الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسانية المطلقة ونسبية الدين والتاريخ والعِرق

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2022 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه الرسالة الممهدة لجسر النضال المبدئي ، تبتعد على أن تكون نظرية مستحدثة في أخلاق الفعل الجماهيري المحرك للضمير الجمعي ، وإنما تجد روحها وماهيتها في كنه شخصي وفعل ذاتي فردي . إنها رسالة تستعرض زاوية رؤية للفعل النضالي في المغرب كوعاء يحتضن ذواتا وكينونات مختلفة الحمولات الفكرية والقدرات الذهنية ؛ ومتعددة التوجهات والمشارب .


أقنومي وجد ذاته الواعية في إيالة تمتح من الإسلام السني والمذهب الأشعري الصوفي كدعامات دينية ، ومن الملكية العلوية كأسطوانة سياسية - دينية تقوم على البيعة بدل العقد الإجتماعي ، وما تجتره من مفاهيم في النسق السياسي الإسلامي أو السياسية الشرعية ، مثل الطاعة والولاء ، القرشية ، الشورى ، الحكم الإسلامي ، الشرطة والجند ، القضاء و بيت المال. هي مفاهيم جهورية لسبر أغوار حكم عمَّر لأزيد من ثلاث قرون ، تفرض المراَة التاريخية الإقرار بإيجابياته وكذا سلبياته في سلسلة من المقالات انتخبنا لها ترويسة "الملكية في المغرب : الإسلام والسياسية " .
أجدني مبادرا مع نفسي ، في إطار جدلية العقل والإيمان ، إلى التدوين حول إشكاليات طافية لذاتها ، كما تجلى في سقيفة بني ساعدة ، والخلاف بين الأنصار والمهاجرين حول الخلافة ، وما لحق المسلك من مطبات حول الشرعية وجدية القرارات وأحقية الاَخر والتفويض الإلاهي في الأرض ، حتى فرضت سيرورة الأحداث القول أن الخلافة الراشدة" لم تكن مثالية كما زعم الكثير من أهل التيار الإسلامي السني ، بل اعترتها جملة من التساؤلات والإشكالات ، وهذا ما اوجد طوائف ومللا شتى داخل الحقل الديني الإسلامي .

الكتابة حول موضوع الملكية في المغرب أصفه أنه تصالح مع الذات وكشف للحقيقة الباطنية ، وهنا مقام الإيمان الذي يوازي العقل الاَمر بالكبح والتأني والأناة في الحديث حول ما يمكن أن يعده البعض خروجا عن النص في الأدنى أو الجماعة في الأقصى ، دون أن أجيز التنظير للتعدي عن البيعة التي لا أمَّة لإثباتها بالتجربة .

إن الدرج الاَني يخص الإقرار الصريح ببواطن النفس المرتبطة بالوعي الذاتي للكون والخلق والخالق والنواميس الوضعية والإلاهية وتركيبة بني الإنسان النفسية والعقلية والجسدية في ارتباط معقد مع الطبيعة والأعراف والاَخر . أنا إنسان لا أهتم بالإنسان بل بالعقل والوعي ولو تجسد في ذات غير مألوفة ، كينونة منقطعة عن العشيرة القابيلية- نسبة إلى قابيل- مرتبطة بالجماعة الخيرة على ضفاف الأرض . لُقِّنَّا تعاليم الإسلام دون نقد للموروث الديني الذي ازر الشريعة الأصلية على امتداد تاريخي يربو للألف عام ونيف ، فوجدنا أنفسنا بين شيعة وسنة ومذاهب دينية وعقدية تلزم الفرد بتملك عقل واعي يتسع للتحليل والرد ، وهذا ليس ديدن الكل ، لكن الكل سيوارى الثرى ويحاسب أمام عدالة السماء . إني أؤم من خلال هذه الرسالة المنهجية إلى خلق اعتبار جديد للموروث القديم ، عبر قاطرة الشك الغائي المؤيد بالدليل التاريخي العلمي . الإرتباطات العلائقية بين الملكية العلوية والإسلام تكمن في نموذج البيعة والقرشية وإمارة المؤمنين وقاعدة الخروج عن الحاكم ودور الحاكم في حفظ الدين . أما في روح الملكية والسياسة ، فتعلو مفاهيم جديدة تذهب جميعها إلى تنظيم أمور الدولة -في جميع المجالات والمؤسسات - وشرع القوانين والفصل بين المتنازعين .في داخل السياق التاريخي الحديث المشحون بالنزعة العلمانية واللائكية والديمقراطية والحكومة العالمية والإنسان الواحد في القرية الواحدة ؛ انحسرت تركيبة الدين أمام المعتقدات الوضعية ، فاحتلت القومية والنازية متن الإنجيل والصليب ، وشغلت الصهيونية كفكر تنظيمي مضمون التوراة والتلمود .

تظل الروح عالقة بالأقنوم ملؤها الحرية المقيدة بالدين أو الشرع الوضعي والعرف وحتى الاَخر ، غارقة في ميتافزيقيا العوالم الأخرى ، تتدحرج بين الحقيقة والوهم ، فيغدو الوجود وهما والحاكم اَلا والاَخر مريبا . وعليه تقعد ميكانيكيا أسئلة قابيلة الفرد لفهم الواقع والتحلل من القيود الوهمية المركونة في اللاوعي ، وهي محاولات لإحلال المطلق بدل النسبي والمادي مكان المجرد والحسن محل السيئ. إنها تكنيكات ليعثر الإنسان عن ذاته وسط هذا العالم المنبسط والممتد والمعقد حتى لا يضيع في نار الدجال التي بدت ماء أو بين أمواج الطوفان فينجو مع نوح وأزواج من الذوات الحية الأخرى .

إنها تأثيرات داخلية تتجاذبني باستمرار فأثب بين دفات اللاهوت والسياسة والقانون والأدب والفلسفة أحيانا ، فأكون موضوعا لنظرية الفوضى المادية بدل أن أكون صاحب الموضوع المدوَّن .

المقالة الاَنية هي رسالة تقدم نفسها كتوطئة ، لتحديد الرؤى الشخصية حول ما ستحويه المؤلفات والمقالات التي نعتزم نشرها في الاَماد القادمة ، وهي تصحيح لجملة من ردود الأفعال السابقة التي اعترتها نسبية الفهم الوقتي الممزوج بتأثير الموروث ، ما يجعل الفذلكات دون قيمة مطلقة .


أما في الحقل الديني ، فأقر دون ريبة أن الإرث الإسلامي الذي أخذناه جاهزا من القبيلة والجامع ، هو شريعة نسبية تحمل من التناقضات والتعارضات الشيئ الكثير . إنه إسلام يقدم نموذج إنسان واعي خلق من تراب في السماء ، لا يتوافق البتة مع ملايين السنين من التطور والطفرات التي تشهدها الخلايا . المسملون أعتبرهم محاميا يدافع عن الجهة التي يرون فيها مصلحة مادية أو أخروية دون الإذعان للحق وقبول النقد أو الإختلاف . لقد زعم المسلمون بوجود إعجاز علمي في القراَن وليس فقط حقائق علمية ، وأصدر الشيخ ابن عثيمن فتوى كفَّر فيها من قال أن الأرض كروية ، وهذا من عجز المسلمين في فهم الدين لا من إعجاز الكتاب المبين .

إنه لمأرب تاريخي إن بلغنا غاية التوليف بين السنة والشيعة داخل تنظيم فكري جديد يوافق بين المرجعيات، عقائديا أكثر منه فقهيا، الجعفرية والوهابية والإثني عشرية والزيدية والسنة والماتريدية والمعتزلة والأشعرية.. ، في منأى كلي عن التقاطبات والتقابلات العقدية والمذهبية . إن توحيد الإلاه وجب أن يردف بتوحيد المجاميع الإسلامية على منهج واحد ، وباب الإجتهاد الفكري مشرع دون تكفير ، لأنه لا عوض عن تثبيت الأسس الواضحة لهذا المأخذ ، وباكورة الأمر مرجع واحد في الأحاديث الصحاح الممنوعة من إحداث الخلاف كما هو الأمر مع المتون الأحاديثية التي تتكلم عن صفات الله ما أوقع الأمة في نزاع وشناَن عظيمين حول مسألة التجسيم .

وأما الأممية والعالمية فهما قلب الإنسانية ، ولقد قدم العالم الغربي فواكه بليغة في العلوم والفكر والتقنية ، أمام تواكل دول الجنوب التي ألفت التفكه في البت ومنع ملكة العقل عن الإجتهاد مشدودة إلى الأجداد والكتب الصفراء فحرمت نفسها من نسيم الإبداع وبليل الحرية والإعتبار للإنسان . إنه لمن الأفيد تقدير الأعجمي وغير المسلم ؛ وكبير الشأو وقليله سواء ، ولا أمرا يمنع من كشف البلدان وثقافتها ولسانها وعلومها وسياستها والتعايش داخل تجاويفها بلا ضرر ولا ضرار . ولعل أحدا يقول أن في ذلك مجازفة بالدين، والعين تبصر تهافت الأمم على الإساءة للحجاب وسائر مظاهر الإلتزام .فأجيب بالإيجاب ، وأعقب ساردا ، أنه ليس كل من وطئ أرض الغرب من العرب بمسلم ملتزم ، كما أن دول الشمال ليست بالمسيحية العاضة على النواجذ ، فإن الناموس الوضعي الحالي هو أخلاقي في جوهره ،فيكفي أن يلتزم المسلمون بحدودهم على الأرض ومع الإنسان ، وإذا كانت الدعوة عالمية فباللسان والإعلام لا بالسيف والسنان ، وصلاح الذات أولى من التجرؤ على الذوات .


لقد أبصرت بالعين والقلب حتى غدوت أريبا في إدراك مرامي فعل الإنسان في سياسة الأمور والسير على المناهج والماَخذ ، وأعظم ما بلغته الإنسانية منذ الظهور هو النظام الديمقراطي في بلاد الغرب ، فلا شيئ يظاهي عدالة الدانمارك وألمانيا وغيرهما ، وأجدني منتخبا للنظام الجمهوري بدل الملكي ، وإن كان الأخير ناجحا في بريطانيا والسويد على سبيل المثال . إن الإشكال الحقيقي اليوم يحوم حول قيمة الإنسان ومبدئية الفعل ، ففي المغرب كقالب ينمط باقي الأنظمة العربية التي هي جزء من الدول الثاليثية ، ترون روح الإنتكاسة والتلهف الأفراد الذين ضيعوا أسطرلاب الحقيقة الكاشفة لأسرار الوجود ، فتجد أن المغربي يحيا الفقر والعوز دون أن يبادر لفعل التغيير نحو المنحى الأول عن الطامة ، ليظل وسط متاهة النضال الذي لا جدوى منه . إن قابلية المواطن المغربي للتاَمر ضد المواطن المغربي لصالح المنحى الأول كبيرة جدا .

لقد عاش المغاربة زمنا طويلا من الإفك والوهم ، والعلة تكمن في الموروث الشفوي والمكتوب ، فتجد إسلام الزوايا والأضرحة وتاريخ قدماء المحاربين الذين كان جزء كبير منهم يمتهن العمالة لصالح الأجنبي ، كما نسجل سياسيا كاسيط العهد الجديد وحقوق الإنسان وتعددية الأحزاب والدستور المنقح عقب الربيع العربي .. ، وهذا كله صناعة باليستية ودفاع جوي مغربي .

أنا لأ أشارك في الإحتجاجات الميدانية كمناضل ، بل كمراقب وملاحظ فقط ، أرصد الأرقام والمعطيات التي أحتفظ بها لوقتها الملائم ، لأن الكثير منها من فعل الدولة . لم أُولِ اهتماما كبيرا لحراك أمواج قطاع التعليم الذي يعنيني؛ لأن اللامبالاة النسبية والمجازية هي أقصى صور الإحتجاج في مفهومي الخاص ، لأني من خلالها أنفي أية قيمة على المطلب الذي أعتبره بديهيا ينكره سوفسطائيو الإدارة المغربية . لست أدعي شيئا خاصا بل حقا عاما ، لأنه كان طوع اليد شغل مناصب هامة داخل الدولة التي ترتكز على قانون منظم ،وليس دولة داخل دولة كما هو الحال مع المغرب .

لدي قراءتي الخاصة للإسلام في ما يمنحه باب الإجتهاد ، كما أركن لزاوية شخصية في فهم الواقع الحالي وطنيا وقطريا وعالميا ، وهذا ما سنقدمه في المقبل من الكتابات التي تتقاطع كلها في عبارة واحدة : الإنسانية المطلقة ونسبية الدين والتاريخ والعِرق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد