الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم الشعب ام حكم النخبة؟

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 3 / 21
السياسة والعلاقات الدولية


القاعدة المستنبطة من سير الحضارات هي ان الناس السيئة أكثر من الناس الطيبة، فلو لم تكن كذلك لم هذه الحروب التي عصفت بالعديد من دول العالم، ولماذا الاضطرابات الشعبية التي تضرب كل دول العالم! ان ميلان بوصلة قوى الخير والشر باتجاه الشر، دعت الى ضهور العنف والإرهاب. يبدو ان البرمجة الخوارزمية للبشر، وضعت الحماية الذاتية للإنسان (الانا) أولوية مطلقة بين الحاكمات الأخرى. فالإنسان يسعى الى القوة بكل اشكالها للوصول الى اغراضه الشخصية، غير آبه بمصالح الاخرين. وعبر مسيرة الانسان التاريخية، لم يكبح عنده جموح التسلط وتعطشه نحو الافتراس والوحشية ضد من يهدده. فالإنسان القديم حارب كل المخلوقات التي تهدد وجوده وبقاءه بالقوة الوحشية العمياء، وخلال تطوره كان يعظم دور عقله ليأتي بأدوات واسلحة حجرية تطورت الى وترية ومعدنية ومناجيق نارية.. فلم يتوقف الانسان عن افتراس المخلوقات وبضمنها بني جلدته في الاطوار الاجتماعية البدائية، ثم تطور في أسلوبه ليجعل القانون يقوم مقام ذلك الافتراس في الاطوار اللاحقة، وما القانون في الحقيقة الا هذه القوة ذاتها التي تجعل الحق في كفة القوي. اليوم يتشدق الانسان بالحرية السياسية وهي ليست حقيقية، بل هي مصيدة تتخذ طعما لجذب الناس الى صفه لينتزع السلطة ويبدأ بدوره الاجرامي، وما الطعم الا أفكارا تدعوا الى التحرر من واقع المعاناة والظلم والاحساس بالعبودية التي فرضها المنافس، ويحاول المنافس ان يتخلى عن بعض السلطات لديمومة بقاءه في حكم العباد وهكذا تستمر الحروب الوحشية من اجل الأصل الاناني المبرمج الكامن في الانسان.. فلا القوانين ولا الأديان تطغى على شهوة الانسان نحو امتلاك السلطة والمال.
جاهدت شعوبنا طوال القرن المنصرم للتحرر، وجل ما كانت تطمح اليها هو ان يعطى حكما ذاتيا، تحولت الشعوب في هذا القرن الى رعاع بلا تمييز، وبدأت المنازعات والاختلافات، وتفاقمت لتصبح معارك اجتماعية مندلعة بسبب الاستبداد المالي الذي يتعلق به رموز (الكفاح من اجل التحرر)! والشعب في حقيقته الطبيعية لا يبحث عن الأفكار بقدر تعلقه وبحثه عن المال الذي يأتي بالعيش الرغيد. وحيث ان المال طعم للتعلق، فبإمكان اختراق امن هكذا كيان من قبل رأس مال أجنبي!
وكما يبدو من سياق ما ورد أعلاه، ان السياسة لا تتفق مع الاخلاق في شيء. والحاكم المقيد بالأخلاق ليس بسياسي بارع، وهو لذلك غير راسخ على عرشه. ويذكرني التمسك بالأخلاق بأصل الكناية العراقية التي تقول (ساقها بتبنها)، اذ يحكى بان صبيا اسمه مجيد، كان يخدم لدى ثري، من أصحاب الأملاك، وكان هذا الثري يبعثه كل راس شهر الى مستأجري مساكن ودكاكين يملكها ليجمع بدلات الايجار، وكان المستأجرون يماطلون ويتعللون فيزعجون المالك، ويعاود ارسال مجيد اليهم ويرميهم، وهو في حالة عصبية، بأقبح الكلام المخدش للحياء، ويعود مجيد مضروبا متضعضعا بلا طائل، تبين للمالك بعد ان استفسر من مجيد سبب حاله، بانه كان ينقل ما تفوه به المالك من شتائم بحذافيرها الى المستأجرين، اللذين كانوا يقابلونه بالضرب والشتم، ولما ادرك المالك السبب، نادى على مجيد قائلا، حبيبي مجيد، ما دمت صادق اللهجة الى هذه الدرجة، فلماذا لم تشتغل نبياً؟ ورضيت ان تشتغل خادما عندي!
فلابد لطالب الحكم الالتجاء الى الرياء والمكر، والتصرف بالكلمات بشكل لا يخدش المشاعر وفي نفس الوقت يعبر عن المدلول، فان صفات الإنسانية من اخلاص وامانة تصير رذائل في السياسة ويزعزع العرش.
المال في هذا العصر هو مصدر افساد الجمهور، لذلك نرى الجمهور متقلب وسماع للسوء، فلوضع خطة عمل مناسبة يجب ان يُدَرك تناشز هكذا جمهور سيء. وحين يكون الحكام تحكمهم الاهواء والاشتهاء المستعر للسلطة والمال، فان الدول تتحول الى مدينة عميان وتمضي نحو الهاوية، ولن تقي (هكذا إدارة) الدولة ضد عدو أجنبي، لذلك ترى ان الخطط المجزئة أجزاء كثيرة بعدد ما في افراد الجمهور من عقول، تعتبر خطة ضائعة القيمة وغير قابلة للتنفيذ؟ بغير شيء من الاستبداد لا يمكن قيام حضارة، لان الحضارة لا يمكن ان تروج وتزدهر الا تحت رعاية الحاكم كائنا من كان لا بين يدي الجماهير، الاوتوقراطية تتمكن من رسم الخطط الواسعة. غالبية الجمهور غوغائي لا يمكن ان يضمن الحرية، وتتحول سريعا الى فوضى تجعل البيئة مغبرة لا تتوضح الرؤية الصائبة فيها لرسم الخطط. من خلال الاستبداد المرحلي الذي يلجأ اليه الحاكم مُكرها، ستظهر فائدة حكم حازم يعيد بناء الحياة الطبيعية نظامه الذي حطمته التحررية. أحيانا كثيرة يكون الشر وسيلة للوصول الى هدف الخير. يقول كيسنجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق، بانه كان يرى عيب الديموقراطية في الزامهم على اطلاع الشعب على كل استراتيجية اعدت بإحكام من قبل مختصين وعلماء، لكي يصدر الشعب القرار بشأنها لتصبح نافذة! فأضاعت عليهم فرصا كثيرة للنجاح.
ان الصحافة بأشكالها المتعددة في يومنا هذا، هي القوة العظيمة التي تتمكن من توجيه الناس. فالصحافة تبين المطالب الحيوية للجمهور، وتعلن شكاوى الشاكين وتولد الضجر احيانا بين الغوغاء، والصحافة (في الغالب) اسيرة ومسيرة بأيدي الإمبريالية وشركاتهم المساهمة، ومن خلال الصحافة تحرز هذه القوى نفوذا وتعمل من وراء الستار، وبفضل الصحافة يكدسون الذهب، ولو ان ذلك كلفهم انهار من الدماء.. ماذا يفيد عاملا أثقله عبأ الحياة الشاقة وضاق بحظه، ان يجد ثرثارا حق الكلام او يجد الصحفي حق نشر اي نوع من التفاهات؟ ماذا ينفع الدستور الجماهير إذا لم يظفروا منه بفائدة غير الفضلات التي تطرحها إليهم موائد الحكام جزاء اصواتهم التي انتخبتهم؟ ان الحقوق الشعبية سخريه من الفقير.
الصحافة تستغل مشاعر الحسد والبغضاء التي يؤججها الضيق والفقر، وهذه المشاعر هي الوسائل التي تكتسح بها من يصد الحكام عن سبيل أهدافهم. وبمساعده الصحافة تزيد ثقة الجماهير العمياء بالقوانين التي تسوغها الحكام (لأجل الشعب) زيادة مطرده. وتضخ الصحافة المسيرة، العلم والمعرفة الجاهزة (الدلفري) من مطابخ استخبارات الإمبريالية لتربي اجيالا حسب الاتجاه الذي توختها تلك الدوائر..
ما نوع الحكومة الذي يستطيع المرء ان يعالج به مجتمعات تفشت الرشوة والفساد في كل انحاءها. حيث الغنى لا يتوصل اليه الا بالمفاجئات الماكرة ووسائل التدليس وحيث الخلافات متحكمة على الدوام، والفضائل في حاجه الى ان تعززها العقوبات والقوانين الصارمة لا المبادئ المطاعة عن رغبه، وحيث المشاعر الوطنية والدينية مستغرقة في العقائد العلمانية؟ ليست صورة الحكومة التي يمكن ان تعطي هذه المجتمعات بحق الا صورة الاستبداد.
من الافضل تنظيم حكومة مركزيه قوية، وضبط الحياة السياسية بقوانين جديده. سيقال ان نوع الاستبداد لا يناسب تقدم الحضارة الحالي، غيران العكس هو الصحيح، ان الناس حينما كانوا ينظرون الى ملوكهم نظرهم الى ارادة الله كانوا يخضعون في هدوء لاستبداد ملوكهم. ومنذ قيام (الثورات التحررية) التي اوحت فيها الى العامة بفكره حقوقهم الذاتية اخذوا ينظرون الى الملوك نظرهم الى أبناء الاغنياء العاديين. لقد سقطت المسحة المقدسة عن رؤوس الملوك في نظر الرعاع، وانتزعت منهم عقيدتهم، وأصبحت القوة بيد الشارع فصارت كالملك المشاع يسهل اختطافه، ليصبح الامن والأمان والاستقرار السياسي حلما.
للحديث بقية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة