الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد التصورات المثالية - القسم الرابع

صوت الانتفاضة

2022 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


صريفة: بناء سكني من القصب طوله 5-6 متر، مسقوف بحزم من القصب. يصفها الدكتور "كريجلي" كما ينقل بطاطو عنه: بناء ذو تهوية سيئة، بالغ الازدحام، لا يوفر اية خصوصية، ولا توجد ترتيبات صحية، ليس هناك اية مصادر للمياه الصالحة للشرب؛ اثاثهم صندوق خشب وسرير واحد تتكدس عليه كل فرش العائلة؛ كل لقمة يأكلها هؤلاء الناس ملوثة، يبلغ معدل وفيات الأطفال 341 من كل 1000 حالة حمل.

هذا هو شكل البناء ووصف الحياة الذي عاشوا فيه الفلاحين الهاربين من جحيم الشيوخ والملاكين الاقطاع؛ فهم انتقلوا من جحيم الى جحيم آخر، كل فيضان يأتي لبغداد يكونوا هم اول وأكبر ضحاياه، واي تغيير يحدث هم الوقود الاول له؛ بل ان الحكومة الملكية كانت قاسية جدا معهم، يذكر التاريخ حادثة في احدى مناطق الصرائف، ينقلها لنا الكاتب البريطاني والمراقب للأحداث في العراق عن كثب كاركتاكوس، إذ قال ما نصه: "تعود بي الذاكرة إلى حادثة رأيتها بعيني قبل نحو عشر أعوام، حي كامل من الأكواخ تهدمه الجرافات ويشرد أهله في كل حدب وصوب، لأن أحد ساكنيه قد تجرأ فقذف بحجر أمام سيارة عبد الإله وهي في طريقها إلى القصر الملكي". لم تكن هجرتهم بسبب جاذبية المدن كما يتصور البعض بل الحياة الريفية القاسية، اقنان تحولوا الى عمال.

بغداد مدينة تنمو، المداخيل المالية صارت كبيرة، خصوصا بعد اتفاقية النفط 1952، انها بحاجة ليد عاملة وفيرة ورخيصة، الفلاحون تحولوا الى عمال اجراء، غير ماهرين، ليس لديهم خيار اخر، فهم كانوا امام أحد امرين:(اما ان يكون عملهم من الصنف الحرفي الذي لابد من تعلمه، وعندئذ كان معلمو هذه الأصناف الحرفية يخضعونهم لقوانينهم وينظمونهم وفقا لمصالحهم الخاصة، واما ان عملهم لم يكن يتطلب تعلما، وعندئذ كانوا يصبحون عمالا مياومين) كما يقول ماركس.

بموجب نتائج إحصاء 1957 تبين ان هناك 264 ألف عامل يشتغلون في مجالات الصناعة والخدمات، كانت حياتهم المعيشية مرهقة وبائسة جدا، لم يتحولوا الى قوة طبقية تدير صراعها مع بورجوازية فتية، بل كانوا قوى مشتتة ومتشرذمة، الا من بعض التجمعات العمالية والنقابات، التي كان لها دورا في الدفاع عن هذه الطبقة.

من جانب آخر ظلت الاحداث السياسية في العراق غير مستقرة تماما، فما بين تأسيس الدولة في العراق 1921 الى عام 1958 شٌكلت 59 وزارة، وفقط ما بين عام 1947 الى 1958 شٌكلت 23 وزارة، كان متوسط عمر الوزارة ستة أشهر، وما بين عام 1947 حتى عام 1958 هناك 1219 يوم فرضت فيها الاحكام العرفية، غير الانقلابات والانتفاضات والاغتيالات السياسية؛ كان الوضع يشير الى وجود تغيير سيحصل؛ لم يكن 14 تموز 1958 الا حصيلة تاريخ سياسي طويل، لم يكن ابدا وليد تفكير مجموعة من الضباط -رغم وجودها النسبي- انما حصيلة تراكمات كثيرة وكبيرة، أدت بالنهاية الى ذلك التغيير، القضية لا تتعلق ابدا ب"طيبة" ذلك الملك او "جمال" ذلك الزمان، او ان ذاك الملك لو باقي، او نوري سعيد شلون جان يدير الوضع، او لو ما "جاي" عبد الكريم قاسم الخ، هذا تفكير ذاتي محض لا يوصل ابدا الى الحقيقة التاريخية، ولا يتلاءم مع قضايا البحث التاريخي.
#طارق_فتحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن