الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية والبيروقراطية وزجاجة الويسكي اليابانية

آزاد أحمد علي

2022 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انتهاء مدة إدارة ترامب، والتي ترافقت لأول مرة في تاريخ أمريكا بحركة عسكرية وما يشبه اعمال العصيان حتى تم تسليم السلطة الى إدارة جو بايدن المنتخبة، وشكلت عملية اخراج السلطة من مخالب ترامب وأنصاره الشعبويين مهمة حساسة مازالت تداعياتها تتفاعل في الداخل الأمريكي.
بعد أن تسلم وزير خارجية أمريكا الحالي انتوني بلنكين مهامه في وزارة الخارجية، وفي الوقت الذي كانت أوضاع العالم قد عصفت بها تويتات ترامب، وكان من المفترض أن يعمل الطاقم الجديد على إعادة ترتيب الملفات العالمية الحساسة والاستراتيجية لترتيب الأوضاع الى سابق عهدها (كما صرحوا هم بذلك فيما بعد)، لكن عمليا انشغل قسم من طاقم وزارة الخارجية الأمريكية لمدة تقدر بشهرين بحل لغز (قنينة الويسكي الضائعة)! فما هي قصة (The Lost whiskey bottle)؟
القصة بدأت عندما زار وزير خارجية أمريكا في عهد ترامب (بومبيو) اليابان، اذ تم اهدائه زجاجة ويسكي، واصطحبها معه في الطائرة على الأرجح، ثم عاد بومبيو في نفس الرحلة وزار السعودية، وتبين فيما بعد لأجهزة الرقابة الأمريكية وخاصة مكتب رئيس المراسم بوزارة الخارجية أن حكومة اليابان قد أهدت بومبيو الويسكي في 24 يونيو حزيران 2019. وتم تصنيف القنينة تحت بند (مصيرها غير معروف). وفتحت الوزارة تحقيقا مطولا في سر اختفائها. لكن لماذا كل هذا الاهتمام؟
لأن قيمية زجاجة الويسكي كانت تعادل (5800-$-) خمسة آلاف وثمانمائة دولار أمريكي. وكانت صحيفة نيويورك تايم قد فتحت أيضا تحقيقا في الموضوع وأوضحت أن المسؤولين الأمريكيين مسموح لهم بالاحتفاظ بهدايا ثمنها دون (390) دولار، وإلا عليهم شراء تلك التي تزيد قيمتها عن ذلك إذا أرادوا الاحتفاظ بها.
كما تتحول الهدية الثمينة الى عهدة تحفظ في الوزارة أو الدائرة المختصة. وبناء على ذلك يفترض أن القنينة تحولت الى عهدة وتخزن على احدى رفوف وزارة الخارجية، وهذا ما لم يحدث. وعندها استنفرت وزارة الخارجية وتم اجراء تحقيق لمعرفة مصير الويسكي، حيث طُلب من وليام بيرك محامي بومبيو التعليق فأجاب بأن "السيد بومبيو لا يتذكر حصوله على زجاجة الويسكي وليس لديه أي علم بما حدث لها. وهو لا يعلم أيضا بأي تحقيق في مكان وجودها. ولا فكرة لديه عن مصير زجاجة الويسكي هذه".
تم اولاً استبعاد شرب الويسكي في السعودية، أما ماذا فعل بها بومبيو البدين، هل شربها في الطائرة؟ أم أهداها لأحد الأمراء؟! المهم أن القصة أخذت تحقيقا مطولا (هذه السردية وردت في الصحافة الأمريكية وأكدتها يورو نيوز بتاريخ 05/08/2021)
وفي قصة متممة للمشهد التراجيدي لمنظومة الليبرالية الجديدة الذي نحن بصدد قرأته من زاوية ضيقة، فالحدثين يذكراننا من جديد بمستوى الضوابط البيروقراطية الخانقة التي تدار بها الدول الرأسمالية. فالقصة الثانية جرت في ثاني أكبر بلد ليبرالي أي بريطانيا العظمى التي عصفت فيها مؤخراً رياح التحقيق (مطلع هذا العام 2022) برئيس الوزراء بوريس جونسون وكادت أن تعزله عن رئاسة الحكومة، لولا هجوم بوتين على أوكرانيا التي لم تسعفه تماما بقدر ما أجلت ملف محاسبته. أما تفاصيل قصة بوريس جونسون فتتلخص بقيامه بخرق تدابير الإغلاق للحد من انتشار فيروس كورونا، كونه نظيم حفل عيد ميلاده خلال أول إغلاق لكوفيد (19) في يونيو 2020، عندما حظرت السلطات التجمعات الاجتماعية في الأماكن المغلقة. وقد ضم الحفل أكثر من ثلاثين شخص في إحدى غرف مجلس الوزراء ضمن العقار رقم عشرة شارع داوننج ستريت بلندن، وهو مكتب ومقر إقامة جونسون.
وبينت التحقيقات أن زوجة رئيس الوزراء، كاري جونسون، نظمت التجمع المفاجئ بعد ظهر يوم 19 يونيو 2020، لذلك تعد دعوة خاصة مع وجود مشروبات كحولية وقالب كاتو.
تحول موضوع الحفل الى فضيحة سياسية، استغلتها المعارضة فقد صرح زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر حول تجمع عيد ميلاد جونسون، "هذا دليل آخر على أن لدينا رئيس وزراء يعتقد أن القواعد التي وضعها لا تنطبق عليه... ولا يمكننا تحمل استمرار هذه الحكومة الفوضوية التي تسير بغير هدى. رئيس الوزراء هو مصدر إلهاء وطني، وعليه المغادرة".
وعلى الرغم من أن جونسون اعتذر للشعب علانية، وقدم مجموعة متنوعة من التفسيرات إزاء الحفلات التي سبق أن وردت أنباء بشأنها. وإنه لم يجرِ انتهاك، لكن الموضوع احيل الى مجلس العموم البريطاني لسحب الثقة منه. وهو يواجه عمليا خيار الاستقالة.
أما كيف دافع طاقم بوريس عنه فتركز على أن الحفل كان خاصاً بالموظفين وتم بعد اجتماع عمل في رئاسة الوزراء.
وعلى الرغم من ذلك مثل جونسون امام مجلس العموم البريطاني وواجه استجوابا غاضبا من أعضاء البرلمان. وبدأت مسرحية متلفزة للتحقيق معه، كانت تبث وقائع الجلسة على الهواء مباشرة وتنقل عبر أهم قنوات التلفزة في دول العالم.
ولم يطالب أعضاء المعارضة فحسب باستقالته وانما أكد أكثر من عضو في حزب المحافظين الحاكم باستقالته كونه (غير جدير بالثقة).
ما يمكن استنتاجه من القصتين أعلاه أنه هنالك فائض في الحريات الليبرالية ضمن المجتمعات الغربية، لدرجة أنها تفيض على الحاجة الحقيقية لها، فهذه الليبرالية قد غمرت عمل المؤسسات الحكومية وشلتها عملياً. تقابلها ضوابط شديدة البيروقراطية في مؤسسات الحكم، فاشتراطات العمل السياسي في المؤسسات الرسمية الغربية دقيقة ومتخشبة حتى أن بعض المسائل التي تعد من سفاسف الأمور تقفز الى السطح، تأخذ قيمة زمنية وتحل في موقع القضايا الجوهرية والمصيرية التي تواجه العالم. لذلك باتت الطواقم الحاكمة في الدول الأوروأمريكية مجموعة من الموظفين يتم تحويلهم الى دمى وأحيانا مهرجين على منصات وسائل الاعلام، في حين القرار الفعلي ورسم الاستراتيجيات تنسج بروية في الغرف المجاورة لمجالس ادارة كبريات الشركات ومراكز المال، فضلا عن غرف الفكر المظلمة. يبدو أنه تم تقييد كامل المساحة الليبرالية الغربية بسلاسل بيروقراطية متينة، مما قلل من فعالية الفرد وقلصت حقل مناورته وابداعه، فضلا عن الخوف لاتخاذ القرارات السيادية التي تحمل جوهراً ريادياً. لقد حولت فائض الليبرالية وهيمنة البيروقراطية المؤسسات الغربية الحاكمة إلى قطارات قديمة يركبها بعض الساسة ويهبطون في أول محطة ليلتحقوا بمجالس إدارة الشركات أو مراكز الدراسات. وقد يكون بوتين سريع الحركة استفاد من نزلاء محطات قطار الليبرالية الجديدة هذه.
لكل ذلك من الصعوبة أن نصادف شخصيات كارزمية، أو قادة مبادرين أقوياء في مجموع الدول الغربية، وانما موظفون وعاملون بأجر زهيد لدى الاحتكارات المالية العالمية، وهذا يشكل أحد أهم معضلات هذا العصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد