الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة عن الحرب في أوكرانيا

سعود قبيلات

2022 / 3 / 14
مقابلات و حوارات


س 1: في ظل لعبة لي الذراع بين روسيا والغرب، كيف ترون تصريح لافروف حول حرب عالمية ثالثة؟
ج 1: لا أعتقد أنَّ ما يجري الآن «لعبة ليّ ذراع»؛ بل هو صراع استراتيجيّ وجوديّ. روسيا، مِنْ جهة، تشعر بأنَّها مهدَّدة في أمنها ووجودها كدولة كبرى موحَّدة.. فحلف الأطلسيّ ظلَّ يتمدَّد باتِّجاهها منذ أواسط تسعينيَّات القرن الماضي إلى أنْ وصل الآن إلى حدودها؛ والغرب الأطلسيّ (وعلى رأسه الولايات المتَّحدة)، مِنْ جهة ثانية، يرى أنَّ استمرار هيمنته على العالم مهدَّد؛ فهذه الهيمنة آخذة بالتَّفكّك أمام أنظاره، وتحلّ في المساحة الَّتي يخسرها باطِّراد قوى دوليَّة أخرى منافسة له، لتحتلّ مكانة متزايدة على حساب نفوذه، وعلى حساب قدرته على استغلال باقي بلدان العالم ونهبها.
أمَّا تصريح وزير الخارجيَّة الرُّوسيّ سيرجي لافروف، الَّذي أشرتَ إليه في سؤالك، فلا أجد فيه تلويحاً بالحرب النّوويّة؛ فهو يؤكِّد فيه إنَّ فكرة الحرب النَّوويَّة هي «في أذهان السِّياسيين الغربيين وليست في أذهان الرُّوس».

س 2: هل تتوقعون غزواً روسيّاً كاملاً لأوكرانيا لتحقيق أهداف بوتين؟
ج 2: أهداف روسيا مِنْ عمليَّتها العسكريَّة الأوكرانيَّة، معلنة، وهي: الإقرار بحياد أوكرانيا، وضمان عدم انضمامها إلى حلف الأطلسيّ، ونزع سلاحها، وإنهاء هيمنة النَّازيين الجُدد عليها. ولكن، بناء على الشَّكل الَّذي تنتهي به هذه العمليَّة، ستُكرَّس وقائع كُبرى كثيرة.. ليس بين روسيا وبين الغرب فقط؛ بل أيضاً على صعيد العالم كلّه.

س 3: إلى أي مدى يمكن أن تصل العقوبات الغربية ضد موسكو؟
ج 3: لم يبقَ شيء تقريباً من «العقوبات» يستطيع الغرب فرضه على روسيا ولم يفرضه، وما استثناه منها هو فقط ما يضرُّ به هو نفسه ضرراً بالغاً. وبعض هذه «العقوبات» وهميّ دعائيّ؛ وبعضها يضرّ الغرب مثلما يضرّ روسيا أو أكثر. وبالتَّجربة، «العقوبات» لا تُغيَّر واقعاً سياسيّاً. فهي في كوبا، مثلاً، لم تؤدِّ إلى تغيير النِّظام هناك؛ بل – نقيضاً لذلك – جعلتْ ذلك البلد الصَّغير يعتمد على نفسه اقتصاديّاً وعلميّاً، ويتقدَّم في العديد من المجالات.. في الطِّبّ خصوصاً. ومثل هذا، حدث لإيران، وبدل تقليص قوُّتها العسكريَّة، أصبحت – في ظلّ «العقوبات» - قوّة عسكريّة إقليميّة يُحسَب حسابها.

س 4: هل أنهت هذه الحرب ما يسمى بالهيمنة الأميركيَّة لصالح بروز أقطاب جديدة؟
ج 4: تراجع الهيمنة الأميركيَّة وبروز أقطاب جديدة كانا خلاصة لسياق يمتدُّ إلى تاريخٍ أبعد مِنْ ذلك. وبالنِّسبة لروسيا، فقد حاولت، بعد انهيار الاتِّحاد السُّوفييتيّ، أن تتَّجه غرباً، وحاولت أن تتفاهم مع الغرب؛ لكن الغرب لم يعاملها بكرامة، ولم يبدِ نيَّات حسنة تجاهها؛ بل سعى إلى فرض وصايته عليها، وتفتيتها، وتقليص حجمها، وشطب دورها. وبعدئذٍ، بدأت روسيا تنعطف إلى الشَّرق، في عهد بوتين تحديداً.
وبالمناسبة، فروسيا، في مختلف المراحل الحاسمة مِنْ تاريخها، كانت تسعى إلى الاقتراب من الغرب في البداية؛ لكنَّ الغرب كان دائماً يصدّها، فلا تلبث أن تتَّجه شرقاً.. فعل هذا بحماس بُطرُس الأكبر؛ لكنَّه سرعان ما راح يتَّجه شرقاً، وأرسل بعثةً كبيرةً إلى مصر للتَّعرّف على البلاد العربيّة والتَّقارب معها. والشُّيوعيّون، عند وصولهم إلى السُّلطة في العام 1917، كانت أنظارهم تتَّجه غرباً، وكانوا يراهنون على قيام ثورات اشتراكيّة في بلدان أوروبا ليتَّحدوا معها وتتَّحد معهم. وبالفعل قامت ثورات عديدة في أوروبّا، وكانت أبرزها ثورة جماعة سبارتاغوس في ألمانيا.. بقيادة كارل ليبينيخت وروزا لكسمبورغ؛ لكنّ تلك الثَّورات فشلت، كما أنَّ 14 دولة غربيَّة هاجمت الاتِّحاد السُّوفييتيّ للقضاء على ثورته. وعندئذٍ، اتَّجه السُّوفييت إلى شعوب الشَّرق، وخاطبوها كحليف موضوعيّ لهم. وأُذكِّر، هنا، بنداء لينين الشَّهير إلى شعوب الشَّرق لتنهض وتتحرَّر من الاستعمار.
هذه المراوحة الرُّوسيّة الطَّويلة بين الشَّرق وبين الغرب، يرمز إليها الشِّعار الرُّوسيّ القديم، المتمثِّل بنسر له رأسان؛ أحدهما يتَّجه غرباً والآخر يتَّجه شرقاً. بيد أنَّ رهان روسيا على الغرب كان خاسراً دائماً. والخطر والعدوان يأتيان إليها دائماً من الغرب.
نعود إلى روسيا ما بعد الاتِّحاد السُّوفييتيّ.. فشلُ رهانها على الغرب، جعلها، في عهد بوتين، تُعيد بناء قوّتها، وتُحيط نفسها بمجموعات دوليّة متعدِّدة.. ومنها: مجموعة شانغهاي، ومجموعة أسيان، ومجموعة بريكس.. الخ. وكلُّها «شرق».. فمفهوم «الشَّرق»، برأيي، ليس مكانيّاً، بل هو موضوعيّ.. بحيث تصبح دول مثل جنوب إفريقيا والبرازيل جزءاً من هذا الشَّرق الموضوعيّ.
أوَّل حدث رأيتُ فيه نقلة نوعيَّة باتِّجاه عودة روسيا إلى تبوّء دورها القطبيّ، كان عندما استأنفت الطَّائرات الحربيَّة الرُّوسيَّة طويلة المدى دوريَّاتها فوق المحيط الأطلسيّ والمحيط الهادئ في آب 2007، بعد توقّفها عن ذلك منذ انهيار الاتِّحاد السّوفييتيّ. بعد ذلك، توالت التَّطوُّرات في هذا السِّياق؛ بيد أنَّ الحدث الأكبر الَّذي ظَهَّرَ روسيا (والصِّين) كقطبين جديدين هو دورهما المهمّ في مواجهة الحرب على سوريا.
أمَّا الحرب الحاليَّة في أوكرانيا، فهي ستكون فاتحةً للحدّ مِنْ تمدّد حلف الأطلسيّ باتِّجاه روسيا والصّين. وستقود إلى رسم خطوط جيوسياسيّة جديدة على الصَّعيد الدَّوليّ.
وبرأيي، مركز العالم ينتقل، شيئاً فشيئاً.. لكن بثبات، إلى الشَّرق، بعدما كان لحوالي خمسة قرون في الغرب. وهذا ما يُثير كلّ هذه الهستيريا في دول الغرب. ولكن، ليس أمام الغرب، في النِّهاية، إلا الاعتراف بهذا الواقع المرّ بالنّسبة له، والتَّعامل معه بواقعيَّة.

س 5: هل تتوقعون انقساماً أوكرانياً بين شطر موال لروسيا وآخر موال للغرب على شاكلة النموذج الألماني سابقاً أيام المعسكر الشيوعي؟
ج 5: أتوقَّع أوكرانيا موحَّدة ومحايدة؛ فالزَّمن الآن مختلف عمَّا كان عليه بُعيد الحرب العالميَّة الثَّانية.. آنذاك، كانت دول أوروبّا والاتِّحاد السّوفييتيّ منهكة جدّاً من الحربّ. ورغم دور الاتَّحاد السُّوفييتيّ الحاسم في الانتصار على النَّازية وأنَّه هو الَّذي رفع علمه على الرَّايخستاغ (مقرّ هتلر) في النِّهاية، إلا أنَّه كان قد تكبَّد خسائر فادحة ولحق به دمار هائل. الولايات المتَّحدة كانت، آنذاك، بمنأى عن الدَّمار الَّذي لحق بأوروبَّا وبالاتِّحاد السُّوفييتيّ. كما يجب أن نتذكَّر أيضاً مفاجأة القنبلة النُّوويّة الَّتي ألقتها على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيَّتين. آنذاك، لم يكن لدى الاتِّحاد السُّوفييتيّ ولا لدى أيّ دولة أخرى مثل تلك القنبلة. الآن، الرَّدع النَّوويّ حاضر بقوَّة. لذلك، تؤكِّد دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة، أنَّها لن تخوض حرباً مع روسيا في أوكرانيا.

س 6: هناك من يعتبر أن الصين قد تكون التالية في مخطط التفتيت الأميركيّ، إلى أي مدى يبدو هذا السيناريو قابلاً للتنفيذ؟
ج 6: الولايات المتَّحدة لا تخفي نواياها العدائيَّة تجاه الصِّين، ولا تكفّ عن استفزازها والتَّمدّد العسكريّ باتِّجاهها والسَّعي إلى إعاقة تقدّمها المطَّرد نحو الموقع الدّوليّ القطبيّ الَّذي يليق بها. لكنّ هذا السَّعي، برأيي، سعي يائس؛ الصِّين الآن قوّة اقتصاديّة عملاقة تتقدَّم بثبات لاحتلال الموقع الاقتصاديّ الأوَّل في العالم، وهي أيضاً قوَّة عسكريَّة متصاعدة. وسوى هذا، فللمرَّة الأولى منذ زمنٍ بعيد، الصِّين وروسيا شبه حليفتين، ويكاد يوجد بينهما نوعٌ من تقسيم الأدوار.. روسيا تقف في الواجهة سياسيّاً وعسكريّاً، والصِّين تساندها وتقف في القمَّة اقتصاديّاً. وفي العقد الأخير، وُقِّعت اتِّفاقات اقتصاديّة ضخمة بين روسيا وبين الصِّين، وهما تتشاركان (ومعهما إيران أحياناً) في إجراء مناورات عسكريّة منتظمة.
أعتقد أنَّ العالم لم يعد يقتصر على الولايات المتَّحدة وحلف الأطلسيّ. ومتابعة الغرب الأطلسيّ مزاعمه بأنَّه هو وحده «المجتمع الدَّوليّ» أصبحتْ تُثير السُّخرية.

س 7: هل تتوقع إطالة للحرب واتخاذها أبعاداً وأشكالاً أخرى أم أننا ذاهبون نحو انتهائها بالتفاوض؟
ج 7: لا أعتقد أنَّ هذه العمليَّة العسكريَّة ستطول. وواضح أنَّ الرُّوس، بينما هم يتمدَّدون عسكريّاً في أوكرانيا، يفضِّلون تحقيق أهدافهم الأساسيَّة بالتَّفاوض.
أمَّا الصّراع بين روسيا وبين الأطلسيّ، فهو أمرٌ آخر، وأعتقد أنَّه سيستمرّ إلى أمدٍ أطول، وسيتَّخذ أشكالاً مختلفة، لكن مِنْ دون الصِّدام العسكريّ المباشر. الصِّدام العسكريّ المباشر يُنذر بدمار شامل للطَّرفين وللعالم بمجمله.
الرّوس الآن يطلبون مِنْ حلف الأطلسيّ (وخصوصاً من الأميركيين) العودة بقوّاتهم إلى حدود العام 1997. وهذا طلب مشروع وينسجم مع الاتِّفاقيّات السَّابقة بين روسيا وبين الغرب.
وهنا، ثمَّة مفارقة طرأتْ؛ فبعدما كانت روسيا في موقع الدِّفاع، ها هي الآن في موقع الهجوم (ليس العسكريّ بالضّرورة). الجدال يدور الآن حول وجود حلف الأطلسيّ في وسط أوروبّا وشرقها، والغرب هو الَّذي يسعى الآن جاهداً وطوال الوقت لتبرير هذا الوجود.

س 8: هل تعتبر أن أوروبا قد خسرت روسيا بتبعيتها للولايات المتحدة في حين أنها كانت قادرة على احتوائها وادماجها ضمن محيطها الأوروبي كما نادى بذلك ديغول منذ سنة ١٩٥٨؟
ج 8: نعم، القرار الاستراتيجيّ في أوروبّا بيد الولايات المتَّحدة؛ لكن، في كلّ الأحوال، الغرب لا يُريد روسيا شريكاً، بل تابعاً ضعيفاً ومفتَّتاً. وهذا ما فهمه الرّوس حاليّاً، كما فهمه أسلافهم في مراحل مختلفة سابقاً..
روسيا بلد عملاق وعريق، يصعب احتواؤه أو ابتلاعه.. وهنا، أتذكَّر القول الشَّهير بأنَّ الرُّوس يستغرقون وقتاً طويلاً وهم يسرجون خيولهم؛ لكنَّهم، بعدئذ، ينطلقون بسرعة.

5/3/2022
جريدة «الشُّروق» التُّونسيَّة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف