الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تعثرت العملية الروسية في اوكرانيا؟

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2022 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل تعثرت العملية الروسية في أوكرانيا؟
د. جاسم الصفار
17-03-2022
توقع الكثيرون عملية خاصة بسرعة البرق ينفذها الجيش الروسي في أوكرانيا. وها هو الأسبوع الثالث يمر منذ اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 دون أن تحقق أغراضها حتى الان. لذا لابد من وقفة عند اهم نتائج العملية وتقييم آفاقها المستقبلية.
بدايةً، لابد من الإشارة الى أن العملية الخاصة الحالية التي تنفذها القوات المسلحة الروسية لا مثيل لها في نطاقها منذ الحرب العالمية الثانية. أوكرانيا هي ثاني أكبر دولة في أوروبا، حيث تبلغ مساحتها 603549 كيلومترًا مربعًا ويبلغ عدد سكانها رسميا حوالي 41 مليون نسمة.
للمقارنة، تبلغ مساحة العراق 437.072 كيلومترًا مربعًا، وبلغ عدد السكان عام 1991 حوالي 17 مليون نسمة. استمرت عملية "عاصفة الصحراء" الأمريكية في العراق من 17 يناير إلى 28 فبراير 1991 (43 يومًا)، على الرغم من أن أراضي العراق هي في الأساس صحراء تضم 25-30 مدينة متوسطة وقليلة الكثافة فقط.
أما أوكرانيا فهي عبارة عن شبكة من التجمعات الحضرية المكونة من 450 مدينة، معظمها بها مشاريع سكنية كثيفة. وهنا تكمن صعوبة تنفيذ عملية خاصة من قبل القوات المسلحة الروسية، علما بأن القوات الروسية لا تغطي المدن الأوكرانية بقصف جوي شامل، كما فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق.
أثناء قصف ألتحالف للعراق، تم تدمير بنية العراق التحتية وجيشه وحرسه الجمهوري. فالأضرار التي لحقت البنية التحتية للعراق شملت مصافي النفط و96% من مولدات الطاقة الكهربائية لتعيد مستويات انتاج الكهرباء في العراق لما قبل عام 1920. وتعرضت محطات تصفية المياه للتدمير كذلك. بعض البنى التحتية تكرر تدميرها كمحطة كهرباء الحارثية قرب البصرة ومحطة تكرير النفط في بيجي. علما بأن لا مبرر للقصف المتكرر وخاصة ان البنى التحتية التي قصفت من الصعب ان يتم إصلاحها اثناء الحرب. بينما في كييف، على سبيل المقارنة، يستمر تزويد سكان المدينة بالكهرباء والماء في الوقت الحالي، فمحطات الترشيح والضخ لم تكن أهدافًا للجيش الروسي، ولا تتم الضربات إلا على المنشآت العسكرية.
عند غزو العراق لم تهتم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية لعدد الضحايا من بين المدنيين. لذا، ليس غريبا أن يتوقع السياسيون والصحفيون الأمريكيون أن الجيش الروسي على وشك البدء في استخدام الذخائر العنقودية والقنابل الفراغية لترهيب السكان.
في 4 مارس، في لقاء نظمه معهد الحروب الحديثة، قال الخبير الامريكي في الشؤون الروسية مايكل كوفمان: "إذا كنت محللًا عسكريًا ورأيت ما يفعله الجيش الروسي، وما توقعه الكثير منا، ترى أن الجيش الروسي يتصرف بشكل مختلف. وهذا محير للغاية وغريب ". الأمر فقط هو أن الجيش الروسي لا يستطيع التصرف بالطرق الأمريكية في أوكرانيا، لأن هدفه ليس دفع أوكرانيا إلى العصر الحجري على الإطلاق.
أشار الرئيس الروسي إلى أن القوات الروسية "تقاتل من أجل روسيا، ومن أجل حياة سلمية لمواطني دونباس، ونزع سلاح أوكرانيا واجتثاث النازية فيها" و " لكيلا تتعرض روسيا لأي تهديد من نمو ظاهرة (معاداة الروس) التي زرعها الغرب "منذ سنوات على حدودنا، بما في ذلك التهديد باستخدام الأسلحة النووية، كما كان الحال مؤخرًا".
خلال محادثة هاتفية، أوضح فلاديمير بوتين بالتفصيل للمستشار الألماني أولاف شولتس أنه "خلال العملية العسكرية الخاصة، يتخذ الجيش الروسي جميع الإجراءات الممكنة لإنقاذ أرواح المدنيين، أما التعبئة الإعلامية الأوكرانية حول القصف المزعوم لمدينة كييف ومدن كبيرة أخرى فهي ليست الا دعاية فاضحة مزيفة ". وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الأوكرانية تقوم بدعاية عدوانية بين سكانها، لإقناعهم بأن القوات الروسية ستقتل الأوكرانيين، ولن ترحم لا النساء ولا المسنين ولا الأطفال.
وقد اضطرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية بالفعل على التصريح بأن الدعاية الأوكرانية مشبعة بالمواد المزورة. كانت المعلومات حول الطيار الأوكراني "فانتوم كييف"، الذي "أسقط الكثير من طائرات القوات الجوية الروسية"، وهمية من أولها حتى اخرها. كما تبين أن قصة 13 مقاتلا من حرس الحدود الأوكرانيين، زعمت أوكرانيا بأنهم دافعوا عن جزيرة "الأفعى" حتى الموت، لم تكن الا من اختراع الدعاية الرسمية الأوكرانية. وتعترف الصحيفة، أن وسائل الإعلام الغربية والمنصات الاجتماعية تواكب بتعاطف مخرجات وسائل الاعلام الأوكرانية، ولا تُخضع الحشو المعلوماتي للتفكير النقدي. هذا، اضافة لاعتراف صحيفة "واشنطن بوست"، بأن السلطات الأوكرانية لا تلتزم بأي قواعد للدعاية الإعلامية.
بالطبع، لا توجد حرب واحدة بدون خسائر، في 2 مارس، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أنه خلال العملية الخاصة في أوكرانيا، قُتل 498 جنديًا روسيًا وأصيب 1597. في الوقت نفسه، لم تعلن قيادة القوات الأوكرانية بعد عن بيانات اكيدة تعترف فيها بخسائر الجيش الاوكراني، مما يشير إلى أن الوضع صعب للغاية.
ليس لدى الجيش الروسي هدف للاستيلاء على كل مدينة في أوكرانيا بالمعارك. فبعد ان حاصر الجيش الروسي مدن كبيرة مثل خيرسون ومليتوبول، طلب من السلطات المحلية ان يوقفوا القتال ويستمروا في إدارة مدنهم كما كانوا من قبل. على أن الاستجابة لطلب الجيش الروسي أمر محفوف بالمخاطر، فعلى سبيل المثال، قتل المتطرفون الاوكرانيون رئيس مقاطعة كريميني لوكانسك، فلاديمير ستروكا، بعد مناشدته السكان لقبول شروط الجيش الروسي. ولعدم الرغبة في تكرار ما حصل في خيرسون وميليتوبول، استبدل رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي رؤساء منطقتي تشيركاسي وأوديسا برجال عسكريين "أيديولوجيين" بدأوا في تجهيز المدن للدفاع الصارم.
وفقًا للمعلومات التي تم تسريبها من مكتب الرئيس الأوكراني، اعتقد فريق زيلينسكي أنه من خلال إطالة الصراع وإلحاق الخسائر بالجيش الروسي، سيكونون قادرين على التفاوض وفق شروط أكثر قبولًا لاتفاقيات السلام، وفي أحسن الأحوال، جر الناتو للتورط في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بهذا الشكل أو ذاك.
يجب أن يكون مفهوما أنه في اليوم الذي بدأت فيه العملية الخاصة، كان لدى القوات المسلحة الأوكرانية 250 ألف شخص، واعتبارًا من فبراير 2022، كان هناك 145 ألف فرد في القوات البرية. حوالي 2800 دبابة و8000 عربة مدرعة و3500 نظام مدفعي و230 طائرة من مختلف الأنواع كانت في الخدمة وفي قواعد التخزين. لذا، لكي تنجح العمليات الخاصة للجيش الروسي في تدمير أو شل هذه القدرات الأوكرانية، فمن الطبيعي أن يستغرق الأمر بعض الوقت.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن القوات الخاصة العاملة في إطار القوات المسلحة لأوكرانيا تم تدريبها بانتظام من قبل متخصصين عسكريين من دول الناتو، وهي الآن تتصرف بمهنية عالية. إضافة إلى ذلك، وكما صرح ممثل وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، فإن المرتزقة الأجانب الذين وصلوا إلى أوكرانيا يرتكبون أعمال تخريب ومداهمات لقوافل المعدات والعتاد الروسية، وكذلك طائرات تغطيها.
كما يجب ألا ننسى كذلك أن هنالك خلايا من المخربين والمحرضين المتدربين على العمل خلف خطوط القوات الروسية، يتطلب تشخيصهم والقضاء عليهم وقتا ليس قليلا، والتجربة العراقية التي تطرقنا اليها أعلاه خير دليل على ذلك.
في الوقت الحالي، ونتيجة لهجمات الجيش الروسي على المقرات ومراكز الاتصال، بدأت قيادات القوات المسلحة الأوكرانية في المناطق المختلفة تفقد سيطرتها، التي لم يتم تنظيمها بأفضل طريقة من قبل، على الوحدات القومية والنازية مثل ازوف وأيدار. فغالبًا ما تجاهلت هذه الوحدات تعليمات القيادة الأوكرانية وتصرفت بشكل مستقل. بالإضافة إلى ذلك، وزعت القيادة الأوكرانية أسلحة دون حسيب ولا رقيب على السكان المدنيين، والتي بدأت في استخدامها فعليا بصورة عشوائية.
في هذا الصدد، حتى إذا اكتملت المرحلة الرئيسية من العملية الخاصة في مارس، ونتيجة للمفاوضات، تم التوصل إلى اتفاقيات سلام مع الجانب الأوكراني، فان التشكيلات الفردية المنفلتة للقوات المسلحة الأوكرانية، التي تم شحنها بالدعاية المعادية للروس قد تستمر بالمقاومة المسلحة.
ومع ذلك، لا يوجد سبب للشك في تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة. كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "مهام العملية العسكرية الخاصة سيتم انجازها في جميع الاحوال، ومحاولات كسب الوقت من خلال إطالة أمد المعارك والمماطلة في المفاوضات لن تؤدي إلا إلى مطالب إضافية على كييف في موقفنا التفاوضي".
في رأيي، ستبقى هذه العملية العسكرية الخاصة في التاريخ كـ "عملية توحيد"، عندما ينتهي المشروع الأيديولوجي المناهض لروسيا في اوكرانيا، ودمج لجمهوريتي دانيتسك ولوكانيسك في الاقتصاد الروسي. عندها لن تكون المنطقة المنزوعة السلاح في أوكرانيا السابقة محل اهتمام الغرب. وحتى لو تم تشكيل دولة اوكرانية جديدة بنهج "غربي" مدعومة ماليا وماديا من الغرب على كل أو بعض المناطق من أوكرانيا السابقة، فسوف تجف بسرعة منابع هذا الدعم بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية المتزايدة. ثم سيتعين على هذه "الدولة" مرة أخرى أن تتجه نحو روسيا وتطلب مساعدتها، والتي ستحصل عليها بالتأكيد، ولكن بشروط مناسبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية