الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاص. طلال شاهين.

عايد سعيد السراج

2022 / 4 / 4
الادب والفن


القاص المرحوم. طلال شاهين . الذي عاش غريباً وسط أهله وناسه ومات غريباً _ ومجموعة " الخنازير" القصصية

طلال شاهين , أو طلال م شاهين , أو طلال عبيد , أو طلال عيسى أو

طلال الجدوع , هو الكاتب ذاته فهو كتب بهذه الأسماء كلها ولكنه كتب

جميع كتبه المنشورة تحت اسم طلال شاهين , وهو ربما كان يستخدم

كنايات مختلفة لأنّ همه النشر , طلال شاهين إذا كتبت عنه بتجرد تراه

رجلاً يستحق الدراسة , فهو من أكثر الناس في المدينة لبساً وغموضاً ,

وهو اشكالي بكل معنى الكلمة , كان يراسل الإذاعات في العالم العربي

والعالم , ويراسل الأندية الثقافية والاجتماعية وكذلك الذين يرغبون

بالصداقات والتعارف , هكذا بدأ , وبدأ يَعْرفُه الجميع , الكل في المدينة

يعرف طلال شاهين وله قصة معه , عشرات الكتّاب والأدباء والصحفيين

والمفكرين , أستضافهم طلال شاهين في بيته وتعرف عليهم وعَرِّف القسم

الأعظم من كتّاب المدينة عليهم , طلال شاهين نزق وانفعالي إذا ما

تجاوزت حدودك معه أو اذا خُيِّل اليه ذلك , وهو مهموم وشتائمي ، يكتب

القصة والشعر والرواية رغم أنف الجميع , وهو مصر أن يكتب ويكتب

ويكتب , ومصر أن يتعلّم حتى أخذ ( البكالوريا بعد محاولات طويلة )

وانتسب إلى جامعة بيروت / قسم الحقوق / ولم يكمل دراسته - لذا هو

في رحلة دائمة إلى المجهول , من أكثر الناس معرفة لجغرافيا المدينة في

كل (عرس له قرص ) – كما يقول المثل – وهو يرفض الزواج

رغم تقدمه في السن , وهو رغم الحالة الانفعالية التي يعيشها تراه طيباً

وبسيطاً ومقهوراً بشكل دائم ومملوء بالخيبات , والمدينة تتحدث عنه دائماً

لدرجة أنك إذا ذكرت نادرة أو حالة ثقافية أو

اجتماعية يذكرون لك طلال شاهين , فهو يحمل نرجسية مفرطة - وطيبة الحمل الوديع ,

أصدر حتى الآن مجموعة كبيرة من القصص والروايات لم يقبله اتحاد

الكتاب السوريين , رغم اصراره على ذلك , لا لأن مستواه الأدبي أدنى

من القبول , بل لأسباب شخصية ولعداوات بينه وبين أصحاب القرار ،,

هذه مقدمة لا بد منها للدخول إلى عوالم طلال شاهين الأدبية إذ هو يكتب

بشكل مباشر لدرجة أنك تعرف الشخوص الذين يكتب عنهم أو تكاد ,

وهذا ما سبب له مشاكل كثيرة مع الناس إلى درجة إطلاق النار عليه

ومحاولة قتله,والاعتداء عليه أكثر من مرة , ولكنه يصر على الاستمرار

في الكتابة بهذا الشكل , وأحياناً تكون كتاباته فضائحية أو هكذا يتخيلها

البعض, / يقول أن الأدب يجب أن يكون صادقاً وواضحاً ومباشراً

وحقيقياً / ونحن سوف نتعامل مع نصوصه على هذا الأساس أي ،

المعيار الذي يحبذه هو في الكتابة,( طلال شاهين ,) فنبدأ من مجموعته

القصصية / الخنازير / التي صدرت عام 1990 عن دار إيبلا بدمشق /

حيث يهدي المجموعة القصصية إلى / بيازو,أوسيه / وهي والدته / يقول

في المقدمة : عن ترجمة شاعر لم يذكر اسمه :

- الوطن الغربة ، الألم

كنت غريباً ، في كل مكان وطئته قدماي

وكانوا يرشقونني بنظرات طويلة

وكنت أبتغي الفرار دوماً

من المكان الذي أكون فيه

وحين يمسي لي مأوى

فهناك أيضاً أغدو غريباً

ليس ثمة أي مكان في العالم

أرتاح فيه

ويتلو في أعماقي

/ رجل كنت أجهله /

وفي القصة المعنونة / اللحظات الأخيرة / وهي قصة لحالة كابوسية لآلام

شخص , حيث يدخل الواقع مع الحلم , الحقيقة مع الخيال , فبطل القصة ,

يشعر بالدوار ولا يرى نفسه إلاّ ممدّداً على سرير المشفى , ويكابد بين

معاناة المرض , مع الحالة المقزّزة والروائح الكريهة في المستشفى ,

الذي يملؤه الهرج , والمرج , والأوساخ , والأصوات المتداخلة , مع حالة

الغثيان التي تنتاب بطل القصة , كلما صحا من حالة الإغماء , التي تنتابه

, حيث أن أصوات البشر , كانت تشبه أصوات الخنازير , التي يصبح

صوت الكلب في لحظة العواء , أكثر روعة عند بطل القصة

( تكاثرت الأيدي والأدوية والعقاقير , كلها تحاول خنقه , الوسائد

والأغطية والقشور يحسها كأيدٍ ضاغطة على أنفاسه , جسده ملجأ لخناجر

مهيأة للهبوط في كل لحظة , الخنازير تصرخ , تعالت أمواج الفرات

الجميل , وكوجه أمه ( بيازو ) المتعرِّق دبت فيه الحياة , المرضى

النائمون آفاقوا على النحيب والبكاء , اقتربت ثواني الساعة , عاد النزيف

ثانية , امتلأت الأرض بالدماء القانية , قبل شروق الشمس , نهشوا جسده

, ثم شربوا من الدماء التي تساقطت فوق رؤوس الأطفال , حين آفاق من

في المدينة سمعوا هدير الفرات كلحن ٍ شفافٍ مستمر في الصعود ) فهنا

الكاتب يُرينا بطله الذي يعيش الحالة الكابوسية , فكل ما يحيط به هو

ضده , الأدوية / العقاقير / الوسائد / وهذا الجسد المهيأ للخناجر / بطل

مأزوم , يخيّلُ إليه أنّ الآخر أيّ آخر هو معاد ٍ له , أو كاره ٍ أو آذ ٍ , لذا

فما عليه إلاّ أن يُقَبّــل الجميع , كحالة من المصالحة مع الآخر في لحظة

الوعي , وكأنّه يريد أن يتخلص من الحالة الكابوسية التي تنهشُه من

الداخل , وتحول الخارج المحيط إلى أفاع ٍ تغزوه دائماً , فهذا الطرح

الداخلي المتناقض والمعقد يجعل بطل القصة / يكون أكثر سلبية في

التعامل مع المحيط , ويجعل النفس تكون أكثر إيلاماً و تأذياً من أشواك

الخارج , المتجسِّر دائماً على فعل الشر ِّ , و هذا ما يجعل قراءة نصوص

الكاتب – طلال شاهين – ليس فيها إيلاماً فقط بل أيضاً صعوبة في قراءة

النص المشبّع بالجوِّ الكابوسيِّ الذي دلت عليه اللغة التي تحمل دلالات

متشابهة وتحتاج إلى مساحات أكبر وأكثر وساعة لإعطاء القارئ حرية

أكثر خوفاً عليه من الملل – تكاثر الأيدي – أدوية – عقاقير – خنق –

وسائد – أغطية – قشور – صراخ –خنازير – أمواج – مرض – نوم

– نحيب – بكاء – نزيف – دماء –نهش – شرب دماء – تساقط – كل

هذا في بضعة أسطر – كم هائل من المفردات – ذات الدلالات العميقة

والمختلفة والمتناقضة , وكل هذه المفردات تعطي معنى السأم , وتحوي

الآلام والأوجاع وحالة الغثيان والنزيف الحاد للمفردة المقززة التي تحيل

الجو القصصي إلى جوّ كابوسي مقيت , وهذا يدل على معاناة الكاتب

الذي لم يعد يطيق نفسه , وذلك كونه مسجوناً في سجن ذاته المغلق أو

سجن الحياة المحيطة به المملوءة بالإحباط , والتشاؤم والإرث الثقيل ,

فالقراءة الناقدة التي تُحاول إزاحة الأغطية المتراكمة عن الحالات النفسية

ودلالات المفردة تجعل النص الذي يخدعك بعاديته ، نصاً حمّالاً لمسارات

كثيرة من أغوار الذات البشرية , التي استطاع طلال شاهين أن يعطينا

نموذجاً لها حيث أن أبطاله واقعيون حدّ النخاع , ومهمومون بالحياة

لدرجة الإشباع , ( ومازوخويون ) لدرجة الملل , أو ساديون لدرجة

القرف , فالعين الموضوعية التي تأخذ أكثر من مسار لرؤية أعماله ترينا , انصبابة

على كتابة ذاته المتأرّقة , ونحن هنا لسنا بصدد تقييم العمل على الصعيد

الفني , أو اللغوي , أو التكامل في القص , وشروط ذلك , بل نركز على

الحالة الإنسانية المرهونة بواقعها الاجتماعي , الذي جُسِّد بأحسن ما

يكون, لشخصية البطل المأزوم في العمل الأدبي , فأحداث القص لدى

الكاتب , مكثفة حبلى بالدلالات والوصف بالكلمات لدرجة أننا نستطيع

القول أن بطل قصص طلال شاهين مثقل بالكلمات – طبعاً ذات الدلالات

الوصفية التي تثقل روح هذا الكائن وتكبله لأنّ مساحة الحرية في

فضاءات النص محدودة , لذا فبطل القصة مأزوم ليس بالحياة واشكالياتها

فقط , بل بالكلمات التي تصب فوق رأسه كالصواعق , مما يجعل الحالة

هذه تحتاج إلى دراسة /سيكولوجيا / البطل المهزوم بفعل الواقع

الاجتماعي ومنه , وهذا أثــّر على مساحة وحرية النص لديه ,وقلل من

المساحة الأدبية ( فنياً ) مما يجعل العمل هنا جوهره الحالة المحاطة

بالنزق المتأجج دون الالتفات إلى استخدام الجملة الأدبية , وطريقة توظيفها ,

طلال شاهين – يكتب القصة , لأنّه يريد أن يستمر في كتابة الأدب له

حكايات مع كتابة الأدب / مثل كل حكاياته مع الحياة , أي مع المحيط ,

عندما تذكر اسمه البعض يُصاب بمس , والبعض الآخر يَتَلفّت حوله ,

عندما تقول للبعض قرأت قصة لطلال شاهين , يقولون لك معقول ,

وعندما تقول لهم هل قرأتم أعماله يقولون لك لا , إذاً كيف تحكمون على

كتاباته يقولون لك , هكذا يقولون , أنا لا أريد هنا سوى أن أسلط الضوء

على هذا الرجل العنيد المشاكس الأديب الذي يعرف أسرار المدينة من

الداخل, ويحاول توظيفها في كتاباته , صدر للكاتب الأعمال التالية :

1- الخنازير – قصص 2- أمنيات صغيرة – قصص 3- الركض عبر

الأزمنة المنهوبة – قصص 4- الشهيد الثالث عشر – قصص 5- قتلة

النهار – رواية 6- عواء الرجل الميت – قصص 7 – الوغلاء المحلون

– قصص 8- مدائن العشق – قصص للفتيان – ويعد للطبع مجموعة

كبيرة من القصص والروايات

: - ملاحظة - كُتبت ونُشرت هذه المقالة عام 2007 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81