الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبراهيم البدوي: أفكار مفلسة وفساد

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2022 / 3 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


توطئة
- ان كل ما يحدث فيما يخص حركة سعر صرف الجنيه السوداني لا محالة يرجع الى التعويم الذي احدثته الحكومة الانتقالية في فبراير 2021 تحت اشراف وزير المالية الاسبق د. إبراهيم البدوي؛ فالانهيار المريع للجنيه السوداني مؤخرا ما هو الا تعميق لذلك التعويم؛ فالتعويم الثانى حدث بموجب منشور لبنك السودان المركزي في مارس 2022 صادر بتوجيه من اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية يعلن فيه قراره بتوحيد سعر صرف الجنيه على أن تقوم المصارف وشركات الصرافة بتحديد وإعلان أسعار بيع وشراء العملات الحرة دون تدخل من البنك المركزي؛ وهكذا كان التعويم الأخير تعويما كاملا للجنيه السوداني أدى لانتقال التحكم في سعر الصرف للبنوك التجارية والتجار المضاربين في العملات وشركات الصرافة. وجدير بالذكر ان اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية صاحبة قرار التعويم الأخير يرأسها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتى". وحميدتى الذي يصرح دائما بأنه تاجر، هو أحد المضاربين في العملة بجانب نشاطه الواسع في تجارة الذهب (بكل ما يعنيه تحرك سعر الصرف لهذه التجارة) وبالتالي فان رئاسته لما يسمى بلجنة الطوارئ الاقتصادية تعتبر حالة تضارب مصالح (conflict of interest). إضافة الى أن قيادته للجنة الطوارئ الاقتصادية، التي يفترض في أعضائها التخصص في مجال عملها، مهزلة كبرى باعتبار فقدانه التام للأهلية اللازمة.

المقال
مقدمة

من أخطر أسرار الفترة الانتقالية، التي ما زال الناس يسعون لكشفها، هي الملابسات التي أدت لظهور شخصيات تبوأت مناصب مهمة في الجهاز التنفيذي وفى أجهزة الدولة الأخرى كالجهاز الإعلامي (بعضهم يستلم راتبه من دول أجنبية). وهذه الشخصيات تعطيك الانطباع بأن كل ما كانت تقوم به في الفترة الانتقالية قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 العسكري لا يعدو ان يكون ممارسة علاقات عامة في إطار دعم تنفيذ برامج سياسية -اقتصادية-اجتماعية معدة سلفا.
﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴﮴

في تصريحات متتالية مرئية (تلفزيونية) ومكتوبة على الفيسبوك ظهر مؤخرا د. ابراهيم البدوي وزير مالية الفترة الانتقالية في نسخة جهاز تنفيذها الأول منتقدا انقلاب 25 أكتوبر لا لشيء غير محاولته اقناع الناس بان الانقلاب قطع الطريق على الحكومة الانتقالية التي كانت ماضية في تعبيد الطريق لتحقيق نهضة اقتصادية لم يسمع بها السودان من قبل!!

ونقد إبراهيم البدوي للانقلاب جاء خاليا من أي رؤى اقتصادية ناهيك عن ربطه بفكر سياسي ثاقب. فقد جاءت تصريحاته على منوال ما كنا نسمعه من بعض قادة الفترة الانتقالية بأن هناك عشرات وعشرات المليارات من الدولارات المجنبة او المسروقة من قبل إسلامي حكم الإنقاذ سيتم استعادتها وستمتلئ خزائن الدولة بها. فهو يقول ان الانقلاب أوقف 2 مليار ونصف من صندوق النقد و700 دولار من أمريكا ومليار أخرى من منظمات ووكالات تابعة للأمم المتحدة. هذا كل شيء: بضعة مليارات من الدولارات يؤسس عليها تعويله على وضع الأساس لنهضة البلاد الاقتصادية وهي حجة تفقد حديثه أي عمق فكرى.

ان محاولة إبراهيم البدوي الظهور (فجأة) كمناهض لانقلاب 25 أكتوبر تقوم على منطق بائس، اذ أن كل ما يحمله على السلطة العسكرية هو عرقلتها لمساعي الاقتراض من صندوق النقد الدولي بموجب "اتفاقية الإصلاح المؤسسي" مع الأخير. لكن الحقيقة ان ما قامت به السلطة الانقلابية أخطر من ذلك اذ رفعت يدها عن كل ما يحفظ للشعب معاشه وامنه وللبلاد عامة تماسكها وبقائها كدولة واحدة. اما موقف الانقلاب من مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هو موقف يتماهى تماما مع موقف الحكومة، التي أسقطها الانقلاب، الخاضع لإملاءات المجموعة الدولية وما يحدث بينهما سحابة ما تلبث أن تنقشع كما نوضح أدناه. وما يدركه أي متابع يعي ابجديات العمل السياسي هو أن توجه السلطة العسكرية ما هو الا امتداد لسياسات الجهاز التنفيذي للحكم الانتقالي الأول والثاني (الذي طُرد منه البدوي)؛ فلا جديد يتعلق بالمحتوى. وقائد الانقلاب الجنرال عبد الفتاح البرهان سارع في اليوم التالي لانقلابه مباشرة في 26 أكتوبر 2021 ليؤكد في مؤتمر صحفي: " ان الجيش يريد شراكة جديدة كتلك التي كانت مع حمدوك ... حمدوك ساعد في التطبيع مع إسرائيل وإلغاء الدعم والاستجابة لمؤسسات التمويل الدولية “. فإذن خلافا لرأى البدوي فان صندوق النقد الدولي يدرك ان وضعه في الساحة السودانية مؤمن تماما وما عليه الا أن ينتظر الوقت المناسب (biding time) وبعدها مواصلة العمل كالمعتاد (business as usual).

ان الفرضية الواردة في حديث وزير المالية الأسبق هي جدوى الاستجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي في مجال النشاط الاقتصادي. لكن التمسك بتحقيق التنمية عبر الرضوخ والاذعان لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يبقى مجرد أوهام. وعندما تكون المسألة على محك حاسم فليس أمام مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي غير الاختيار، ويصبح شكل الحكم عندها سيان طالما كان المتسيد والقابض على دست الحكم هو الكمبرادور الذي يحكم في سياق ديمقراطية شكلية وحداثة مزيفه أم كان متوشحا بوشاح فكرى متخلف.

درج إبراهيم البدوي اثناء توليه وزارة المالية على ان يصف بعجرفة فارغة الأفكار المنتقدة لسياسات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأنها أفكارا بالية ولم يكن يقدم نقدا موضوعيا لما ذكر؛ وفى حقيقة الأمر أن البدوي يردد محفوظات مأخوذة من وصفات جاهزة لمؤسسات التمويل الدولية. فالبدوي ليست لديه رؤى جديدة تستجيب لمتطلبات ومشاكل الواقع السوداني فهو واقع في اسار سياسات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي يجرى نقلها ميكانيكيا من بلد الى بلد كمخطط أساس (blue -print-)، والنتيجة الى الآن خراب ودمار معظم البلدان الفقيرة المتعاملة مع المجموعة. وهكذا فان إبراهيم البدوي هو الذي يحمل أفكارا بالية لا حياة لها، متكلسة لا يستطيع الدفاع عنها ويرددها بخفة ك " ببغاء عقله في أذنيه".

ان صندوق النقد الدولي تجرى عملياته على صعيد قضايا الاقتصاد الكلى، وتقييمات ونتائج تحليلاته الاقتصادية تستخدم في ارشاد النشاط الائتماني للبنك الدولي في البلدان الأعضاء؛ والتقييم والتنبؤ الاقتصادي للصندوق يستمد اساسه النظري من الأفكار الاقتصادية للنيو ليبرالية.

في مقالي” السودان: حمدوك عالق على الجانب الخطأ من التاريخ “كتبت قائلا ان” ...الاقتصاد النيو ليبرالي يرادف الاقتصاد التقليدي أو الكلاسيكي المحدث (neoclassical economics)؛ فالسائد الآن الاقتصاد النيو ليبرالي: اقتصاد السوق الحر (الرأسمالية). والاقتصاد الكلاسيكي المحدث أعطته النيوليبرالية (neoliberalism) -الليبرالية الجديدة- بعدا نوعيا (في مضمار قوانين الاقتصاد البحته) في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وهذه الإضافة ترجع لنظريات المدرسة النقدية (monetarism) لرائدها الاقتصادي الأمريكي ملتون فريدمان. وقد تبنى الكثيرون من اقتصادي المدرسة الكلاسيكية المحدثة ومنهم خبراء مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي افكار النقوديين، التي اشتملت على أطروحات بديلة للاقتصاد الكلاسيكي المحدث. وسياسات النيو ليبرالية تهدف لحل الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصادات الغربية منذ سبعينات القرن العشرين وتراجع الاداء المالي لمؤسسات تلك البلدان؛ ويرتكز حلها على شطب نسبة الدخل القومي التي ظلت تخصصها الانظمة الرأسمالية لعمال وفقراء بلدانها في شكل خدمات مجانية وانهاء دعم السلع وتجميد الاجور وتخفيض المعاشات وتقليل الضرائب على الشركات الكبرى. واقتصاديو مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين اعتمدوا افكار النقوديين حولوها الى سياسات اقتصادية محددة تطلبت من الدول الفقيرة انتهاج منطق النيو ليبرالية وتبنى اقتصاد السوق الحر (لجم النشاط النقابي وتحرير الاسعار والخصخصة) الذي جعل هذه الدول رهينة لنظام رسمته الدول الكبرى بعناية بحيث تفقد سيطرتها على تجارتها الوطنية لصالح الشركات العالمية الكبرى، أي: افقار أكثر للفقراء واثراء أكبر للأثرياء. وهكذا لم يكن التحول نحو اقتصاد السوق الحر مجرد تحول أكاديمي من نموذج لآخر، بل فرضته النخب المالية (financial oligarchies) في الدول الكبرى الساعية للهيمنة بإعادة رسم خارطة النفوذ في العالم. “

نواصل، وعلى صعيد آخر نسمع من الوزير في نقده للانقلابين نزوعه لوصفهم بأنهم يعانون من سوء الإدارة، ومحاولته ايهام الناس بان الفساد الذي يمارسه انقلابيو 25 أكتوبر شيء جديد على الفترة الانتقالية.

لكن بالنظر في بعض الممارسات خلال تقلده الوزارة، نجد ان من أغرب الإجراءات التي اتخذها وزير المالية الأسبق هي التي تعلقت بمسألة تحديد الأجور حيث قام برفع الرواتب بنسبة 569% في أبريل 2020. ورغما عن الانتقادات الواسعة للقرار من قبل بعض السياسيين والإعلاميين، لم يقدم الوزير أي مبررات أو تفسيرا لسلامة الاجراء. ولكن في حقيقة الأمر فان الزيادة كانت خدعة للعاملين الذين ظلوا يعانون من تدنى مرتباهم الحقيقية اذ أن الزيادة لم تكن حلا يؤدى لتحسين وضعهم.

ولم يقف الوزير عند حدود الإجراءات الإدارية الكارثية، بل امتدت قراراته لتشمل، في غياب تام للشفافية، تمرير صفقة غريبة ابرمتها وزارة المالية مع "شركة الفاخر للأعمال المتقدمة". فالصفقة تمت بدون الالتزام بالإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات، فمثلا لم تطلق مناقصة. كما منحت الوزارة الشركة التي تمثل تجارة الذهب عصب نشاطها التجاري، امتيازات كبيرة. وادعت وزارة المالية ان الشركة ستقوم بإعادة حصائل الصادر ما سيساهم في توفير العملة الصعبة.

ورغم كثرة الاتهامات التي وجهت للشركة حتى من بعض نافذين في الحكومة ليس هناك أي دليل ان تحقيقا تم لمعرفة الإجراءات التي اتبعتها وزارة المالية لاختار الشركة ولماذا منحت امتيازات بشكل استثنائي ومدى تحقيقها لأهدافها وايفائها بالأغراض التي اختيرت الشركة لإنجازها.

وأخيرا من التهم التي وجهت لوزير المالية الأسبق هي التهمة المتعلقة بفقدان مبالغ ضخمة قادمة من خارج البلاد لمكافحة جائحة كورونا؛ وكان وزير الصحة حينها قد وجه اتهاما مباشرا للوزير بإهدار تلك الموال التي لم تخصص للغرض الذي قدمت من أجله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي