الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النضال الطبقي سيؤدي حتمًا إلى الثورات الاجتماعية

خليل اندراوس

2022 / 3 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



تبرز الماركسية في المقام الأوّل طابع العملية التاريخية الموضوعي وتعلق كذلك أهمية كبيرة على الأعمال الواعية التي تقوم بها الطبقات والأحزاب والجماعات والأفراد، وتنوّه بدور النظرية الثورية الطليعية الهائل. وقد صاغ ماركس وانجلز في مؤلفهما "العائلة المقدسة" وهو أول مؤلفاتهما المشتركة أسس المذهب الخاص بدور الجماهير الشعبية في التاريخ.

ان التناقض الموضوعي بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج بين أسلوب الانتاج في مجتمع معين وأشكاله يؤدي في درجة معينة من التطور إلى تغييرات جذرية في حياة المجتمع إلى انعطاف اجتماعي إلى ثورة اجتماعية، وهذا التناقض يشكل أساس الثورة المادي، والثورة تنجز عملية نضوج مقدمات النظام الجديد تدريجيا في أحشاء النظام القديم، وتحل التناقض بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الانتاج القديمة، وتحطم علاقات الانتاج البائدة والبناء الفوقي السياسي الذي يدعم هذه العلاقات وتفسح المجال لاطراد نمو القوى المنتجة.

وفي مقدمة ماركس لمؤلفه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" الصيغة الكلاسيكية لجوهر الفهم المادي للتاريخ. فإن ماركس يشير إلى أن جوهر الثورة الاجتماعية يكمن في حل النزاع بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج وفي الانتقال من نظام اجتماعي اقتصادي إلى نظام آخر، ويؤكد ان "أي تشكيلة اجتماعية لا تموت قبل أن تتطور جميع القوى المنتجة التي تفسح لها ما يكفي من المجال، ولا تظهر أبدًا علاقات انتاج جديدة أرقى قبل أن تنضج شروط وجودها المادية في قلب المجتمع القديم بالذات".

ان الاعتراف بدور الجماهير الشعبية الحاسم هو من أهم موضوعات الفهم المادي للتاريخ، كما ان الجمهور، الشعب، الشغيلة، العمال والفلاحين هم أهم قوة منتجة في المجتمع وهم الذين يصنعون بعملهم جميع الخيرات المادية انما هم صانعو التاريخ الحقيقيون: "ان الطبقة الثورية نفسها هي من بين جميع أدوات الانتاج أقوى قوى منتجة" (ماركس، انجلز – بصدد الثورة الاشتراكية). وفي سياق تطور التاريخ تتعاظم أهمية دور الجماهير الشعبية الحاسم بلا مرد، وبقدر ما يتسع ويتعمق الانقلاب الجاري في المجتمع بقدر ما تكبر الجماهير التي تقوم بهذا الانقلاب. "ومع رسوخ الفعل التاريخي سينمو بالتالي... حجم الجمهور الذي هو عمله" (ماركس انجلز – العائلة المقدسة). ان الثورات الاجتماعية انما تقوم بها الجماهير الشعبية.

ومع دراسة سنن الانتاج المادي وديالكتيك القوى المنتجة وعلاقات الانتاج، اثبت ماركس وانجلز ان النضال الطبقي هو مصدر التطور، القوة المحركة لجميع المجتمعات المنقسمة إلى طبقات. ووراء جميع التغييرات التاريخية والاجتماعية وغيرها في حياة المجتمع، تعلمنا الماركسية ان نرى في المقام الأول النضال بين الطبقات والنضال بين المستثمرين والمستثمَرين، ان الثورة الاجتماعية هي ذرى هذا النضال في التشكيلات التناحرية. "ان تاريخ جميع المجتمعات إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ النضال بين الطبقات. كان المضطهدون والمضطهَدون في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وإما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا". (ماركس انجلز – العائلة المقدسة ص 57).

ان نضال البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية يؤدي حتما إلى الثورات الاجتماعية تقوم بها الطبقة العاملة إلى الثورة الاشتراكية. كذلك بين ماركس وانجلز ان الأهمية التاريخية العظيمة للثورات الاجتماعية لا تنحصر في كونها تنقل المجتمع إلى درجة من التطور أعلى من ذي قبل، إلى نظام اجتماعي اقتصادي جديد بل تقوم كذلك في كونها معجّلة جبارة للتقدم الاجتماعي والسياسي، وقد سمى ماركس الثورات في مؤلفه "النضال الطبقي في فرنسا" "بقاطرات التاريخ" وقال انها تعجل مجرى التطور بسرعة عاصفة وتطلق القوى الخلاقة الجبارة للجماهير الشعبية ان الثورات تتيح للمجتمع أن يجتاز في أشهر وسنوات سبيلا يتطلب منه في الظروف العادية عقودا وعقودا من السنين او قرونا بكاملها.

والثورات هي عيد المظلومين والمستثمَرين، ان جمهور الشعب لا يصنع الأوضاع الاجتماعية بمثل الهمة التي يضعها بها في مراحل الثورات. وعندما بحث ماركس وانجلز في مؤلفهما "الايديولوجية الالمانية" مسألة المقدمات المادية الضرورية للانقلاب الثوري أشارا إلى انه يجب ان تتوفر له "من جهة، قوى منتجة معينة ومن جهة أخرى نشوء وتكوّن جمهور ثوري لا يهب ضد بعض اوضاع المجتمع السابق وحسب، بل يهب كذلك ضد "انتاج الحياة" السابق ذاته، ضد "النشاط الاجمالي" الذي يقوم عليه هذه الانتاج" (ماركس انجلز – مختارات في ثلاثة مجلدات – المجلد 1 الجزء 1 – ص 42).

ان ثورة البروليتاريا هي الأسلوب الممكن الوحيد لتحويل المجتمع البرجوازي، والمطلوب منها أن تجعل علاقات الانتاج تتطابق مع القوى المنتجة العملاقة التي طورتها الرأسمالية، وان تؤمن بالتالي الشروط والظروف لأجل تقدم المجتمع باطراد – لأجل التوصل إلى السيادة على قوى الطبيعة وازدهار الشخصية والجمع المتناسق بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع. ان أيا من الثورات السابقة لم تقض على استثمار الانسان للإنسان، ولم يتبدل غير أشكالها، إلّا ان ثورة البروليتاريا تستأصل كل استثمار وتضع حدًّا للملكية الخاصة وتقيم الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج وفي هذا يكمن الفرق المبدئي بينها وبين جميع الثورات الأخرى.

يعطي كتاب "رأس المال" مؤلف ماركس الرئيسي وعمل حياته كلها، أثبت وأقوى تعليل اقتصادي لفكرة حتمية الثورة الاشتراكية "وبقدر ما يتناقص باستمرار عدد دهاقنة الرأسمال.. بقدر ما يشتد ويستشري البؤس والظلم والاستعباد والانحطاط والاستثمار، وبقدر ما يزداد أيضًا باستمرار تمرد الطبقة العاملة التي تزدد على الدوام عددًا وتتثقف وتتحد وتتنظم بفعل آلية عملية الانتاج الرأسمالي نفسها. وهكذا يصبح احتكار الرأسمال قيدًا لأسلوب الانتاج وجعل العمل اجتماعيا ينتهيان إلى حد انهما لا يعودان يتطابقان مع إطارهما الرأسمالي فينفجر.

"إن الساعة الأخيرة للملكية الرأسمالية تدق، ان مغتصبي الملكية تنزع منهم ملكيتهم". (ماركس انجلز بصدد الثورة الاشتراكية – مجموعة). ويؤكد ماركس ان الثورة الاشتراكية تحول المجتمع بأسره اذ تقيم الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج الأساسية، ومحل فعل القوانين الاقتصادية الموضوعية العفوي الاعمى تحل الاستفادة الواعية منها أي الضبط المنهاجي للإنتاج الاجتماعي لما فيه خير كل من أعضاء المجتمع ولما فيه خير المجتمع بأسره.

وبديهي أن حتمية انهيار الرأسمالية لا تعني ان هذا سيقع تلقائيا اوتوماتيكيا، ففضلا عن المقدمات الموضوعية المستقلة عن وعي الناس واراداتهم، لا بد كذلك من أعمال جماهيرية ثورية واعية وللقضاء على علاقات الانتاج الرأسمالية الشائخة، لا بد من تحطيم قوة الطبقات السائدة التي تصون وتحمي هذا الأساس لسيادتها لا بد من قوة ثورية. وان ماركس وانجلز لم يبرهنا ضرورة الثورة الاشتراكية وحسب بل اكتشفا كذلك القوة الاجتماعية التي عهد اليها التاريخ بالمهمة الأكثر ثورية وهذه القوة هي البروليتاريا الطبقة العاملة وفي يديها كما يقول ماركس "انبعاث البشرية".

يعرض بيان "الحزب الشيوعي" المذهب الخاص برسالة البروليتاريا التاريخية العالمية بقوة خارقة وعمق بالغ. فإنّ الطبقة العاملة انما تلدها الرأسمالية بالذات وتنمو وتتطور وتتحد وتنتظم بالقدر الذي يشق فيه التطور الصناعي السبيل لنفسه، وان وضع البروليتاريا الموضوعي بوصفها قوة عمل مأجورة للرأسمال يجعل منها عدوًا لدودًا لكل نظام العبودية المأجورة.

وهذه الطبقة التي تتنامى بلا انقطاع بينما الطبقات المظلومة الأخرى تتمايز وتنحل هي الخصم الوحيد المنسجم إلى النهاية والذي لا يقبل المساومة لأي شكل من أشكال الاستثمار والاضطهاد، ان الطبقة العاملة لا تناضل ضد الرأسمالية في سبيل تحررها بالذات وحسب فإن مصالحها تتطابق كذلك مع مصالح أوسع فئات الشغيلة، ذلك ان الرأسمالية لا تترك للفلاحين والبرجوازية الصغيرة في المدن أي بديل غير الانحطاط والخراب: وليس للفلاحين والبرجوازية الصغيرة في المدن سوى مخرج واحد هو الاشتراك مع البروليتاريا في اسقاط سلطة رأس المال الكلية، ولا تستطيع البروليتاريا أن تحرر نفسها دون أن تقضي إلى الأبد على جميع أشكال الاستبداد الاجتماعي والقومي دون ان تحرر بالتالي المجتمع بأسره، ولهذا كانت هذه الطبقة بالذات التي لا تملك الملكية الخاصة والمتمركزة في مراكز المجتمع البرجوازي الحيوية والمتراصة والمنظمة والمدركة لمصالحها الجذرية طليعة وقائدة جميع الكادحين في النضال من أجل التحرر الاجتماعي الكامل من أجل الاشتراكية والشيوعية، وقد كتب لينين يقول: "ان مأثرة ماركس وانجلز التاريخية العالمية العظيمة تقوم في كونها بيّنا للبروليتاريين في جميع البلدان دورهم ومهمتهم ورسالتهم: ان ينهضوا اوائل من ينهضون إلى النضال الثوري ضد الرأسمال ويوحدوا حولهم في هذا النضال جميع الكادحين والمستثمرين". (لينين كلمة في تدشين تمثال ماركس وانجلز).

ان الأبعاد العالمية للنضال بين العمل والرأسمال تحدد طابع الحركة البروليتارية العالمي ومن أهم شروط انتصار البروليتاريا، أممية أعمالها الثورية. كتب ماركس يقول: "لقد بينت تجربة الماضي ان ازدراء التحالف الاخوي الذي يجب أن يقوم بين عمال مختلف البلدان ويستحثهم في النضال من اجل التحرر على الدفاع بشدة بعضهم عن بعض، يعاقب بهزيمة مشتركة تمنى بها جهودهم المتفرقة" (من البيان التأسيسي لجمعية الشغيلة العالمية).

وان قوة الرأسمال العالمية وتضافر جهود البرجوازية في مختلف البلدان الموجه ضد البروليتاريا انما يجب ان يقاومهما تضامن الطبقة العاملة ووحدتها الأممية وهما شرطان ضروريان لانتصارها، "ان اتحاد الطبقة العاملة الأممي هو وحده الذي يستطيع ان يؤمن النصر النهائي" (ماركس التقرير السنوي الرابع للمجلس العام لجمعية الشغيلة العالمية).

وكذلك أرسى ماركس وانجلز أسس المذهب عن الحزب الشيوعي بوصفه الطليعة الواعية الثورية للبروليتاريا ومنظمها وزعيمها، وأثبتا ان قيادة هذا الحزب شرط لا غنى عنه لكي تؤدي الطبقة العاملة رسالتها التاريخية العالمية وبدون هذا يستحيل انتصار الثورة الاشتراكية ويستحيل بناء المجتمع الجديد.









المراجع:

ماركس انجلز – عن الثورة الاشتراكية.
ماركس انجلز – مختارات في أربعة أجزاء.
لينين – المختارات 10 مجلدات.
كارل ماركس رأس المال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين


.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب




.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا