الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب أوكرانيا.. إسرائيل تختار معسكر الاستبداد

يعقوب بن افرات

2022 / 4 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



أثارت الصور المؤلمة التي وثقت جرائم الروس في بلدة بوتشا في ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، موجة استنكار واستياء كبيرين من قبل الحكومات والرأي العام العالمي، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن. ولكن كان من اللافت أن إسرائيل حليفة واشنطن الرئيسية في الشرق الأوسط لم تنضم إلى قافلة المستنكرين وحملة الغرب ضد حرب بوتين على جيرانه الأوكرانيين.

استمراراً لقرارها المبدئي، ترفض الحكومة الإسرائيلية إدانة الغزو الروسي، ووصل بها الأمر إلى تجنب ذكر اسم بوتين وتصرفاته في إعلان موقفها الرسمي من الغزو، وحافظت على مقعد المتفرج والمحايد، ما أثار انتقاد المعسكر الغربي الذي اعتبر الموقف الإسرائيلي موقفاً “متردداً ومتخاذلاً”.

وبطريقة براغماتية، تقاسم رئيس الحكومة بينيت ووزير الخارجية لابيد الأدوار، إذ يدين لابيد بوتين وروسيا بالاسم كمسؤولون عن جرائم حرب في أوكرانيا، بينما أختار بينيت الاكتفاء بالتعبير عن أسفه فقط من دون تحميل المسؤولية على أحد. وعلاوة على ذلك كشف وزير المالية في حكومة “التغيير” أفيغدور ليبرمان عن انحيازه التام والوقوف إلى جانب بوتين ووصل به الأمر إلى نكران مجزرة بوتشا التي هزت العالم، وأدعى ليبرمان بأن اتهام أوكرانيا للقوات الروسية بارتكاب المجزرة غير مثبت، معتبراً أن هناك “اتهامات متبادلة” بين الطرفين.

وفي غضون ذلك، تواصل إسرائيل رفضها طلبات أوكرانيا المتكررة بتزويدها بأسلحة -إسرائيلية الصنع- لمواجهة الغزو الروسي، وفي المقابل ولحفظ ماء الوجه تكتفي بتقديم مساعدات “إنسانية” حيث أنشأت مستشفى ميداني على الحدود الأوكرانية البولندية.

ويعبر موقف الحكومة الإسرائيلية عن أغلبية الرأي العام في إسرائيل والمؤسسة الأمنية بالأخص. وفي هذا السياق، كتب الجنرال المتقاعد غيورا أيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي والباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، مقال بعنوان “غلطة بايدن” نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت (06.04.2022) يتهم فيه أمريكا بأنها مسؤولة عن الحرب في أوكرانيا بسبب سعيها لتوسيع حلف الناتو إلى الدول المحاذية لروسيا، دول حلف وارسو وأوكرانيا إحداها.ويقول الجنرال المتقاعد إن إدارة بايدن تعمل اليوم على إسقاط نظام بوتين وهذا الهدف وفقاً لرأيه يمثل “أهم طموحات الإدارة الأمريكية أكثر من إنهاء الحرب”.

ويتهم الجنرال المخضرم الرئيس الأمريكي بالسعي لتغيير النظام في روسيا مثلما فعلت الولايات المتحدة في العراق، وهذا الأمر ستكون نهايته الفشل، على حد تعبيره.

محور جديد في المنطقة.. تحالف إسرائيلي عربي

اللافت أن الموقف الإسرائيلي يأتي منسجماً مع موقف إقليمي في المنطقة يؤيد ضمنياً بوتين. ويعبر الموقف الإسرائيلي، وبشكل غير مسبوق، عن إجماع شرق أوسطي جديد ينتشر من المغرب إلى المشرق. هذا الموقف يشمل نظام الأسد في سوريا والأنظمة السياسية في المغرب والخليج ومصر وصولاً إلى السلطة الفلسطينية نفسها.

وكانت “قمة النقب”، والمعروفة في إسرائيل بقمة “سديه بوكر” في النقب، الأسبوع الماضي، التي شارك فيها ستة وزراء خارجية (مصر والمغرب والإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة)، تجسيداً لهذا الإجماع الجديد المبني على الأسس التالية: أولاً فكرة أن إيران تشكل خطراً استراتيجياً وأساسياً في المنطقة، ثانياً سعي إدارة بايدن لتجديد الاتفاق النووي مع إيران الأمر الذي يعتبره حلفاء واشنطن في المنطقة بأنه استهتار بمصالحهم وفي مقدمتهم إسرائيل ودول الخليج، ثالثاً سياسة بايدن تجاه روسيا وموقفها من السعودية ودول الخليج مرفوضة وتعتبر تدخلاً فادحاً بشؤونها الداخلية.

وقد جاءت مشاركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القمة نشازاً، لأن الإدارة الأمريكية الحالية تعارض توجهات المحور العربي الإسرائيلي الجديد، في ظل تصاعد التوتر بين واشنطن وكل من الرياض وأبو ظبي واستياء وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد من إدارة بايدن التي تتساهل مع الإيرانيين على حساب مصالح حلفائها، وتجلى التوتر في رفضهما طلبات الإدارة الأمريكية بزيادة انتاج النفط لتقليل الاعتماد العالمي على الغاز والنفط الروسي خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتشير التقارير إلى أن بلينكن خلال جولته الشرق أوسطية الأسبوع الماضي لم تنجح في تخفيف التوتر.

بوتين يقود تحالفاً دولياً لإسقاط الديمقراطية

أمام ثنائية الأضداد الاستبداد أم الديمقراطية، تسأل الكاتب الفلسطيني رجب أبو سرية “بوتين أم بايدن: أيهما يسقط أولا؟” في مقال نشرته صحيفة الأيام الفلسطينية (05.04.2022). ويقول أبو سرية إن هذا السؤال يتعدى مجرد الإجابة لأنه يعبر عن طموح أوسع، وللمفارقة فإن هذا الطموح يشمل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، لأن العداء لبايدن يجمع بين بوتين وترامب وأوربان ونتانياهو ومحمد بن سلمان وبشار الأسد، وإذا كانت الأسباب مختلفة فالقاسم المشترك بينهم هو معاداة الديمقراطية.

بالنسبة لإسرائيل فقد فضلت الطابع الديني للدولة، وتعلن نفسها دولة يهودية، على حساب طبيعتها الديمقراطية لدرجة أنها فرضت نظام تمييز عنصري “الأبرتهايد” على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. أما الأنظمة العربية ففي الوقت التي تدعي أن إيران تشكل خطراً استراتيجياً، ولكنها في حقيقة الأمر تبذل جهوداُ وطاقات من أجل تدمير أي حراك تحرري ديمقراطي وتدفع إلى إغراق أي حركة ديمقراطية في المنطقة ببحر من الدم. إن ما يحدث اليوم من السودان إلى مصر وسوريا أكبر برهان على ذلك.

وخلافاً لما يقوله الجنرال أيلاند وكل من قرر الوقوف إلى جانب بوتين تحت حجج وذرائع مختلفة فإن الحرب التي يقودها الرئيس بايدن ضد نظام بوتين لا تهدف لإسقاط النظام الروسي، بل لإنقاذ النظام الديمقراطي الأمريكي. وفي الواقع هناك مساعٍ حثيثة من قبل بوتين لإسقاط النظام الديمقراطي في أمريكا من خلال دعمه لدونالد ترامب عبر التدخل في الانتخابات الأمريكية، وبات بوتين اليوم يشكل رأس الهرم والحربة للقوى والحركات اليمينية والفاشية في العالم التي تسعى لفرض نمط النظام الاستبدادي عالمياً.

وقد تدخل بوتين لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016، لأن ترامب كانت له ارتباطات بشكل مباشر مع المافيا الروسية ورؤوس الأموال المقربين من الكرملين المعروفين اليوم باسم “الأوليغارشية الروس”. كما موّل بوتين حملة “بريكست”، انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من أجل إضعاف وحدة الأوروبيين، إضافة إلى تمويله حزب مارين لوبان اليمينية المتطرفة في فرنسا، وغيرها من الحركات العنصرية والانفصالية في أوروبا.

من هذا المنطلق، يعمل بوتين كل ما بوسعه لتحقيق طموح إسرائيل وحلفائها الجدد لإسقاط بايدن وإعادة ترامب إلى الحكم من أجل تفكيك حلف الناتو لكي يتمكن من إعادة أمجاد الإمبراطورية القيصرية، وصفها لينين نفسه بأنها كانت “سجن الشعوب”.

أوكرانيا.. ولحظة الحسم

إن الحرب في أوكرانيا ليست مجرد حربٍ بين الشرق والغرب أو بين روسيا والولايات المتحدة، وقد حدد بايدن منذ أيامه الأولى لتولي منصبه وبشكل واضح بأن الحرب الباردة أو المعركة الإيديولوجية بين الاشتراكية والرأسمالية، قد انتهت وبأن المعركة العالمية اليوم هي بين نمطين: النظام الديمقراطي والنظام الاستبدادي.

وجاءت الحرب في أوكرانيا لترسم بشكل واضح الحدود بين المعسكرين، وبات مطلوباً من كل دولة أو مؤسسة أو حركة سياسية أو حتى الفرد أن يحددوا موقفهم إما الوقوف مع روسيا بقيادة بوتين وحلفائهما، وإما الانضمام إلى الولايات المتحدة بقيادة بايدن وحلفائهما. وتجتاز حدود المعسكر الديمقراطي الحدود القومية ويمتد إلى كل دول العالم مثله مثل معسكر الاستبداد، حيث نجد أن المجتمع الأمريكي منقسم بين مناصرين لترامب الفاشي العنصري وبين مؤيدين لنهج بايدن الديمقراطي، وفي روسيا يتم قمع كل صوت من أجل الديمقراطية وضد الحرب على أوكرانيا. أما في الشرق الأوسط فالقوى الديمقراطية تشمل كل الحركات والجمعيات والأشخاص الذين يطالبون بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان ويتعرضون لشتى أنواع القمع والبطش من قبل الأنظمة العربية الفاسدة.

وتجدر الإشارة إلى أنه يجب الفصل، فالوقوف مع المعسكر الديمقراطي لا يعتبر وقوفاً “مع أمريكا الامبريالية ضد روسيا الاشتراكية”، بل الوقوف مع الذات والصيرورة البشرية التي تتجه نحو الأمام. وليس من الصدفة أن كل من أيّد بشار الأسد وبوتين وبرر المجازر التي ارتكبت في سوريا يبرر اليوم المجازر التي ترتكب في أوكرانيا. والغريب في الأمر هو أن العديد من هؤلاء الذين يصرخون بصوت عال ضد التطبيع مع إسرائيل بسبب معارضتهم لاحتلالها لفلسطين وتأييدهم لحق الشعب الفلسطيني يجدون أنفسهم بموقف مشابه لموقف إسرائيل من الحرب على أوكرانيا، وهذا ما يثير علامات استفهام كبيرة لموقف سلطة أبو مازن من حرب بوتين.

التحالف الإسرائيلي الأمريكي ليس ارتباطاً أبدياً

إن ما أثبتته هذه الحرب هو أن المعسكرات القديمة قد اضمحلت وتبدلت وجوه التحالفات التقليدية، فإسرائيل اليوم لا تقف تلقائياً مع واشنطن والغرب، بل نراها تأقلمت وانسجمت مع الأنظمة العربية الاستبدادية بعد أن قدمت نفسها كبديل للولايات المتحدة بأن تكون الضامن الرئيسي لأمن هذه الأنظمة ورأس الحربة لمواجهة الخطر الإيراني. وتبدي إسرائيل استعداها وقبولاً بالتحالف مع أنظمة قمعية فاسدة مقابل أن تغض هذه الأنظمة (العربية) الطرف عن طبيعة إسرائيل العنصرية وقمعها للفلسطينيين.

50 سنة من الاحتلال التي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين أدت إلى تغيير جذري في سياسة التحالفات الإسرائيلية. فقد تبين ذلك حين قرر نتنياهو الانحياز التام لطرف دونالد ترامت، وتحالف مع بوتين والحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء من خلال أيديولوجيات قومية متطرفة.

واليوم وفي الوقت الذي يخوض المعسكر الديمقراطي بقيادة بايدن معركة مصيرية لإنقاذ الديمقراطية في أمريكا والعالم، تختار إسرائيل الالتحاق بقطار العنصريين والقوميين والمستبدين خوفاً من أن يؤدي انتصار المعسكر الديمقراطي إلى زعزعة مكانة حلفائها في المنطقة، بداية من الأسد ومروراً بالسيسي وبن زايد وانتهاء بمحمد بن سلمان، حيث يقف هؤلاء مع بوتين ويعود ذلك أولاً وقبل كل شي من خوفهم من الزلزال القادم على رؤوس المستبدين في حالة هزيمة الغزو الروسي وسقوط بوتين. بالنسبة لإسرائيل سيكون ذلك بداية النهاية لسياستها تجاه الفلسطينيين القائمة على أساس الرفض المطلق لأي حل يقر بحقوقهم القومية والمدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف