الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة أخيرة الى - حبيبتى - .. قصة قصيرة

منى نوال حلمى

2022 / 4 / 6
الادب والفن


رسالة أخيرة الى " حبيبتى " قصة قصيرة
------------------------------

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليك .
حين تقرأينى ، سأكون محلقاً فى الهواء ، مسافراً إلى أرض لا تعرفك ولا تعرفنى . مسافر إلى بلاد لا تحمل لنا ذكريات . أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ . اقرأينى حين يهل المساء ، فخيوط الليل أكثر مغفرة . اقرأينى لا بعينيكِ ، ولكن بقلبك الذى منحنى فى ليلة حب العمر .
اقرأينى فى لحظة هاربة من الزمان ، والمكان ، تمنيت أن أقضيها معكِ .
منذ لقائنا الأول ، أدركت نوع الحب الذى يجمعنا . سافرت علنى أشفى منكِ ، لأعفى قلبينا من عشق لا يرويه لقاء ، لا يشبعه وصال ، لا يداويه إلا الموت . سافرت لأحرركِ من وعود لم تنطق بها شفتاكِ ، وعسى الحرمان منكِ وأنتِ بعيدة ، أهون من الحرمان وأنتِ قريبة .
جريت معكِ كل شىء ، وفشلت . ولم يتبق لى إلا الرحيل . اكتب إليكِ لأننى لا أجيد لحظات الوداع . هل تتذكرين لقاءنا الأول ؟ .
كُنت أرتدى حسرة أمنيات تزورنى دوماً فى الخريف ، وكنتِ ترتدين لون البحر .
شىء ما دفعنى إليكِ .. شىء ما جعلك تتوقفين عن خطواتك . انطلقت بيننا الكلمات ، كأننا كنا على ميعاد . أعجبتينى منذ اللحظة الأولى . كم من المرات استدرجتنى الانطباعات الأولى ، إلى ما لم أتوقعه ، أو أتخيله . لكننى لا أتعلم ، وأطيع ما تنبئنى به .
إنطباعى الأول عنكِ يفجر حُب فضولى ، ويوقظ فى قلبى رعشات دافئة نسيتها منذ زمن . أعرف جيداً تلك الرعشات التى تهز القلب . إنها بدايات أفراح عصية المنال ، وعبير أشجان تأنس لها الروح .
سألتينى : " هلى نكون أصدقاء ؟ " .
همست بينى وبين نفسى : " أنتِ أجمل من أن تكونى صديقتى " .
" صديقتى " .. امرأة مثلك محال أن تجمعنى بها الصداقة .. فأن تكونى صديقتى ، معناه نوع من الحياد العاطفى .. وكيف أكون محايداً تجاهكِ ، وكل ما فيكِ يقتحمنى دون منطق ، دون إعتبار لوقارى المعهود ؟ . وإذا أصبحت ُ على حياد مع شفتيكِ ، فأين أذهب من عينيكِ ؟ .
حينما أقابل امرأة وأبقى كما أنا فى حالة آمنة ، سالمة ، أقول لها ، " كونى صديقتى".. أما
" أنتِ " ، أنتِ الخطر اللذيذ طال بحثى عنه بين النساء . أنت ِ البركان المشتعل ، أهفو للارتماء فيه ، وأنتِ ومضة الجنون ، أتوق إليها ، ليصبح للتعقل معنى ، ومُبرر .
على ورقة شجر صفراء ، كتبت لكِ رقم هاتفى . بلمسة حانية ، أخذتِ مِنى القلم ، وعلى خطوط يدى ، كتبتِ لى رقم هاتفك .
قلتُ لنفسى لو مرً المساء ، دون أن تكلمينى ، فسوف ألفظك من خيالى . دقت الساعة منتصف الليل ، وجائنى صوتكِ المُفعم بالأسرار .
ربما تتساءلين ، لماذا أعود بكِ إلى الماضى .. لم لا أكتفى بكلمات الوداع ؟ .
أحتاج أن أتذكر البدايات ، لأحتمل النهاية .. أحتاج أن أكشف ذلك العاشق داخلى ، الذى منعك كبرياؤك أن تفكى رموزه . يدهشك رحيلى المفاجىء .. أعرف . تتسائلين كيف أرحل بهذه السهولة ،
و" ما بيننا " فى أحلى حالاته ؟ . كيف أرحل ، وملامحكِ الشهية مقيمة على جلدى أينما ذهبتِ؟..
حاولى أن تفهمينى ، وتدركين المأزق الذى وقعنا فيه ، أنا وأنتِ . " ما بيننا " ، ولنتقبل الأمر ، شىء غريب .. علاقة ليس لها عنوان ، وأنا تعبت من ترحال الغربة .
فيها من الحب ، وليست حباً .. فيها من العشق ، وليست عشقاً . كل امرأة عرفتها قبلك ، كانت دون أن أدرى تمهدنى لكِ . وعرفتك ، اكتشفت أن كل تجاربى لا تسعفنى ..
ذات مساء تصالحنا بعد طول خصام . لا أدرى ماذا يحدث للدنيا ، حين يرضى قلبكِ عنى ؟. ماذا يطرأ على الكون ، حين تنساب الرقة بينكِ وبينى ؟ .. حين نتصالح ، يصبح الهواء أكثر عذوبة ، والماء أكثر شفافية ، والناس أقل خشونة ..
ذات مساء قلتِ لى ، " ما بيننا " يحيرنى ، يتحدانى .. أصارعه ، ويصارعنى . أنا الآخر ، فى حيرة ، وصراع . حيرة تؤرق نومى ، ، وصراع أجهد يقظتى .
يا لسخرية الأقدار .. نتعثر معاً ، تطول فترات خصامنا ، ليس لغياب الحب . ولكن لحضوره أكثر مما نحتمل . وأكثر مما تؤهلنا تجاربنا له ..
كنت تتعمدين جرحى ، ويدهشك أننى لا أغضب .. كنت أقابل الجرح منكِ ، بنفس صافية . أفهم جيداً دوافعِك .. تعاقبينى لأننى الرجل الوحيد الذى أحبكِ دون مقابل .. عطائى كان يخيفك .. ولديكِ قدرة أحسدك عليها ، فى تحويل كل فضائلى إلى عيوب . لم تصدقى أن هناك رجلاً يعشق بمثل هذا الزهد ، والسمو . أن أعطيكِ ، كانت فرحتى الوحيدة .. وتلك أيضاً ، كانت خطيئتى الوحيدة . ربما لو كنتُ فكرت فى الأخذ ، لسارت الأمور بيننا أكثر سلاسة .. أنتِ المرأة الوحيدة معها فقدت ذاتى ، وحين فقدتها ، وجدتها أحلى ما تكون .
حين كنت أسألكِ لِم قسوتك .. كان يجيئنى ردك " القسوة مناعة ضد الضعف ".
كنت أكرهك أحياناً ، ليس عندما تكونين قاسية . ولكن حينما تصبحين رقيقة . تزداد كراهيتى لكِ ، حين تمنحينى ليلة حُب ، تشعرنى أن ما فات قبلكِ وهم . كيف تأتيك الجرأة ، وتلغين كل النساء قبلك ؟ . هذا ذنب عظيم لن أغفره لكِ .
وكنت أكرهك ، حين أعترف بينى وبين نفسى ، أننى لا أستطيع الاستغناء عنكِ . أنتِ المرأة الوحيدة ، التى أشعرتنى بأن الأمر بين يديها ، ضرورة لبقائى حراً . سافرت لأهرب من هذا التناقض المؤلم .
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .
تذكرينى فى موسم الشتاء ، حين كنا نصير تحت المطر .. تذكرينى فى الربيع ، حيث كنت أهديك الورد ، والحنين . حين يهل الصيف ، تذكرى سهراتنا الممتدة حتى الفجر . تذكرينى فى الخريف ، حين التقينا أول مرة .. سقطت أوراق المواسم الماضية ، وتهيأت لموسمكِ أنتِ ..
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .
لقاؤنا الأخير ، كان منذ أيام .. كنا نحتفل بيوم ميلادكِ .. بسببه مت قبل أوانى .
وقت طويل وأنا أرتب لهذه اللحظات الأخيرة بيننا .
تجلسين بجانبى نجمة مُبهرة الضياء .. مُنجذب إليكِ بكل حواسى وارتباك قلبى .. مفتون بكِ إلى حد الشقاء ، أتأملكِ كأنها المرة الأولى ، أستمع إلى كلماتِك كمَنْ أسابه مس من السحر ..
سألتنىِ .. هلى استحق كل هذا الحب المطل من عينيكِ ؟ .
بابتسامة هادئة تبتلع مشروبا يرفض أن يفقدنى الوعى ، قُلت : " بالطبع لا تستحقين " .
قلتِ لى : " كم أنت عنيد " .
قلت : " ألا تحبين الرجل العنيد ؟ ".
تمنحينى ابتسامة مراوغة .. تأخذين رشفات من الكأس نصف الممتلئ ، فيفيض امتلاؤك بالسِحر .
أقول : " الأمر ليس عناداً وإنما حكمة .. فما المتعة حيث يذهب الحب لمَنْ يستحقه ؟ ".
ذلك المساء الأخير ضحكنا كثيراً .. رقصنا على أنغام لا تطفىء نهم الحنين .. ذلك المساء قدمت لكِ قلبى ، هدية يوم ميلادكِ .. وها أنا مُحلق فى الهواء بلا قلب .
بالمناسبة ما أخبار قلبى لديكِ ؟ .
أكتب رسالتى الأولى ، والأخيرة إليكِ .
إلى أين يأخذنى الهواء .. لست أدرى .. ولستُ متشغل البال . مصيرى بعدك لا يؤرقنى .
فأى مصير بدونكِ نوع من الانتحار . والإنسان لا يفكر فى الانتحار ، ولكنه يفعله .. أى مصير بدونكِ ، دور متقن الأداء فى رواية عبثية أتفرج عليها ولا أحياها ..
لماذا مع اقتراب النهاية ، تتضح رؤية الأشياء مُفعمة بالبريق ؟ .
بعد كل لقاء يطيح بعقلى ، أترككِ متلهفاً إلى موعدى المنتظم مع الحيرة ، والعذاب . لم يحدث أبداً ، أن التقينا ، ومرت الليلة فى هدوء ، وسلام .
أتعذب حينما تشقينى .. وأتعذب حينما تسعدينى ..
لا أستطيع العيش معكِ ، ولا أستطيع العيش بدونك .. لست أحتمل منكِ الشقاء ، ولست أحتمل منكِ النعيم .. أخطاؤك تنفرنى ، وهى نفسها أخطاؤك التى أشتهيها ..
وأخفى عنكِ حيرتى .. وعذابى ..
عذابى ملكى وحدى . عذابى سر أودعه الكون فى قلبى ، ليميزنى عن بقية الرجال .
ترى ، هل حقاً أحببتنىِ ؟ . فى أمسيات لا تعرف إلا عربدة الأشواق ، كنتِ تهمسين لى : " أحبك " ، وفى آخر " عيد الحب " أمضيناه معاً ، قلت لى على أنغام من الشجن ..
" كل عيد حب وأنت حبيبى ".. لو كنتِ تعرفين كم تدمرنى كلمات الحب الممتزجة بشفتيكِ. دمار لذيذ يحببنى فى الموت ، ويغوينى بالحياة فى اللحظة نفسها .. ترى هل حقاً أحببتك ؟ . هل حقاً ، كنت إمرأة العمر ، الذى يتشبث بالحياة لآخر مرة ؟.
حتى هذه اللحظة لا أعرف .. كل ما كنت أدركه ، أننى مدفوع إليكِ بقوة أكبر من فهمى واحتمالى ..
حتى هذه اللحظة لا أعرف أكنتِ جنتى أم نارى ؟ . سجنى كنتِ أم خلاصى ؟ . حتى هذه اللحظة لا أدرى ، هل كنتِ عقاباً من القدر ، لأننى غير كل الرجال ، أعيش فى مملكتى ، وحيداً ، مترفعا عن الاندماج مع البشر ، ونزعت مبكرا الأوهام والسلاسل ؟. أم كنتِ مكافأتى لسباحتى ضد التيار ، وعدم مبالاتى بأفكار ومعتقدات الناس ؟ .
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .
وربما التقى فى السفر ، بالمرأة التى تعوضنى عن عذابى معكِ. ربما أقابل كما يقول صديقى : " المرأة المناسبة " .. أو " المرأة المريحة " ، أو " المرأة التى تستحق " . .. مشكلتى أنى لم أكن أريد " المرأة المناسبة ". كنت أريدكِ أنت . ولم أكن أريد " المرأة المريحة " . كنت أريدكِ أنتِ .. ولم أكن أريد المرأة التى تستحق ، كنت أريدكِ أنتِ ..
نساء العالم ، لا يحركن شيئاً داخلى . عذابى أننى أعرف ، أنكِ امرأة لا مثيل ولا بديل لها .
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة اليكِ .
سوف أقلق عليكِ كثيراً .. مَنْ سيحبك بعدى ؟ . مَنْ سيرعاكِ بعدى ؟ . مَنْ يتحمل عنادكِ وقسوتكِ ؟ . مَنْ يحلو له خطاياك ؟. وكيف ستمضى بكِ الحياة ؟ . أخاف عليكِ من غدر الأيام وتقلبات الزمن .. كم كنت أود أكون بجانبك .. لكن لا مفر من الرحيل عنكِ ..
سوف أشتاق إليكِ كثيراً .. ولكن كيف أشتاق ، لمَنْ أتنفسها ، وأتنهدها ، واخترتها قطارى الأخير ، ومحطتى الأخيرة .
بعد رحيلى ، لكِ أن ترتاحى . لم يعد هناك ذلك الرجل العاشق ، إلى حد النزف .. انتهت اللعبة العاطفية التى أجهدت قلبينا . انتهت اللعبة ولم نعرف ، مَنْ كان المنتصر و مَنْ كان المهزوم . فى الحب ، يا حبيبتى ، كلنا نخسر ، والحب وحده يفوز .
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .
مَنْ هى تلك المرأة الفدائية ، التى يستهويها أن تحبنى ، تحب رجلا بلا قلب ؟ . عشت عمرى معذباً بقلبى اللا منتمى .. والآن بعد أن منحتُه لكِ فى يوم ميلادك ، أرتاح وأهدأ .
أوصيك خيراً بقلبى ، فهو طفلى الوحيد الجميل المدلل .. كان يأمر فأجيب .. ينادى ألبى النداء . ربما يستطيع أن يفعل لكِ ، ما عجز عنه وهو بداخلى .
أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .
حين تقرأينى سأكون مُحلقاً فى الهواء .. مسافراً إلى أرض ، لا تعرفكِ ولا تعرفنى . مسافر إلى بلاد لا تحمل لنا ذكريات .
اقرأينى حين يهل المساء ، فخيوط الليل أكثر مغفرة .. اقرأينى لا بعينيك ولكن بقلبكِ ، الذى منحنى فى ليلة ، حب العمر .. اقرأينى فى لحظة هاربة من الزمان ، والمكان تمنيت أن أقضيها معكِ .
----------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما