الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نهج – سمات- خاصيات- طبيعة- أساليب

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المحور: العقلية الإسلامية
إن عقلية الفقهاء والمفسرين، في غالبيتهم الساحقة، ظلت تقذف بتفسيرات وتعليلات وتخريجات للحالة ولنقيضها لتبرير الأساطير والاختلاقات التي تم نسجها بخصوص النبي والقرآن والتاريخ المبكر للإسلام. وما دام عامة المسلمين يبتلعون دون تمحيص ودون إعمال العقل، فكلما برز تناقض ما، في القرآن أو السنة، تقذف لهم تخريجات جاهزة معلبة لتجاوز الإحراج.
وهكذا ساهمت هذه العقلية بقوة في إخراج الإسلام والقرآن والسنة عن دائرة التاريخ. واليوم يعيش الموروث والسردية الإسلامِيَيْن مأزقا جراء ما أنتجته هذه العقلية على امتداد قرون. علما أن هذه المآزق ازدادت حدة في عالم عرف تطورات هائلة وغير مسبوقة على مستوى فهم الكون ونواميس الطبيعة وفك ألغازها. لكن تلك العقلية ظلت على حالها وتمترست خارج دائرة التاريخ. وفي نهاية المطاف آلت هذه العقلية إلى وضع جعلها لا تتماشى مع تطور البشرية والمعارف، وبالتالي أضحت إمكانية الإصلاح الفعلي وتقويم الاعوجاج عسيرا جدا وربما قد يكون بعيد المنال.
فمن سيمات العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية:
- التفكير القياسي – نسبة للقياس-
- التمييز الصارم بين "الخاصة" و"العامة"
- بلورة تخريجات لتجاوز الحرج
إنها عقلية تعتمد على تفكير قياسي وليس على التفكير التحليلي. وهذا التفكير القياسي هو الطاغي إلى حد الآن، على الطريقة الإفتائية في العلوم الشرعية وفي علم الكلام.
وظل رأي "الخاصة" هو الذي يؤخذ بعين الاعتبار في أي مسألة ومجال. وهذا ما يطلق عليه الطابع الأرستقراطي لمعظم مجالات المعرفة في العالم الإسلامي على مر العصور.
هذا التمييز الصارم أدى – بشكل فظيع – إلى تبجيل الفقهاء واعتبارهم الحجة الواجب الانصياع وراءها. مما ساهم في تحجر المعرفة الإسلامية وتكلس الموروث الإسلامي واستئساد حراس هيكل الموروث الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية. وربما قد يفسر هذا ٬ جانب من جوانب عدم استفادة المسلمين ٬ فعلا ٬ من الابداعات العلمية والفكرية لعلمائهم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية واستكمال الطريق التي دشنوها في عصر التألق هذا، كأن إبداعات هؤلاء لم تؤثر فعلا في المجتمع الذي عاشوا فيه، كأن جهودهم ذهبت سدى ٬ لكن استفاد منها غيرهم.
ظلت العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية مجبلة على تخريجات لتجاوز الحرج. في واقع الأمر لم يكن أمامها خيار، لأن "تخريجة" تفرض "تخريجة" أخرى، وكل "تخريجة" تصبح مرتكزا وهكذا دواليك. وذلك لأنها اعتمدت أطروحات أوقعتها في مآزق شتى وإحراج كبير٬ تراكمت عبر قرون٬ إلى أن أضحى الباحثون يرون في التاريخ المبكر للإسلام ثقب أسود والسردية والموروث الإسلاميين يشكلان منجما يحتوي على أطنان من التراب وغرامات نادرة من الذهب أو الفضة.
ويبدو أن الوظيفة الأساسية للعقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية أضحت مقتصرة على الدفاع والتبرير والتبجيل. فالمقدس يساوي الحقيقة المطلقة، ولا دور لها إلا الإقرار بهذه المعادلة والعمل على الدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة. ولبلوغ هذا المرمى حشدت جملة من "الأسلحة" للبحث على مخرج لكل التباس أو غموض والقفز على التناقضات والمتعارضات دون إلغائها.
ظلت منظومة الموروث الإسلامي المعرفية "واحدة" في جوهرها، تكرر استنساخ كيانها وإعادة إنتاجه بالنقل والاجترار ضمن القطيع. كأن مسار المعرفة والوعي وإعمال العقل توقفت [ في نقطة نهاية التاريخ] في لحظة تاريخية من الزمن البشري، فقضي الأمر. وكل ما سيأتي بعد تلك اللحظة هو مجرد تكرار يتلوه تكرار، وهكذا دواليك. وتكرس هذا الواقع، بل وتم فرضه فرضا باستعمال سلاح النبذ والتكفير، وتقديمه كخيار وحيد لا ثاني له. هكذا أصبح اليوم مستقبل المسلمين وراءهم وليس أمامهم٬ وبالتالي فلا داعي للتفكير والاجتهاد.
سارت العقلية المنبثقة عن هذا المسار على درب واحد، التبجيل والتعظيم والتفخيم وأحيانا كثيرة التكفير، وسكنتها عوارض العاطفة والانحياز والتعصب ولفظ الآخر. ولم يخطر ببالها – ولو لحظة – التوقف للمساءلة والتمحيص.
إن ما حكم، ومازال يحكم العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية، هو منطق التدخل الإلهي في مجرى الحدث التاريخي.
إن التاريخ في منظور العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية يتحرك بمنطق غائي، ومحكوم مسبقا بحكمة مثبتة في " اللوح المحفوظ" [ اللوح الأزلي] بكل تفاصيله ودقائقه. وهذا الطرح هو، في واقع الأمر، باب واسع – مفتوح على مصراعيه- في أي وقت وحين، وفي أي زمان ومكان، يتيح تفادي أو التخلص من كل ما من شأنه الإحراج، حتى وإن كان الأمر يخص واقعا ملموسا لا غنى عن الإقرار به.
يختلف نتاج العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية عن نتاج الدراسات المعتمدة على البحث والتمحيص والمساءلة، في كون أن الأول بعيد كل البعد عن مختلف التطورات في كافة المجالات قاطبة، في حين أن الثاني ظل مطبوعا – وقريبا على كل حال – بمسار التطور المعرفي ومسايرا للغة العصر ومحترما لعقل المتلقي ورافضا للتمييز بين " الخواص والعوام"، باعتبار أنه من المفترض، من حق الجميع الاطلاع على "الحقائق" دون وصاية على العقول عوض تغييبها بدعوى الحماية أو خوفا من سوء فهمها أو خشية من فتح باب الشك والمساءلة.
إن العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية لا تمل من تكرار أن هدفها هو حماية عقول "العوام" والشباب والمؤمنين مما قد ينال من عقيدتهم. لذلك نصّب أشخاص أنفسهم حراسا لهيكل الموروث الإسلامي وأوصياء على "العموم"، بل وكلاء الله على أرضه [أصحاب الحل والعقد]، وما على "القطيع" إلا الطاعة والإتباع والتكرار والاجترار.
لكن يبدو اليوم بوضوح، أن أنجع السبل للخروج من "دائرة القطيع"، وبالتالي التصدي للعقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية، هو نشر اعتماد منهج قرع الحجة بالحجة. إنه مسار كفيل بكشف حقيقة هذه العقلية وتهافت أطروحاتها وتعرية خلفياتها. كما من شأنه تبيان حقيقة مختلف "أسلحتها" وأدواتها المفاهيمية والمعيارية التي تعتمدها للقيام بوظيفتها الرئيسية.
من أدوات العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية إقفال أبواب الاجتهاد منذ أمد بعيد، وهذا ما كرّس دائرة "القطيع" التابع. وحرصت على إبقاء تلك الأبواب موصدة اعتبارا بأن ما توصل إليه السابقون هو الأكمل والأتم والأصح، ولم يعد أمام المرء إلا أخذه وبلعه واجتراره وإعادة إنتاجه.
ومن أساليبها الخلط وعدم الترتيب. فغالبا ما يكون نهج العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية الخلط وعدم ترتيب الأفكار بطريقة منظمة ومنتظمة، تميز بين المقدمات والنتائج ودراسة مآل الفكرة. وظل اللجوء إلى الخلط من أكثر الوسائل المعتمدة لمواجهة المخالف للرأي والراغب في التساؤل والمساءلة والتمحيص.
ومن أساليبها، التعويم و الضبابية، ولي عنق التاريخ وعنق الحقائق والنوازل في نقل الأخبار التي من شأنها أن تحرج، الشيء الذي يجعل المرء لا يقف على بر ولا يمكنه الحسم في جملة من الأمور والنوازل الواردة في السردية الإسلامية. وهكذا يصعب عليه فهم ما جرى ووقع، والتمييز بين الحقائق والإضافات والاختلاقات .
إن التعويم والضبابية ولي عنق الحقائق مَكَّن العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية من تجاوز الإحراج، إذ تظل كل الاحتمالات قائمة دون ترجيح إحداها أحيانا كثيرة. هكذا يفقد الحدث أو النازلة أو المعلومة الفاعلية والدقة والصدقية.
إن رد فعل العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية ظل واحدا لم يتغير، فكلما تم كشف حقائق تحرجها – جراء الدراسات المعتمدة على البحث العلمي وآخر مكتشفات العلم – لجأت إلى اعتماد نظرية المؤامرة ،التي أضحت ردة فعل مستدامة على كلما من شأنه خلخلة ثوابتها. وغالبا ما تشير ردود فعل العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية إلى أن الدراسات الحديثة تعتمد المناهج الحديثة وتشتمل على ثراء معلوماتي ومعرفي وتوصف بالجرأة، لكنها تحذر من خطورتها على العقيدة. فهي – أي تلك العقلية – لا تسلك طريق التفنيد والرد بلغة العصر، وإنما تكتفي باعتبار كل ذلك مجرد مؤامرة من صنيع أعداء الإسلام.
لازالت المنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية مسكونة بجملة من الأطروحات المكبلة من قبيل تقديس نص المصحف – نعم أقول نص المصحف الذي بين أيدينا اليوم . عندما أضحى المصحف مقدسا، لفظا ورسما، اعتبرت العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية أدنى تغيير في الكلمة المقدسة أو تمحيصها ومساءلتها، انحرافا بل "جريمة" من شأنها أن تؤدي إلى فساد الدين وضياع العقيدة أو إلى اضطرابات اجتماعية.
ويبدو أن كبل [وثاق] تقديس النص تأكد منذ تأليف "المصحف الإمام" بعد محاولة إتلاف كل ما سواه من قرآن مدوّن، ليصبح مصحف عثمان قانونا مطلقا لا يمكن السماح بتغيير ولو قيد أنملة منه، وتكرس هذا الفهم عند المسلمين.
جدو جبريل
[email protected]

تراكم الاستنتاجات والتساؤلات
تذكير
إن تفكيك السردية والموروث الإسلاميين يحتاج إلى أرضية انطلاق لإنجاز عملية التفكيك وإعادة التركيب لوضع اليد على نموذج يمكّننا من إصدار حكم قيمة على المنظومة الفكرية والمعرفية الكامنة وراء العقلية الزئبقية التبريرية التبجيلية.
ويمكن لموقع الحوار المتمدن، باعتباره فضاء حرّ أن يساهم فعلا في تشكيل وعاء لتأسيس قاعدة بيانات من أجل تفكيك السردية والموروث الإسلاميين، سيما وأن مشروع من هذا القبيل بالضرورة هو مشروع جماعي وطويل النفس.
سأحاول إعداد مساهمات متواضعة وبانتظام وعرضها على من يهمه الأمر، وذلك على الشكل التالي:
عرض أو تفكيك أو تمحيص أطروحة أو إشكالية أو قضية في كل ورقة وختمها باستنتاجات وتساؤلات، ومع تتالي المساهمات حسب ما تيسر، ستتراكم الاستنتاجات والتساؤلات.
للاطلاع على المشروع الرجوع إلى ورقة : من أجل تفكيك السردية والموروث الإسلاميين - على سبيل البدء - المنشورة في 18 مارس 2022 في عدد موقع الحوار المتمدن 7194.

المحور: العقلية الإسلامية

ورقة العقلية الإسلامية المنتصرة السائدة اليوم : ما هي خصائصها الرئيسية ؟
الحوار المتمدن-العدد: 7198 - 2022 / 3 / 22

- الأمر الإسلامي ومناولة القرآن ظل حكرا على الفقهاء والعلماء التقليديين (حراس الهيكل).
- سيادة آراء ومواقف الذين ظلوا مخلصين للنقل والترديد والتكرار والاجترار.
- غالبية المسلمين غير قادرين على رسم مسافة بين العقيدة والدراسة البحثية.
- ظلت قراءة المقدس قراءة عقائدية دينية خاضعة لقوالب جاهزة مسبقا على امتداد قرون.
- كرست الارثودوكسية الإسلامية تفسيرا معينا للقران وترتب عليه فهم وأمور أخرى وأصبح كل مخالف ينعت بالضلال والهرطقة والكفر.
- تبنت "المؤسسة الإسلامية" – منذ قرون – عقلية بنت استمرار حضورها وفعاليتها على طمس وتغييب الآخر.
- ساهمت العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية في عدم التمكن من التحرر من الموروث الإسلامي، لا سيما الموروث الإشكالي للمفسرين والفقهاء.
تساؤلات
هل العقلية الإسلامية السائدة اليوم عقلية زئبقية تبريرية تبجيلية ؟ ما هي خصائصها ، نهجها، أساليبها، وأدواتها؟
هل التاريخ المبكر للإسلام ملعوب فيه ؟
هل السنة مفبركة ؟
هل القرآن إشكالي ؟
هل العلوم الشرعية والفقهية الإسلامية علوم مخرومة ؟ وكيف ؟
هل التمحيص غير المتحيز يقر بهذا أم ينفيه؟

ورقة العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نهج – سمات- خاصيات- طبيعة- أساليب
المنشورة أعلاه

ساهمت هذه العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية في إخراج الإسلام والقرآن والسنة عن دائرة التاريخ .
من سيمات هذه العقلية:
- التفكير القياسي – نسبة للقياس-
- التمييز الصارم بين "الخاصة" و"العامة"
- بلورة تخريجات لتجاوز الحرج
العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية مجبلة على تخريجات لتجاوز الحرج.
التاريخ المبكر للإسلام ثقب أسود والسردية والموروث الإسلاميين يشكلان منجما يحتوي على أطنان من التراب وغرامات نادرة من الذهب أو الفضة.
الوظيفة الأساسية للعقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية أضحت مقتصرة على الدفاع والتبرير والتبجيل
وتكريس النقل والتكرار والاجترار باستعمال سلاح النبذ والتكفير.
ما يحكم العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية، هو منطق التدخل الإلهي في مجرى الحدث التاريخي.
ترسيخ طرح " الخواص والعوام"، علما من المفترض أن من حق الجميع الاطلاع على "الحقائق"، دون وصاية على العقول، وليس تغييبها بدعوى الحماية أو خوفا من سوء فهمها أو خشية من فتح باب الشك والمساءلة.
إقفال أبواب الاجتهاد منذ أمد بعيد، وهذا ما كرّس دائرة "القطيع" التابع.
ومن أساليب العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية الخلط وعدم الترتيب ، التعويم و الضبابية.
إن رد فعل العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية ظل واحدا لم يتغير، فكلما تم كشف حقائق تحرجها – جراء الدراسات المعتمدة على البحث العلمي وآخر مكتشفات العلم – لجأت إلى اعتماد نظرية المؤامرة.
المنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية مسكونة بجملة من الأطروحات المكبلة من قبيل تقديس نص المصحف – نعم أقول نص المصحف الذي بين أيدينا اليوم ولا أقول القرآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقيده البدويه
على سالم ( 2022 / 3 / 23 - 13:53 )
لاشك ان الاسلام كدين ومعتقد بدوى كان له كبير الاثر فى تخلف المسلمين وردتهم الحضاريه

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س