الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس المال مُضِرٌّ بالصّحّة

الطاهر المعز

2022 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


نَشَرت المجلة العلمية "علم البيئة وبُحُوث التّلوّث" (Environmental Science and Pollution Research )، يوم 12 كانون الثاني/يناير 2022، مُلخّصًا لدراسة علمية، أجريت بين حزيران/يونيو 2018 وكانون الثاني/يناير 2020 بمشاركة قرابة سبعة آلاف شخصًا متطوعًا تم تجنيدهم في جميع أنحاء فرنسا، وتشير الدراسة إلى تلوث عام للسكان بمبيدات الأعشاب، وأثبتت وجود رواسب مادة "غليفوسات" المُسَرْطَنة (أحد مبيدات الأعشاب الأكثر ضررًا بصحة الإنسان والنباتات والمياه والمُحيط) لدى 98% من سُكان فرنسا، بمن فيهم الأطفال، وبالأخص الدى الرجال ولدى المُزارعين، بسبب الإستخدام المُكثف لهذه المادة الخطيرة في قطاع الفلاحة، بحسب جمعية ( Campagne Glyphosate France ) التي تناضل من أجل الزراعة الخالية من مبيدات الآفات.
تبَيَّن كذلك وُجود "غليفوسات" بكميات أكبر بين مستهلكي مياه الصنبور أو الينابيع الطبيعية أو الآبار، فهي تحتوي على الحد الأقصى المسموح به على المستوى الأوروبي، لمخلفات الغليفوسات، ويعتبر الغليفوسات أكثر مبيدات الآفات شيوعًا في المجاري المائية الفرنسية، وترتفع المعدلات إلى أعلى مستوى في فصلي الربيع والصيف، بالتّزامن مع الفترات التي يتم يتزايد فيها استخدام المبيدات الحشرية، حيث يتم رش الأرض والمحاصيل، ما يُؤَدِّي إلى تلوث التُّربة والمياه والطّعام والهواء...
أثبتَتْ دراسات سابقة وُجود المواد الكيماوية المُسَرْطَنَة في ما لا يقل عن 53% من عينات الطعام (بين 2017 و 2020) وفي ما لا يقل عن 87,5% من حُبُوب الإفطار التي يُحبّذها الأطفال، كما تحتوي جميع أنواع النبيذ وعصائر الفاكهة، وحتى في الأطعمة العضوية، ولو بكميات أقل من الغليفوسات...
تُسَوّق شركة "مونسانتو" الأمريكية (اشترتها شركة " باير " الألمانية فيما بعد) مبيد "رونداب" منذ 1974، ويعتبر "غليفوسات" أحد المكونات الأساسية لرونداب، ولا يزال "غليفوسات"، أكثر مبيدات الآفات استخدامًا في فرنسا والعالم، رغم تصنيفه مادة مُسَرْطَنَة، منذ العام 2015، من قِبَل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) ، وهي وكالة متخصصة تابعة لمنظمة الصحة العالمية، بعد أن أثبتت وجود صلة بين ليمفوما اللاهودجكين ( سرطان المناعة ) والتعرض إلى غليفوسات، كما أظهرت الدراسات أيضًا أن مبيد الأعشاب يمكن أن يغير التطور البيولوجي العصبي أو حتى يعمل كمسبب لاضطراب الغدد الصماء ، مما يؤثر على الأداء الهرموني، ونشرت هيئة سلامة الأغذية الأوروبي ( EFSA )، الخاضعة لنفوذ الصناعات الكيماوية، تقريرًا في آذار/مارس 2015، يُشكّك في "حقيقة خطر غليفوسات على صحة الإنسان"، وسمحت باستخدام "غليفوسات"، داخل الإتحاد الأوروبي حتى 15 كانون الأول/ديسمبر 2022، على أن يتم النّظر في تمديد فترة الإستخدام أم لا...
تُعتبر فرنسا أيضًا من البلدان "المُتسامحة" في إنتاج المحاصيل المُعَدّلة وراثيا، رغم مُعارضة قسم هام من المواطنين، ونشر موقع "الإتحاد الفلاحي" ( Confédération Paysanne ) وهي نقابة أنشأها صغار المزارعين الفرنسيين المهتمين بشؤون البيئة والدّاعين إلى التعاون مع مزارعي البلدان الفقيرة، منتصف حزيران/يونيو 2021، مقالاً عن الإنتاج الفلاحي المُعَدّل وراثيا، بعد أن أظهرت اعتراضات هذه النقابة واحتجاجات المواطنين، ضد الكائنات المعدلة وراثيًا أن الشركات التي تحتكر البذور مستعدة لفعل أي شيء لمنع المزارعين من استخدام الحبوب التي يحصدونها، لأن هذه الشركات تُحقّق أرباحًا ضخمة من مُصادرة الكائنات الحية، وهي مِلْكٌ مشاع، أي ملك البشرية، ومن تغيير طبيعة النباتات والحيوانات، بهدف تعظيم أرباحها، ضاربة عرض الحائط بالتّأثيرات السّلبية على الزراعة وعلى صحة البشر والحيوانات، جراء استهلاك المنتجات المُعدّلة وراثيا، والتي تحتوي في تركيبتها على جِينات مُقاومة للمُضادّات الحَيَوِيّة، مثل الحبوب كالفقمح والذّرّة والأرز، وكذلك الحمضيات وفول الصُّويا وعبّاد الشمس (الذي تُصنع منه الزيون النباتية وعلف الحيوانات)، ثم تم استنساخ الحيوانات، لتصبح الكائنات المعدلة وراثيًا من المُكونات الأساسية لغذائنا اليومي الذي فرضَتْه الشركات الإحتكارية المتخصصة في صنع وترويج المبيدات والمنتجات الفلاحية المُعَدّلة وراثيا، والتي تقضي على التّنوّع البيولوجي، وتَنْشُرُ السموم المُسبّبة للأمراض الخطيرة، بتواطؤ من الحكومات ومن نُوّاب البرلمانات الذين يسنُّون تشريعات تسمح بترويج المبيدات والبذور والكائنات المعدلة وراثيًا، في تضارب واضح مع صحة الإنسان ومع مصلحة المجتمع...
لن تتراجع الحكومات عن الإنحياز وعن خدمة مصالح الشركات الإحتكارية، دون نضالات من أجل خدمة المصلحة العامة ومن أجل إيلاء الأولوية لصحة الإنسان وسلامة المُحيط، لتكون البحوث العلمية والعُلُوم الفلاحية في خدمة المزارعين الذين يريدون الهروب من براثن رأس المال، وفي خدمة المواطنين، بدل خدمة الشركات المسؤولة عن المجاعات والكوارث البيئية والتلوث والاحتباس الحراري، وعن انتشار الأوبئية وتدهور الصحة العامة...
بدأ الإنسان يتغذّى من الزراعة في منطقة ما بين النّهرَيْن، منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، وأدّت التجربة الإنسانية إلى التّصرّف بحكمة (انطلاقًا من التّجربة) في موارد المياه والتربة والمحافظة على التنوع البيولوجي، وإلى تطوير أساليب زراعية تتكيف بدقة مع البيئة، بتعاون بين المُزارعين وأصحاب الحِرف الذين يصنعون آلات تُساعد على خدمة الأرض وحصاد المحاصيل...
يمكن تطوير الأساليب التقليدية، لتتماشى مع تطورات العصر، ومع الحياة الحَضَرِية، من أجل توفير غذاء صحّي وسليم يكفي لتغذية الإنسانية والقضاء الإحتكار الذي أنتج الجوع وسوء التغذية والأمراض...
"إن أي تطور للزراعة الرأسمالية، لا يُشكل فقط تقدمًا في فن نهب العامل، ولكن أيضًا في فن نهب التربة، فأي تَطَوُّرٍ في زيادة خصوبتها لفترة زمنية معينة، هو في نفس الوقت تقدم في الخراب، ونهب للموارد التي أتاحت خصوبة الأرض... إن الإنتاج الرأسمالي لا يطور تقنيات عملية الإنتاج الاجتماعي وتوليفها سوى من خلال تدمير المصادر الحية للثروة في نفس الوقت، وهما الأرض والعامل..."
عن "كارل ماركس" – كتاب "رأس المال" – نقد الإقتصاد السياسي - الجزء الأول 1867








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن