الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- نزار - كتابة ممتعة تنقض الوضوء

منى نوال حلمى

2022 / 3 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


----------------------------------------------


21 مارس ... بدء الربيع ..
21 مارس ... بدء انقلاب الأرض على ركود الشتاء ..
يوم امتلاء لوحة الحياة بالألوان والزهور، وبهجة الاستمتاع بالدفء .
21 مارس ... اليوم الذي نقول فيه للشتاء، "وداعاً حتي الذين يعشقون الشتاء، يقولون له "وداعاً دون ندم. فالتغير هو قانون الحياة شئنا، أو أبينا.
21 مارس ... عيد الأم ، حيث تُكرم الأمهات ، والزيارات العائلية، والأغنيات وكلمات الامتنان، وقبلات الحب والتقدير.
21 مارس ... اليوم العالمي للِشعر ..
21 مارس 2021 .... يوم رحيل أمى " نوال " ..
21 مارس 1923 ... يوم ميلاد " نزار " الشاعر الذى عشقته فوق طاقتى على حب
الشعراء .. رجل جاء من سوريا ، التى أهدتنى أيضا رفقاء أشجانى وأفراحى ، " فريد " ،
و " أسمهان " .
21 مارس 2022، يكون قد فات على ميلاد " نزار " ، 99 عاما .... الشاعر والرجل والثائر ، الذى أنجبته أمه " فايزة " ، فقط ليكون عزائى الوحيد ، فى سيرته وقصائده،
وقوتى الحقيقة ، ويقينى الملتصق بجلدى ، واليد الحانية التى تمسح دموعى . هو نبض الكتابة التى تمنعنى من الجنون أو الانتحار ، وتدعونى للمواصلة رغم العبث واللاجدوى .
نزار .. (21 مارس 1923 – 30 أبريل 1998)
وحين أقول نزار، لا أقصد الشاعر الذي تصل موهبته إلى ما بعد السماء. ولست أقصد حساسيته المرهقة لجميع تفاصيل الحياة الصغيرة، العابرة، التي جعلها في أشعاره بحجم الكون. ولست أقصد التراث الشعري الهائل، الذي يستحيل على شاعر عادي أن يكتبه.
حين أقول نزار، أقصد الطاقة الشعرية اللامتناهية. لتحويل كل ما فى الحياة إلى شعر. حينما نستمع إلى أشعار شعراء آخرين، نشعر أن شِعرهم منفصل عن الحياة اليومية المعاشة .. الحياة التي هي من دم، ولحم، وشعور، وأعصاب. قد نستمع إلى شاعر يطوف بنا، في فضاء الكلمات التي تتحدث عن الثورة، والاحتجاج، والغضب، والتذمر. لكنها كلمات سابحة في الهواء، ليس لها موقف حياتي معاش على الأرض، وليست نابعة من معاناة امرأة حقيقية، أو معاناة رجل حقيقي, أو معاناة شعب حقيقي في لحظة تاريخية محددة. كلمات حماسية، تلعب على أبعاد ميتفيزيقية ودلالات كونية، مجردة من إحباط الإنسان العربي، وتعاسة المرأة العربية، وإزدواجية وتناقض المجتمعات العربية. ولذلك يأتينا شعور، أنه على الرغم من حماس الشاعر وانفعاله، والكلمات المحفزة التي يطلقها في وجوهنا، هناك "انفصال" واضح بين الشاعر وِشعره. الكلمات سليمة لا غبار عليها، والزخارف موضوعة في مكانها، وصوت الشاعر ممتلئ بالقوة، والحماس، ومع ذلك نشعر بشئ ما، لا يريحنا تماماً، لا يطربنا تماماً، لا يمتعنا تماماً. والكثيرون ربما لا يعرفون السبب، لكنهم يصفقون للشاعر المتحمس قوي العبارة، ذي القصيدة العصماء، المعقمة، المرفهة ، وكهنة النقد يضعونه سلطان الشِعر العربى ، والدولة تكرمه ، وتحتفى باسمه ليل نهار ، وتمنحه صفحات لكتابة المقالات فى الصحافة ، ويظهر علينا فى القنوات الاعلامية،
بقصائده المقعرة المغتربة .
حين أقول نزار، فأنا أقصد سقوط الحاجز بين الشاعر وقصيدته. كلمات نزار قبل أن تنقشها دفاتره الزرقاء (كان يحب الكتابة على الدفاتر الزرقاء)، نقشها جسده، وأعصابه، وضجره، واغترابه، وعذاباته اللانهائية. كل قصيدة كتبها نزار، هي امتداد طبيعي لترفه، وأحزانه، وأفراحه، وتمرده وثورته على المجتمع العربي. لا توجد قصيدة كتبها نزار، بـ سِن القلم، ولكن بـ سِن الألم المخترق كل خلية من خلاياه. كل تجربة عاشها مهما كانت صغيرة (لا يعترف نزار بأن هناك تجارب صغيرة وأخرى كبيرة) هي تجربة العلم كله.
قال نزار: "ليس عندي تجربة صغيرة وتجربة كبيرة. كل تجاربي الصغيرة هي في الوقت نفسه، ذاته تجربة العالم كله. فأنا حين أتحدث عن حبي، وإنما أتحدث عن حب العالم كله. وحين أتحدث عن حزني، إنما أتحدث عن حزن الدنيا بأجمعها. نخطئ حين نظن أن تجربة الشاعر الجزئية تجئ من برزخ آخر. فالشاعر جزء من أرض، ومجتمع، وتاريخ، وموروثات ثقافية، ونفسية، وعضوية. وكل كلمة يضعها الشاعر على الورقة، تحمل في ثناياها الإنسانية كلها. والتجربة الذاتية التي نظنها صغيرة، تأخذ في بعض الأحيان حجم الكون. لذلك فإن خصوصيات الشاعر، بمجرد اصطدامها بالورق، تتعدى ذاتها، لتصبح فضيحة .. فضيحة يقرؤها العالم. ان الأدب الذاتي خرافة وافتراض. فالذات ليس الكتروناً منفصلاً ولكنها جزء من حركة الكون. حتى في حالات عشقي الخاص، أشعر أنني أكثر كونية. وأشعر أن الواحدة التي أحبها هي كل النساء ".
إن هذا الالتصاق، أو الالتحام بين نزار وشِعره، ليس فقط نتيجة موهبته الشعرية النادرة، ولكنها أيضاً دليل الصدق، والاتساق مع النفس، وعدم الاهتمام بالمديح أو الذم ، ، لا يعنيه ارضاء . فهو صادق إلى حد الوجع، متسق مع نفسه إلى حد الانبهار، فى استغناء إلى حد الزاهد المتصوف. يقول نزار : " لغتي الشعرية هي المفتاح الحقيقي لشعري وأهم منجزاتي... أعلنت عصياني على القاموس العتيق و مفرداته وأحكامه البوليسية. اللغة الأكاديمية زجاجة صمغ، أي أنها مادة شديدة الالتصاق، والذين استسلموا لها من الشعراء، غرقوا في الصمغ، أو صاروا صمغاً " .
"..... اننى حين أكتب لا أقبل أي سلطة مهما كانت أن تجلس فوق أصابعي. أنني على الورق أمتلك حرية إله. " واحدة من مقولات " نزار " المجيدة .
يحتفي نزار بالمرأة، احتفاءاً خاصاً، وكان يعتقد أن كل شِعر لا يغترف من الأنوثة، شعر ناقص، يتيم، غير طبيعي.
كتب نـزار : كل كتابة هي أنثى
ولو كتبها رجل
وكل ثقافة لا يعتد بها
إذا لم تتشكل في رحم امرأة
لذلك سميت الوردة وردة
واللوحة لوحة
والمنحوتة منحوتة
والقصيدة قصيدة
والرواية رواية
والسيمفونية سيمفونية
وفي حين كل الرجل يعلن الحرب
كانت المرأة تعلن الحب
وتصنع القصائد والأطفال
لا يؤمن نزار بالتجزئة على مستوى الِشعر، أو على مستوى الإنسان. الإنسان الحقيقي الأصيل، غير قابل للتجزئة. وحده العاشق العظيم للمرأة، هو المؤهل لأن يكون وطنياً عظيماً، وثائراً عظيماً.
إن احتلال الوطن، بالنسبة لـ نزار، ليس معناه فقط، وجود ما نسميه بالعدو الخارجي، الذي يستعمر بجيوشه، ودباباته، وفلوسه، أو حتى بثقافته. إن الاحتلال أيضاً، (وهو الأكثر خطورة) أن تحتلنا قيم وتقاليد بالية، تعوق حركة الحياة إلى الأجمل والأعدل، وأن تستعمرنا مشاعر العنصرية، والتعصب تجاه أوطان أخرى.
منذ بداية قصائده السياسية، التي افتتحها نزار بقصيدته "هوامش على دفتر النكسة" وهو على حد تعبيره "في أسنان التنين". وكان كعادته مع كل هجوم وإدانة، يشعر بالزهو، وأنه أصاب الداء في مقتل.
إن علاقة نزار الحميمة، المستمرة، مع المرأة، حررته من التجزئة الذكورية لمعنى القهر الوطني، والتحرر الوطني. تعلم نزار من النساء، أن الحب قضية سياسية من الدرجة الأولى، وأنه في ارتباط عضوي بمسألة التحرر الوطني. لقد علمته علاقاته بالنساء، والدخول إلى همومهن، وأسرارهن، ومعاناتهن .
أطلق " نزار " جملته الثورية الشهيرة الغريبة ، تفضح مفاهيم الوطنية العتيقة العرجاء ، ذات بعد واحد مزيف ، وتكشف الذكورية الأسمنتية ، المغروسة و المزروعة فى فهمنا لتحرير ونهضة الأوطان .. قال " نزار " مَنْ يرضى باستكانة امرأة، يرضى باستكانة وطن" . يا لها من جملة ، يستحق عليها ، باقات ورود بعدد نساء كوكب الأرض .
هل قالها واحد من الرجال الذين يطلق عليهم " المفكرين " ، " التنويريين " ،
" الثائرين " ، " العظماء " ؟؟.
يكتب نـزار : أحاول رسم مدينة حب
تكون محررة من جميع العقد
فلا يذبحون الأنوثة
ولا يقمعون الجسد
..........
أحاول رسم بلاد لها برلمان من الياسمين
وشعب رقيق من الياسمين
تنام حمائمها فوق رأسي
وتبكي مآذنها فوق عيوني
أحاول رسم بلاد تكون صديقة شعري
ولا تتدخل بيني وبين ظنوني
ولا يتحول فيها العساكر فوق جبيني
أحاول رسم بلاد
تكافئ إن كتبت قصيدة شعر
وتصفح عني إذا فاض نهر جنوني
على مدي نصف قرن من الزمان، هاجم نزار الشيزوفرانيا الذكورية، وأن يعيش الرجل العربي حياة واحدة، لا تعرف مبدأ "التقية".
كتب نزار: "الفرق بيني وبين العشاق أنهم يحبون في العتمة وضمن جدران غرف النوم المغلقة. أما أنا – فلسوء حظي – أنني رسمت عشقي على الورق وألصقته على كل الجدران. هذه هي مأساة الفنان، أنه لا يستطيع أن يتصرف في الحياة بشكل وعلى الورق بشكل آخر. أنه ملزم كشاعر أن ينقل سريره إلى الشارع، ويضع عواطفه تحت تصرف جميع المواطنين وفي خدمتهم كالتماثيل والأرصفة، والحدائق العامة. ولأنني لا أستطيع ممارسة العشق في العتمة، ولا أستطيع أن أخبي حبيبتي في سرداب من الحجر، أصبحت قصائدي وثائق اتهام موقفة بإمضائي... ان شاعر الحب في بلادنا يقاتل فوق أرض وعرة، وفي مناخ عدائي ردئي ".
وبالتالي لا يفهم نزار الكتابة، إلا كونها مواجهة حياتية ، بالدم بالعقل والجسد والعاطفة للألغام المخبأة تحت الجلد. انها المرادف لهدم الأشياء والقوالب، والبروتوكولات والأعراف، واحداث الصدمة.
أحاول أن أكتب، عن "نزار"، في ذكرى الميلاد ، (21 مارس 1923–30 أبريل 1998).
لكن كيف؟ هل تستطيع الأبجدية، أن تتهجأ حروفها؟ هل يمكن للكتابة، أن تكتب نفسها؟!.
"نزار"، ليس رجلاً، حاول بالكتابة، أن يصنع وجوده النادر المتفرد. بل كان هو، "الكتابة"، في ذروة تأنقها، وعصيانها، وافتضاح أسرارها . كان "الكلمة"، السلسة، العميقة ، مثل جذور الشجر.. الموحية بالتمرد .. المشعة بالحكمة.. النازفة عشقاً .. النابضة بالغضب الثائر .. وأشجان الغناء. هو "الكلمة"، المنطلقة ضد احتلال الوطن .. وضد استعمار النساء. " نزار " ، ليس شاعرا ، او واحد من الشعراء . لكنه الِشعر نفسه ، حينما يبقى متجددا ، ومتوهجا ، وساحرا . والدليل على ذلك ، وهذه ليست مصادفة ، أن يكون مولد " نزار " 21 مارس ، هو اليوم العالمى للشِعر .
من المحال، أن تهل علينا ، ذكرى ميلاد "نزار"، في مرحلة حرجة من تاريخنا الساعى للتحرر والنهضة ، دون أن نتذكر، قصائده الثورية، عن الحرية، والثورة ضد الحكام، والتمرد على شيوخ القبائل الذكورية. صعب جداً، وليس من الوفاء، أن ننسى "نزار" اليوم، وهو الذي تمنى قيام الشعب العربي، من نومه الطويل ، وانعتاق النساء من الثقافة الصحراوية الذكورية ، ألم يبشر بثقافة البحر ، وحضارة الماء ؟؟.
وكان "المنفى" ، ل نزار ، والإقامة الجبرية، خارج وطنه، ومصادرة قصائده "المغضوب عليها"، وادانته ب أبشع الاتهامات، يزيد من صلابته . المزيد من الاتهام ، كان يجدد السفر ، الى فنادق الغربة ، ف ترتفع قامته الشعرية .
كان "نزار"، يؤمن بأن الإنسان الحقيقي الأصيل، غير قابل للتجزئة. فـ العاشق العظيم، وحده، هو المؤهل، لأن يكون وطنياً عظيماً .. وثائراً عظيماً.
إن الوطنية، والعشق، والثورة، عند "نزار"، هي موقف من الحياة، بكل تفاصيلها اللا نهائية، المرتبطة ببعضها البعض. لكن الغالبية، يعجزون عن رؤية هذا الارتباط.
بـ معنى أن مَنْ، يؤلمه، عصفور مسجون في قفص، يؤلمه بالدرجة نفسها، امرأة تعامل كالجواري .. يؤلمه وطن أسير الإحتلال. كل أشكال، ودرجات الاحتلال خارجيا، و داخلياً ، تخدم بعضها البعض .
كتب "نزار" : "صورة الوطن عندي تتألف كالبناء السيمفوني من ملايين الأشياء .. ابتداء من حبة المطر، إلى مكاتيب الحب، إلى رائحة الكتب .. إلى طيارات الورق .. إلى حوار الصراصير الليلية .. إلى المشط المسافر في شَعر حبيبتى ...."
وكان لابد أن، يتعرض "نزار"، إلى مزايدات بإسم الوطن.. وبإسم الفضيلة وباسم الدين، من الذين يعانون قصر النظر الوطني .. وكهنة الوطنية .. وفقهاء تحرير الوطن.
تساءل محتكروا "التحرر الوطني"، كيف للشاعر، الذي لا هم له، إلا امتداح عيون النساء، أن يهجو الخزي العربي؟ ماله ومال السياسة، والوطن والثورة،
وهو الشاعر، الذي تفوح من قصائده، رائحة النبيذ، واشتهاء النهود.. ويطربه رنين الخواتم والأساور ؟!!
كتب "نزار" :
لا أنتِ من صنف
العبيد ولا أنا أهتم في بيع العبيد
اني أحبك جدولاً وحمامة
وبنوءة تأتي من الزمن البعيد
وأنا أحبك في احتجاج الغاضبين
وفرحة الأحرار في كسر الحديد
....
وكتب أيضا .. " لا تقلقي عليّ يا صديقتي
فـ كل ما اقترفته
انى منعت البدو أن يعتبروا النساء كالوليمة
وكل ما ارتكبته
اني رفضت القمع
والايدز السياسي
والفكر المباحثي
والأنظمة الدميمة
وقال نزار .. " تتظاهر – حين أحبك – كل المدن العربية
تتظاهر ضد عصور القهر
وضد عصور الثأر
وضد الأنظمة القبلية
وأنا أتظاهر – حين أحبك – ضد القبح
وضد ملوك الملح
وضد مؤسسة الصحراء
ولسوف أظل أحبك حتى يأتي زمن الماء
....
تساءل "نزار" : " ما هو هذا الوطن؟
الذي يخاف أن يسمع صوت امرأة في التليفون
حتى لا ينقض وضوءه
... ما هذا الوطن؟
الذي ألغى مادة الحب كمن مناهجه الدراسية
وألغى فن الشعر .. وعيون النساء
ما هو هذا الوطن؟
الذي يتكلم في النهار كـ قديس
ويدوخ في الليل على سُرة امرأة
....
ويكتب عن "فاطمة" قائلا : " ترفض فاطمة جميع النصوص المشكوك بصحتها
وتبتدئ من أول السطر
تمزق جميع المخطوطات التي ألفها الذكور
وتبتدئ من أبجدية أنوثتها
تقفز من قطار الجاهلية
تكسر ساعتها الرملية
وتتكلم معي لغة البحر
....
من مقولات " نزار " ...
أريد أن أحب، حتى ألغي الشرطة والحدود والاعلام واللغات والألوان والأجناس ... أريد أن أستلم السلطة يا حبيبتي ولو ليوم واحد، لأقيم جمهورية الإحساس .. اذا صحوت يوما ولم أجد منْ شتم قصيدتى ، أدركت فورا أنها قصيدة رديئة ..
أدرك "نزار"، أن ثقافة النفط، كارثة ذكورية، وفخ حضاري، ورجوع إلى الغزوات الجاهلية – كتب "نزار" :
" وتزوجت أخيراً
بئر نفط
وتصالحت مع الحظ أخيراً
كانت الصفقة – يا سيدتي – رابحة
ومن الصندوق أخرجت أميراً
لم يحركني
حين شاهدتك في كل الصور
تتثنين كالطاووس شمالا ويميناً
وتذوبين حياء وخفر
وتشدين على كف النبى المنتظر
كانت أحلام، "نزار"، أكبر من اتساع السماء، وأرحب من ذكريات الياسمين، في بيته الدمشقي، وأكثر عمقاً، وزرقة، من عينيه ، وجميع "بحور الِشعر".
قد نختصر أحلامه، حين كتب : " أحاول رسم بلاد
تعلمني أن أكون على مستوى العشق
أحاول رسم بلاد
لها برلمان من الياسمين
وشعب رقيق من الياسمين
... محررة من جميع العقد
أحاول رسم بلاد تكون صديقة شِعري
لا تتدخل بيني وبين ظنوني
ولا يتجول فيها العساكر فوق جبني
أحاول رسم مدينة حب
... لا يذبحون فيها الأنوثة
...
عاش "نزار"، الحياة، كأنها قصيدة، صنعتها فصيلة دمه الثائرة .. وموهبته النادرة.. وعشقه للحرية.. وتمرده ضد جميع أنواع القيود.. عاش "نزار"، - رغم المنفى والإدانة والمصادرة (التي كان يفتخر بها، ويعتبرها دليل جودة القصيدة) الحياة، وفق مزاجه، المتقلب كالبحر .. عاشها عفوياً .. متوهجاً .. لا يطيع أيا قانون، أو عُرف .. أو موروث، أو سُلطة، إلا سُلطة الشِعر.
عاش سعيدا لأن القصيدة اختارته، لتكون قدره.
لكنه، مثل كل المبدعات، والمبدعين، العظماء، كان لابد أن يأخذ نصيبه
من الحزن، والألم، والاغتراب .. قدر ندرة موهبته.
لذلك ، كتب "نزار" : .....
فأنا إنسان مفقود
لا أعرف في الأرض مكاني
ضيعني دربي .. ضيعني
اسمى .. ضيعني عنواني
تاريخي ؟! مالي تاريخ
انى نسيان النسيان
انى مرساة لا ترسو
جرح بـ ملامح إنسان
*****
لا ينسى " نزار " كنوع من الزهو ، والامتنان لها ، تعليق جدته، حين كان طفلاً يكسر لعبته :
" دعوة يحطم فمن رماد الأشياء تخرج النباتات " .
صدقت الجدة الدمشقبة ، كما تصدق جميع الجدات والأمهات ، بحسهن الفطرى ، النابع
من خير الأرض ، حبهن غير المشروط ، وحكمتهن الممتدة عبر الزمان .
--------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير