إذن عن عالمنا العربي؟ يُـمكن للمرء أن يضع يديه على مجموعة من الأسباب والعوامل البنيوية والمعنوية لهذا الغياب.
أول تلك الأسباب تتعلق بطبيعة الثقافة السياسية السائدة في غالبية البلدان العربية، ونعني بها مجموعة القيم السائدة التي تتعلق بالحياة السياسية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي قِـيم قائمة على طاعةٍ عمياء لأولي الأمر دون مراجعة أو نقد، وتمجيد الزعيم والقائد واعتباره زعيما تاريخيا بيده مصير الأمة وقدرها، ولا يجوز النظر إليه إلا كخيار يتحكم به القدر مجيئا وذهابا.
ومثل هذه الثقافة لا تُـحبِّـذ دورا للجماهير إلا في إطار الوقوف خلف الزعيم لتأييده والانتصار له. ولا تتصور أن يكون لهذه الجماهير دور في تغيير الزعيم، أو الإتيان بغيره تراه الأفضل لها.
فالمطلوب منها هو البيعة أولا، وتجديد البيعة ثانيا وثالثا، ولا شيء غير ذلك. إنها جماهير مسلوبة الإرادة لا تعرف كيف تأخذ قرارها وليس مطلوب منها أن تكون كذلك.
حين تشيع ثقافة سياسية تمجد الزعيم وتنزع عن الجماهير قدرتها على الفعل، يُـصبح العقد الاجتماعي السائد قائما على نوع من التسلط والإكراه، وهما بندان يغيب معهما أي علاقة سوية بين الحاكم والمحكوم، كما يصبح المصير كله بيد نخبة محدودة العدد ولكنها مهيمنة على مفردات الحياة السياسية، مقابل غالبية جماهيرية مغيبة وغائبة معا.
منذ نصف القرن العشرين الثاني من استقلال الدول العربية من الاستعمار الأوروبي وبداية القرن الواحد والعشرين هي حقبة احتقار الحكام العرب لشعوبهم؛ احتقارا أودى بمقدرات هذه الشعوب وسامها الخسف والذلة والهوان بين شعوب العالم. والأدهى أن ذلك كان يجري بموازاة تقدم الديمقراطيات بجوار الدول العربية وازدهار شعوب كثيرة، بما في ذلك الشعوب الأفريقية التي طالما نعتها العرب بالبدائية والتخلف.
إن الجامع بين سلوك هؤلاء الحكام هو الاستهانة بشعوبهم، بقطع النظر عن مستويات هذه الشعوب الفكرية، وعمق تعلمها ووجود نخب فكرية بينها تمكنها المساهمة في صنع القرار العقلاني النافع لإدارة الدول والنهوض بالشعوب من ميراث القرون البائسة. وإنها لمفارقة عجيبة، فبقدر ما كانت نخب هذه البلدان تتعلم وتتطور، كان حكامها يمارسون الاحتقار والامتهان للنخب الناشئة وللشعوب الكادحة في ذات الوقت.
وما يزيد الأمر سوءا أن لهذه الدول مقدرات اقتصادية عظيمة تسمح ببناء التنمية والديمقراطية، ولكن النتيجة لا تختلف عن حال الشعب الجزائري الغني الذي لا ينتج غذاءه رغم ثرواته الباطنية ومجاله الجغرافي، وسمعته كشعب دفع المليون ونصف المليون شهيد ليكون على خريطة العالم المتقدم.
دول ليست أكثر من أجهزة لتعذيب الشعوب وتجويعها ودفعها إلى الهجرة أو الانتحار أو ممارسة الإرهاب الانتقامي ضد العالم. إن مقادير الثروات المتاحة لحكام العرب والفقر الذي تعيشه شعوبها يكفي دليلا على فشل هؤلاء الحكام،
هل الشعوب العربية قطيع لا يتحمل المسؤولية؟
هذا السؤال يخدم من يحتقر الشعوب ويبرر لها بإلقاء المسؤولية عليها لتخفيف العبء على الحكام. إنه سؤال تبريري يهرب من مواجهة الحقيقة، فالشعوب العربية آمنت بكل الخطاب الجميل وسارت فيه مجاهدة. وأجزم أن كل جيل عايش انقلابا عسكريا منذ حسن البكر إلى ناصر إلى نميري إلى القذافي إلى ابن علي وسمع خطاب الإنقاذ الوطني؛ قد تحمس له وصبر عليه حتى يتحقق.
كان يطلب من الشعوب الحماس للتغيير فتتحمس وتأمل خيرا، ولكن بعد كل انقلاب أو ثورة مزعومة تتكشف لها الخديعة، فتنكسر نفوسها وتتحول بالقوة والقهر إلى قطعان هائمة وراء عيش ذليل. لكنها رغم ذلك قاومت بصبر واستأنفت نضالاتها من تحت الركام، وليس الربيع العربي إلا محطة مقاومة من أجل الحريات والديمقراطية والتنمية، وإنهاء التسلط الرسمي التي مورس عليه. الشعوب ليست مدانة، وإن كان كثير منها قد سلّم وخضع وبرر للدكتاتورية وارتزق من خدمتها.
في محطات كثيرة كان الحكام يبررون القهر بما يمارس عليهم من الخارج من ضغوطات سياسية، ولكن لا أحد منهم يجيب شعبه عن السؤال البسيط والواضح: لماذا لا تحتمي بشعبك من الضغوطات الخارجية؟ لقد كانت طاعة الشعوب لحكامها رسائل قوية مفادها نحن وراءكم من أجل الاستقلال فقاوموا بنا ولنا، ولكن الرسائل لم تكن تصل إلى سمع حكامها. هل كانت لذة السلطة وحدها كافية لتبرير كل هذا الدم والخسارات؟
نحتاج هنا إلى أكثر من علم الاجتماع والتاريخ، ربما نحتاج إلى أطباء نفسيين مقتدرين لنفهم هذا الكم من الظلم والقهر والخديعة، ربما سيساعدنا ذلك لفهم كيف يتحول حتى الرئيس المنتخب من أجل شعار "بناء دولة القانون والمؤسسات "؛ إلى عدو للقانون ودولة المؤسسات من اجل البقاء في منصبه (وهو الذي أتى إلى الحكم بالصندوق لا بانقلاب عسكري) البقاء في كرسيه بإسناد خارجي، يعادي شعبه ويواصل الاحتقار الديمقراطي.
وعن الشعوب وما تعانيه من ظلم وظلام الدكتاتورية، وما تعيشه من أخطاء وخطايا الديمقراطية، يرى الأمين العام المساعد لمنظمة الليبيرالية الدولية والمحلل السياسي التونسي المنذر ثابت أن الشعوب العربية بقيت رهينة الاستبداد بشكليه استبداد الفرد وما يمكن وصفه بالديكتاتورية، واستبداد النخب وهو ما يوضع تحت مسمّى الديمقراطية في نسختها العربية.
وفي كلتا الحالتين، تبقى الشعوب مغيبة فعليا عن مدار القرار، وتحديد مصيرها ما دامت الوصاية مفروضة بآليات قد تختلف من حيث القدرة على الإيهام، لكنها تفضي في محصلتها إلى وصاية تقدم الشعوب على أنها ذلك القاصر العاجز عن تحديد مصيره بذاته.
التسلط امتهن حياة الإنسان وكرامته
تيه ظلمة وظلم الديكتاتوريات والاستبداد ربما يتجلى في أوضح صوره في استمرار الحكام المتسلطين بإدارة شؤون بلدانهم بطريقة نمطية موحدة وثابتة لا تخرج عن تصورهم لطبيعة السلطة وممارسة الحكم ، ومؤدى ذلك التصور كما حلله وسبر أغواره الكثير من الباحثين أن الديكتاتور المستبد بمجرد وصوله إلى سدة الحكم يراها استحقاقاً خاصاً به دون غيره ومجالا لتنفيذ رغباته ونزواته الأمر الذي يحول السياسات حسب ذلك التصور الاستبدادي من خطط وبرامج ومؤسسات واستراتيجيات وعقلنة وترشيد كما يقول عالم الاجتماع جمس فيبر تهم عموم ولذلك فإن تيه الديكتاتور وفقاً لفقهاء القانون الدستوري ينشأ من النشوة التي تبعثها السلطة في رأس الحاكم المستبد.
وجل فقهاء القانون الدستوري باعتباره القانون المتعلق بتقنين ممارسة الحاكم لسلطاته وتقيدها بتوزيعها إلى تنفيذية، تشريعية، قضائية درجوا على أن يستهلوا كتبهم بالعبارة المأثورة " إن للسلطة نشوة تبعث في الرؤوس فتلعب بها ".
وهو ما يعني أن المستبد كلما وجد أن اتباعه يكونون خاضعين منقادين له ازداد إمعانه في إذلال شعبه وإخضاعه إلى أن يفرط في تقدير ذاته ويتعالى بها عن عموم الناس فتزيد تدخلاته وتتوسع مجالات سلطاته حتى يصبح هو محور الدولة أو الدولة، كما كان يقول لويس الرابع عشر " أنا الدولة والدولة أنا "، فالوظيفة العامة والإدارة العامة وكل ماله علاقة بعموم الشعب تطاله تدخلات ذلك الحاكم المستبد.
وفي ذات الوقت تحول الحاكم العربي في ظله إلى إله صغير يجب التسبيح بحمده ليل نهار. والواقع أن سيطرة بعض الأنظمة على السلطة والمال والجيش والإعلام وكل مقدرات الدولة، وكذا حصولهم على الدعم والتأييد الخارجي، في مقابل شعوب قاصرة الوعي ومنهكة اقتصادياً، وفي ظل معارضات سياسية ضعيفة ومهادنة، أفضت إلى السيطرة على كل شيء.
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على