الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشك والإيمان .. والسياسة

أحمد فاروق عباس

2022 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى شتاء سنة ٢٠١٣ ، كنت أدرَّس مقرراً للفرقة الثانية فى الإقتصاد الإسلامى .. وفى يوم من أيام شهر فبراير من ذلك العام كنت خارجاً من إحدى المحاضرات .. تدفق الطلاب حولى ، بعضهم يسأل عن هذه النقطة أو تلك مما قيل فى المحاضرة ، وبعضهم - كالعادة - يستفسر عن الامتحان ، وهل سيأتى سهلاً ومباشراً ام سيكون صعباً !! إلى آخر ما هو معتاد في مثل هذه الحالات ..
بعد مرور بعض الوقت كانت أعداد الطلاب تقل ، حتى أصبح من حولى من الطلاب ثلاثة أو أربعة ..
سألنى أحدهم بأدب ، وفى عينيه نظرة قلقة :
- دكتور .. هل أنت مقتنع بما شرحته لنا فى المحاضرة ؟!
لم أفهم السؤال حقيقة .. أو بمعنى أصح لم أفهم المعنى الكامن وراء السؤال ، فأردت أن أعطى نفسى برهة أفكر فيها ، وافهم ماذا يعنى بالضبط ، فقلت له :
- ماذا تقصد ؟
وكان جوابه مباشراً :
- أقصد ما قلته لحضرتك .. هل أنت مؤمن حقاً بما تقول ؟!
وبعد حوار طويل معه ومع زملاءه فهمت الأتى :
١ - هم مجموعة من الشباب اضطربت عندهم المفاهيم ، وضاع الحد الفاصل بين ما يصح التفكير فيه ومالا يصح ، وأن ظروفاً مما كانت تمر به مصر وقتها هى ما قادتهم إلى هذا الطريق ..
٢ - أن مواقع الإلحاد على الإنترنت أصبحت كثيرة ، ويبحث عنها شباب لم يجد فيما حوله جواباً مقنعاً ، وبدلاً من أن يكون وصول " الإسلاميين " إلى الحكم داعياً إلى سد الفجوة بين كلام هؤلاء الإسلاميين وأفعالهم حدث العكس تماماً ، وظهر للناس بعد الشقة بين الكلام وبين الأفعال ، وبين مظهر الدين وجوهره ..
٣ - أن جزءاً كبيراً مما حدث لهم سببه ما يرونه حولهم من أشخاص كانوا يستمعون إليهم بإجلال قبل ثورة يناير ٢٠١١ ، وإذا هم بعد الثورة يتركون ورع المساجد إلى صراع المناصب ، وذكر هنا أشخاص مثل صفوت حجازى ومحمد حسان وعمرو خالد وحازم أبو إسماعيل وحسين يعقوب وغيرهم .. وأن كثير من الشباب كان متعلقاً بهؤلاء وبحديثهم الدينى ، وإذا بعد التغييرات التي حدثت فى مصر يتركون الدين جانباً ، ولا يرون فيه سوى أنه طريق سهل ومضمون إلى مأرب أخرى !!
فعلى سبيل المثال :
- تغيرت آراء الإخوان فى أحكام الدين طبقاً لمصلحتهم السياسية الأنية ، ويبدو أنهم كانوا غير مدركين أنهم يتلاعبون بشئ مقدس عند الناس ، ولكن فى غمرة بحثهم عن السلطة أو الاستمرار فيها ضاعت اشياء كثيرة ، وكمجرد مثال - من أمثلة كثيرة - عندما طلب د. كمال الجنزوري وكان رئيس الوزراء وقتها عام ٢٠١٢ قرضاً من صندوق النقد الدولي أعترض الإخوان بشدة ، ولم يعللوا رفضهم بسبب منطق اقتصادي يمكن النقاش حوله ، بل جعلوا الدين مدخلهم إلى الرفض ، وقالوا أن القرض وفائدته حرام ، واستشهدوا بالآيات الكريمة في حرمة ذلك ، وتصادف أن وصل الإخوان إلى السلطة بعد ذلك بشهور قليلة ، وأمام خواء الخزينة المصرية طلبوا هم أيضا قرضاً من صندوق النقد الدولي ، وعندما ذكرَّهم الناس أنهم هم بأنفسهم من رفض نفس القرض من شهور لأنه فائدة والفائدة حرام شرعاً ، كان الرد : هى ليست فائدة ، بل هى مصروفات إدارية !! وهى حلال !!
فالقرض حرام عندما طلبه الجنزوري ، لكن تحول بقدرة قادر إلى حلال عندما طلبوه هم !!
- ترك عمرو خالد الدعوة الدينية وبرامجه التى كان يشاهدها عشرات الملايين ، واتجه إلى السياسة بعد الثورة ، وبدا أن هؤلاء الملايين من " صناع الحياة " - وهو اسم أحد برامجه - هم قاعدته التى بناها في سنوات طويلة ، فأنشأ حزبا سياسياً - سماه حزب مصر - ينافس به على الحكم ، وطبقاً لحوارات علنية ومنشورة مع عمرو خالد ، ومازلت متاحة على الإنترنت لمن يريد ، لم تكن تجربة عمرو خالد كأحد أبرز نجوم ظاهرة الدعاة الجدد من بدايتها إلى نهايتها بعيدة عن أيدى وتوجيه المخابرات البريطانية ، وإن حاول عمرو خالد تبرير الأمر بحجج ملتوية ..
- أخذ " الشيخ " حازم أبو إسماعيل أنصاره ذات يوم من عام ٢٠١٢ إلى العباسية ، مصرا أن يذهب إلى مبنى وزارة الدفاع ليؤدب من فيها ، ويجبره أن يسلم السلطة له أو لمن معه أو لتياره السياسى ( لم يقل ذلك حرفياً بالطبع ، وإن كان مفهوماً لماذا اللهفة ، ولماذا التحدى ، فلم يكن ذلك من أجل سواد عيون الليبراليين والعلمانيين كما كانوا يسمونهم آنذاك ( طبعا اختفت تلك التسميات الآن لجمع الصفوف ضد " العسكر " عدوهم الأقوى الآن ، وهى مستعدة للظهور فورا عندما تسمح الظروف !! ) ..
لم يتوقف أحد ويسأل " الشيخ " حازم عن دروسه الدينية السابقة ، وأين هى مما يفعله الآن ، وهو يوشك أن يصل بمصر إلى حافة حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس !!!
- وإذا " بالشيخ " صفوت حجازى يترك الوعظ والإرشاد ومنابر الدعوة الذى كان منهمكاً فيهم قبل الثورة ، ويتحول إلى روبسبير الثورة ، ويترك ثوب الشيخ الدينى ويصبح أمين عام إتحاد الثورة ( أو شئ من هذا القبيل ) ، وتستضيفه القنوات ليس بوصفه الشيخ صفوت عالم الدين بل بصفته الجديدة كرجل ثورى يهدد ويتوعد ، يقيم الحكومات ويقعدها وكمهيج للجماهير !!

وسار على نفس المنوال أناس كثيرون من هذا التيار الدينى ، ونسوا أن هناك آخرين يروعهم ما يشاهدونه ، وأنهم يقارنون بين كلام الأمس وكلام اليوم ، ولم يكن الصدق في كلام اليوم متوفراً فى كل الأحوال ، بل كان الكذب - وبفجاجة - والادعاء والغرور هو سيد المشهد ..
- كان الشباب قبل الثورة قد سار طويلاً مع هذه التيارات ومع شيوخها ، ففى ظل تعقد الحياة وسرعتها ، لم يكن أمام أحد - وخصوصاً الشباب - الفرصة لكى يرجع بنفسه إلى كتب الفقه وكتب التفاسير ، وهنا تقدم الوسطاء لكى يقوموا حارساً بين الإنسان وربه ، ووسيطاً بين الإنسان وفهم أمور دينه ، ولم يكن هؤلاء الوسطاء أبداً حسني النية ، بل كانت لهم أهدافهم الخاصة ، ولم تكن السلطة فقط نهاية أحلامهم ، بل السيطرة على حياة الناس وعقولهم ، وإعادة تشكيلها طبقا لاجندتهم الخاصة ، وطبقا لرؤيتهم وانغلاق عقولهم ، وهنا قدموا نسختهم الخاصة في تفسير الإسلام .. ولم تكن هى أفضل النسخ ...

٤ - أعرف أن هذه السن من بدايات الشباب هى سن قلقة ، وعادة المشاعر فيها تكون حادة ، فتارة تكون مشاعر دينية قوية لذوى المزاج الدينى الحاد ، فيما تكون الأسئلة الحائرة عن الوجود ومعنى الحياة تملأ رؤوس شباب آخرين ، وينتهى الأمر فى الغالب بعد سنوات إلى نوع من التدين الهادئ المستنير ، بعد أن تكون تجارب الأيام قد أضاءت الطريق أمام الطرفين : الأول ذو المشاعر الدينية القوية الحادة ، والثانى صاحب الأسئلة القلقة والحائرة ..
.. هذا فى الظروف الطبيعية .
لكن ما حدث فى مصر فى تلك السنوات أضاء لنا ضوءاً جديداً ... من أهم ملامحه :
١ - أن الخطر الأكبر على الإسلام يأتى احياناً ممن يتحدثون بإسمه ويرفعون رايته بدون فهم حقيقى وليس ممن يعادونه ..
٢ - أن من اختطف الإسلام وأممه لمصلحته الخاصة أو مصلحته السياسية ترك لدى كثيرين أسئلة خطرة عن معنى ذلك ، وعن طبيعة هذه الأمور الجديدة والغربية ، ولما كان فعل من اختطف الإسلام لمصلحته متحدياً ومتبجحاً ، كان رد الفعل على الناحية الأخرى عصبيا ومباشراً ، وطبقاً لقانون نيوتن الثالث " لكل فعل رد فعل ، مساوٍ له فى المقدار .. ومضاد له فى الاتجاه " ..
٣ - لست أعرف إلى أى شئ أنتهى الأمر بهؤلاء الشباب ، وأين هم الآن ، كما اننى لا أعرف عمق هذه الظاهرة فى مصر أو حجمها ، فذلك مما يلزم له فرق بحث ، تبحث وتنقب وتدرس الأسباب ، وربما كانت مراكز البحوث الاجتماعية هى المؤهلة لذلك ..
٤ - مازال من يسمون أنفسهم بالإسلاميين يقدمون آراءهم الغريبة ، ويفرضون على المجتمع قضايا وآراء تخاصم الزمن ، قائلين ان ذلك هو الاسلام ، وليس رأيهم - أو حتي اجتهادهم - الخاص ، ومازال آخرون يرون في الدين فرصتهم الوحيدة لكراسى الحكم ، حتى بعد تجارب السنين - بل والعقود - الماضية .. ومازال الإسلام هو من يدفع الثمن .
٥ - إذا كنا نعانى من شباب اضطرب فهم الدين لديه لدرجة رفع السلاح والسير وراء تنظيماته ، فهناك شباب آخرون ضاعت بوصلة الدين لديه إلى درجة الانصراف عنه ..

هذا ملمح من ظاهرة تصادف أن تعرضت لبعض ظواهرها من طلاب مروا أمامى ، وإذا كان الأمر يبدو وقد خفتت حدته ، فيجب التنويه إلى أن ضغط العوامل الاجتماعية في مصر شديد ، وربما يمتنع من يريد أن يرفع صوته أن يفعل ذلك .. ولكن النار - كما يقولون - تحت الرماد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س