الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا ترد التحية بأحسن منها

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2022 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



بعد اعمال الشغب وما تبعها من انقلاب على السلطة الشرعية في أوكرانيا عام 2014، كان هنالك تخوف من أن تقوم روسيا بعمل عسكري للدفاع عن الشرعية التي كان يمثلها نظام يانيكوفيج المنتخب ديمقراطيا مما قد ينتج عنه حرب عالمية لم تستعد لها روسيا وقتها. الوضع يختلف عندما قررت موسكو في 24 فبراير 2022، إجراء عملية خاصة لنزع سلاح أوكرانيا واجتثاث النازية فيها وتأمين حدودها أمام زحف الناتو. ومع ان الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل، الا أن قدرة الردع الروسية حالت دون استخدام السلاح النووي فيها، لتكون حربا مالية واقتصادية جند فيها كل طرف ما يستطيع لاستنزاف الطرف الاخر.
في ليلة 27 فبراير 2022، فرض الغرب الجماعي (الولايات المتحدة وحلفاؤها حول العالم) عقوبات على البنك المركزي للاتحاد الروسي، حيث جمد احتياطياته من الذهب والعملات الأجنبية التي بلغ مجموعها 300 مليار دولار، واعتمدت وزارة الخزانة الأمريكية توجيهًا يمنع الشركات والافراد الامريكان من أي معاملات مع البنك المركزي للاتحاد الروسي ووزارة المالية الروسية وصندوق الرعاية الوطنية.
على ما يبدو، كان من المفترض أن روسيا، التي تُركت بدون احتياطيات مالية بالنقد الاجنبي، لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية للدائنين الأجانب، ولن تتحمل نير العقوبات الغربية وستنهار عملتها الوطنية ثم تفلس وتنهار. لكن حتى الآن كل شيء يسير وفقًا لسيناريو مختلف تمامًا.
أولاً، أدخل البنك المركزي للاتحاد الروسي إجراءً مؤقتًا لتداول العملات الأجنبية في روسيا، ففضلاً عن فرض قيود على الأجانب (شركات وأفراد) في مجال بيع الأوراق المالية وسحب الأموال من المصارف المحلية ونقلها الى خارج روسيا.
ثانيًا، في رد مواز لحجم العقوبات الغربية التي وضعت قيود على استخدام الاحتياطيات المالية للبنك المركزي الروسي بقيمة 300 مليار دولار، فرضت إدارة البنك المركزي الروسي من جهتها قيودًا على سحب أصول مالية بنفس القيمة لدول غربية شاركت بالعقوبات على روسيا.
إضافة الى ذلك تقرر ألا يتم سداد ديون الشركات الغربية المستحقة على الشركات الروسية والديون الحكومية على تلك الشركات من البلدان التي تدعم العقوبات ضد روسيا إلا بإذن رسمي من الحكومية الروسية. ولن تحصل الشركات والافراد التابعين للدول الغربية غير الصديقة على دخل من السندات بالعملة الأجنبية.
في الواقع، نحن نتحدث عن قيود مستهدفة ومحكومة بالالتزامات الخارجية، والتي تقدر بنحو 478 مليار دولار. حتى نهاية عام 2022، كان على روسيا أن تدفع حوالي 60 مليار دولار وهي الآن تتوقف عن سدادها لديونها المستحقة للدول التي شاركت في العقوبات ضدها مقابل 300 مليار دولار منع الغرب روسيا من التصرف بها. روسيا بهذا الشكل ترد "التحية" بأفضل منها.
ثالثًا، ربما يمكن اعتبار الخطوة الأقوى، في سلسلة الردود الروسية، قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفرض احتساب قيمة الغاز الروسي بالروبل للدول غير الصديقة، حسب التصنيف الروسي.
لقد رسم "الغرب الجماعي" في الواقع علامة استفهام كبيرة على موثوقية عملاته، والاصح، أنه شطب الثقة في هذه العملات نفسها. أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، من حيث المبدأ، عدم الوفاء في التزاماتهما تجاه روسيا، والآن عليهما أن يتحملا تراجع روسيا عن التزاماتها بالتعامل بالدولار أو اليورو.
لذا تعين على روسيا ان تخطو خطوة كبيرة الى الامام من اجل التخلص من هيمنة الدولار واليورو والعملات الاحتياطية الأخرى للدول غير الصديقة، التي أصبحت منذ 30 عامًا، عند ولادة الاتحاد الروسي، أداة للقمع الاستعماري. على مدى ثلاثين عامًا، كانوا يقدمون للروس "الورق" الخارج من "مطابع" الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان، وفي المقابل يحصلون من روسيا على مواردها الطبيعية وغيرها من البضائع الحيوية من اجل توفير استقرار يضمن ديمومة تطورهم التقني والاقتصادي.
بهذه الخطوة من جانب روسيا، قلب الكرملين الوضع رأسًا على عقب. استند حساب الغرب على حقيقة أن روسيا، من أجل الوفاء بالتزاماتها، بحاجة ماسة إلى الدولارات واليورو، المملوكة حصرا من قبل الغرب. وفجأة اتضح أن "الروبل" الذي لم يكن في حسبانهم، يحتاجه الآن كل هؤلاء الأوروبيين، المشاركين في العقوبات، لدفع ثمن الغاز الروسي. للقيام بذلك، سوف يحتاجون إلى البدء في شراء أطنان من العملة الوطنية الروسية من البنك المركزي للاتحاد الروسي، الذي وضعوه تحت العقوبات.
تطور مفاجئ. بطبيعة الحال، شعرت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالغضب من مثل هذه الصياغة للقرار الروسي، مشيرة إلى أن العقود الموقعة لا تحتوي على بند حول إمكانية استبدال عملة الدفع بعملة لم يتم النص عليها في العقود. كان التعليق الأكثر إمتاعًا من رئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانس، الذي قال ما يلي في قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "لا أعتقد أن أي شخص في أوروبا يعرف شكل الروبل".
تبلغ حصة الغاز الروسي في السوق الأوروبية حوالي 35٪. نعم، انتهى الشتاء، لكن مخزون الغاز في أوربا هبط الى أدنى مناسيبه، ولا تزال أسعار "الوقود الأزرق" مروعة. وفي هذه الظروف، سيتعين على الغرب قريبًا البدء في شراء الغاز بكميات تجارية مرة أخرى من أجل الاستعداد لموسم التدفئة التالي. وسيضطر لتجاوز شكليات محدودة في اتفاقيات الامداد بالغاز بعد أن صادر، بطريقة غير مشروعة، احتياطي الذهب والعملات الأجنبية للبنك المركزي للاتحاد الروسي وحسابات المواطنين الروس.
سقط القناع عن الليبرالية الغربية ليتبين أن "الحق المقدس" للملكية الخاصة ليس مقدسًا جدًا بالنسبة للأوروبيين "المتحضرين"، على الرغم من الاقاصيص الاقتصادية التي بهرنا بها الغرب منذ أواسط القرن الماضي.
لم تمنح روسيا الدول الغربية غير الصديقة فترة طويلة للتفكير. فحال إقرار آليات تنفيذ قرار الرئيس الروسي، بداية شهر ابريل من هذا العام، يتعين على الغرب الاختيار بين الانصياع غير المشروط للقرار الروسي وبين وقف العمل باتفاقيات استيراد الغاز وتحمل تبعات ذلك. علما بأن الرفض الكامل للغاز الروسي سيكون كارثة كبيرة على الاقتصاد الأوروبي ومواطني العالم القديم. حتى إمدادات الغاز المسال من العالم الجديد غير قادرة على تغطية النقص الناتج في الوقود الأزرق.
وأخيرا، فمن يقرر دخول القتال، عليه أن يحسب الحساب لكل أسلحة عدوه. البداية هي الغاز وان لم يجدي فبعده النفط ثم الفحم ثم التيتان، وهكذا الى أن يعتاد الاوربيون على شكل الروبل الروسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على