الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والتضامن الاجتماعي : هل نحن بحاجة إلى ثورة عشرين أخرى ؟!

ثامر عباس

2022 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين والتضامن الاجتماعي : هل نحن بحاجة إلى ثورة عشرين أخرى ؟!
غالبا"ما تحتفي كتب التاريخ السياسي والاجتماعي التي تنتجها السوسيولوجيا العراقية المعاصرة ، بالحدث السياسي الأبرز المتمثل ب(ثورة العشرين) إبان فترة الاحتلال البريطاني للعراق عام 1920 . وبصرف النظر عن مشروعية هذا الاحتفاء – بل وضرورته في بعض الأحيان - كلما دعت الحاجة للحديث عن ظاهرة (التضامن الاجتماعي) بين المكونات العراقية خلال تلك الحقبة ، للحد الذي لم تفتأ الذاكرة التاريخية من استدعائه واستحضاره من مخونات أرشيفها لأغراض التوظيف السياسي . بيد أن ما طغى على هذه المبادرات كونها ركزت اهتمامها على استخلاص الدلالات (السياسية) و(الإيديولوجية) من ذلك الحدث ، دون الاحتفاء - بالقدر ذاته - بما تمخض عنه وترتب عليه من دلالات (اجتماعية) و(سيكولوجية) ، أسست للعديد من الظواهر السوسيولوجية والانثروبولوجية التي لا تزال فاعلة في واقعنا الملتهب وناشطة في مخيالنا المضطرب .
ولعل علاقة الدين بمكونات المجتمع العراقي كانت – وستبقى إلى أن يشاء الله - من أبرز الملامح التي تظهر عمق الإيحاء السيكولوجي الهائل الذي يحدثه العامل الأول في الوعي الجمعي للعنصر الثاني ، مثلما يعكس مستوى التأثير الكبير الذي يمارسه هذا في نمط العلاقات الاجتماعية لتلك . وذلك ليس من منطلق امتلاك ناصية (الفهم) الصحيح لمضمون الدين الأخلاقي والإنساني كما يفترض أن يحصل ، وإنما من باب (الجهل) برسالته ومقاصده تارة ، و(الاستغلال) لشعائره وطقوسه تارة ثانية . فالغالبية العظمى من المكونات العراقية (تجهل) الجوهر الفعلي للمبادئ والتعاليم التي ينطوي عليها الدين كعقيدة ، الأمر الذي يجعلها حريصة على مراعاة التقيد بشكلية (الشعائر) المتعددة بحسب المذاهب ، ومظهرية (الطقوس) المتنوعة بحسب الطوائف ، اعتقادا"منها بان ما تمارسه من مظاهر (التدين) هو جوهر (الدين) ذاته ، لاسيما وان ثقافاتها الفولكلورية وعلاقاتها البطريركية تساعد على ذلك بل وتشجعه في بعض الأحيان . وهنا ينبري (الدعاة) و(المحرضين) من رجال الدين من ذوي المصالح السياسية والاقتصادية ، (لاستغلال) (ثغرة الوعي) العقلاني المتوطنة في بنية العقل الجمعي العراقي إزاء تعاطيها مع تمظهرات وتداعيات الواقع الاجتماعي والثقافي ، لاسيما وإنها معرضة وباستمرار لوابل من الخطابات المؤمثلة ذات المنزع العصبوي ، الأمر الذي يبقيها محصورة ضمن هذه الأنطقة الضيقة من الوعي من جهة ، ومحشورة بين تلك الأنماط من العلاقات من جهة أخرى .
والحال إن ما نريد توجيه الأنظار إليه عبر هذا الموضوع المبتسر ، هو إن الرهان على (العامل الديني) بصيغته الشكلية والمظهرية الحالية ، بغية تحقيق هدف (التضامن الاجتماعي) بين المكونات الاجتماعية التي فرقتها الكراهيات المتبادلة ومزقتها الصراعات المتقابلة ، وبالتالي ضمان الاستقرار السياسي والهدوء الأمني في العراق حاليا"، يبدو رهان محفوف بالكثير من المخاطر ومحاط بالكثير من التحديات ، التي من شأن إهمالها أو تجاهلها حدوث زيادة في الانقسام وتضاعف في التشرذم . خصوصا"وان المعطيات السياسية والاجتماعية ، والسياقات الثقافية والتاريخية ، والإيحاءات السيكولوجية والمخيالية في الوقت الحاضر ، تختلف اختلافا"نوعيا"كبيرا"عما كان سائدا"إبان فترة الاحتلال البريطاني ، وما تمخض عن سياساته الاستغلالية وتشريعاته القاسية من تصاعد في منسوب الهياجات الاجتماعية والدينية والعنصرية ، والتي بلغت ذروتها فيما يسمى في الأدب السياسي ب(ثورة العشرين) . بحيث جعلت تلك البيئة المفعمة بالأنشطة الشعبية والفعاليات الاجتماعية من ظاهرة (التضامن الاجتماعي) بين المكونات السوسيولوجية والانثروبولوجية العراقية حقيقة فعلية وليس فرضية احتمالية ، بعد أن تمكنت تلك الجماعات والمكونات من تغليب كفة ما اعتبر (المصلحة الوطنية) على كفة المصالح القبلية والفئوية والشخصية التي كانت تتمسك بها وتحتكم إليها قبل وبعد ذلك (الحدث) العشريني .
وإذا ما نظرنا اليوم إلى طبيعة المعطيات والسياقات والعلاقات على مستوى الداخل العراقي ، فضلا"عن حجم التدخلات والمؤثرات والمخططات على صعيد الخارج الإقليمي والدولي ، سنخلص إلى نتيجة حتمية مفادها ؛ إن العزف على أوتار الوازع (الديني) المجيش طائفيا"في مثل هذه الظروف والأوضاع الملبدة بكل ما هو غامض ومريب ، بزعم استثمار ما يوفره (الزخم السيكولوجي) من إمكانيات وما يتيحه من فرض لأجل تحقيق مبتغى (التضامن الاجتماعي) بين القبائل المتنابذة والطوائف المتباغضة والأقوام المتكاره ، سيكون بالتأكيد وبالا"ونقمة بدلا"من حسبانه وصالا"ورحمة . وذلك لاختلاف السياقات بين الماضي والحاضر ، وتباين العلاقات بين الجماعات والمكونات ، وتغاير التوازنات بين الدين والسياسة . فعلي سبيل المثال ، كان العامل (السياسي) الأجنبي الموسوم بالنزعة العنصرية خلال فترة الاحتلال البريطاني ، هو من يحكم قبضته على (الدين) الرسمي ويتحكم بجمهوره النخبوي والشعبي ، من حيث التأطير لأنشطته والتوجيه لممارساته والتقنين لفعالياته ، بما يخدم أهداف المحتل السياسية ويضمن مصالحه الاقتصادية ويحقق غاياته الإستراتيجية . الأمر الذي استتبع حصول إجماع (ديني) مضاد عابر للاصطفافات الطائفية والمذهبية التي كانت – ولا تزال - السمة الغالبية على المجتمع العراقي . هذا في حين أصبح العامل (الديني) المحلي الموسوم بالنزعة التعصبية في الحاضر ، هو من يحكم قبضته على (السياسة) الرسمية ويدير دفتها ويتحكم بجمهورها النخبوي والشعبوي على حدّ سواء ، لا بل انه تمادي أكثر من ذلك بحيث بات يسيطر ويهيمن على كل القطاعات الاجتماعية والمجالات الاقتصادية والفعاليات الثقافية .
وكما هو واضح ، يمكننا - من خلال ما تقدم - استخلاص المعادلة التالية : كلما تمادت (السياسة) الأجنبية في تدخلها في أمور (الدين) لجهة تقزيم الجماعات وتحجيم النشاطات ، كلما خلقت لها ضدا"موضوعيا"معادلا"يتمثل في تراصف أشد للجماعات وتكاثف أكثر للنشاطات . أما في حالة حصول العكس ، فانه يمكن استخلاص المعادلة التالية : كلما تدخل (الدين) المحلي في شؤون (السياسة) لجهة تسييد جماعه دينية خاصة على جماعات دينية أخرى ، وفرض مذهب ديني معين على مذاهب دينية أخرى ، وتفضيل مصالح فئوية محددة على مصالح فئوية أخرى . كلما استنفرت هذه الجماعات والمذاهب والفئات قواها وطاقاتها وخطاباتها ، بما يعزز مظاهر الانقسامات الاجتماعية والكراهيات المذهبية والصراعات الطائفية ، كما هو حال المجتمع العراقي في الوقت الحاضر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53