الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الأخيرة: ملاحظات مندوب الى المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي

ماجد فيادي

2022 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


التتويج بوثيقة قدماً نحو التغيير

"قووا تنظيم حزبكم.. قووا تنظيم الحركة الوطنية" شعار اطلقه الرفيق فهد "سلمان يوسف سلمان" في المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي العراقي بالعام 1945، الذي قُدِمَ فيه ميثاق العمل الوطني بمثابة برنامجاً للحزب بعد الحرب العالمية الثانية.
من يقرأ ميثاق العمل الوطني كبرنامج حزب شيوعي سيجده يقترب كثيراً من وثيقة قدما نحو التغيير الشامل، كبرنامج للحزب لما بعد العام 2021. هذا يعني ان العراق أضاع من عمره وثرواته الطبيعية والبشرية والسباق الزمني مع شعوب العالم ستة وسبعين عاما، واذا ما اضفنا لها سنين ضياع قادمة حتى يتمكن العراق من تجذير الديمقراطية والعمل في طريق البناء، فإن العدد يتجاوز المئة عام.
لا اريد الذهاب بعيداً بالزمن، ففي مرحلة المعارضة ضد النظام الدكتاتوري عمل الحزب الشيوعي العراقي على لملة القوى العراقية المعارضة وحثها لتوحيد الجهود النضالية في محاولة لإسقاط الدكتاتورية، بتقريب وجهات النظر وايلاء المشتركات أهمية اكبر من الخلافات الايدلوجية، كنوع من العمل السياسي الذي يرتقي الى مستوى تقديم مصلحة الشعب العراقي على المصالح الحزبية والقومية والطائفية والشخصية الضيقة. شهدت مرحلة ما بعد سقوط الصنم واحتلال العراق دعوة الحزب للقوى العراقية ان تعقد مؤتمراً وطنياً جامعاً يرسم خارطة الطريق، تحدد مهام اعادة تأسيس الدولة العراقية، بعد ان الغاها الاحتلال الامريكي بقرار تعسفي من الحاكم بأمره بول بريمر. لكن للأسف تنكرت الأحزاب التي كان يعول عليها تحقيق أحلام الشعب العراقي، في زوال الدكتاتورية والانطلاق نحو البناء، تنكرت عن تحقيق أحلام الشعب لأسباب طائفية وقومية وتبعية لدول خارجية، ولم تضع نصب عينيها معاناة العراقيين على مدى سنين الدكتاتورية.
ثم اقترح الحزب تأجيل كتابة الدستور واجراء الانتخابات التشريعية لعامين قادمين، وطالب أولا بناء مؤسسات الدولة وإعطاء فرصة للشعب العراقي ان يتعرف على الحياة السياسية ويمارسها بعقلية غير انتقامية او بمساع تعويضية عن المظلومية، وان يفتح باباً تتسلل منه للديمقراطية الى المجتمع، وان يتعرف العراقيون على الأحزاب القادمة حتى تختبر مشاريعها واداؤها قبل ان يمنحوها أصواتهم. لكن المرجعية الدينية أصرت على كتابة الدستور، أما الأحزاب الإسلامية والقومية المستفيدة من هذه العجلة، فقد أصرت هي الاخرى على كتابة دستور بعقلية لا تنسجم وما يصبوا اليه الشيوعيون والوطنيون والديمقراطيون والمدنيون، لبناء دولة ومجتمع قادران أن يحاكيا ما وصل اليه العالم من تقدم فكري واقتصادي.
بعد أن غزى الإرهاب حياة العراقيين، دعا الحزب الشيوعي الى التخلي عن المحاصصة الطائفية والقومية التي قسمت المجتمع العراقي الى مكونات، وفتحت باب الفساد لنهب ثروات البلد وانتشار الخراب والبطالة، لكن صم الاذن استمر حتى صارت ثلث أراضي العراق بيد دولة الخلافة الإسلامية (داعش). ثم دعا الحزب الى وقوف الشعب العراقي والأحزاب الحاكمة صفا واحدا بوجه داعش، لكن في خضم معاناة العراقيين وفي ظل موجات النزوح وتصاعد حوادث الذبح والتفخيخ، جرى استغلال فتوى الجهاد الكفائي لتأسيس مليشيات حزبية بهدف اضعاف الجيش والقوى الأمنية والهيمنة على مقدرات الشعب وتقاسم المغانم.
في ذروة حرب التحرير وإعادة الأراضي المحتلة من داعش، وقف الحزب الشيوعي العراقي مع الجيش والقوى الأمنية والحشد الشعبي وقوات البيشمركة في ساحات القتال لدحر الإرهاب، ووقف في ساحات التحرير مع المتظاهرين رافعا شعاراتهم المطلبية، مثل الكهرباء وفرص العمل والأمان والبنى التحتية وكشف الفساد والفاسدين. استمر الحال حتى انطلاق انتفاضة تشرين، حينها دعا الحزب الى تصحيح عدد من شعارات تشرين الخاطئة مثل رفض الأحزاب بالمطلق، وعدم اختيار قيادة للانتفاضة، وتأجيل تنسيق الجهود وفق مبدئ العمل على المشتركات، لكن للأسف لم يستمع له الكثيرون. حتى حليفه التيار الصدري لم يستمع لما قاله الحزب في أهمية اختيار نظام انتخابي يجعل العراق دائرة انتخابية واحدة، فذهب الى نظام الدوائر المتعددة الذي ادخل البلد في فوضى كبيرة.
لم اتناول في هذه الحلقات عن المؤتمر الوطني الحادي عشر تفاصيل واضحة عما طرح حول تحالف سائرون، لان الموضوع بحاجة الى اكثر من حلقة وكشف اسرار حزبية لا يصح نشرها الان، بالإضافة الى استجابة المؤتمر لمقترح اصدار وثيقة خاصة بتحالف سائرون، تقييمه وفقا لما طرح من إيجابيات وسلبيات وعدد من الشهادات التي ادلى بها رفاق قياديين. لكن هذا لا يمنع من القول ان كل ما عمل من اجله الحزب كبرنامج تحالفي وطروحات وطنية أراد لها ان تكون خارطة طريق لتفكيك المحاصصة الطائفية والقومية، لم يقابله الحليف بجدية في العمل.
هكذا نكون قد اقتربنا على عجالة من وثيقة قدما نحو التغيير الشامل ودواعي صدورها كوثيقة تمثل برنامج الحزب وتوجهاته القادمة بعد المؤتمر الوطني الحادي عشر. فقد نقد عدد غير قليل من الرفيقات والرفاق عدم التزام القيادة بشعار المؤتمر الوطني العاشر، عندما جرى الانتقال من شعار التغيير الى الإصلاح، ثم الدخول في تحالف سائرون. جرى ذلك عبر المؤتمرات الحزبية وعلى بعض المنابر الإعلامية وتكرر النقد من قبل المندوبين في المؤتمر الوطني الحادي عشر على النحو التالي "ان قيادة الحزب عملت بعلاقات فوقية على مستوى القيادات مع الأحزاب والتيارات واهملت العمل على القواعد الجماهيرية، بالإضافة الى عدم الوضوح في تطوير تنظيمات الحزب وتوسيعها، خاصة بين الشبيبة، كذلك جرى الابتعاد عن القوى المدنية الديمقراطية العلمانية اليسارية على قلتها في المجتمع العراقي، رافقه انخفاض في النشاطات الجماهيرية الهادفة الى الكسب الجديد او تحريك الجماهير من اجل مصالحها".
كانت ردود الرفاق في قيادة الحزب ان تلك الملاحظات لم تكن دقيقة، وان العمل كان يجري على كل المستويات، خاصة وان سياسة الحزب كانت تصب في تأييد القرارات البرلمانية والحكومية الصائبة، في نفس الوقت تقف بالضد من القرارات التي تضر بمصلحة الشعب العراقي، اما توسعة التنظيم فقد تأثرت بأساليب الجذب الغير شرعية للأحزاب الحاكمة، من تعيينات وتقديم التعويضات المالية لمن لا يستحقها، وإشاعة ان الأحزاب القوية هي القادرة على حماية المواطن بدل الدولة، وإن الأحزاب الإسلامية تمثل الطائفة ومظلوميتها، ومع انتشار الإرهاب وحوادث القتل المجاني وتصاعد المد الطائفي والقومي، وظهور داعش على أشلاء تنظيم القاعدة، ثم الانتقال الى مرحلة تحرير الأرض وما رافقها من حركة نزوح واسعة وهجرة عدد غير قليل من كوادر الحزب الشبابية ضمن موجات الهجرة الى خارج البلاد، لم يكن ممكنا ان تتغلب لغة العقل بغياب الوعي المجتمعي، وفي خضم ظروف غير مناسبة لنمو حياة سياسية سليمة، ومواقف غير مشجعة للقوى المدنية القريبة من توجهات الحزب، دخلنا في تحالف سائرون لعدة اسباب الاول كسر الطوق المفروض على الشيوعيين نتيجة تقدم المد الديني في المجتمع، والحضور الدائم لفتوى المرجع السيد محسن الحكيم أن "الشيوعية كفر والحاد" وما نشره حزب البعث المنحل من أكاذيب حول الشيوعيين، الهدف الثاني خدمة القاعدة الجماهيرية التي يعمل عليها التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي في نفس الوقت، وهم طبقة الكادحين المعدمين، الذين يمثلون اعداد مليونية في المجتمع، الثالث شق صف التكتل الطائفي الذي ذهب بالبلد الى الهاوية الاقتصادية والأمنية والثقافية والصحية.
صار من المناسب بعد هذا العرض السريع ان انقل تقييماً مهماً قدمته قيادة الحزب الى المؤتمر الوطني الحادي عشر، يلخص الكثير من الصورة الاجمالية للتحالف وهو "أحد اهم الدروس في تجربة سائرون ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك الى أطر تحالفية، لأنها تحتاج الى مقاربات أخرى لها علاقة بمنهج الأداء السياسي وطبيعة الأطراف ونمط ادارتها، ولا يكفي في هذا الشأن تشابه المنحدر الاجتماعي لطبيعة جمهور القوى المتحالفة". ما يعني ان درس تحالف سائرون قد ترك علامة واضحة على تاريخ ومستقبل الحزب الشيوعي العراقي، وان تقييما من هذا النوع في وثيقة حزبية رسمية يكفي لترجيح كفة فشل التحالف على كفة النجاح، بالرغم من عدد المكاسب التي طرحتها وثائق المؤتمر او احاديث قيادة الحزب.
من هنا جاءت وثيقة قدما نحو التغيير الشامل، لترسم توجهات السنوات القادمة بعد انتهاء تحالف سائرون وقيام انتفاضة تشرين وظهور نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة وحجم المقاطعة الشعبية التي واجهتها. ترسم الوثيقة ملامح التحرك على "الديمقراطيين وأنصار الدولة المدنية الديمقراطية، ومن سائر أنصار الديمقراطية، ومن تنسيقيات الحراك المدني والشعبي والانتفاضة المجيدة، وقوى التغيير كافة" لأجل تحقيق التغيير الشامل بتغليب المشتركات ومصلحة الشعب العراقي على الخلافات، من خلال توحيد الشعارات والرؤى وتفسير المفاهيم وعدم الانجرار خلف طروحات تضر بالمصلحة الوطنية، بالإضافة الى اشراك اكبر قدر ممكن من الجماهير كقوة ضاغطة على الفاعل السياسي باتجاه نبذ المحاصصة الطائفية والقومية، بتشكيل حكومة وفق مفهوم الأغلبية السياسية، تشريع القوانين المعطلة منذ سنين، تغليب البناء الاتحادي وحل المشاكل العالقة مع إقليم كردستان، اتخاذ خطوات عملية لإصلاح جهاز الدولة وترسيخ بنائه المؤسسي، ضمان الأمن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية في البلاد والتصدي للإرهاب، تكريس مفهوم المواطنة، الدفع نحو تبني استراتيجية تنمية مستدامة وخطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل، بالاشتراك مع حكومة الاقليم والحكومات المحلية، إنشاء صناديق سيادية استثمارية، التحول في إعداد الموازنة العامة نحو موازنة البرامج، الدفاع عن حقوق المرأة والشباب والحفاظ على مكتسباتهم، ضمان حرية الثقافة والابداع واحترام التعددية الفكرية، حصر السلاح بيد الدولة، والابتعاد عن سياسة المحاور.
هكذا يقع على عاتق الحزب الشيوعي العراقي اتخاذ الإجراءات العملية وإقامة الفعاليات الجماهيرية السياسية التي تنسجم مع تلك التوجهات كبرنامج عمل، وفي نفس الوقت يقع على عاتق الأحزاب الديمقراطية التشرينية المدنية وقوى الجماهير ان تعمل هي الأخرى بنفس الاتجاه، حتى تتظافر الجهود لتختصر الزمن في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة العراقية لضمان حقوق الانسان والاجيال القادمة وتوفر العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية وتوفير فرص العمل وتقديم الخدمات والانتقال السلمي للسلطة.
في ختام الحلقة الأخير أتوجه لكل الرفيقات والرفاق مندوبي المؤتمر الوطني الحادي عشر لكتابة ملاحظاتهم بما يصب في تطوير العمل الديمقراطي وتقديم الخدمة والنموذج الإيجابي للقوى الوطنية الناشئة، حتى نخلق حياة سياسية سليمة تكون ضاغط حقيقي نحو بلد متحضر تذوب فيه المكونات عندما تظهر قضايا المجتمع كأولوية سياسية اقتصادية اجتماعية، وفي نفس الوقت تحصل المكونات المجتمعية على كامل حقوقها في ممارسة طقوسها وثقافاتها ضمن اطار الفسيفساء العراقية، هكذا نكون أوفياء لشعار "قووا تنظيم حزبكم.. قووا تنظيم الحركة الوطنية" وفي نفس الوقت نعمل على تحقيق شعار المؤتمر الوطني الحادي عشر "التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية".
في انتظار صدور وثائق المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي، حتى نتمكن من مناقشتها في ظل ما طرح خلال المؤتمر، بروح نقدية تسعى لتحقيق مصالح الشعب العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك