الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن هو غُوستاف لوبون؟

داود السلمان

2022 / 4 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عن طريق الصدفة، والصدفة وحدها، وقعت تحت يديّ نسخة من كتاب "سيكولوجيا الجماهير" للفيلسوف وعالم النفس غُوستاف لوبون، وحين عكفت على قراءته رأيته فريدًا من نوعه، غزيرًا في مادته، فيه أفكار وأطر معرفية جديدة، يطرحها المؤلف لأول مرة.
أما اللغة التي يكتب بها الكاتب، فكانت لغة سلسة وخالية من الرموز والمصطلحات المُعقدة، والتي تحتاج إلى قاموس خاص بتلك المصطلحات لمعرفتها؛ فزادني ذلك شغفًا بما يكتب هذا الكاتب، حتى أخذت عهدًا على نفسي بأن أقرأ له كل ما يقع تحت يديّ.
وربما كان من حسن الحظ أن الذي وضع تقديم لهذا الكتاب هو الكاتب المعروف والمترجم الفذ الدكتور هاشم صالح. وهي مقدمة طويلة نسبيًا، كانت بحدود ثلاثين صفحة، ذكر فيها صالح تحليلا مهمًا وشرحًا وافيًا، لمضامين وطرح الآراء التي قدمها لوبون في "سيكولوجيا الجماهير".
ومن ضمن القضايا التي ذكرها صالح مبحث تحت عنوان "سبب إهمال لوبون من قبل علماء الاجتماع المعاصرين" و أوعز صالح أسباب ذلك الاهمال يعود إلى كون لوبون ينتمي إلى التراث الليبرالي والبرجوازي، الأمر الذي جعل من علماء الاجتماع المعاصرين، يعدون لوبون بأنه ضد الثورة والفكرة الاشتراكية الصاعدة آنذاك، هذا سبب الأول، وثمة سبب آخر، يذكره صالح، وهو أنّ كلّ الأحزاب السياسية، من يمينية ويسارية تستخدم وصفاته في دعاياتها الإعلانية، وطريقة مخاطبتها للجماهير؛ ولكنها لا تريد أن تعترف بذلك لكيلا تفشل خطتها في التأثير.
"وهناك سبب آخر لإهمال لوبون واحتقاره من قبل التراث الجامعي الفرنسي المعاصر، هو تبني أفكاره وتحليلاته من قبل الحركة الفاشية في أوروبا. ولعل ذلك هو السبب الأهم. فعلى الرغم من أن جماعة موسوليني قد استولت عليها بسرعة واستخدمتها في شعاراتها ودعاياتها. وكذلك الأمر فيما يخص الحركة النازية في ألمانيا، فقد استخدمته ايضًا لصالحها. ويرى بعض الباحثين أن تأثير كتاب لوبون على كتاب (كفاحي) لهتلر أوضح من أن يشار إليه".
وأنا من هذا المنطلق، (منطلق الإهمال المقصود للوبون وعدم وضع بحوث ودراسات حول فكره)، أخذت على عاتقي أنا الاهتمام بهذا الكاتب الكبير والباحث الموسوعي، بتسليط الضوء على اطروحاته، وقضاياه التي طرحها في كتبه ودراسات التي بلغت بحدود خمسين كتابًا، بين السياسة وعلم النفس، والتاريخ، وعلم نفس الجماهير، والدين والأخلاق والتربية، عهدًا بأني سأقوم بتلخيص جوانب منها في كتاب سيصدر قريبًا.
عرّف لوبون في كتابه هذا إن الجماهير هُم مجموعة من الأفراد يشتركون بنفس الخصائص والدوافع التي تحركها، وعليه، فإن هؤلاء الأفراد يتصرفون كفرد واحد، وعندما يكون الفرد بمعزل عن الجماعة يكون له صفاته ومميزاته الخاصة به، وحين ينخرط هذا الفرد بالجماعة، فإنه يتم استبدال عقله الفردي بالعقل الجمعي للجماعة، وتعمل على تذويب الشخصية الفردية للفرد، وتعمل الجماعة أيضًا على توجيه عواطف وأفكار الأفراد في اتجاه المجموعة حتى تتشكل روح المجموعة التي تخضع لعقلية الجمهور. فأذ قام أحد هؤلاء بعمل ما، كحرق مقرات عامة في تظاهرات أو احتجاجات، فستراهم يتسارعون بلا شعور للحرق أو غيره، حتى وأن كان فيهم المثقف أو المتعلم، فأنه يفقد صوابه هنا فيتصرف بالعقل الجمعي.
و "يُعد الفيلسوف وعالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون واحدًا من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية"، ومن أضخم واوسع كتبه هو كتابه "حضارة العرب".
وكان قد "وُلد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م. درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا. اهتم بالطب النفسي وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، ولدى الباحثين في وسائل الإعلام في النصف الأول من القرن العشرين".
"وقد أسهم في الجدل الدائر حول المادة والطاقة، وألف كتابه «تطور المواد» الذي حظي بشعبية كبيرة في فرنسا. وحقق نجاحًا كبيرًا مع كتابه «سيكولوجية الجماهير»، ما منحه سمعة جيدة في الأوساط العلمية، اكتملت مع كتابه الأكثر مبيعًا «الجماهير: دراسة في العقل الجمعي»، وجعل صالونه من أشهر الصالونات الثقافية التي تقام أسبوعيًّا، لتحضره شخصيات المجتمع المرموقة مثل: «بول فالري»، و«هنري برغسون»، و«هنري بوانكاريه».
و "عُرف بأنه أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، فلم يَسِر على نهج مؤرخي أوروبا الذين صار من تقاليدهم إنكار فضل الإسلام على العالم الغربي. لكن لوبون الذي ارتحل في العالم الإسلامي وله فيه مباحث اجتماعية، أقرَّ أن المسلمين هم مَن مدَّنوا أوروبا، فرأى أن يبعث عصر العرب الذهبي من مرقده، وأن يُبديه للعالم في صورته الحقيقية؛ فألف عام ١٨٨٤م كتاب «حضارة العرب» جامعًا لعناصر الحضارة العربية وتأثيرها في العالم، وبحث في أسباب عظمتها وانحطاطها وقدمها للعالم تقديم المدين الذي يدين بالفضل للدائن. توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا ١٩٣١م".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا