الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البنك المركزي العراقي بين المطرقة والسندان

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 3 / 12
الادارة و الاقتصاد


احتياطي البنك المركزي العراقي معلق بين المطرقة والسندان. نمى التضخم بنسبة 10.4٪ في عام 2020 وارتفع خلال المدة من كانون الثاني الى تموز2021 بقرابة 5. % وذلك بسبب زيادة الطلب المحلي وعدم كفاية المعروض السلعي على تلبية كامل الطلب المتزايد. كما تأثر التضخم بانخفاض اسعار الواردات من بلدان الجوار التي تواجه تدهور في قيمة عملاتها المحلية، وهو الأسرع منذ عدة عقود. وهو اتجاه أقر البنك المركزي بأنه ليس "مؤقتًا". النظرية التقليدية هي أن التضخم ناتج عن الكثير من الأموال التي تطارد عددًا قليلاً جدًا من السلع، لذا فإن احتياطي البنك المركزي يتعرض لضغوط شديدة من أجل تقليص المعروض النقدي. ان اليات البنوك المركزية وأدواتها التقليدية لهذا الغرض هي تقليل شراء الأصول ورفع أسعار الفائدة. والمشكلة في العراق هي في نمو الديون والفوائد لشركات جولات التراخيص النفطية وعقود المشاركة في اقليم كوردستان، لكن ديون الشركات ارتفعت، وتتراوح بين 128-150 مليار دولار بحسب تقارير صحيفة النفط والغاز العراقية الصادرة في واشنطن. لذلك إذا رفع الاحتياطي المركزي اسعار الفائدة، فمن المحتمل أن تحدث موجة هائلة من التخلف عن السداد.
في الولايات المتحدة نمى التضخم عام 2020 بنسبة 6.8 % لكن ديون الشركات ارتفعت بمقدار 1.3 تريليون دولار، لذلك رفع الاحتياطي الفدرالي اسعار الفائدة، مما جعل سوق الاسهم ينهار بنسبة تصل الى 50%. والأكثر عرضة للخطر هي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المنتج، وهي الشركات التي تحتاج إلى الائتمان المصرفي من أجل البقاء. في عام 2020، تم إغلاق 200 ألف شركة أمريكية أكثر مما كانت عليه في سنوات ما قبل الجائحة. تم تقييد الشركات الصغيرة والمتوسطة المستهدفة على أنها "غير أساسية" في قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية، في حين ظلت الشركات الدولية الكبيرة مفتوحة. قد يكون رفع أسعار الفائدة على الشركات الصغيرة والمتوسطة الباقية بمثابة الضربة الأخيرة.
ان المستقرض في الدول الصناعية والدول التي تنمو اقتصاداتها، مستعد لدفع فائدة الى المقرض، لأنه يتوقع مردودا من المشروع الذي وظف الاموال فيه. الاستثمار عمل منتج، ولذلك يبدون استعدادهم لدفع فائدة في سبيل التمويل. ويبدو واضحا انه كلما ارتفع معدل الفائدة انخفض طلب الاعتماد، اذ تتضاءل حينئذ المشروعات المربحة. وعندما تكون معدلات الفائدة منخفضه، فيمكن على نقيض ما تقدم، القيام بمشروعات ذات انتاج أضعف. ويطبق قانون المردودات غير النسبية على الاستثمار كما يطبق على عنصر العمل. ويزداد الى حد معين معدل انتاج الاموال المستثمرة في مشروع ما، ثم يبدا بالتضاؤل.
يمكن تصوير طلب الاعتماد لأغراض الاستثمار بواسطة خط منحنى منحدر ويمكن تصوير عرض الاعتماد بواسطة خط منحني صاعد. العرض يقل عندما تقل معدل الفائدة. والطلب يزيد عندما تقل معدل الفائدة.
ان الاموال الموظفة تُعَد اموالا دائمة، اذ يمتد انتاجها الى فتره يتفاوت مداها. فكيف يمكن المقارنة بين المردودات وكلف الاستثمار؟ لا شك ان الاستثمار الاكثر ربحا هو الذي تتجاوز ارباحه الكلف أكثر من غيره.
إن الحجة الداعية إلى رفع أسعار الفائدة في الدول الصناعية الكبرى، هي أنها ستقلل من الطلب على الائتمان المصرفي، والذي يُعترف به الآن على أنه مصدر معظم الأموال الجديدة في المعروض النقدي. في عام 2014، كتب بنك إنجلترا في تقريره للربع الأول أن 97٪ من المعروض النقدي في المملكة المتحدة تم إنشاؤه بواسطة البنوك عندما قدمت قروضًا. في الولايات المتحدة، الرقم ليس مرتفعًا جدًا، ولكن أكثر من 90٪ من المعروض النقدي في الولايات المتحدة يتم إنشاؤه أيضًا عن طريق الإقراض المصرفي.
اما في وضع العراق (الذي يغيب في اقتصاده المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها)، يمثل المورد النفطي العصب الرئيس للاقتصاد، ويعتمد العراق في تحضير ايراداته وتنفيذ الانفاق الجاري والاستثماري خلال الايرادات المتأتية من تصدير هذا المورد، وهي عرضة للتقلبات بسبب تذبذب اسعار النفط عالميا، والتي تلقي بآثارها على الاقتصاد، فكلما انخفضت اسعار النفط بصوره كبيره، ادى ذلك الى تراجع في مقدرة العراق على تنفيذ خطتها وسياساتها سواء على مستوى السياسة المالية اي الانفاق الحكومي، او على مستوى السياسة النقدية اي المحافظة على المستوى العام للأسعار، وتعتمد البنك المركزي العراقي نظام سعر الصرف الثابت اذ ان سعر الصرف الدينار العراقي مربوط بعمله الدولار الأمريكي حصراً، ولا تعتمد سلة عملات كما في بعض البلدان العربية المنتجة للنفط. وكما ذكرت ان تقلبات أسعار النفط العالمية يحد من قدره البنك المركزي في التدخل وتحقيق الاستقرار السعري والمعروض النقدي.
نعود لاقتصادات الدول الصناعية، فقد يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى تهدئة الطلب، ولكن الأسعار المرتفعة اليوم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضايا العرض، التي تتأثر بجملة أمور سياسية وبيئية وعلى المواد الأولية والموارد التي تعتمد عليها الشركات المصنعة، والتي لا يمكن التكهن بها، والأسواق العالمية غير قادرة على الاستجابة بسرعة كافية لتغيير أذواق المستهلكين. قد يؤدي مخاوف التضخم إلى رفع أسعار الفائدة، في وقت ينبغي أن تزيد كل دولة صناعية من قدرتها على إنتاج المزيد من السلع، وتزويد التجار والمستهلكين على حدٍ سواء بما يحتاجون إليه. فبدلاً من خفض الطلب، نحتاج إلى المزيد من المعروض محليًا؛ ولتمويل إنتاجه، نحتاج الى زيادة الأموال الائتمانية. عندما يزداد العرض والطلب معًا، تظل الأسعار مستقرة، بينما يرتفع الناتج المحلي الإجمالي والدخل.
ان التشجيع والضخ على زيادة الطلب على المساكن، بإنشاء الاف المجمعات، في ظل اقتصاد ريعي، يؤدي الى ارتفاع الأسعار الى مستويات غير مستدامة، تسبب في انهيار السوق والاقتصاد معا. فبدلا من انشاء الأموال المتضخمة للأصول، يفترض زيادة الناتج المحلي الإجمالي، من خلال دفع الأموال إلى الاقتصاد الحقيقي المنتج. وهذا ما يوصي به علماء الاقتصاد في العالم كحل للأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا يدعونا الى ضرورة التمويل لإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتنافسة في القطاع الخاص. تتشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم 98% من القطاع الخاص في اقتصادات الدول. وتمثل الشركات الصغيرة ذوات الاجر المنخفض في الكثير من بلدان العالم، البيئة التي تجتذب نسب عالية من الوظائف الجديدة، وتكون منتجة بما يكفي للتنافس مع مزايا التكلفة التي يتمتع بها المنافسون الصينيون وغيرهم من المنافسين ذوي الأجور المنخفضة. ليس من الضرورة ان يكون نسبة زيادة السكان عاملا في زيادة الصادرات والقدرة التنافسية، بل التمويل خلال النشاط المصرفي (التي اسيئت وسيست استخداماته في العراق للأسف)، له القدرة على اقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، أن ألمانيا تصدر ما يقرب من الصين، على الرغم من أن عدد السكان الألمان يمثل 6٪ فقط من سكان الصين. يتمتع الصينيون أيضًا بمزايا الأجور المنخفضة. كيف يمكن للشركات الألمانية الصغيرة أن تنافس بينما الشركات الأمريكية لا تستطيع ذلك؟ يعود الفضل إلى 1500 بنك ألماني غير ربحي / مجتمعي، وهو أكبر رقم في العالم. سبعون بالمائة من الودائع الألمانية في هذه البنوك المحلية، 26.6٪ مع بنوك تعاونية و42.9٪ مع بنوك ادخار مملوكة ملكية عامة، والتي تقتصر قانونيًا على الإقراض في مجتمعاتهم المحلية. تقرض البنوك الصغيرة الشركات الصغيرة، بينما تقرض البنوك الكبيرة الشركات الكبيرة. والشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة هي الرائدة في السوق العالمية في العديد من الصناعات. لم تتأثر بنوك المجتمع الألماني بأزمة عام 2008، لذا فقد تمكنت من زيادة إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة بعد عام 2008؛ ونتيجة لذلك، لم يكن هناك ركود في ألمانيا ولا زيادة في البطالة. أصلحت الصين نظامها النقدي وأدخلت آلاف البنوك التجارية، بما في ذلك مئات البنوك التعاونية، بعد ان كانت لدى الصين نظام مصرفي وطني مركزي واحد في ظل حكم ماو.
يتطلب معالجة الظروف الاقتصادية الراهنة، إصلاح النظام النقدي من خلال، حظر الائتمان المصرفي للمعاملات التي لا تساهم في الناتج المحلي الإجمالي، وإنشاء شبكة من العديد من البنوك المجتمعية الصغيرة التي تقرض لأغراض إنتاجية، وإعادة جميع المكاسب إلى المجتمع، والاستغناء عن الوسطاء وتشغيل البنوك المجتمعية لإنشاء ائتمان للإنتاج المحلي، وجعل السلوك المصرفي شفافًا وخاضعًا للمساءلة ومستدامًا. وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110