الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوكرانيا على خطى سوريا..والحرب العالمية الثالثة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


السؤال الذي يطرح نفسه على الحرب الأوكرانية الروسية هل كانت أوروبا وحلف الناتو بحاجة للتوسع شرقا وضم أوكرانيا؟..وهل يتسق ذلك مع مبادئ الحلف الرئيسية؟

الجواب المباشر أن حلف الناتو جرى تأسيسه عقب هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فمؤسسيه هم الحلفاء بشكل رئيسي عدا روسيا الاشتراكية، وبالتالي فالذي يغلب على الحلف طابعه الرأسمالي الليبرالي وفلسفته السياسية التي شكلت طبيعة دول الغرب طيلة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وهؤلاء الحلفاء الرئيسيون قادة الحلف هم الثلاثي (بريطانيا – فرنسا – الولايات المتحدة) ثم جرى ضم ألمانيا وإيطاليا بعد التغيير الجذري السياسي الذي طرأ على دولتيهما وصعود حكومات موالية للغرب ودول الحلفاء بشكل كامل..

يتضح من طبيعة تكوين حلف الناتو ومبادئه المؤسسة أنه (حلف دفاعي) وليس (هجوميا) فهم كانوا على دراية بصراع جديد بين الاشتراكية والرأسمالية لم يستفحل بعد، وبالتالي فالتكوين الأساسي للحلف لابد وأن يضم دولا مؤمنة بالرأسمالية والقيم الليبرالية وتكون هذه الدول متفقة بثقافتها وهويتها مع الثقافة الغربية والأعراق والقوميات الشائعة في أغلب دول الحلفاء، وتنحصر هذه الثقافات بشكل أساسي في القوميات الأنجلوساكسونية والفرانكفونية وما يتبعها من حلفاء ومتضامنين من شتى دول العالم، وبالتالي فيكون ضم العنصرين (الآري والسلافي) المنتشرين في أوروبا الوسطى والشرقية محل نظر، وكذلك انضمام الدول الأوروبية المسلمة محل نظر أو التي تأثرت بالثقافة الإسلامية، وهذا كان سبب تأخر انضمام ألمانيا للحلف لشكوك حضارية بتبعيتها للعرق الآري إلى سنة 1955 أي بعد تأسيس الحلف ب 6 سنوات

وكذلك تأخر انضمام تركيا لنفس السبب وهي لأنها دولة مسلمة، ولولا الثورة العلمانية الكمالية ما اطمأن قادة الناتو للأتراك..وكذلك تأخر انضمام أسبانيا حتى عام 1982 لنفس السبب المتعلق بتركيا على اعتبار أن أسبانيا هي أكثر دول أوروبا المسيحية تأثرا بالثقافة الإسلامية نظرا للطابع الإسلامي المنتشر في الدولة من حيث اللغة والثقافة والمعمار...إلخ

كانت توقعات ظهرت في التسعينات بقرب تفكيك الحلف بعد انهيار حلف وارسو المعادل الاشتراكي للناتو، لكن الحلف لم يتفكك وأخذ قادته الحماس لتوسيعه أكثر فأكثر حتى وصل الآن ل 30 دولة يشكلون غالبية دول أوروبا الغربية والوسطى بما فيها دولا كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، وهنا لم يعد حلف الناتو (قوة دفاعية) فقرارات مسئوليه بالتوسع شرقا لحدود روسيا – وريثة الاتحاد السوفيتي – أكدت أن الحلف صار (قوة هجومية) وأن نوايا الأوروبيين بغزو روسيا والسيطرة على موسكو حاضرة، وهي تجربة مؤلمة في التاريخ الروسي أعادت لأذهانهم جرائم هتلر ونابليون بونابرت في القرنين 19 و 20م

هنا يظهر الطموح الامبريالي الغربي الذي لم يكتف بتفكيك خصمه السوفيتي لكنه يريد السيطرة عليه وربما تدميره بتفكيك روسيا الاتحادية نفسها، فكانت أوكرانيا هي السلاح الجديد الذي يوجه لصدر الروس، وقبل الرئيس الأوكراني الحالي "زلينسكي" لم يتورط قادة أوكرانيا في استفزاز روسيا لعلمهم أن ملف انضمام دولتهم لحلف الناتو حساس بالنسبة لموسكو ومن أجل ذلك شن الروس حربا على جورجيا عام 2008 انتهت بتقسيم الدولة وإخراج جورجيا تماما من معادلات القوى، وأن مخاوف روسيا من توسيع الناتو دفعتها لعقد اتفاقات مع الأوروبيين بعدم ضم (النمسا والسويد) واعتبار هذه الدول محايدة ومنزوعة السلاح، وعلى هذا المنوال كان الروس يريدون أوكرانيا دولة محايدة ومنزوعة السلاح لنفس السبب وهو عدم قيام حرب بين الناتو وروسيا تصل لقلب أوروبا وتهدد الحضارة المعاصرة..

وبالنظر لمجريات حرب أوكرانيا الحالية التي بدأت يوم 24 فبراير الماضي سنة 2022 نجد أنها تتشابه مع الحرب السورية في عدة جوانب:

الأول: تسليح غربي للجيش الأوكراني مثلما سلّح الغربيون الجيش الحر في البداية ثم وصل الدعم العسكري الغربي لمعظم فصائل المعارضة السورية..

الثاني: تشجيع الأوكران على الحرب وعدم الاستسلام أو التفاوض والتنازل، وذلك عن طريق تصريحات بالدعم وتطمينات بقرب الانتصار على روسيا وصلت لتصريحات بسقوط بوتين نفسه، وهو ذات السلوك الذي اتبعه الغربيون في دعم الجيش الحر وكافة تشكيلات المعارضة السورية المسلحة عن طريق الدعم النفسي والتشجيع والتبشير بالانتصار وقرب سقوط بشار الأسد..وهو الذي أطال أمد الحرب السورية مثلما سيسفر ذلك عن إطالة أمد الحرب الأوكرانية

الثالث: حملة دعائية ضخمة وبروباجاندا واسعة لشيطنة الرئيس الروسي وحصاره السياسي والاقتصادي، وهو نفس السلوك الذي فعله الغرب مع الرئيس السوري بشار الأسد، ولاعتبارات تتعلق بأن روسيا دولة عظمى ومصدر رئيسي للطاقة في العالم أدت هذه الحملة الدعائية لأزمة اقتصادية عالمية وموجة غلاء واسعة في كل شئ تقريبا مست الاقتصاد الغربي نفسه

الرابع: حملات تجنيد لمقاتلين أجانب في أوكرانيا بهدف تطويل أمد الحرب وغلق كل المنافذ التي تؤدي لحلول، فالمعروف سياسيا أن المقاتل الأجنبي وجيوش المرتزقة ليسوا خاضعين لأي قوانين نظمها العالم في الحروب وبالتالي لا يحملون أي صفة للتفاوض..ودائما يكونوا مدفوعين من توجهات دينية وأيدلوجية حربية أساسا مما يجعل المعارك بالنسبة لهم غاية وليست وسيلة، وهو نفس السلوك الذي طبقه الغرب في سوريا حين استقدموا أكثر من 300 الف مقاتل أجنبي تكفيري من أكثر من 80 دولة فكانت النتيجة إطالة أمد الحرب السورية واستحالة أي حلول دبلوماسية فيها..

يتبين من هذه الإجراءات الأربعة أن أوكرانيا بالنسبة لحلف الناتو هي مصدر استنزاف لروسيا لا أكثر، وأداة لإضعاف بوتين والترويج الأخلاقي لحلف الناتو من جديد بعد الصفعات الأخلاقية التي تلقاها في حرب ليبيا وعجزه عن التدخل والانتصار في حروب جورجيا وسوريا التي كان النصر فيها حليفا للروس، وربما ذلك كان يتطلب رئيسا أوكرانيا ضعيفا أو محدود الذكاء والسياسة وإدارة قومية متطرفة للدولة ومعادية للروس حتى تستجيب لهذا الهدف الغربي، وهو ما يفسر لجوء روسيا للحوار طيلة العامين الماضيين منذ صعود زلينسكي للحكم على أمل أن يتخلى تماما عن فكرة الصراع مع روسيا ويعقد اتفاقات وضمانات لعدم الانضمام لحلف الناتو، لكن الرجل لم يعط الضمانات وتورط في تصريحات عدائية واستفزازية لروسيا كتصريحه الشهير بأن أوكرانيا سوف تعود كقوة نووية مرة أخرى مما يهدد الأمن القومي للروس..

أما عن احتمالية وقوع حرب عالمية ثالثة الآن فهذا وارد جدا وبنسبة كبيرة لكن إذا تحققت 5 شروط:

أولا: عدم إيقاف حرب أوكرانيا حيث سيؤدي ذلك لأزمة اقتصادية عالمية وتعثر في سداد ديون وخلافه، مما سيشعل حروبا عشوائية وأخرى منظمة مدفوعة أساسها الاقتصاد، وتذكروا أن الحرب العالمية الثانية كانت من ضمن أسبابها نكسة 1929 المالية حيث عجزت ألمانيا ودول كثيرة عن سداد التزاماتها مما أدى للقطيعة والعقوبات ثم الحرب..

ثانيا: رفض إيران عقد اتفاق نووي جديد سوف يدفع الأمريكيون والإسرائيليون بالمواجهة خشية امتلاك إيران سلاحا نوويا تهدد به مثلما هدد بوتين أوروبا، والخسائر التي يدفعها الغرب في هذه المعارك سوف تكون أقل – من وجهة نظرهم – إذا حدث تحالفا نوويا بين إيران وروسيا يجبر الغرب عموما على الخضوع ومن ثم تفكك حلف الناتو وربما الولايات المتحدة نفسها إذا خسرت هاتين المعركتين..مما يعني أن الشرق الأوسط سوف يكون مسرحا للحرب العالمية الثالثة، ومحاور هذا المسرح معروفة ومجهز لها منذ فترة حيث تكون بين (دول الاعتدال) و (دول المقاومة) والحلف الأول يجري تشكيله من عدة دول عربية مع إسرائيل، والحلف الثاني يجري تشكيله من إيران وحلفاءها في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق، وتوقعي أن هذا المسرح سوف يكون أكثر دموية لدخول العامل الطائفي فيه بشدة..

ثالثا: إذا قررت فنلندا والسويد دخول حلف الناتو وموافقة الحلف على ذلك، وسوف يؤدي فورا لغزو روسي لفنلندا بشكل سريع على غرار ما يحدث في أوكرانيا، لكن هذا المحور – دول البلطيق – لن يكون دمويا بشكل كبير حيث توقعي أنه وفور الغزو واستسلام فنلندا والسويد سيجري عزلهم عن سائر أوروبا، ولأن العامل الديني والطائفي فيه غير مؤثر كبقية المحاور

رابعا: دخول كوسوفو حلف الناتو وموافقة الحلف، سوف يدفع ذلك لعقد تحالف عسكري (صربي روسي) لغزو كوسوفو وإنهاء استقلالها وفقا لما حدث في النموذج الشيشاني، علما بأن كوسوفو دولة غير معترف بها من طرف صربيا وروسيا..أولا، وعديد من الدول الأوروبية كرومانيا واليونان والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وأسبانيا، والأخيرة رفضت الاعتراف بكوسوفو خشية اعتراف الصرب والروس باستقلال إقليم الباسك الانفصالي..علما أن مشكلة كوسوفو داخلية أوروبية، وانضمامها للناتو سوف يفجر خلافا داخل الحلف داخل منطقة البلقان، ولو حدث من جهة ضرورة مواجهة روسيا وكسب الأرض المرافق لأجواء الحرب سوف يدفع دول عدة لدخول الحرب أولها صربيا التي جرت فيها مظاهرات مؤخرا مؤيدة لروسيا وتدخلها العسكري في أوكرانيا..

خامسا: حين تقرر الصين غزو جزيرة تايوان وضمها ، سوف يؤدي ذلك لاشتباكات مع الجيش الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، واحتمال تتورط الفلبين لأي منهما، فعلى الورق الفلبين حليف أمريكي لكن مؤخرا بصعود سلطة الرئيس "رودريجو دوتيرتي" رأيت منه معارضة شرسة للامبرالية الأمريكية وطرده للقوات الأمريكية من بلاده..وبرغم عودته عن ذلك القرار لكن مجرد تفكيره بالأمر يعني أنه بحاجة لقوة كي يفعل ذلك..وإذا وجد من الصينيين تلك القوة ربما يكون له هوى نفسي ووجداني ناحيتهم..والمتوقع أن هذا المحور تتورط فيه اليابان والكوريتين، لكني أستبعد ذلك فحكام كوريا الجنوبية سياسيون من طراز عالي ونجحوا في احتواء جارتهم الشمالية وعقدوا معها اتصالات، لكن اليابان ليست كذلك وربما إذا وجد اليابانيون قوة عسكرية وتهديدا نوويا سوف يتراجعون بإعلان الحياد التام خشية تكرارا كارثة هيروشيما ونجازاكي التي لا زالت مؤلمة في الضمير الوطني..

الخلاصة: محاور الحرب العالمية الثالثة المتوقعة خمسة هي (منطقة وسط أوروبا – الشرق الأوسط والخليج – البلقان – البلطيق – تايوان وشبه الجزيرة الكورية) علما بأن المحور الخامس هو أضعفهم من حيث الواقعية السياسية والتطور الاقتصادي وبُعد هذه المنطقة جغرافيا عن مركز الحرب في أوروبا، ولأن الأسيويين يملكون حسا مرتفعا وثقافة وتطورا يمكنهم من الاستقلال الوجداني عن مركز الحرب ومحاوره الأربعة الأخرى..فعلى خلاف الكثيرين أرى من الصعوبة تورط الصين بحروب مباشرة ضد الغرب ، ربما تغزو تايوان لكن ردود الأفعال على ذلك الغزو لن تكون متسعة وخطيرة..والشرح يطول..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر