الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب العنف في سفر يشوع

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سفر يشوع السفر، السادس في كتاب العهد القديم وقد كتب هذا السفر على يد يشوع بن نون في فلسطين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، تاريخياً جسّد هذا السفر مرحلة زمنية بعد وفاة موسى حتى وفاة صاحب السفر، بدأ يشوع بعمر الثمانين في قيادة بني اسرائيل حتى وفاته بعد ان تجاوز 110 عاماً.
رفض الصدوقيون احد اسباط اليهود الاعتراف بقدسية السفر لما احتواه في عدم واقعية الأحداث التاريخية لبني اسرائيل بيد ان السفر نفسه لم يكتمل حتى بعد سقوط القدس على يد الامبراطورية البابلية في القرن السادس قبل الميلاد، اذ هناك فترة تزيد عن 900 عام اثبت فيها السفر فقدان قيمتة التاريخية. لقد استدل الكثير من علماء نقد النصوص التاريخية في صحة كتابة السفر اذ ان فكرة اسرائيل الكبرى اتت في فترة امتدت عدة قرون بعد فترة سفر يشوع، في حين برزت مملكة اسرائيل ويهوذا خلال العصر الحديدي اي في القرن الثاني عشر بين 1500 – 1000 ق.م. في العصر الحديدي. دمرت الامبراطورية الآشورية مملكة اسرائيل في بداية القرن الثامن قبل الميلاد، اي ان صلاحية السفر التاريخية ليست دقيقة وبقيت الأسفار المنحولة تمجد تاريخ اسرائيل وتبشر بعودة مجدها من النهر الى البحر. ليس اساساً عندنا القيمة التاريخية للسفر بقدر ما يهمنا تأسيس النص العدائي والعدواني للفكر الديني الباكر للديانات التي اعتمدت العنف في ترسيخ العقيدة الروحانية للمعتقد.
ان ما يؤيد نقد النص تاريخياً ان هناك تعديلات واضافات قد تم وضعها على السفر فتغيرت فيه مكانة النص من مرجع تاريخي الى نص تحريضي فقط على العنف، لهذا نجد ان قصص الغزو في سفر يشوع لا علاقة لها بالواقعية التاريخية، فزمن احدا ث تدمير المدن، قتل الحيوانات والاطفال تمت في القرن 13 قبل الميلاد. يزخر سفر يشوع اكثر من غيره في اسفار العهد القديم، مشاهد القتل، ذبح اطفال، نساء وشيوخ، حرق مدن وقتل لحيوانات، فأذا كان الانبياء تقودهم الروح القدس في هدي افعالهم فهل ستكون مشاهد الدم وتدمير المدن موحاة حقاً من الإله الرحيم العادل؟ وهل ستكون قوته الفعاله في روحه القدس حقاً تريد الخير والصلاح والسلام في الارض ام هي ارادة رغبة القائد الديني؟ ان الخط الفاصل عند كتّـاب الاسفار هو علاقتهم المُحكمة بخيال عقولهم واحساسهم بالصلة الروحانية التي يستلهموا من خلالها علاقتهم بالغيب، فهي علاقة زج العقل واقناعه ان ما يكتبوه يرضي الإله ظناً انه يسمعهم ويمجّد كتاباتهم، هذا السفر يبدأ من الاصحاح الاول ان الله اوحى الى يشوع بعبور نهر الاردن : ﴿ أما أمرتك ؟ تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب .. هكذا اطاع واتبع يشوف امر الهه ” حسب كل ما سمعنا لموسى نسمع لك. إنما الرب إلهك يكون معك كما كان مع موسى، كل إنسان يعصى قولك ولا يسمع كلامك في كل ما تأمره به يقتل. إنما كن متشددا وتشجع ..﴾ بدأ الامر الإلهي بالقتل في كل من لا يطيع يشوع.
يخاطب يشوع ذاته من خلال الهامه خطاباً وجدانياً، صرخة عدوانية في اعماق كيانه لا يشبعها إلا الحرق والقتل واقتحام وتدمير المدن، خطاب يعيش فيه المُلهَم، ارضاءً لذات إلهه الصارخ في اعماقه، ان مظاهر قسوة النص في سفر يشوع تتمثل في حصار واقتحام اريحا، يذكر الاصحاح 6 من السفر: ﴿.. وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الأَرْضَ: ادْخُلاَ بَيْتَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ الْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا. فَدَخَلَ الْغُلاَمَانِ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَأَخْرَجَا كُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ. وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ ﴾ . حاصروا المدينة ومنعوا اهلها من الدخول والخروج قم احرقوا كل من فيها وقتلوا اهلها بالسيف.
شجّع الله يشوع في الاصحاح 8 ان يجمع جميع رجال الحرب والذهاب الى مدينة عاي وينتقم من ملكها كما فعل في اريحا. فالله ارشده لخطة عسكرية لضرب عاي ويجعل فيها كمينا: ﴿ وَلَمَّا رَأَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْكَمِينَ قَدْ أَخَذَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَّ دُخَانَ الْمَدِينَةِ قَدْ صَعِدَ، انْثَنَوْا وَضَرَبُوا رِجَالَ عَايٍ. وَهؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ لِلِقَائِهِمْ، فَكَانُوا فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ، هؤُلاَءِ مِنْ هُنَا وَأُولئِكَ مِنْ هُنَاكَ. وَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَارِدٌ وَلاَ مُنْفَلِتٌ. وَأَمَّا مَلِكُ عَايٍ فَأَمْسَكُوهُ حَيًّا وَتَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى يَشُوعَ. وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي الْحَقْلِ فِي الْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ وَسَقَطُوا جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى فَنُوا، أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ ﴾ تحدث السفر عن مصير ملك عاي الذي امر يشوع بشنقه على الخشبة حتى غروب الشمس ثم انزلوا جثته ورموها عند مدخل باب المدينة.
نتغلغل اكثر من ظلمات السفر الدامية، فنجد الوحشية تتكرر في عموم هذا السفر، الضرب بحد السيف عدة مدن، في مشاهد درامية، ضربَ المدن جميعاً بحد السيف، يذكر الاصحاح 10 من سفر يشوع فعل السيف بالمدن الاسرائيلية، فعل بمقيدة كما فعل بأريحا، وكان ان اجتاز المدن من لبنة الى لخيش ثم اجتاز من لخيش الى عجلون فقتل كل نفس بها، حتى ضرب يشوع الجبال والسهول وقتل كل ملوكها، فهذا الإله الذي امر يشوع بقتل كل نسمة، استمر فيه المشهد الدموي للنص التوراتي، وصل يشوع الى غزة وجميع ارض جوشن حتى ان وصف النص جعل الصورة وكأننا في مشهد ارهابي ان جميع الملوك وارضهم كانت رحم سيف يشوع وجنده. فهذا التقل وسبي المدن واستباحة دماء اهلها، يعطي الصورة الواضحة إلى إله اليهود فهو لم يرتوِ إلا برؤيا الدم.
يتكرر المشهد الدامي في الإصحاح 11 ، رجع يشوع بعد ان احتل حاصور وضرب ملكها بالسيف : ﴿.. لأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ قَبْلًا رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ الْمَمَالِكِ. وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ، وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ، وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ. غَيْرَ أَنَّ الْمُدُنَ الْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ، مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ. وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ وَالْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَة ..﴾ ان السفر جسّد حقيقة النص في ان الواقع كان اداة بيد القائد الديني فصار الله طاغوتاً ارهابياً استباح جميع الأمم فجعل النص ظله في الارض لتحقيق انانية رجل الدين، ان ما رأيناه دوافع القتل الدينية، استعادة مجد اسرائيل فليس من الحكمة والموعظة الحسنة، بل في جعل المدن خاضعة لإرادة العقيدة الدينية. ان وصف النص في الاصحاح 23 انسجم الى حد بعيد ان العلاقة بين القائد الديني ووجدانه في إله يهتف بأعماقه اعطى الحقيقة المطلقة ان النص استفاضة روحانية ذاتية لا غير، بعد ان انجز هدفه في اراقة الدماء : ﴿ بعدما اراح الرب اسرائيل من اعدائهم حواليهم ان يشوع شاخ وتقدمت به الايام ..قال انا شخت .. وانتم قد رايتم كل ما عمل الرب الهكم هو المحارب عنكم ..﴾ فمن هو المحارب عن بني اسرائيل؟ بحسب يشوع ان الله هو المحارب، فهذا احلال الذات التي استوحت من الذات الإلهية وجودها في النص الديني. اي اننا في النص الديني نجد المعنى ان الذات الإلهية مترسخة الجذور في الزعامة الدينية تحقق مطامعها بما يدفع الإحساس ان الذات الإلهية تسكن في اعماق القائد الديني، فهذا الله تجسّد في اطماع يشوع فصار النص إلهياً غير صادر عن الإله. بحسب ريتشارد دوكنز في كتابه وهم الإله ص 115 اشار الى : ﴿ المهزلة التراجيدية لغيرة الاله المهووس من الالهة الاخرى تتكرر خلال العهد القديم .انها الدافع الاول للوصايا العشرة ... وتظهر بوضوح اكبر بالوصايا البديلة التي قدمها االله .. ووفاء بوعده بطرد العموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين من الشعوب من ارضهم, .. ان تصفية الشعوب التي بدأت في عهد موسى اثمرت دمويتها في كتاب يوشع، كتاب ملحوظ في مذابحه المتعطشة للدم والخوف من الغرباء الذين يتوجب ذبحهم. كما تقول الاغنية البهيجة ” يوشع وفي معركة اريحا، اهتزت الحيطان ووقعت.. ليس هناك احد مثل يوشع عند الاله, في معركة اريحا . ” يوشع الكبير لم يستريح حتى دمر اريحا بالكامل، رجالها ونسائها, المسن والطفل, الثور والنعجة والحمار، على حد سيفه . يوشع 21:6 ..﴾. وكما فعل التراث الإسلامي في فرض العقيدة الإلهية وتقسيم الشعوب الى مسلمة وكافرة، اتخذت العقيدة اليهودية في الفكر الديني الطريق نفسه، فلقد نظموا الجيوش وكان امير الجيش يأمر اهل البلاد الإيمان بعقيدة موسى، ان هم رفضوا جرّد سيفه لقتالهم وحرق مدنهم، فلقد كانت عقيدة الإله الغير المرئي الذي تم تطويره عن نسخة الإله مردوخ الوثني، امتداد لقمع الشعوب. استنتاجاً ان سفر يشوع بكل ما حمله من دموية ومأساة فهو تاريخ النص لعقيدة كان فيها يشوع اداة لتحقيق ارادة الغيب. ليس الاساس المحافظة على وجود شعب مبرراً ليشوع بأفعاله ان يكون الحرق والتقتيل بكل اشاكله السوداء لجعل الشعوب تستقر على عقيدة لا تقوم إلا بالدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي