الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق التنمية المستدامة المستقبلية في الدول العربية

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2022 / 3 / 27
الادارة و الاقتصاد


التنمية الشاملة عملية إرادية ترتبط بحركة المجتمع بكل قطاعاته نحو أهداف محددة وواضحة، والتنمية مسألة نسبية تقاس مؤشراتها وأبعادها بالنسبة لمحوري الزمان والمكان، كما أنها عملية متكاملة متشعبة ومتوازنة، عندما تتحقق التنمية يكتسب المجتمع قوة ذاتية تدفعه نحو التطور المستمر (التنمية المستدامة)، فعملية التنمية تسهم إرادياً في عملية التغيير الاجتماعي وتوجهه نحو مرحلة تسمح باستغلال الموارد المتاحة لصالح كافة أفراد المجتمع، ويمكن أن تستخدم التنمية الأدوات التقليدية في الإنتاج وتطورها بما يتناسب ومرحلة التطور الاجتماعي، ويمكن أن تستمر عملية التطور هذه بما يخدم الوظائف الحيوية والاقتصادية والاجتماعية وتدخل في تفاعل مع معطيات الظروف العصرية وبذلك تشمل التنمية كافة السبل التي تساعد على التقدم واستغلال كل ما يسهم في تفجير الطاقات الكامنة في المجتمع، وهي بذلك تؤدي إلى التحديث والتطور.
مفهوم التنمية المستدامة:
اكتسب مصطلح التنمية المستدامة اهتماماً عالمياً كبيراً بعد ظهور تقرير مستقبلنا المشترك الذي أعدته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية في عام 1987 (WCED,1987). ولقد تم صياغة أول تعريف للتنمية المستدامة في هذا التقرير على أنها " التنمية التي تلبى حاجات الجيل الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم. وبشكل عام فإن هذا التعريف يحدد فقط الإطار العام للتنمية المستدامة التي تطالب بالتساوي بين الأجيال من حيث تحقيق الحاجات الرئيسية، وهذا ما دعا الكثير من الكتاب والباحثين إلى محاولة تقديم تعريفات وتفسيرات للتنمية المستدامة مثل:
(Sustainable growth - Sustainable income - Sustainable Economy- Carrying capacity -Ecologically sustainable economic development- Sustainable resource use - Regional sustainable development - Sustainable society (
يجب أن تكون التنمية قابلة وقادرة على الاستمرارية (التنمية المستدامة) وقد أخذ هذا المفهوم للتنمية بالانتشار وبخاصة منذ نشر تقرير اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية في عام 1987. والتنمية المستدامة هي التي تؤمن احتياجات الجيل الحالي دون أن تحد من الإمكانيات التي تلبي احتياجات الأجيال القادمة. التنمية القادرة على الاستمرار يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية كحد أدنى:
1. أن تكون ممكنة ومفيدة اقتصادياً وناجعة.
2. ألا تلحق أضراراً بالبيئة ومنسجمة مع الأهداف البيئية.
3. أن تصل نتائجها الإيجابية إلى كافة أفراد المجتمع.
4. أن تحظى بدعم شعبي واسع.
يستخدم مصطلح (التنمية القابلة للاستدامة) للتعبير عن السعي لتحقيق نوع من العدل والمساواة بين الأجيال الحالية والأجيال المقبلة. وهذا يعني ألا تعرض العمليات التي يتم بوساطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها حالياً لخطر قدره الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها وإشباعها، وهذا يعني في نفس الوقت، السعي لتحسين مستوى المعيشة وحياة أفضل لمعظم الناس، يقاس عادة بمستوى الدخل واستخدام الموارد ومستوى التقدم التقني. وبذلك نجد أن للتنمية المستدامة أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية.
القضايا المرتبطة بتنمية البشر:
لدراسة وفهم دينامية النسق السكاني للتعرف على كافة القضايا المرتبطة بتنمية البشر وضمان استدامتها هناك حاجة إلى تطوير مؤشرات كمية لقياس التطور عبر الزمن، وهذا في الواقع يستلزم تطوير نموذج متكامل (يتعدى مجرد التركيز على الإسقاط السكاني. ولكن أيضاً يتسع إلى تضمين كافة العوامل الاقتصادية - الاجتماعية - البيئية المؤثرة على البعد السكاني). هناك العديد من المحاولات لتحديد مؤشرات قياس (وشروط تحقيق) التنمية المستدامة. وبشكل عام فإن مفهوم التنمية المستدامة يطالب بضرورة التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية والعدالة بين الأجيال المتعاقبة في تحقيق الحاجات الرئيسية. لذلك لا بد من تحليل كافة مناحي القوة والضعف ومكامن الفرص والأخطار فيما يخص التنمية المستدامة من حيث الإطار المؤسساتي والتشريعي، وتحليل الواقع في عدد من القطاعات الرئيسية مثل النقل، الطاقة، الزراعة، المياه، الصناعة، السياحة، الصحة، الإسكان ومياه الشرب والصرف الصحي والنفايات.
إستراتيجية وطنية للطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة:
وضع خطة عمل لتحسين نوعية الهواء تتضمن استيراد باصات تعمل على الغاز الطبيعي، وتشجيع استخدام وسائل النقل النظيفة والصديقة للبيئة، وتحسين نوعية الوقود وتشجيع استخدام الوقود الأخضر. وترسيخ مفاهيم العمارة الخضراء ونشر الوعي حولها والتشجيع على تحسين كفاءة استخدام الطاقة واستخدام الطاقات المتجددة. وضع إستراتيجية وطنية للطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، ووضع خطة عمل وبرنامج زمني لتنفيذها وصولاً إلى الخارطة الاستثمارية الخضراء. إضافةً إلى تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والبدء بالتخطيط البيئي المتكامل لاستعمالات الأراضي.
تتمثل شروط التنمية التي ينبغي توفرها للقول أن التنمية تسير أو أنها تحققت كما يلي:
• رفـع مستوى الإنجاز الاقتصادي، أي تحسين مستوى الإنتاجية وزيادة حجم المنتوج الوطني داخل نموذج قطاعي متوازن قدر الإمكان، تحتل فيه الصناعة التحويلية وضعاً متميزاً ويترافق مع اكتساب فوائد المعرفة العقلانية والإبداع والسببية العلمية. يضاف إلى ذلك، أن الإنجاز ينبغي أن يكون متواصلاً لحد بعيد، وليس موسمياً أو عرضياً، كما ينبغي أن يكون نتيجة لإمكانيات وجهود المجتمع، وليس لنشاط "قطاعات منعزلة" ضعيفة الاندماج مع الاقتصاد الوطني (مثل المزارع الأجنبية، والنشاطات المنجمية الأجنبية).
• توفير حجم واسع ونوعية عالية من السلع والخدمات لتلبية حاجات السكان الأساسية -وينبغي فهم هذه الحاجات ضمن إطار ديناميكي تتحسن فيه نوعية المنتوجات ويتسع مدى شموليتها عندما تلبي شيئاً فشيئاً، بكلمة أخرى، فإن تلبية جيل من الحاجات يقود إلى خلق جيل آخر، جيل أكثر تعقيداً.
• توفير فرص أكثر للعمالة الإنتاجية وتقليص حجم البطالة المقنعة أو الظاهرة، وتجنيد قسم كبير من موارد القوة البشرية. ترجع ضرورة محاولة ذلك إلى أن أهميته الاجتماعية والإنسانية، وإلى القوى الشرائية التي تستطيع العمالة وضعها بين أيدي السكان.
• تصحيح نموذج الدخل داخل كل قطر عربي، عن طريق رفع الحد الأدنى للدخل الذي يتمتع به غالبية السكان، وتوسيع قاعدة ملكية الأصول الإنتاجية، وإعادة توزيع أعباء التنمية والخدمات والمؤسسات الحكومية وفق طريقة تؤدي إلى زيادة المساهمتين المطلقة والنسبية لأولئك الذين يتمتعون بإمكانيات مالية هامة، وبالتالي إلى اضطلاعهم بقسط أكبر من هذه الأعباء.
• جنباً إلى جنب مع توزيع الدخل على المستوى القطري، تضيق "فجوة التنمية" بين الأقطار العربية، أي تضيق سيؤدي بدوره إلى تحسين مستوى الإنتاجية وتوسيع حجم المنتوج الوطني في الأقطار الأقل نمواً.
• تطوير قدرة المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي إلى مستوى تستطيع عنده توريد الاقتصاد بالأفكار، والمعرفة والمهارات، والمواقف والمؤسسات، الضرورية لعمل فعال داخل الاقتصاد، وتواصل تحسين منجزات الاقتصاد الوطني.
• تحقيق درجة عالية من المساهمة الشعبية في عملية التنمية وفي اتخاذ القرارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعلقة بصياغة استراتيجيات وسياسات التنمية وتخصيص واستعمال الموارد. فالولاء الجدي العميق لعملية التنمية والمهام المرتبطة بها مشكوك فيه، ما لم تتوفر المشاركة المناسبة سواء في تخطيط هذه التنمية أم في منافعها.
• تحقيق أوسع قدر ممكن من الاعتماد الجماعي (القومي) على النفس في عملية التنمية ليس بمعنى الاكتفاء الذاتي الانعزالي، بل بمعنى اكتساب المنطقة ككل قدرة إنتاجية أكبر ونجاحها في تجنيد مواردها البشرية والمادية، وفي تحسين نوعية هذه الموارد.
الدافع الذي يقف وراء تحقيق هذه الشروط هو الحاجة إلى تحسين وضع العرب في عالم الاقتصاد وفي نمط تقسيم العمل الخاص به، وإلى القضاء بسرعة وفعالية على حالة التبعية للبلدان المتقدمة صناعياً وشركاتها المتعددة الجنسيات، مع كل ما تحمله التبعية معها من استغلال واختلال وعدم كفاية، وأخيراً الرغبة في، والقدرة على، المساهمة في صياغة وتحقيق نظام اقتصادي دولي جديد.
أهم معوقات التنمية المستدامة في الوطن العربي:
التحديات التي تواجه مجتمعنا هائلة، ولكنها تمثل فرصة مواتية للتنمية، فلم يعد هناك تعارض بين حماية البيئة وتحقيق التنمية الاقتصادية لأن حل المشكلات البيئية سوف يسهم في النهاية في إزالة جانب كبير من معوقات هذه التنمية، فالعالم اليوم أصبح لا يعترف بالحدود والحواجز، وأصبح الجميع شركاء في مواجهة التحديات الكونية الضخمة والمتنامية، وهو ما يتطلب مواجهتها بالفكر المتطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي والإدارة الصلبة، وذلك للتأكيد على الالتزام برؤية متكاملة للتنمية والمستدامة، وذلك بالعمل في إطار المنظومة العالمية للفكر والعمل البيئي، واضعة نصب عينيها الاحتياجات الملحة للوطن.
ومن أهم المعوقات التي تقف في وجه التنمية الشاملة في الوطن العربي كما يلي:
• عدم كفاية التصور المفاهيمي الشامل للتنمية.
• عدم كفاية مستوى الإنجاز الاقتصادي في جزء هام من المنطقة.
• عدم كفاية تعليم القوى البشرية ومهاراتها.
• عدم اختيار التكنولوجيا المناسبة وعدم توطينها.
• بطء توسيع وتنويع الاقتصاديات العربية.
• عدم التوازن الاقتصادي والجغرافي والاجتماعي.
• عدم كفاية سياسات الموارد الطبيعية.
• ضعف مستوى الإسهام في الجهد التنموي ودرجة الولاء له.
• ركود دافع التعاون والتكامل الاقتصادي العربي.
• التبعية المفرطة للاقتصاديات الصناعية المتقدمة.
تحديد الخيار المجتمعي لدور الدولة في رسم وتحقيق التنمية المستدامة وللمسؤولية المشتركة للدولة والمجتمع في حماية البيئة، حيث (تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، حماية البيئة مسؤولية الدولة والمجتمع وهي واجب على كل مواطن).
ضرورة الاهتمام بالصحة العامة والبنية الأساسية والبحث العلمي ونقل التقنية، في إطار التخطيط الاستراتيجي من أجل تحقيق التنمية المستدامة والالتزام العميق بالمسؤولية تجاه المجتمع والأجيال القادمة. والتأكيد على أهمية الاستفادة من المبادرات الإيجابية وقصص النجاح التي تمثل نقاطاً مضيئة وقوة دفع ديناميكية للعمل الإيجابي، وتأكيد دور العمل المشترك من أجل إثراء كل ما هو قائم والتعامل بشكل علمي وعملي وخلاق وجماعي مع كل ما هو قادم من أجل بناء المستقبل.
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة حد السحب من البنوك لـ250 ألف جنيه و30 ألفا من ATM يومي


.. كلمة أخيرة - لميس الحديدي: عملنا الإصلاح الاقتصادي النقدي عا




.. البنك المركزي رفع حدود السحب اليومي إلى 250 ألف جنيه، وإزاي


.. وصل لـ 250 ألف .. قرار هام من البنك المركزي بخصوص حدود السح




.. زيادة حد السحب النقدى اليومى من فروع البنوك إلى 250 ألف جنيه