الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أوكرانيا قضية سورية؟

ياسين الحاج صالح

2022 / 3 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


حلال الأسبوع الأول عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، قد يأتي السوريون المعارضون للحكم الأسدي في المرتبة الثانية بعد الأوكرانيين أنفسهم في متابعة الحرب التي يشنها نظام فلاديمير بوتين على بلدهم. السبب وراء هذا الموقف المثير للفضول واضح تماماً: فروسيا قوة احتلال في سوريا منذ أواخر أيلول/سبتمبر 2015، وتدعم بقوة نظام الأسد الذي تتمثل أولويته القصوى في البقاء في السلطة إلى الأبد، حتى لو اقتضى ذلك تسليم البلاد لقوى خارجية توسعية مثل إيران وروسيا نفسها.
على مدى ست سنوات ونصف، أقامت روسيا قاعدة عسكرية رئيسية في شمال غرب سوريا، تسمى حميميم، وإليها عادة يستدعى بشار الأسد عندما يزور بوتين أو وزير دفاعه قواتهم هناك. في عام 2019، حصلت روسيا على عقد إيجار لمدة 49 عاما لميناء طرطوس، حيث يمكنها الآن إرساء سفن حربية كبيرة في البحر المتوسط.
في البحر الأبيض المتوسط. وقد تباهى وزير الدفاع الروسي باختبار أكثر من 320 نوع من الأسلحة بنجاح من ترسانة بلده العسكرية في سوريا. وأشاد بوتين نفسه بالتجربة القتالية التي اكتسبها أكثر من 85 بالمائة من قادة تشكيلات الجيش الروسي في سورية، الجيش الذي استخدم الذخائر الفوسفورية والقنابل الحرارية والقنابل العنقودية – المحظورة بموجب المعاهدة الدولية – ضد المرافق المدنية، مستهدفاً المستشفيات والمدارس والأسواق. ووصفت روسيا كل من عارضوا النظام الأسدي بأنه إرهابيون، تماما مثلما فعل النظام نفسه. وهذا يعني ببساطة أن حياتهم لا يُحد عليها، وأن قتلهم ليس جريمة، بل إنه أمر جيد ينبغي مكافأته، على الأقل بالثناء. والواقع أن بوتين حظي بالثناء من قبل المنظمات اليمينية المعادية للإسلام في الغرب، وأنصار الاستبداد في كل مكان، على حربه الإمبريالية في سوريا، والمسؤولة حتى الآن عن قتل نحو23 ألف مدني سوري.
ومع ذلك، بالكاد كانت هناك أصوات كثيرة في الغرب تدين حرب بوتين في سوريا. لماذا؟ السبب هو "الحرب على الإرهاب" الطويلة والإجرامية، التي كانت أساس تحالف دولي واسع ضد الإرهابيين – أي الجماعات الإسلامية السنية العدمية – حيث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تحالف فعلي مع روسيا، بالإضافة إلى أمثال الأسد، وعبد الفتاح السيسي، ومحمد بن زايد في الإمارات العربية المتحدة، ومحمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية، وبالطبع دولة الفصل العنصري في إسرائيل. لم تكن هذه خيانة للسوريين الذين يناضلون من أجل الديمقراطية منذ جيلين فحسب، بل كانت خيانة للديمقراطية في كل مكان في العالم.
قدمت الحرب على الإرهاب فرصة ذهبية لبوتين لتحقيق طموحاته الإمبريالية في إحياء الإمبراطورية الروسية، بدءاً من سوريا. ومن المعروف أن بوتين يعتبر سقوط الاتحاد السوفيتي أكبر كارثة مأساوية جيوسياسية في القرن 20، وهذا ليس بسبب أي مشاعر شيوعية، ولكن لأن الاتحاد السوفيتي كان إلى حد كبير إمبراطورية روسية. والآن تريد الإمبراطورية التي شجعها تفويض غير مكلف على سوريا ضم أوكرانيا، التي وفقاً لبوتين ليست دولة حقيقية.
ويستند العدوان الروسي إلى ثلاث ذرائع متناقضة. أولاً، "إزالة النازية" في أوكرانيا، وهو الأمر الذي يجعل من هذه الحرب استمراراً لـ"الحرب الوطنية العظمى" ضد النازية الهتلرية، بدلاً من كونها الحلقة الأحدث من سلسلة حروب بوتين التوسعية في الشيشان وجورجيا وشبه جزيرة القرم وسوريا. ثانياً، "نزع سلاح" أوكرانيا، أو تدمير قواتها المسلحة ومنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وثالثاً، لأن أوكرانيا ليست "أمة حقيقية"، بل هي جزء من روسيا.
وفي هذا ما يذكر بقصة الإبريق لفرويد، مؤسس التحليل النفسي. تقول القصة إن رجلاً استعار إبريقاً من جاره وأعاده تالفاً. ولتبرئة نفسه، قدم ثلاث حجج: لم يكن الإبريق تالفاً عندما أعاده؛ كان الأبريق تالفاً بالفعل منذ أن استعاره؛ وهو أخيراً لم يستعر الإبريق مطلقاً. هذا هو منطق الرغبة التي لا يمكن السيطرة عليها في السلطة من ديكتاتور لا يستطيع أو لا يريد كبح جماح نفسه بعد خمس حروب حتى الآن في هذا القرن. ولكن حجج بوتين الثلاث انهارت بالفعل. وفي حين أنه من الصحيح أن هناك جماعات يمينية متطرفة، وقومية متطرفة في أوكرانيا، إلا أنها أقلية ذات سلطة سياسية محدودة، وهي ليست بأي حال من الأحوال من استهدفها الغزو الروسي فعلياً، وتعطي حرب بوتين مبرراً كاملاً لأوكرانيا للدفاع عن نفسها بأي شكل ممكن من جارتها العدوانية المتنمرة، ولو بالانضام للناتو، ثم إن أوكرانيا تثبت واقعها الوطني من خلال المقاومة ضد الغزاة الروس.
إن هزيمة روسيا لن تكون انتصاراً لأوكرانيا فحسب، بل للعالم أيضاً. كما أن هزيمة بوتين قد تنهي حياته السياسية، وهي أفضل الأخبار الممكنة للديمقراطيين الروس الذين يحتجون بشجاعة على العدوان باسم أمتهم. ويمكن أن يكون هذا خبراً ساراً للسوريين أيضاً، لأنه سيضعف نظام الأسد الهمجي والخائن، ويحد من الميول التسلطية المتزايدة في الشرق الأوسط بأسره، بل وفي العالم. وفي حين أن هزيمة عدونا المشترك بوتين لن تكون بالضرورة انتصاراً لنا نحن السوريين، فإن انتصار البوتينية سيكون هزيمة أكبر بالنسبة لنا، لأنه سيقلل من فرصنا الضئيلة بالفعل لاستعادة وطننا.
ولكن حتى لو تمكنت أوكرانيا من صد روسيا، فإن المنتصرين المحتملين هناك هم الذين كانوا متواطئين في تقديم بلدنا إلى ذلك العدو الروسي ذاته. أعني القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة – صاحبة الحرب على الإرهاب. وبينما يُنظر إلى روسيا البوتينية باعتبارها المعتدية على جبهة أوكرانيا، فإنه ينظر إليها على جبهة سورية بأنها القوة الهمجية التي تستطيع أن تقوم بالمهمة البغيضة للغرب. ولكن هذا أمر جدير بالاحتقار أخلاقيا، ويؤدي إلى نتائج عكسية سياسياً، كما يثبت الدرس الأوكراني سلفاً.
نحن بحاجة إلى سياسة ضد الإرهاب وإلى عدالة ضد الإرهاب، وليس إلى حرب ضد الإرهاب. الديمقراطية هي تلك السياسة وهذه العدالة. إن التضحية بالديمقراطية على مذبح الحرب على الإرهاب وأولوية الأمن أمر غير مبدئي ويؤدي الى نتائج عكسية، ليس فقط في سوريا والشرق الأوسط، ولكن أيضاً في الغرب نفسه.
الإمبريالية والديمقراطية غير متوافقتين. وهذا ينطبق على روسيا، وفي كل مكان آخر، وعلى الغرب ذاته. فالإمبريالية التي كان لها تأثيرها المرتد في أوروبا من قبل، في شكل النازية، كما قالت حنة آرنت في كتاب "أصول الشمولية"، لها بالفعل تأثير مماثل في عصرنا في شكل الشعبوية اليمينية، والتي تم تطبيعها تدريجياً ونقلها بسرعة من اليمين المتطرف إلى التيار الرئيسي المقبول، في علاقة مباشرة بالحرب على الإرهاب وما يسمى بأزمة المهاجرين واللاجئين.
كلاجئين اقتلعنا من بلدنا، وتشتتنا في 127 بلداً، نحن السوريين الآن مجتمعنا الدولي. وبصفتنا هذه ندعو أنفسنا إلى التدخل في كل صراع في هذا الكوكب.
أوكرانيا قضية سورية. وكذلك العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا


.. قائد الجيش الإيراني: أصوات الانفجارات في أصفهان نجمت عن إطلا




.. حرب غزة.. بالأذكار والأدعية كانوا يخفّفون حصار الاحتلال لهم