الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات المحلية الفلسطينية وسطوة العائلي على الوطني والبرنامجي

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2022 / 4 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


سارعت حركة (فتح) كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى إعلان فوزها "الكاسح" في الجولة الثانية من انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية، والتي شملت 50 هيئة بلدية وقروية من بينها المدن الرئيسية ومراكز المحافظات. وقالت الحركة في بيان أصدرته بعد ظهور النتائج أن هذا الفوز الكاسح "دليل قاطع على أن الشعب الفلسطيني قد جدد ثقته بالحركة ورئيسها ومشروعها الوطني"! واشتمل البيان كما هو متوقع على اتهام حادّ لحركة حماس، القطب الثاني في المشهد السياسي الفلسطيني، بأنها "تصرفت بأنانية وانتهازية وحرمت المواطنين في غزة من إجراء الانتخابات، بينما شاركت هذه الحركة بكثافةفي انتخابات الضف"ة.
مظاهر الاحتفال لم تقتصر على البيان الرسمي واحتفالات التهاني، بل شملت مظاهر صاخبة مثل إطلاق الرصاص بكثافة ابتهاجا بالفوز كما جرى في نابلس وطولكرم ورام الله التي كانت مسرحا لواقعة نافرة وموثقة هي قيام أحد المسلحين الملثمين بإطلاق صليات كثيفة من الرصاص على لوحة إعلانية تحمل صور قائمة يسارية منافسة!
أما الحقيقة التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات المركزية الدكتور حنا ناصر، والتي تظهرها البيانات الرسمية المنشورة على الصفحة الرسمية للجنة الانتخابات، فتُبيّن أن لا حركة فتح ولا غيرها حقق أي نصر كاسح، بل إن القوائم المستقلة حصلت على نحو ثلثي مقاعد الهيئات المحلية بما يعادل 64.4% مقابل حصول القوائم الحزبية المنفردة والائتلافية على 36.6% فقط، وسط فتور في المشاركة الشعبية، ونسبة تصويت منخفضة بشكل عام بلغت 53% من إجمالي أصحاب حق التصويت، وتتدنّى النسبة بشكل حاد في المدن الرئيسية حيث تراوحت بين 30% في مدينة البيرة ( حيث مقر الرئاسة ومنزل الرئيس أبو مازن) إلى ما دون 40% في مدن رام الله ونابلس وجنين، وارتفعت النسبة قليلا في القرى والبلدات الريفية، أو حيثما احتدم التنافس العائلي كمدينة بيت لحم التي شاركت فيها 11 قائمة ومع ذلك لم تزد نسبة الاقتراع عن 50 %.
لا معنى إذن للحديث عن أي فوز كاسح إلا إذا أريد تحميل هذه الانتخابات دلالات سياسية حول شعبية ونفوذ القوى المشاركة فيها، وهو أمر صعب ومفتعل في ضوء إلغاء الانتخابات الحقيقية التي يمكن أن تحمل مؤشرات سياسية، أي انتخابات الرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني، بل إن اي تدقيق في تفاصيل النتائج يظهر أنها كانت أبعد ما تكون عن اكتساح هذا الفريق أو ذاك. وقد فازت حركة فتح فعلا في انتخابات بلدية نابلس بحصولها على ثمانية مقاعد مقابل سبعة للقائمة المستقلة المنافسة، وفي رام الله حيث حصلت قائمة حركة فتح على تسعة مقاعد مقابل أربعة لقوى اليسار ومقعدين لكتلة ثالثة مقربة من فتح، كما فازت قوائم متعددة محسوبة على فتح أو مقربة منها في كل من جنين وبيت لحم، بينما منيت الحركة بهزيمة ثقيلة في مدن الخليل والبيرة وطولكرم وقلقيلية.
ولعل في اتهام حركة فتح لخصمها حركة حماس بعض الوجاهة في أنها منعت الانتخابات في غزة وشاركت بها في الضفة، لكن الحقيقة أن حماس لم تشارك بكثافة كما قال بيان فتح، بل شاركت بشكل انتقائي وفق الظروف الاجتماعية والعائلية الخاصة بكل هيئة على حدة، وكانت أبرز مواقع مشاركة حماس في الخليل حيث تجند أنصارها لدعم قائمة "الوفاء" التي ترأسها رئيس بلدية الخليل السابق الفتحاوي تيسير أبو سنينة في مواجهة قائمة فتح الرسمية، وكذلك في مدينة البيرة حيث فازت قائمة يرأسها المرشح الشاب اسلام الطويل الذي اعتقلته سلطات الاحتلال قبل أسبوع من موعد الانتخابات.
ومن المظاهر اللافتة في هذه الجولة من الانتخابات المحلية، تعدد القوائم المحسوبة رسميا على حركة فتح، ففي بلدة العيزرية مثلا وهي بلدة كبيرة على بوابة القدس الشرقية، شاركت أربع قوائم فتحاوية هي قائمة الشهيد ياسر عرفات، وقائمة الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد)، وقائمة الشهيد فيصل الحسيني، وقائمة الأسير مروان البرغوثي! وتكرر الأمر في بلدات ومدن رئيسية ومنها البيرة وبيت لحم وبيت ساحور وطوباس. ولا يحتاج الأمر إلى كبير جهد ليتبين أن قيادة الحركة لم تتدخل في تشكيل القوائم على نحو ملزم، وتركت الأمور للكوادر والقيادات المحلية التي كيّفت نفسها فانسجمت مع النزعات العائلية في كل بلدة، وكأن لسان حال قيادة فتح في هذه العملية يقول : ليفز من يفوز، فَهُم في نهاية المطاف فتحاويون، ويبدو أن قانون الانتخابات المعتمد على مبدأ التمثيل النسبي، وخشية الحركة من هروب أصوات بعض أنصارها إلى قوائم منافسة هو الذي دفع إلى التغاضي عن تعدد القوائم الفتحاوية وتنافسها، لكن النتيجة المحتمة التي لا يمكن إغفالها تتمثل في غلبة النزعات الشخصية والحمائلية على التنافس البرنامجي والسياسي.
من المظاهر والنتائج اللافتة في الانتخابات استمرار حالة التشظي والتفتت لقوى اليسار الفلسطيني الذي مني بهزيمة مُدويّة في هذه الانتخابات حيث لم تسجل هذه القوى أية نتيجة لافتة إلا في مدينة رام الله حيث خاضت الانتخابات بقائمة موحدة فحصلت على أربعة مقاعد من أصل 15 مقعدا، كما حصلت كل من الجبهة الشعبية وحزب الشعب وجبهة النضال الشعبي على بضعة مقاعد في مدن وبلدات متفرقة، واكتفت الجبهة الديمقراطية بمقعد وحيد في بلدة العيزرية، لكن هذه القوى تمثلت بشكل رمزي في عدد من القوائم الائتلافية الموحدة مع حركة فتح.
هذه الحالة التي أفرزتها الانتخابات وتحديدا تنامي النزعات العشائرية على حساب الهوية الوطنية تثير قلق عديد المحللين والمراقبين ومخاوفهم، ويتأكد هذا الخوف مع استمرار ضعف السلطة وتآكل شرعيتها وعجزها عن ضبط الصراعات والنزاعات العائلية المسلحة كالتي تعاني منها مدينة الخليل منذ سنوات، ويربط بعض المحللين بين هذه الظاهرة وبين مساعي دولة الاحتلال لتوسيع صلاحيات الإدارة المدنية، وانفتاح هذه الإدارة على الهيئات المحلية وتعاملها المباشر معها في قضايا وملفات حيوية من بينها منح تصاريح الدخول للعمال، وتنفيذ بعض المشاريع المتصلة بمياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الأساسية، خصوصا مع قرار الولايات المتحدة تقديم مساعدات بمقدرار 300 مليون دولار شريطة أن تكون لمشاريع مشتركة مع الإسرائيليين، وكل ذلك يفتح الباب واسعا أمام تمكين إسرائيل من إيجاد خيارات بديلة للسلطة الفلسطينية في حال انهيارها أو حتى مجرد تلويحها بوقف التنسيق الأمني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد