الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبراء في ترنيم الثرثرة

عذري مازغ

2022 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اأكبر أكذوبة اخترعها إعلام هذا الزمان هي وظيفة "خبير" خبراء في نتف القمل من رأس الأقرع.
عندما احتدم الصراع الإسباني الكاتالوني اتصلت بي قناة عربية للحوار حول ذلك الصراع: اختلفنا في ترتيبات التقديم (تقديم شخصي) والغي الحوار بشكل حتى لا أخلاقي من باب الإتصال بي لإخباري بالاستغناء عني ولا تتصوروا كم من وقت تضيع في تجهيز نفسك للأجوبة على تلك الأسئلة التي سيطرحون من قبيل التأكد من المعلومات التي لديك، الإتصال بالمعنيين بالصراع لإفادتك بأمور تجهلها وكذا قراءة مقالات حول الموضوعة من وجهات نظر مختلفة .
الخلاف حول التقديم: القناة تصر على أن أكون خبيرا في الشؤون القومية والهويات الإجتماعية بإسبانيا والحقيقة أني لست خبير في الأمر لكن بحكم احتكاكي بالمجتمع المدني الإسباني اعرف أمورا ربما لا يعرفها ما يسمونه بالخبير، كنت افضل تقديمي بفاعل جمعوي اكثر من تقديمي بهالة "خبير".
في القنوات السويسرية والألمانية، شاركت كثيرا في حوارات جمة كلها حول الهجرة، لم يناقش معي فيها هؤلاء ولو مرة حول وظيفة تقديمي، ومنها وكالة رويتر العالمية حيث حاورتني في موضوع الهجرة والمهاجرين وقدمت قناتان مغربيتان هذا الحوار دون ذكر حتى ان الحوار مصدره رويتر وليس أنهما هما من اشرفا على الحوار، مع قناة سويسرية تحدثت عن تجربتي الشخصية في الهجرة واختير ذلك الموضوع كمادة يصلح تقديمها في المدارس السويسرية لتلقين الأجيال طريقة ما لفهم ظاهرة الهجرة، كنت اول من أشار إلى خريطة إفريقيا في الخرائط العالمية كونها تلون بألوان كئيبة وكونها تبدو أصغر من أوربا رغم انها في الحقيقة اكبر بكثير منها وكنت اول من اثار مظاهر الخصوبة في المنتوجات التي تأتينا من أوربا بشكل تخلق انطباعا ما في ذهنية المهاجر منذ صغره وطبعا أمور اخرى.
هذه القناة السويسرية لم تكن برمجت لقاء معي، كان دوري هو تسهيل اللقاء مع تجمعات المهاجرين، وفي إحدى هذه اللقاءات حدث ما لم يكن متوقعا: في منطقة سان إسيدرو في مكان وسط المزارع البلاستيكية، اتصلت ببعض الأصدقاء ممن يقطنون "تشابلات" هناك قصد التعبير عن معاناتهم كمهاجرين سريين وقصد إطلاع الرأي العام الاوربي على ظروفهم المعيشية التي تناقض حقيقة تلك الصورة البهيجة التي يتكلم عنها هؤلاء المرحين من عبدة الحلم الأوربي ورغد العالم الإنساني قصد إظهار الصورة الأخرى التي لا تتداول في الإعلام الأوربي: صور من عمق اوربا لتجمعات مهاجرين يقطنون في الأكواخ كما في إفريقيا، حدث ان تخلى الذين اتصلت بهم بوعدهم، بأعذار واهية (وهو الامر الذي سيحصل لي مع المهاجرين لأول مرة)، حاولت أن أقنع البعض ممن يسكنون هناك ولا اعرفهم معرفة شخصية بضرورة ان يتكلموا عن ظروفهم، كان من الصعب إقناعهم، الكثير منهم لا يريد أن يظهر أمام الكاميرا بسبب أنه يرفض أن يروا أهله ظروفه، في الأخير تقدم إلى طالب مغربي يقول بأنه لا يخجل من ظروفه لأنه لم يصنعها وقال بانه يريد فضح هذه الظروف ولا يهمه أن يراه أصدقاؤه وأهله في المغرب، كان بالنسبة للقناة امر رائع لانهم سيستجوبون شخصا لم نعلمه ليتجهز ويهيء المادة الإعلامية كما يفعل الخبراء، أخبرني مدير الإنتاج ان ذلك بالتحديد ما يريدونه: تصوير وتسجيل حديث تلقائي طبيعي لا يخضع للاصطناع التصويري أو الحوار المهيأ قبلا، سألته هل يقبل أن يصوروا في كوخه ورد بالإيجاب، حاوروه وصوروه في كوخه كما هو يعيش، كان دوري مقتصرا على الترجمة فقط، كان هذا الطالب قد دخل إسبانيا منذ وقت وجيز وكان يحكي عن اصطدامه بالواقع الأوربي، تكلم عن صعوبة الإندماج، لأول مرة يشعر بالعنصرية ويعرف معناها، عن صعوبة الحصول على العمل، وعن الظروف المادية (العيش) التي يعيشها، وعن حتى انعدام انسجامه مع المهاجرين السابقين له في الهجرة، تأثر مدير الإنتاج بظروفه فسألني أن يمد له مساعدة نقدية فأخبرته أنه يمكنه ذلك وهذا كان خطأ مني كاد ان يؤدي بحياتي. عند خروجنا من الكوخ حاصرني كل المهاجرين في تلك الأكواخ، هددوني بالضرب كوني لم اخبرهم ب"الحقيقة" التحقوا (من الحلقة وليس الإلتحاق) حولي يهددوني بالضرب كوني خدعتهم، كانوا يعتقدون أن طاقم القناة اخبرني بانه سيؤدي اجرا لمن قبل استجوابه وانا لم أخبرهم بذلك بل اخترت فقط معارفي منهم وهو امر غير صحيح، هرب الطاقم السويسري خوفا على أرواحهم وبقيت أنا وسط الحشد أحاول ان أشرح لهم الأمر، أخبرتهم اني لا أعرف الطالب واني توجهت إليهم بدون استثناء وكانوا هم من لم يقبلوا وأن الإعانة هي موقف إنساني لمدير الإنتاج وليس ثمنا للإستجواب.. بعد أخذ ورد، جاءت صديقتي الألمانية كاترين المصاحبة للطاقم تسألني هل عليهم مهاتفة الأمن فأخبرتها أن لا يفعلوا، بعد ذلك حضر من سكان الاكواخ بعض الذين وقفت معهم في محنهم مع رجال الحرس المدني سابقا، تدخلوا بتقديم شهادات كوني لست ممن يبيع ويشتري في بؤسهم، بعد ذلك حلوا الطوق علي ، وفي طريقنا إلى ألميريا وبعد صمت طويل في الطريق تدخل مدير الإنتاج ليتأسف عما حصل، قال بانهم لم يكن عليهم الإنسحاب، بل كان عليهم البقاء معي مهما تطور الأمر .
في ذلك المساء وانا بمنزلي، اتصلت بي كاترين تقول بأنهم يقيمون حفلة بفندق كذا ويريدون حضوري للإحتفال معهم وقبلت بدون تردد، كنت مشحونا بما حدث وكنت ارغب في إفراغ ذلك من صدري: لم أتوقع يوما ان يحاصرني المهاجرون، قبلت الدعوة واتجهت نحو ذلك الفندق الذي لا يبعد عني إلا بعشرات أمتار قليلة.
أثناء الحوار في تلك الحفلة بشكل تلقائي تكلمت عن تجربتي في الهجرة، ربما تحت تأثير الجعة امتعتهم بالحوار، حدثتهم كيف عرفت أوربا في صغري قبل دخول المدرسة وقبل الاطلاع على كتب الجغرافية التي كانت مثيرة لنا في صغرنا، كان أكثر مايثيرنا فيها هي ألوان كتبها المزركشة، كان كتاب الجغرافية مثيرا لي في صغري لنصوع ألوانه وهناك حدثتهم عن لون إفريقيا وعن حجمها وعن بؤسها مقابل ألوان فاتحة لكل القارات ولان الدول الراسمالية كانت تسرق ثرواتها، لم نكن نخمن أن إفريقيا غنية بمواردها الطبيعية وانها أرض معطاء ككل أراضي القارات الأخرى، كان الحديث بيننا جميلا ومضحكا في نفس الوقت مفعم بالسخرية السوداء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة